بعد إعادة العلاقات السعودية الإيرانية.. هل تأخرت زيارة سوليفان إلى المنطقة؟

ترجمات - السياق

بدأ الرئيس الأمريكي جو بايدن ولايته الرئاسية، بمحاولة تهميش منطقة الخليج، والانسحاب منها قدر الإمكان، لملء الفراغ في مناطق أخرى من العالم، يرى أنها أكثر أهمية، إلا أنه بمرور الوقت تبين للولايات المتحدة، أن خسارة هذه المنطقة تعني التمهيد لخسائر متتالية غير متوقعة، ليعود البيت الأبيض مُجددًا يتلمس وضع قدمه لعلّه يُصلح ما أفسده رئيسه ‏السادس والأربعون.

العزم الأمريكي على إعادة العلاقات إلى مسارها الصحيح، لم يتوقف عند التصريحات، وإنما اعتمد على زيارات عدة لكبار المسؤولين، بدأت ببايدن نفسه إلى الرياض في يوليو الماضي، وها هو مستشار الأمن القومي جيك سوليفان يزور المملكة السبت، على أن يتبعه وزير الخارجية أنتوني بلينكن في يونيو المقبل، بمؤشر إلى سعي واشنطن لتوثيق العلاقات أكثر بالرياض.

وكشف سوليفان أن الذهاب إلى المنطقة، يتضمن أيضًا لقاءات بممثلين من الهند والإمارات العربية المتحدة لمناقشة "مجالات جديدة للتعاون بين نيودلهي والخليج، وكذلك الولايات المتحدة وبقية المنطقة".

ومن المتوقع أن يناقش مستشارو الأمن القومي السعودي، والأمريكي والإماراتي والهندي -الذين يزورون الرياض أيضًا- مشروع بنية تحتية قد تعمل على ربط دول الخليج وبقية الدول العربية، عبر شبكة من السكك الحديدية مع الهند.

هذا التحول الجديد، وصفه الدبلوماسي الهندي السابق السفير بهادرا كومار بـ "محاولة لإعادة ضبط استراتيجية واشنطن في الخليج، بعد خلافات أضرت بالعلاقات بين الجانبين".

وأوضح في تحليل نشره موقع إنديان بونشلاين، أن اجتماع سوليفان كان الأول بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والهند، مشيرًا إلى أن الموضوعات الرئيسة دارت حول تنويع سلاسل التوريد والاستثمارات في مشروعات البنية التحتية الاستراتيجية، بما في ذلك الموانئ والسكك الحديد والمعادن.

وبيّن أن الرحلات المتتالية التي قام بها مسؤولون أمريكيون رفيعو المستوى، تسلط الضوء على أن إدارة بايدن مصممة على توطيد العلاقات بين واشنطن والرياض.

كان سوليفان اتصل بولي العهد الأمير محمد بن سلمان في 11 أبريل، مشيدًا بالتقدم المحرز لإنهاء الحرب في اليمن، والجهود غير العادية للسعودية هناك، وفقًا لبيان البيت الأبيض.

 

توقيت مهم

ووصف بهادرا كومار -السفير السابق في باكستان وتركيا- توقيت زيارة سوليفان للمنطقة، بالمهم جدًا، لافتًا إلى أنها تأتي بعد فترة من المشاورات الهندية الإيرانية في طهران، وعقب اجتماع منظمة شنغهاي للتعاون على مستوى وزراء الخارجية في نيودلهي 3 و4 مايو الجاري.

وألمح إلى أن هدف الزيارة، دمج الهند في استراتيجية إدارة بايدن الخاصة بالخليج.

وأشار إلى أنه على خلفية انضمام إيران الرسمي كعضو في منظمة شنغهاي للتعاون (إس سي أو) في اجتماع القمة المقرر بالهند في 3-4 يوليو المقبل، هناك اهتمام متجدد في نيودلهي بإعادة تنشيط التعاون الاقتصادي بين الهند وإيران.

