تقرير يحذر: الديمقراطية ستنتهي في تركيا إذا فاز أردوغان بالرئاسة
هناك عوامل تمنح المعارضة فرصة جيدة لإطاحة أردوغان وحزب العدالة والتنمية.

ترجمات -السياق
قالت صحيفة ذا إن بوبيولست، إن الانتخابات الوطنية المحورية والدرامية في تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي، الأحد، فرصة نادرة لتحسين آفاق الديمقراطية في هذا البلد الشرق أوسطي، لأن هناك فرصة حقيقية -وليست بعيدة- لإطاحة الرئيس رجب طيب أردوغان، الشخصية المثيرة للجدل، التي قادت البلاد 20 عامًا، أولاً رئيسًا للوزراء من عام 2003 ثم رئيسًا من عام 2014.
وفي منطقة بها عدد كبير جدًا من القادة غير الليبراليين، الذين يركزون على «القيم الإسلامية التقليدية»، قد لا يكون أردوغان أسوأ المستبدين اليمينيين، لكنه لا يزال سيئًا، لدرجة أنه بالكاد الرجل الذي قاد تركيا -كما أعاد أردوغان تسميتها عام 2022- إلى القرن الحادي والعشرين.
وبحلول عام 2016، بدا أن أردوغان كان حريصًا على التراجع عن الإرث العلماني والديمقراطي نسبيًا للأب المؤسس لتركيا مصطفى كمال أتاتورك، بحسب الصحيفة التي قالت إن عددًا من الناس في تركيا انزعجوا من توجيهات أردوغان، في أعقاب محاولة انقلاب لإطاحته في يوليو، لكنها باءت بالفشل.
وأثناء مشاهدة الانقلاب على الهواء مباشرة، كان أهون الشرين التخلص من شخص كان معاديًا بشكل علني للديمقراطية الليبرالية، تقول «ذا إن بوبيولست»، مشيرة إلى أنه رغم اليأس الذي كان مصاحبًا للجميع، من أن أردوغان سيكون من المستحيل تقريبًا التخلص منه، بعد عملية التطهير التي نفذها على نطاق واسع في أعقاب الانقلاب، فإن هناك تفاؤلا حذرًا بأنه قد يُهزم، إما في الانتخابات العامة الأحد، وإما في جولة الإعادة بعد أسبوعين.
هزيمة أردوغان
من المؤكد أن احتمالات إطاحة الرئيس التركي «الاستبدادي»، مروعة، فعلى سبيل المثال، لا تتنافس المعارضة ضد أردوغان في انتخابات حرة أو نزيهة، كون الأخير وحزبه الحاكم العدالة والتنمية (AKP) كدسوا النظام وحرفوه بشكل متزايد.
فعلى وجه الخصوص، خُنق الخطاب العام، وأفسدت القوات الموالية لأردوغان وسائل الإعلام والمحاكم لقمع الخطاب السياسي، بين إجراءات غير ليبرالية أخرى.
وقالت «ذا إن بوبيولست»، إن واحدة من أكثر الحالات شهرة تتعلق برجل شبَّه أردوغان بشخصية سيد الخواتم غولوم، فجرت محاكمة وإدانته عام 2016 بارتكاب جريمة إهانة أردوغان.
وبعد عام واحد، أجرى طبيب تركي مقارنة مماثلة واتُهم بالمثل لكنه بُرئ، ربما لأن المخرج المحبوب للثلاثية، بيتر جاكسون، جاء للدفاع عنه، ليجادل بأن المقارنة لم يكن المقصود بها إهانة، حسب الصحيفة.
وبفضل أردوغان، صنفت لجنة حماية الصحفيين تركيا عام 2022 في المرتبة الرابعة عالميًا بسجن الصحفيين، بعد إيران والصين وميانمار، كما تراجعت البلاد بشكل كبير في تصنيفات منظمة «مراسلون بلا حدود» في ما يتعلق بالحرية.
واحتلت تركيا المرتبة 100 من أصل 139 عام 2002، أي العام الذي سبق تولي أردوغان السلطة رئيسًا للوزراء، إلا أنها العام الماضي احتلت رقم 165 من أصل 180، بحسب الصحيفة التي قالت إن الاعتقالات والانتهاكات والعنف ضد الصحفيين استمر، خاصة في الأيام والأسابيع الأخيرة مع اقتراب موعد الانتخابات.
ازدراء أردوغان للديمقراطية
وتقول «ذا إن بوبيولست»، إن أردوغان حوَّل وسائل الإعلام وإنفاذ القانون ضد المعارضة السياسية، ما أدى إلى قمع وحتى سجن سياسيي المعارضة، مؤكدة أنها بينما يعد معظم سكان تركيا من الترك، فإن الأكراد يعدون الأقلية العرقية الرئيسة في البلاد.
