واشنطن بوست: لماذا الانتخابات التركية مهمة جدا للعالم؟

صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، وصفت هذه الانتخابات بأنها أخطر تحدٍّ سياسي يواجهه رجب طيب أردوغان، منذ فوز حزبه الكاسح في انتخابات عام 2002

واشنطن بوست: لماذا الانتخابات التركية مهمة جدا للعالم؟

ترجمات -السياق 

تتجه الأنظار -بشكل غير مسبوق- إلى الانتخابات الرئاسية والتشريعية التركية، التي انطلقت اليوم الأحد، ولِمَ لا وهي الانتخابات التي ستكون لها تأثيرات واسعة في العالم، نظرًا للدور التركي الواسع في ملفات دولية وإقليمية.

وتحظى هذه الانتخابات بترقب عالمي، كونها قد تكون الأخيرة لرئيس فرض سيطرته على كل مناحي الحياة، في دولة محورية تقع بين الشرق والغرب، ورغم أنها تعد عضوًا مهمًا في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، فإنها تقيم علاقات وطيدة مع روسيا والصين.

صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، وصفت هذه الانتخابات بأنها "أخطر تحدٍّ سياسي يواجهه رجب طيب أردوغان، منذ فوز حزبه (العدالة والتنمية) الكاسح في انتخابات عام 2002"، مشيرة إلى أنه رغم الانتقادات التي تطال أردوغان من قِبل خصومه، فإنه يمتلك شعبية كبيرة بين قاعدته.

وتعترف الصحيفة الأمريكية بأنه في ظل حكم أردوغان "نما دور تركيا كوسيط إقليمي ودولي وكقوة لا يستهان بها"، وعلى ذلك الأساس، ستراقب نتائج الانتخابات في الشرق الأوسط والعالم.

وعلى مدى الأشهر الماضية، كانت تركيا الاسم الأبرز في المناقشات التي تخص حلف الناتو، بعدما تمكنت من عرقلة انضمام السويد إليه، والموافقة على دخول فنلندا بعد معارضة.

كما لعبت دورًا في حرب أوكرانيا، حيث أسهمت -بشكل كبير- في اتفاق نقل الحبوب، من أوكرانيا إلى العالم، وحاولت استضافة مفاوضات بين روسيا وأوكرانيا، ومما سبق يتضح انعكاس الانتخابات التركية على ملفات عدة بالمنطقة والعالم.

إطاحة أردوغان

سلطت "واشنطن بوست" الضوء على إمكانية خسارة أردوغان لهذه الانتخابات، مشيرة إلى أن استطلاعات الرأي في تركيا كشفت عن سباق حاد بين الكتلتين الرئيستين، تحالف شعب أردوغان من جهة، والكتلة المعارضة التي أطلق عليها "طاولة الستة" من جهة أخرى.

وطاولة الستة، تحالف سياسي يضم 6 أحزاب تركية معارضة من خلفيات مختلفة، تأسس في فبراير 2022 على وقع التحضيرات لانتخابات 2023 الحاسمة.

ويهدف تحالف "الطاولة السداسية" إلى العودة بالبلاد من النظام الرئاسي إلى البرلماني، ويرفع شعار "النظام البرلماني المعزز".

وأظهرت استطلاعات الرأي، في أبريل الماضي، أن خصم أردوغان الرئيس، كمال كيلغدار أوغلو، يتقدم بفارق ضئيل.

لكن لا تزال هناك شكوك في قدرة كيلغدار أوغلو على إطاحة أردوغان، الزعيم التركي الأطول خدمة، متجاوزًا حتى مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس الجمهورية التركية الحديثة.

وحسب الصحيفة الأمريكية، فقد كثّف أردوغان (69 عامًا) حملته الانتخابية خلال الفترة الأخيرة -قبل الصمت الانتخابي- بين إلقاء الخطب النارية أمام حشوده في الميادين الرئيسة للمحافظات، والظهور عبر التلفاز.

