بعد أيام من سجن الغنوشي.. ما دلالات عملية الكنيس الإرهابية في تونس؟
يقول نزار الجليدي، المحلل السياسي التونسي لـ-السياق-، إن الجماعات المتطرفة، تنفذ عملياتها في النقاط الرخوة أمنيًا وذات الصدى العالي، خصوصًا إذا كان لها بُعد اقتصادي سياحي ديني

السياق
شبح الإرهاب يطل برأسه على تونس، بعد قطيعة لم تدم طويلًا، ليحصد أرواح مدنيين، بعدما أردوا قتلًا رمًيا بالرصاص، في محيط كنيس الغريبة، بجزيرة جربة الساحلية.
الكنيس يعد الأقدم في إفريقيا -يعتقد أنه شيد قبل 2500عام- وبه واحدة من أندر نسخ التوراة في العالم، وإليه يذهب آلاف اليهود سنويًا.
الحادث الذي كشفت وزارة الداخلية التونسية تفاصيله، ونفذه أحد أفراد الحرس الوطني بالجزيرة، دفعنا إلى سؤال فرضته علينا ملابسات الحادث ودلالات توقيته، كتحرك للتنظيم السري للإخوان، لضرب استقرار البلاد.
مرد هذا التساؤل أنه يأتي بعد ساعات من إصدار مذكرة قضائية بحق -الزعيم الإخواني- راشد الغنوشي، تفرض إيداعه السجن بتهمة غسل أموال، التي أعلنها رشدي بن رمضان، المساعد الأول لوكيل الجمهورية التونسية، بالمحكمة الابتدائية في سوسة.
رابط فكري وتنظيمي
وعن جدوى المكان، يقول نزار الجليدي، المحلل السياسي التونسي لـ"لسياق"، إن الجماعات المتطرفة، تنفذ عملياتها في النقاط الرخوة أمنيًا وذات الصدى العالي، خصوصًا إذا كان لها بُعد اقتصادي سياحي ديني، وهو ما يفسر تركيز العمليات الإرهابية في تونس، خلال شهر رمضان والأعياد والمناسبات، بل سبق أن اختيرت ليلة القدر لأعمال دموية.
الغريب في هذه الحادثة -من وجهة نظر الجليدي- أن منفذها شرطي، ما يثير تساؤلات عن الرقابة الداخلية على أفراد الأمن، ومرجعيتهم الفكرية، وأن هناك ضرورة لمراجعة حقيقية في تونس، لكل ما حدث خلال عشرية حُكم الإخوان، خصوصًا مع اختراقهم مؤسسات ومفاصل الدولة.
هجوم بشع
الهجوم الذي وصفته وزارة الخارجية بالبشع والجبان، أسفر عن "قتل مدنيّيْن اثنين تونسي وتونسي-فرنسي بين الزوار، وثلاثة من أفراد الأمن".
وقالت وزارة الداخليّة -في بيان- إنّ هجوم الثلاثاء نُفّذ على مرحلتَين.
وأوضحت الداخلية أنّ "أمنيًا تابعًا للمركز البحري للحرس الوطني (...) أقدم -مساء الثلاثاء- على قتل زميله، باستعمال سلاحه الفرديّ والاستيلاء على الذخيرة".
وأضافت أنه بعد ذلك "حاول الوصول إلى محيط معبد الغريبة وعمَدَ إلى إطلاق النار بصفة عشوائيّة، على الوحدات الأمنيّة المتمركزة بالمكان، التي تصدّت لهُ ومنعته من الوصول إلى المعبد وأردتهُ قتيلًا".
وذكرت الوزارة أنّ اثنين من "زوّار" المعبد قُتِلا برصاص المهاجم قبل قتله، مشيرةً إلى "إصابة 4 أشخاص آخرين بجروح مُتفاوتة، نُقلوا إلى المستشفى لتلقّي العلاج".
دوافع غامضة
ورغم ما سبق، استبعد الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، الدكتور إياد المجالي، وجود نية لتوجيه الاتهام لجهة محددة بمسئوليتها عن هذه العملية الإرهابية في تونس، قبل أن تتضح الصورة لدي الأجهزة الأمنية، للتوصل إلى خيوط الجريمة التي مازالت غامضة حتى اللحظة.
الكنيس استُهدِف عام 2002 بهجوم انتحاري بعربة مفخّخة، ما أسفر عن 21 قتيلًا.
وكان الغنوشي ظهر في مقطع مصور، خلال اجتماع لـ"جبهة الخلاص الوطني" الماضية، لوح فيه بـ"الحرب الأهلية" وبث الفوضى، حال استبعاد حركة النهضة والإسلام السياسي، من المشهد السياسي في تونس.
