مدعومة بثقة متزايدة... السعودية تشهد تحولًا دبلوماسيًا
المملكة فاجأت كثيرين بإعلانها -في مارس الماضي- موافقتها على إعادة العلاقات الدبلوماسية مع خصمها اللدود إيران، إضافة إلى زيارة المسؤولين لليمن، في إطار حملة لإنهاء الحرب.

ترجمات - السياق
قالت صحيفة فايننشال تايمز، إنه مع انزلاق السودان إلى الحرب، الشهر الماضي، أرسلت المملكة العربية السعودية سفناً بحرية لإجلاء آلاف، مشيرة إلى أنه عندما عادت إحدى السفن إلى المملكة، صُورت مجندة سعودية، تحمل طفلاً جرى إنقاذه إلى الشاطئ.
«حوَّلتها الصور إلى شخصية مشهورة في المملكة، حيث تدفقت الإشادات على جهود الرياض، في إنقاذ الرعايا الأجانب»، تقول الصحيفة البريطانية، مشيرة إلى أن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، قاد الجهود لتأمين وقف إطلاق النار في السودان.
وتقول «فايننشال تايمز»، إن المملكة العربية السعودية كانت ذات يوم حصنًا للسياسة الخارجية الرصينة، وقد تبنت نهجًا مختلفا منذ عام 2015 في عهد وزير الدفاع آنذاك، ولاحقًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ما أدى إلى «تحركات، تجاه اليمن وقطر ولبنان».
مخاطر كبيرة
وأدى الهجوم على منشآت نفطية، إلى كشف المخاطر الكبيرة للاستراتيجية الحازمة.
إلا أن المملكة اتجهت إلى تغيير مسارها مرة أخرى، مدعومة بفائض من دولارات النفط، واقتصاد سريع النمو وزيادة الثقة، بحسب الصحيفة البريطانية، التي قالت إن السعودية أصبحت أكثر نشاطًا مرة أخرى على المسرح الخارجي، إلا أنها هذه المرة خففت حدة التوترات مع خصومها، بينما تمضي قدمًا في مشاريع ضخمة باهظة في الداخل.
وتقول «فايننشال تايمز»، إن المملكة فاجأت كثيرين بإعلانها -في مارس الماضي- موافقتها على إعادة العلاقات الدبلوماسية مع خصمها اللدود إيران، إضافة إلى زيارة المسؤولين لليمن، في إطار حملة لإنهاء الحرب المستمرة منذ فترة طويلة، ضد المتمردين المدعومين من إيران، تبعها ضغط سعوي لإعادة التواصل العربي مع النظام السوري، بعد الدعوة إلى إطاحة الرئيس بشار الأسد.
وقال إميل الحكيم، مدير الأمن الإقليمي في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، إن الأمير محمد «يستمتع بلحظته (...) لقد انتعش الاقتصاد، ودخلت القوى الكبرى، بينما يعيد ضبط سياسته الخارجية، لمنح الأولوية لأجنداته الجغرافية الاقتصادية والتحول والازدهار».
فورة دبلوماسية
وربط مسؤول سعودي كبير، موجة النشاط الدبلوماسي الأخيرة، ببرنامج الرياض التنموي الطموح، قائلًا: «المنطقة ساءت وهناك مزيد من التعقيدات حولنا، ونجاحنا المحلي مرتبط بالاستقرار في المنطقة». وأضاف المسؤول أن الرياض «لديها نطاق ترددي أكبر»، حيث اكتسبت خطط التنمية المحلية زخماً.
وتقول «فايننشال تايمز»، إن نقطة التحول السعودية، انطلقت 14 سبتمبر 2019، عندما خدع سرب من الصواريخ والطائرات من دون طيار الدفاعات الجوية الأمريكية الصنع، وضرب البنية التحتية النفطية الحيوية، ما أدى إلى توقف نِصف إنتاجها النفطي مؤقتًا.