وبعد التطهير الذي أعقب الانقلاب، أسند أردوغان صناعة الأخبار وكذلك القضاء وإنفاذ القانون إلى الموالين له، وفي السنوات التي تلت ذلك، لم يستطع عدد كبير جدًا من المعارضة الترشح للمناصب أو الوصول إلى الحملات، من خلال وسائل الإعلام التقليدية، ناهيك عن التغطية العادلة.
وفي أبريل فقط، تلقى أردوغان ما يقرب من 33 ساعة من البث، وكان خصمه الرئيس 32 دقيقة فقط.
وتقول الصحيفة، إنه في عهد أردوغان، تتحدى المعارضة والصحفيون خطر السجن، أو حتى العنف من حزب العدالة والتنمية الحاكم، بمعنى آخر، لا يمثل أداء وظائفهم خطرًا قانونيًا فحسب، بل يعد خطرًا جسديًا.
وقبل أيام فقط، اندلع حشد من نحو 200 شخص في مسيرة معارضة، قادها رئيس بلدية اسطنبول ذو الشعبية والكاريزمية أكرم إمام أوغلو، إلا أن مؤيدين لأردوغان قطعوا الطريق وألقوا الحجارة عليه وعلى أنصاره، ما أدى إلى إصابة عشرات الأشخاص.
السؤال: إلى أي مدى يرغب أردوغان ومسؤولو حكومته وحزب العدالة والتنمية، في التمسك بالسلطة من خلال استخدام وسائل غير قانونية أو غير ليبرالية أو غيرها من الوسائل غير المناسبة؟
يشير سلوك أردوغان السابق إلى أن الإجابة ليست مطمئنة.
فعام 2015، كان أردوغان على استعداد -بلا خجل- لإشعال حرب ضد الأكراد بعد أن حصل حزب الشعوب الديمقراطي الكردي على مقاعده الأولى في البرلمان التركي، وحرم حزب العدالة والتنمية من أغلبيته.
وألقى أردوغان باللوم على الأكراد، في ما كان يُرجح أنها هجمات داعش، لكنه نجح في تهيئة أجواء من العنف والهستيريا المعادية للأكراد، ما أدى إلى فشل حزب الشعوب الديمقراطي وأحزاب أخرى في تشكيل ائتلاف، بينما أُجريت انتخابات جديدة في نوفمبر استعاد فيها حزب العدالة والتنمية الأغلبية، جزئيًا على حساب حزب الشعوب الديمقراطي.
أفضل فرصة للمعارضة
رغم ذلك، فإن هناك عوامل تمنح المعارضة فرصة جيدة لإطاحة أردوغان وحزب العدالة والتنمية.
ورغم حالة الغش التي انتهجها أردوغان وحزبه في استفتاء 2017 الذي غير بموجب نتيجته النظام السياسي التركي من برلماني إلى رئاسي، ومنح نفسه مزيدًا من السلطات غير المقيدة، ومرر إصلاح الاستيلاء على السلطة بنسبة 51.4% فقط من الأصوات، فإن أردوغان لم يفز عام 2018 إلا بعد إعادة انتخابه بنسبة 52.6% من الأصوات، وتجنب بصعوبة جولة الإعادة (كان هناك غش خطير في ذلك الوقت أيضًا).
ذلك النظام كانت نتيجته صلاحيات أوسع وسلطات أكبر بكثير في يد الرئيس لتكديس السلطة القضائية، وتجاوز مجلس الوزراء والبرلمان، والعمل كحزب سياسي، ما سمح لأردوغان بمزيد من خنق المعارضة.
ورغم كل هذا، فإن مساعدي أردوغان ما زالوا يخسرون أحيانًا الانتخابات -كما كان الحال عندما فاز إمام أوغلو بمنصب رئيس بلدية إسطنبول عام 2019- ليس مرة واحدة، بل اثنتين، حيث تدخلت المحاكم التابعة لأردوغان ضد النتيجة الأولية وأجبرت على إعادة الانتخابات، التي فاز بها إمام أوغلو بهامش أكبر.
يشير ذلك إلى أنه -حتى الآن على الأقل- لدى حزب العدالة والتنمية في الواقع بعض القيود على استعداده للغش، ما يترك الباب مفتوحًا أمام مرشح معارض قوي للفوز.
وتقول «ذا إن بوبيولست»، إن تركيا لحسن الحظ ليست قريبة من ديكتاتورية كاملة مثل سوريا المجاورة، فعلى سبيل المثال فاز الرئيس السوري بشار الأسد بإعادة انتخابه عام 2021 بأكثر من 95% من الأصوات، مشيرة إلى أنه إذا كان هامش الانتصار للمعارضة واسعاً بما يكفي، فقد يمنع ذلك من سرقة الانتخابات بشكل مباشر.