وقال الغنوشي: "تصور تونس من دون نهضة ولا إسلام سياسي... هو مشروع حرب أهلية... ولذلك الذين استقبلوا الانقلاب باحتفال لا يمكن أن يكونوا ديمقراطيين، بل هم استئصاليون وإرهابيون ودُعاة لحرب أهلية".
وحسب "بي بي سي" تعد الطائفة اليهودية التونسية، من الأكبر عربيًا، رغم أن عددها تراجع بشكل كبير.
وأشارت إلى أن أعدادهم قدرت بما بين 1500 وألفي شخص.
بينما تحتوي جزيرة جربة على 11 معبداً يهودياً في حارتين تسميان الحارة الكبيرة والحارة الصغيرة.
وفي السياق ذاته، أكّد الرئيس التونسي قيس سعيّد أن بلاده "ستبقى آمنة"، ودان، خلال اجتماع لمجلس الأمن القومي "العملية الإجرامية الجبانة".
وقال سعيّد: "أود أن أطمئن الشعب التونسي، بل العالم كله، بأن تونس ستبقى آمنة مهما حاول هؤلاء المجرمون زعزعة الاستقرار فيها".
وتابع الرئيس التونسي: "غاية هذه العملية واضحة، وهي زرع بذور الفتنة وضرب الموسم السياحي وضرب الدولة".
زي رسمي
وذكر وزير السياحة التونسي السابق رينيه الطرابلسي، وهو من المسؤولين عن الجالية اليهودية التونسية في جربة، وكان في الكنيس حين وقع الهجوم، أن القتيلين تربطهما قرابة عائلية وهما أفييل حداد يهودي تونسي (30 عامًا)، وبنيامين حداد (42 عامًا)، يعيش في فرنسا، وكان في جربة للزيارة.
وقال لإذاعة "موزييك إف إم، الخاصة إن مرتكب الهجوم كان يرتدي زيّا رسميا أمنيّا وبزة واقية من الرصاص، لكن بفضل تدخل قوات الأمن تم التنبه والتصدّي له بسرعة كبيرة.
وأضاف: "لولا التدخل السريع لحدثت الكارثة، لأن مئات الزوار كانوا في المكان".
في أعقاب الهجوم، أعلنت السفارة الفرنسيّة في تونس أنّها أنشأت "خليّة أزمة" ورقمًا للطوارئ.
تعليق دولي
الحادث كان له صدى خارجي، إذ كتب الرئيس الفرنسي على تويتر: "الهجوم على كنيس الغريبة يقلقنا... نفكر بألم بالضحايا، بالشعب التونسي، بأصدقائنا... نقف إلى جانب عائلة مواطننا الذي قُتل".
من جهته، قال المتحدّث باسم وزارة الخارجيّة الأميركيّة ماثيو ميلر عبر "تويتر" إنّ "الولايات المتحدة تندّد بالهجوم الذي وقع في تونس، ويتزامن مع موسم الزيارة اليهودي السنوي الذي يجتذب زوارًا من العالم إلى كنيس الغريبة".
وأضاف: "نعرب عن تعازينا للشعب التونسي، ونُثني على التحرّك السريع لقوّات الأمن التونسيّة".
ونُفّذ الهجوم في وقتٍ كان مئات المصلّين يشاركون في موسم الزيارة اليهودي السنوي في الغريبة، الذي أوشك على الانتهاء مساء الثلاثاء في هذا الكنيس.
وحسب تل أبيب، فإن أحد اليهوديين القتيلين يحمل الجنسية الإسرائيلية.
يأتي زوار أيضًا من الدول الأوروبّية أو الولايات المتحدة أو حتّى إسرائيل، لكنّ عددهم تضاءل إلى حدّ كبير بعد اعتداء عام 2002.
ويأتي هذا الهجوم في وقتٍ تُسجّل السياحة انتعاشًا قويًا في تونس، بعد تباطؤ حادّ خلال الجائحة.
تونس والإرهاب
وعلى أثر سنوات عدّة من التدهور، بسبب عدم الاستقرار الذي أعقب ثورة 2011، تأثّر هذا القطاع الرئيس للاقتصاد التونسي إلى حدّ كبير بعد هجمات 2015 استهدفت متحف باردو في تونس وفندقًا في سوسة، وأسفرت عن 60 قتيلًا بينهم 59 سائحًا أجنبيًّا.
وبعد سنوات مما تسمى "ثورة الياسمين" وسيطرة حزب النهضة المقرب من جماعة الإخوان المسلمين على مفاصل البلاد، شهدت تونس صعود جماعات جهاديّة، لكنّ السلطات تؤكّد إحرازها تقدّمًا كبيرًا في مكافحة الإرهاب، خلال السنوات الماضية.
ويأتي الهجوم أيضًا في وقتٍ تشهد تونس أزمة ماليّة حادّة.