ويقود أردوغان تركيا منذ أن أصبح رئيسًا للوزراء عام 2003، المنصب الذي شغله حتى عام 2014، عندما تولى منصب الرئيس.

وعام 2017، نجح في توسيع سلطات الرئيس في استفتاء استبدل بالنظام البرلماني التركي رئاسة تنفيذية، وألغى منصب رئيس الوزراء.

وقد أعطى الاستفتاء لأردوغان سلطة إصدار المراسيم والقوانين من دون موافقة برلمانية، ما عده خصومه "ترسيخًا لحكمه الاستبدادي".

ودأبت حكومة أردوغان -طوال وجودها في السلطة- على مراقبة الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي، بشكل زاد القيود ضد حرية الرأي والتعبير، لدرجة أنها سعت إلى حظر تويتر عام 2014 بعد فضيحة سياسية.

وبحسب منظمة هيومن رايتس ووتش -المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان- فإن "الاعتداء على حرية الصحافة تسارع بعد محاولة الانقلاب المزعومة عام 2016، إذ كان التحقيق مع عشرات الآلاف كل عام بدعوى إهانة الرئيس".

كانت حكومة أردوغان، أصدرت قانونًا -العام الماضي- يفرض عقوبة السجن على أي شخص، يتبين أنه نشر معلومات مضللة، تثير الخوف والقلق العام.

ومع ذلك، يقود أردوغان قاعدة كبيرة ومخلصة من المؤيدين، حاول تعزيزها هذا العام، من خلال طرح سريع للتسهيلات الاقتصادية، بما في ذلك الإعفاء الضريبي، وقروض الرهن العقاري الرخيصة، ودعم الطاقة، والتعهد بعدم زيادة رسوم الطرق والجسور.

وأشارت الصحيفة الأمريكية، إلى أنه بعد زلزال 6 فبراير، الذي دمر مدنًا كاملة جنوبي البلاد، وأسفر عن قتل أكثر من 50 ألفًا في تركيا وسوريا المجاورة، تعرضت حكومة أردوغان لانتقادات غير مسبوقة من ضحايا الزلزال، بسبب الانتشار البطيء للمسعفين، ولإخفاقها في تطبيق قوانين البناء.

تعليقًا على ذلك، قال كيلغدار أوغلو إن انهيار عديد من المباني كان "نتيجة لسياسات التربح المنهجية"، محملًا أردوغان المسؤولية عن عدم تحضير البلاد لكارثة، حذر علماء الزلازل -منذ فترة طويلة- من أنها محتملة.

كان أردوغان أيضًا ينتقد خصومه بالقدر نفسه، فالأسبوع الماضي، اتهم حزب المعارضة بالتحالف مع الإرهابيين، وقال: "إنهم يريدون تسليم البلاد للجماعات الإرهابية التي يسيطر عليها الإمبرياليون" ، في إشارة إلى حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد، الذي يتهمه أردوغان بصلته بجماعة كردية متشددة.

وهاجم أردوغان أيضًا "مجتمع الميم"، الذي تدعمه المعارضة، وقال، خلال تجمع حاشد الأسبوع الماضي: "نحن ضد مجتمع الميم"، في محاولة للفت انتباه قاعدته من الناخبين المحافظين دينيًا.

فرصة المعارضة

وعن إمكانية اغتنام المعارضة التركية الفرصة، بينت "واشنطن بوست" أن أردوغان يواجه تحالفًا من ستة أحزاب معارضة، تدعم كيلغدار أوغلو كمرشح للرئاسة.

وأشارت إلى أنه رغم فشله في قيادة حزبه إلى الفوز على حزب العدالة والتنمية الحاكم، خلال الانتخابات البرلمانية السابقة، فإن كيلغدار أوغلو نجح، من خلال استخدامه وسائل التواصل الاجتماعي بشكل فعّال، في جذب جماهيرية لا بأس بها، ما جعل فرصه متساوية أمام أردوغان، إن لم تكن تزيد قليلًا.