وقال علي الشهابي، وهو معلق سعودي مقرب من الديوان الملكي: «قيمة المظلة الأمنية الأمريكية ثقبها الهجوم. بعد ذلك، أدركت السعودية أنه في حين أنها لا تستطيع أن تحل محل أمريكا، يمكنها أن تكمل علاقاتها مع الولايات المتحدة، بعلاقة استراتيجية قوية مع الصين، التي لديها نفوذ هائل على إيران».
علاقات متوترة
بعد عام من الهجوم، فقد الأمير محمد حليفًا قويًا في البيت الأبيض، الرئيس دونالد ترامب. وحل محله جو بايدن، الذي تولى منصبه وتعهد بتحويل المملكة إلى دولة منبوذة.
وزار بايدن المملكة العربية السعودية العام الماضي، للضغط من أجل مزيد من إنتاج النفط، بينما تعهد بأن الولايات المتحدة لن تتخلى عن المنطقة لروسيا والصين وإيران.
لكن في غضون أشهر، هدد مرة أخرى بإعادة تقييم علاقة واشنطن بالمملكة العربية السعودية، بعد أن قادت المملكة خفض إنتاج "أوبك بلس".
إلا أنه منذ ذلك الحين، خفت حدة التوترات بين الرياض وواشنطن، بينما تستمر الأخيرة في ضمان أمن المملكة، وتسعى إلى تعزيز تعاونها معها في مجموعة من القضايا، آخرها الصراع في السودان، حيث تتمتع السعودية بنفوذ مع الفصائل العسكرية المتحاربة.
لكن الرياض ركزت -بشكل أكبر- على تحقيق التوازن في علاقاتها الخارجية، لاسيما مع الصين وروسيا الشريكة للمملكة في "أوبك بلس"، حيث استضافت الرئيس الصيني شي جين بينغ، بقمة عربية في ديسمبر الماضي.
وبعد أشهر من زيارة شي، توسطت الصين، أكبر مشترٍ للنفط السعودي، في مفاوضات أدت إلى الاتفاق مع إيران.
من جانبه، قال جون ألترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط لمركز الاستراتيجية والدراسات الدولية، إنه رغم تعهد بايدن بالحفاظ على مكانة واشنطن في المنطقة، فإن التصور السائد في عواصم الخليج كان -منذ فترة طويلة- أن الولايات المتحدة تنفصل، لأنها تحول انتباهها إلى آسيا وروسيا.
وقال المسؤول السعودي الكبير: «نشعر بنقص المشاركة من الغرب في المنطقة. ليس هناك مشكلة كبيرة مع الغرب (...) لا أحد لديه الوقت والنطاق الترددي والمال، لإنفاقه على حل مشكلات الشرق الأوسط».
ويتساءل بعض المحللين، عما إذا كان الأمير محمد سيستمر في التراجع عن السياسة الخارجية القوية، التي ميزت سنواته الأولى في المنصب، وما إذا كان النهج الجديد مع إيران يمكن أن ينجح.
وقال الحكيم: «بالنسبة للمحاورين العالميين والإقليميين للمملكة العربية السعودية، فإن تاريخ الماضي القريب، عندما استخدمت المملكة لعبة القوة، لا يزال حاضرًا ويشكل تذكيرًا بما يمكن أن يحدث».
وتابع: «في النهاية، من غير الواضح مدى استراتيجية نهج الرياض الإقليمي، هل يمكنه تحقيق الاستقرار في دول الجوار من دون التخلي عن المخزن للإيرانيين؟».
وأصر المسؤول السعودي الكبير على أنه بينما ستكون المملكة أكثر دخولًا في المنطقة، فإنها لن تكون ناشطة، مضيفًا: «القوة العظمى للمملكة العربية السعودية هي القوة السياسية، قوتها الاقتصادية، قوتها الجماعية، هذا هو المكان الذي توجد فيه أفضل أدواتنا وتلك هي التي سنستخدمها».