وقال بيان للخارجية الإيرانية، إن مستشار الأمن القومي الهندي أجيت دوفال، الذي زار طهران الأسبوع الماضي "شدد على ضرورة وضع خارطة طريق للتعاون بين البلدين، في إطار شراكة طويلة الأمد".

كما سعى دوفال إلى عقد اجتماع مبكر للجنة الاقتصادية المشتركة في طهران "لتوفير زخم جديد" في العلاقات، و"تبادل وجهات النظر في العمل المشترك بين البلدين، والقضايا المصرفية الثنائية، ومحادثات رفع العقوبات والقضايا الإقليمية".

وبحسب ما ورد اقترح نظير دوفال، مستشار الأمن القومي الإيراني علي شمخاني، أن إجراء تجارة ثنائية بالعملات الوطنية "يساعد البلدين في تحقيق أهدافهما الاقتصادية"، بينما أكد الرئيس إبراهيم رئيسي أن تعزيز الشراكة الاقتصادية بين إيران والهند، يمكن البلدين من لعب دور أكبر في النظام العالمي الجديد.

وتعليقًا على هذه التطورات، يرى بهادرا كومار، أنه "ليس من المستغرب أن تشعر واشنطن بعدم الارتياح من تعزيز الهند لعلاقاتها مع إيران، في وقت عزز الانفراج في العلاقات السعودية الإيرانية، مكانة طهران الإقليمية، وسط تحول الأمن الإقليمي بمنطقة الخليج بشكل هائل".

في المقابل، كان سوليفان يُدرك جيدًا، أثناء استعداده للسفر إلى الرياض، أن وزيري خارجية روسيا والصين -سيرغي لافروف وتشين غانغ- متجهان إلى نيودلهي، للمشاركة في الاجتماع الوزاري لمنظمة شنغهاي للتعاون 4 و5 مايو، في إشارة إلى أن واشنطن تحاول منع توطيد أي علاقة بين بكين وموسكو بالمنطقة.

 

الناتو الآسيوي

أُطلق على منظمة شنغهاي للتعاون في مهدها لقب "الناتو الآسيوي"، وهو ما ثبت -وفق السفير الهندي السابق- أنه افتراض خاطئ، مشيرًا إلى أن الناتو الأصلي، الذي يتخذ من بروكسل مقرًا له يُهاجر الآن إلى آسيا، ونتيجة لذلك، تستعد أجندة منظمة شنغهاي للتعاون لتنسيق أعمق للسياسة الخارجية، لمواجهة محاولات الغرب للسيطرة على ديناميكية القوة الآسيوية.

بالنسبة لروسيا والصين، ازدادت أهمية منظمة شنغهاي للتعاون كمنظمة أمنية إقليمية.

وقد قدم تشين غانغ، في خطابه خلال الاجتماع الوزاري لمنظمة شنغهاي للتعاون، اقتراحًا من خمس نقاط، منح الأولوية لمفهوم الالتزام بالحكم الذاتي الاستراتيجي، والتضامن والثقة المتبادلة، والتعاون الأمني، وتعزيز التنمية المترابطة وما إلى ذلك.

وتلخيصًا للإجماع في الاجتماع الوزاري لمنظمة شنغهاي للتعاون، سلطّت وزارة الخارجية الصينية الضوء على أن "جميع الأطراف المشاركة، اتفقت على تعزيز التعاون في مجالات مثل النقل والطاقة والتمويل والاستثمار والتجارة الحرة والاقتصاد الرقمي، وتعزيز الاتصال الإقليمي".

من منظور أمن الخليج، فإن البحرين والكويت والإمارات العربية المتحدة، على وشك الانضمام إلى جهود التعاون، التي تقودها منظمة شنغهاي كشركاء في الحوار (إلى جانب المملكة العربية السعودية).

ومن الواضح -وفق بهادرا كومار- أن الولايات المتحدة قلقة من أن منظمة شنغهاي للتعاون تستعد لتبليل قدميها في مياه الخليج، في رحلة متابعة قد تأخذها إلى إفريقيا.