وتعتمد كتلة كيلغدار أوغلو القوية على دعم ناخبي المعارضة، الذين حققوا انتصارات عام 2019 في انتخابات رئاسة بلدية المدن الكبرى، وعلى الأخص في اسطنبول، حيث هزم عضو حزب الشعب الجمهوري، أكرم إمام أوغلو، مرشح أردوغان.

وقد اختار كيلغدار أوغلو، إمام أوغلو، النجم السياسي الصاعد، لمنصب نائب الرئيس، إلى جانب عمدة أنقرة منصور يافاس من حزب الشعب الجمهوري.

بينما حُكم على إمام أوغلو بالسجن أكثر من عامين، بتهمة إهانة مسؤولين عموميين في محاكمة يُنظر إليها -على نطاق واسع- أنها ذات دوافع سياسية، ومن ثمّ فإنه يواجه حظرًا من تولي منصب عام حال تأييد الحكم.

ورغم أن أحزاب المعارضة تمكنت من وضع خلافاتها جانبًا، خلال الفترة التي سبقت الانتخابات، فإن فوز كيلغدار أوغلو سيجبره على مواجهة المصالح المتنافسة داخل تحالفه الشامل، الذي يضم قوميين وإسلاميين وعلمانيين وليبراليين.

وبينت الصحيفة الأمريكية، أن كيلغدار أوغلو ركز على القضايا التي أدت إلى تآكل شعبية أردوغان، ووعد بمعالجة أزمة غلاء المعيشة، وحماية المساواة بين الجنسين، ومنح الأولوية لسيادة القانون من خلال إصلاح القضاء، الذي يقول النقاد إنه استُخدم كسلاح من حكومة العدالة والتنمية لاستهداف خصومها.

كما وعد كيلغدار أوغلو بالعودة إلى السياسات الاقتصادية التقليدية واستعادة نظام الحكم البرلماني، وإعادة منصب رئيس الوزراء وتقليص صلاحيات الرئيس.

أوروبا و"الناتو"

وعما تعنيه الانتخابات التركية، لأوروبا وحلف شمال الأطلسي، رأت "واشنطن بوست" أن هذه الانتخابات تحظى بمتابعة واسعة على الصعيدين (القارة العجوز وحلف الناتو).

وأشارت إلى أنه مع الاهتمام الأوروبي الكبير، إلا أن أكثر دولة ستراقب، باهتمام شديد، هي السويد التي عرقل أردوغان سعيها للانضمام إلى عضوية "الناتو".

ورغم أن تركيا صوتت -الشهر الماضي- للسماح لفنلندا بالانضمام إلى التحالف العسكري، ما أدى إلى مضاعفة الحدود البرية لحلف الناتو مع روسيا، فإن أردوغان يواصل إعاقة محاولة السويد للحصول على العضوية، بذريعة رفض ستوكهولم تسليم "الإرهابيين" المنتسبين إلى حزب العمال الكردستاني المصنف إرهابيًا في تركيا.

مقابل موقف أردوغان، الممانع لانضمام السويد، لفتت "واشنطن بوست" النظر إلى تصريح لكبير مستشاري السياسة الخارجية لكيلغدار أوغلو، أونال سيفيكوز، لمجلة بوليتيكو قال فيه "إن مرشح المعارضة -حال فوزه- لن يقف في طريق طموحات السويد لحلف شمال الأطلسي".

كما وعد كيلغدار أوغلو بتنشيط علاقات تركيا المتوترة بالاتحاد الأوروبي، ما يزيد احتمال إلغاء تجميد محادثات الانضمام المتوقفة منذ فترة طويلة، وتأكيد أهمية تعميق العلاقات الاقتصادية والتعاون بشأن الهجرة واللاجئين.