الأمل في التغيير
سبب آخر للأمل، يتمثل في اتحاد أحزاب المعارضة لأول مرة تقريبًا، لدعم مرشح واحد وائتلاف واحد -تحالف الأمة- لإسقاط أردوغان، بحسب الصحيفة التي قالت إن هذا المرشح هو كمال كليغدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري، الذي اختير بديلًا لإمام أوغلو منذ إدانة الأخير في ديسمبر الماضي، بموجب قوانين الخطاب السياسي القاسية لحزب العدالة والتنمية لانتقاده المحكمة.
وفي حين أن إمام أوغلو أكثر قابلية للانتخاب، فإن التهديد بسجنه أو حتى منعه من تولي منصب من المحاكم كان كبيرًا، ما يضيق الخيارات أمام المعارضة الحريصة على تقليل المخاطر.
شخصية معارضة رئيسية أخرى، زعيم حزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دميرطاش -الذي اضطر إلى الترشح للمنصب من السجن في الانتخابات الرئاسية الأخيرة عام 2018- يلقي بثقله وراء كليغدار أوغلو.
أعضاء حزب الشعوب الديمقراطي يتنافسون على قائمة حزب اليسار الأخضر لتجنب الحظر المحتمل على حزبهم، بينما حذا آخرون حذوهم أيضًا في دعم كليغدار أوغلو.
وإثباتًا لمبدأ «الحاجة أم الاختراع»، نجحت اليد الثقيلة لأردوغان، في دفع معظم معارضته معًا تحت راية ائتلافية واحدة ومرشح واحد، ما زاد صعوبة قمعهم، بحسب الصحيفة التي قالت إن كليغدار أوغلو قد لا يكون الخيار الأول لعديد الناخبين -بما في ذلك أنصار التحالف الرئيسين- لكنه قد يكون جيدًا بما يكفي.
سوء إدارة أردوغان
وأشارت إلى أن هناك أيضًا مشكلة فشل سياسات أردوغان وحزب العدالة والتنمية اقتصاديًا، حيث كانت البلاد تتعامل مع أزمة تضخم منذ عام 2021، تضاعفت خلالها أسعار المواد الغذائية وتجاوزت زيادات الأسعار في وقت لاحق 80% عام 2022 (حال اعتقد الأمريكيون أنهم يعانون ذلك السوء في عهد بايدن). وكان ذلك قبل الزلازل المدمرة في فبراير 2023 التي ضربت تركيا، ما أدى إلى تضخيم المشكلات الاقتصادية للأتراك.
وقُتل نحو 51 ألف شخص داخل تركيا، وفقًا للإحصاء الرسمي، ما جعل كثيرين يلقون باللوم على سنوات من سياسات حزب العدالة والتنمية السيئة -الفساد والافتقار إلى تطبيق قانون البناء- والاستجابة الخرقاء والبطيئة بشكل خاص في أعقاب الزلازل.
وبالنظر إلى أن الزلازل ضربت بلدة أردوغان بشدة، من الصعب تخيل أن أولئك الموجودين في المنطقة لا يشعرون بخيبة أمل من أردوغان وحزب العدالة والتنمية، تقول الصحيفة التي أشارت إلى أنه ربما يكون هذا «العمل الإلهي» سببًا في هلاك أردوغان.
وبجمع كل هذا معًا، فإن استطلاعات الرأي تشير إلى تفوق كليغدار أوغلو على أردوغان بنسبة تتراوح بين 5 و6 نقاط مئوية في المتوسط، وفقًا لـ Politico و PolitPro على التوالي.
وتقول الصحيفة، إنه قد يكون لدى كليغدار أوغلو ما يكفي من الدعم لتجاوز عتبة 50% اللازمة للفوز المباشر وتجنب جولة الإعادة، إلا أنها قالت إنه من المستحيل التنبؤ بالنتيجة النهائية على وجه اليقين، ففي انتخابات حرة ونزيهة، ستنتصر المعارضة بالتأكيد، لكن بالنظر إلى أن هذه لن تكون انتخابات حرة ونزيهة، فإن فوز المعارضة قد يعتمد على خداع المسؤولين الأتراك الحاليين وكيف يتصرفون إذا علموا أنهم هُزموا.
ويراقب العالم ليرى ما الذي تقرره تركيا -شعبها وقادتها ونظامها- فإذا لم يكن من الممكن التغلب على السلطان أردوغان، في لحظة ضعفه من قبل كليغدار أوغلو وتحالف المعارضة المصمم، فإن الأمر سيزداد صعوبة، بحسب الصحيفة، التي قالت إنه إذا كان هناك أي أمل جاد لتركيا، بوقف تراجعها الديمقراطي في المستقبل القريب، فعليها أن تبدأ بهزيمة أردوغان في هذه الانتخابات.