فقد كان النهج الأمريكي التقليدي، إثارة الخوف من إيران لحشد دول الخليج، لكن هذه الحيلة لن تنجح بعد الآن، حيث تعمل دول الخليج -بشكل مطرد- على توسيع استقلاليتها الاستراتيجية، وتتبع سياسات خارجية مستقلة، للحفاظ على مصالحها الوطنية وتعزيز السلام والمصالحة في المنطقة.

وأضاف السفير الهندي السابق: "يمكن القول إن دول الخليج تجعل من المهم استبعاد واشنطن من عملياتها الإقليمية لحل الخلافات والتوفيق بين التناقضات في العلاقات بين الدول".

ورأى أن انعدام الثقة بين السعودية والولايات المتحدة واضح أكثر من ذي قبل، مشيرًا إلى أن المملكة ودولة الإمارات العربية المتحدة تجاهلتا الاحتجاجات الأمريكية على تطبيعهما، والتعامل مع حكومة بشار الأسد في سوريا، وهو ما ظهر جليًا في عودة دمشق الرسمية إلى جامعة الدول العربية.

ومرة أخرى ، قال وزراء خارجية سوريا والسعودية والأردن ومصر والعراق، في بيان مشترك، الأسبوع الماضي، بعد اجتماع في عمان، إن العلاقات مع دمشق ستقام على المستوى العسكري والأمني "لمواجهة التحديات الأمنية".

ودعا البيان إلى إنهاء "التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية السورية" وتعهد بـ "دعم سوريا ومؤسساتها لفرض سيطرتها على جميع أراضيها وفرض سيادة القانون"، وهو "سعي بحكم الأمر الواقع لإنهاء الاحتلال الأمريكي لثلث الأراضي السورية".

كانت الرياض وافقت، في بيان ثنائي سعودي سوري على مستوى وزير الخارجية، على ضرورة "دعم مؤسسات الدولة السورية لبسط سيطرتها على أراضيها وإنهاء وجود الميليشيات المسلحة ووقف التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية السورية".

أمام كل هذه التطورات، يرى بهادرا كومار، أن إدارة بايدن تعيش في حالة ذعر جراء كل هذا التقارب بين دول المنطقة، خصوصًا في ما يتعلق بتوجه الهند نحو الخليج، مشيرًا إلى أن واشنطن بنت تقديرها للتقارب مع الهند على أمر واحد فقط، أن الأخيرة ترى في هذه العلاقة -الأمريكية الهندية- شراكة مثالية، لمواجهة توسع النفوذ الصيني في منطقة المحيط الهندي.

وأوضح أنه في الوقت الذي تسعى الهند لفتح علاقات أكثر قوة مع دول الخليج، حاولت الولايات المتحدة تشكيل عصبة رباعية، تضم الهند وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة، إلا أنها فشلت أيضًا بسبب تعثر اتفاق إبراهيم.

لكن، إلى أي مدى ترغب نيودلهي في المشاركة كشريك صغير في مهمة سوليفان إلى المنطقة؟

ذلك ما لم لم يتضح -وفق السفير الهندي السابق- الذي شدد على أن الهند لا تحتاج إلى أي مساعدة أمريكية، لتعزيز مصالحها في منطقة الخليج.

ولفت إلى أن العلاقات مع دول الخليج تعززت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، تحت إشراف الرئيس نارندرا مودي، حيث بلغت استثمارات الإمارات في الهند -العام الماضي فقط- نحو 12 مليار دولار.

ونوه بهادرا كومار، إلى أنه مع انعقاد قمة منظمة شنغهاي للتعاون بعد أقل من شهرين، ستكون المفارقة الأكبر إذا تعاونت الهند مع البيت الأبيض، كما تفعل مع جوارها الممتد، مضيفًا: "الاستنتاج الذي يمكن للمرء أن يستخلصه من الاجتماع الوزاري لمنظمة شنغهاي للتعاون، أن العلاقة بين الهند والصين مهيأة للاستقرار أكثر في المستقبل، وقد يصبح استئناف التعاون الثنائي ممكنًا".