وعلى ذكر الهجرة واللجوء، أصبحت تركيا نقطة "عبور" رئيسة منذ عام 2011 للفارّين من القصف، والمجاعة التي شهدتها سوريا بعد أحداث 2011، مع الإشارة إلى أن تركيا "تستضيف ما لا يقل عن 4 ملايين لاجئ وطالب لجوء سوري".

ويشكل هؤلاء اللاجئون مصدر قلق للاتحاد الأوروبي، خصوصًا أنهم كثيرًا ما استُخدموا من طرف المسؤولين الأتراك، سواء في الحكم أم المعارضة، كورقة ابتزاز ضد الأوروبيين، فضلًا عن كون اللاجئين السوريين أصبحوا فريسة لسهام السياسيين القوميين المتطرفين في تركيا، حيث يلقون باللائمة عليهم في ما يخص المشكلات التي يعانيها الاقتصاد التركي، ورغم أن أردوغان طالما وجَّه اللوم لأولئك الذين يجعلون من اللاجئين هدفًا لسهام نقدهم، فإنه رضخ للضغط، من خلال وعده بإعادة توطين مليون سوري في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في الشمال.

وحتى عندما قال كيلغدار أوغلو إنه سيحاول إصلاح سِجل تركيا في مجال حقوق الإنسان، فقد أصدر عديد الملاحظات نفسها التي قالها أردوغان بشأن سياسة اللاجئين، بتأكيده أن الاتحاد الأوروبي يجب أن يوفر الأموال للمقاولين الأتراك، لإعادة بناء أجزاء من سوريا لإعادة التوطين، مهددًا الأوروبيين، حال عدم دفع الأموال "بفتح الأبواب أمام اللاجئين للذهاب إلى أي مكان يريدون".

الانتخابات وروسيا

وعما تعنيه الانتخابات بالنسبة للحرب الروسية في أوكرانيا، بينت "واشنطن بوست" أنه بعد الغزو الروسي لأوكرانيا العام الماضي، قدمت تركيا نفسها على الفور كوسيط، واستضافت جولة أولية من المحادثات الدبلوماسية بين موسكو وكييف، إلا أن تلك الجهود تلاشت مع اشتداد حدة الصراع.

لكن، لعل أهم نتيجة قاد إليها التدخل التركي في الأزمة، اتفاق الحبوب الذي كان بوساطة الأمم المتحدة، بين كييف وموسكو الصيف الماضي، حيث استضافت أنقرة توقيع اتفاقية إعادة شحنات الحبوب التي كانت روسيا قد حظرتها.

اقتضى ذلك الموقف مقاومة أنقرة مساعي ضمها إلى العقوبات الغربية ضد روسيا، لكن أردوغان سمح -مع ذلك- ببيع طائرات مُسيّرة لأوكرانيا، استُخدمت ضد أهداف روسية في الحرب.

في المقابل استمر أردوغان باستيراد النفط الروسي، واقترح -مارس الماضي- أن يزور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين افتتاح أول مفاعل نووي بتركيا في أبريل، لكن بوتين اكتفى بدلًا من الحضور بالمشاركة عبر الفيديو.

السياسة ذاتها، يبدو أنه متفق عليها بين أردوغان ومنافسه الرئيس كيلغدار أوغلو، الذي تعهد بأنه حال انتخابه رئيسًا، سيحافظ على "استمرار سليم وذي مصداقية للعلاقات التركية الروسية"، كما سيواصل العمل كوسيط، وسيحرص على تمديد صفقة الحبوب مع منح الأولوية لمكانة أنقرة كعضو في "الناتو".

وخلال الانتخابات، يجب أن يحصل المرشح لمنصب الرئيس على أكثر من 50 في المئة من الأصوات للفوز، لكن إذا فشل كل من أردوغان وكيلغدار أوغلو -وهو ما تشير استطلاعات الرأي إلى أنه مرجح- سيتواجهان بجولة الإعادة في 28 مايو.