أسرار وألغاز كيسنجر في 100 عام.. ماذا على أمريكا أن تتعلم من داهيتها الدبلوماسية؟
كتب كسينجر المليئة بالبحث الدقيق والحجج الوثيقة، تواصل احتلال قوائم الكتب الأكثر مبيعًا وجذب انتباه القادة والمفكرين في العالم.

السياق
كيف يمكن لأمريكا أن تستمر في قيادة العالم، من دون قادة يستطيعون الجمع بين النظرية العالية والبراغماتية الراسخة، كما يفعل وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر؟
سؤال طرح نفسه على الساحة العالمية، وسط الأزمات التي تكاد تعصف بالعالم، وشهدت انحسارًا كبيرًا للدور الأمريكي.
ذلك الانحسار دفع فريقًا إلى مطالبة الولايات المتحدة بالتعلم من دروس وزير خارجيتها السابق هنري كيسنجر وسجله الحافل خلال السنوات الأربع التي قضاها وزيراً للخارجية، بحسب صحيفة ذا ناشيونال إنترست، التي قالت إن الدبلوماسي الأمريكي السابق ساعد في إنهاء أكثر الحروب إثارة للجدل في أمريكا، وفصل الصين عن روسيا (القوة المهيمنة التي دفعت زعيم الصين إلى السلطة)، وأعاد ترسيم حدود عديد من الدول القومية.
وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى أن كتب كسينجر المليئة بالبحث الدقيق والحجج الوثيقة، تواصل احتلال قوائم الكتب الأكثر مبيعًا وجذب انتباه القادة والمفكرين في العالم، مؤكدة أنه رغم مغادرته منصبه قبل عقود، فإن الرؤساء التنفيذيين والمرشحين للرئاسة ما زالوا يستشيرونه.
وفي 27 مايو الجاري، يحتفل هنري كيسنجر بعيد ميلاده المئة، بحياة طويلة ذات نتائج استثنائية، في عالمين تنافسيين للغاية للدبلوماسية والأفكار.
وتقول الصحيفة الأمريكية، إن كيسنجر هرب من ألمانيا النازية، ووصل إلى الولايات المتحدة عام 1938 عندما كان مراهقًا ليس لديه آفاق، مشيرة إلى أنه بعد ثلاثين عامًا، تولى قيادة السياسة الخارجية للولايات المتحدة، في البداية مستشارًا للأمن القومي، ثم وزير خارجية رمزيًا لرئيسين ريتشارد إم نيكسون وجيرالد ر. فورد، وحصل على جائزة نوبل للسلام عام 1973.
ونظم مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، برئاسة رجل عظيم آخر وطني، وأحد أكثر الرجال استنارة في المؤسسة الأمريكية، جون هامري، حفل استقبال على شرف كيسنجر للاحتفال بإنجازاته غير العادية.
حرب فيتنام
بحسب «ذا ناشيونال إنترست»، فإن حرب فيتنام، كانت مع اقتراب موعد الرئاسة الأمريكية، مشيرة إلى أن العام بدأ مع هجوم تيت الضخم لكوريا الشمالية، الذي هزمته الولايات المتحدة.
وفي سبتمبر الماضي، لم يعد الفيتكونغ موجودًا كقوة قتالية منفصلة، لكن ذلك لم يكن يعني انتصارًا للولايات المتحدة، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إن الجيش الفيتنامي الشمالي أصبح قوة فتاكة بشكل متزايد، مع فرقه المتزايدة من الدبابات والطائرات السوفيتية والصواريخ المضادة للطائرات الفعالة بشكل متزايد.
وطالما أن الاتحاد السوفييتي والصين يدعمان الشمال، فلن تستطيع الولايات المتحدة هزيمته، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي أشارت إلى أن المأزق كان واضحًا، وقسم أمريكا.
وأدت الاحتجاجات، المناهضة للحرب والمؤيدة لها (كانت ثورة القبعة الصلبة المؤيدة للجنود في سنترال بارك من أكبر الاحتجاجات في الستينيات) إلى تقسيم أمريكا، وشاهد الأمريكيون على شاشات التلفزيون، حطامًا مشتعلًا في سايغون، وأوراق سحب مشتعلة في سياتل.
وتقول «ذا ناشيونال إنترست»، إن كيسنجر كان هو الذي قاد محادثات السلام، مشيرة إلى أنه رغم انهيار جنوب فيتنام عام 1975، فإن الجيش الأمريكي كان قادرًا -قبل عامين- على تحقيق انسحاب آمن، وقبل كل شيء.
الصحيفة الأمريكية أضافت: ندين لكيسنجر بسياسة الانفراج الشهيرة مع الاتحاد السوفييتي، فللمرة الأولى، وافقت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي على إبطاء سباق التسلح النووي بشكل كبير، ما أدى إلى خفوت تصعيد عديد من النزاعات الإقليمية، وتجنُّب الحرب النووية، وإنقاذ الأرواح جنوبي شرق آسيا، وجنوب إفريقيا، وبين جزر المحيط الهادئ، في كل مكان قاتل رجال العصابات الشيوعية مع الدول التي خلفت القوى الاستعمارية.
ولتعزيز مكانة أمريكا في آسيا، تقاربت إدارة نيكسون دبلوماسيًا مع الصين القارية، التي كانت الولايات المتحدة قد ابتعدت عنها منذ عام 1949، عندما سيطر الشيوعيون، بحسب الصحيفة الأمريكية التي قالت إنه لإغلاق العلاقة الجديدة، قام نيكسون برحلة مذهلة إلى الصين في فبراير 1972.
وبعد 6 أكتوبر 1973، اتصل المسؤولون الإسرائيليون بكيسنجر ليقولوا إنهم يقاتلون غزوًا، فالقوات المصرية كانت تهاجم في سيناء، بينما كان الجيش السوري شمالي إسرائيل.
«الدبلوماسية المكوكية»
وبدأت ما تسمى الحرب العربية الإسرائيلية الرابعة، فأرسل نيكسون كيسنجر للتفاوض مع إسرائيل ومصر وسوريا «الدبلوماسية المكوكية» الشهيرة لكيسنجر، ما أثمر في النهاية سلامًا جديدًا ودائمًا هذه المرة.
وتقول «ذا ناشيونال إنترست»، إن ذلك خدم بعض المصالح الأمريكية المهمة، فقد أوقف دائرة الغزوات، وأوقف الحظر المفروض من الدول العربية المصدرة للنفط، ومهد الطريق لمعاهدة سلام تاريخية بين إسرائيل ومصر (اتفاقيات كامب ديفيد في سنوات كارتر)، مشيرة إلى أن كيسنجر قد يكون الفائز الوحيد بجائزة نوبل للسلام، الذي حصل على مزيد من السلام، بعد فوزه بالجائزة أكثر من ذي قبل.
وأشارت إلى أن هذه النجاحات تجعله دبلوماسياً ذا مكانة تاريخية، مؤكدة أن شدة ونطاق هذه المبادرات الدبلوماسية ونجاحها -بمعنى أنها أسفرت جميعها عن اتفاقات- ليس لهما مثيل في التاريخ الأمريكي، وربما لا مثيل لهما في تاريخ إسرائيل.
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإنه مع معجزاته الدبلوماسية، ترك كيسنجر بصماته على القرن العشرين، مشيرة إلى أنه رغم ذلك، فإن المناخ السياسي الحالي لا يشجع على ظهور قادة مثل كيسنجر.
الدراسة الحذرة للتاريخ تصنع القادة
وجسد كتابه المخصص «للقيادة» أهمية بناء توافق في الآراء على القضايا الرئيسة، تقول «ذا ناشيونال إنترست»، مشيرة إلى أنه لا يمكن لزعيم سياسي أن يطور رؤية تمنحه مكانة رجل دولة عن طريق التغريد أو النشر في فيسبوك، إلا أنه بدلاً من ذلك، كما كتب كيسنجر، يصنع القادة من خلال الدراسة الحذرة للتاريخ.
وتقول الصحيفة الأمريكية، إن جميع الديمقراطيات تعاني المرض نفسه: طبقة سياسية فقيرة فكريًا مهووسة باستطلاعات الرأي والشبكات الاجتماعية، أكثر من كونها رؤية لمجتمعاتها، لكن هذه مشكلة على المفكرين -على المدى القصير- التفكير فيها: كيف يمكن لأمريكا أن تستمر في قيادة العالم، من دون قادة يمكنهم الجمع بين النظرية العالية والبراغماتية الراسخة، كما يفعل كيسنجر؟