3 طرق للرد على تجربة نووية لكوريا الشمالية... هل تنجح استراتيجية الردع والاحتواء؟
توج عام 2022 باختبار نظام جديد لقاذفات الصواريخ المتعددة ذات القدرة النووية، المصمم لتنفيذ ضربات نووية تكتيكية ضد كوريا الجنوبية

السباق
باستعراض واضح للقوة العسكرية، وبتعهد بتطوير نظام صاروخي بالستي جديد عابر للقارات، احتفى الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون بالعام الجديد، متعهدًا بزيادة إنتاج الأسلحة النووية بشكل كبير.
ذلك التعهد الذي قطعه النظام الكوري الشمالي على نفسه، كان يحمل رسائل موجهة إلى الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان، بينما تزامن مع صور لكيم وابنته يتجولان في صفوف من الصواريخ متوسطة المدى وناقلات متحركة، وهي أسلحة يمكن أن تضرب اليابان والقواعد الأمريكية هناك وفي غوام.
وتوج عام 2022 باختبار نظام جديد لقاذفات الصواريخ المتعددة ذات القدرة النووية، المصمم لتنفيذ ضربات نووية تكتيكية ضد كوريا الجنوبية، بينما أثار تصعيد تجارب الصواريخ في كوريا الشمالية والاستعدادات للاختبار السابع الوشيك لرأس حربي نووي، قلق حكومات المنطقة والولايات المتحدة.
سياسة نووية
ويصوِّر بعض المراقبين عمليات الإطلاق هذه على أنها مسرح سياسي، أو أعمال تحدٍ غاضب أو صرخة يائسة للانتباه ودعوة للتفاوض، لكن الاختبارات والتصريحات الصادرة عن كيم ونظامه لا تمثل خروجًا عن الإجراءات السابقة.
وتقول صحيفة ذا ناشيونال إنترست، إن عمليات الإطلاق تلك تعد استمرارًا لجهود كوريا الشمالية الراسخة، لامتلاك قدرة أسلحة نووية يمكنها الصمود في وجه الضربة الأمريكية، والتغلب على أنظمة الدفاع الصاروخي الحالية، والوصول إلى أهداف رئيسة في كوريا الجنوبية، واليابان، وغرب المحيط الهادئ، وربما القارة.
ويعكس برنامج الاختبار الذي نُــفِّذ خلال العامين الماضيين، مجموعة من أهداف نظام الأسلحة التي وضعها كيم يناير2021 في المؤتمر الثامن لحزب العمال الكوري، بحسب «ذا ناشيونال إنترست».
وفي خطابه أمام الكونغرس، دعا كيم إلى تطوير صواريخ بالستية عابرة للقارات، وصواريخ تطلق من الغواصات، وأسلحة نووية مصغرة، وصواريخ متعددة الرؤوس، ومجموعة من أنظمة تسليم الصواريخ وأنظمة الأسلحة.
وتقول الصحيفة الأمريكية، إن البرامج الصاروخية والنووية مدفوعة بإحساس كوريا الشمالية بالضعف، مشيرة إلى أنها تعد تعبيرًا عن هدف لا يزال راسخًا لإعادة توحيد شبه الجزيرة الكورية تحت قيادة كوريا الشمالية، بينما يهدف الموقف الحربي الحالي جزئيًا إلى «دق إسفين» بين شعب كوريا الجنوبية وحليفها الأمني.
من جانبه، قال ديفيد ستراوب، المسؤول السابق في وزارة الخارجية، الذي يتمتع بخبرة واسعة في كوريا، إن «الكوريين الشماليين طوال الوقت كانوا يحاولون ترهيب الولايات المتحدة، وإن كان ذلك لغايات معينة وفي أوقات مختلفة».
وأضاف ستراوب: منذ عقدين من الزمن، كما نعلم جميعًا، يحاول الكوريون الشماليون إقناع الولايات المتحدة، ومن خلالنا، بقية العالم بقبولهم كدولة أسلحة نووية، مشيرًا إلى أن رفع العقوبات المفروضة عليهم، وتطبيع العلاقات معهم، وهم يحافظون على الأسلحة النووية ويستمرون في تطويرها، ليس أداة للردع أكثر من السيطرة على شبه الجزيرة.
ترهيب أمريكا
يقول المسؤول الأمريكي السابق، إن الكوريين الشماليين وإن لم ينجحوا في تحقيق هذا الهدف، يواصلون محاولة ترهيب الولايات المتحدة بشكل مباشر أكثر من أي وقت مضى، لحملنا على التعب والاستسلام ومغادرة كوريا الجنوبية.
وبحسب «ذا ناشيونال إنترست»، فإن هذا الهدف أصبح في السنوات الأخيرة، أكثر قابلية للتحقيق في أذهان النظام الكوري الشمالي، خاصة أن الولايات المتحدة أصبحت تتراجع في أفغانستان، وتفشل في العراق وسوريا، وتقترب بشكل مثير من الانسحاب من كوريا الجنوبية، في ظل إدارة ترامب.
وأشارت إلى أن إدارة بايدن قبلت هذا الاتجاه، وأعادت الالتزام بمركزية التحالفات الأمنية مع كوريا الجنوبية واليابان، مدعومة بعودة القيادة المحافظة في سيول، لكن في أذهان كيم وكبار مسؤوليه، قد يكون هذا مجرد حالة مؤقتة.
وتقول الصحيفة الأمريكية، إنه يجب تشجيع القيادة الكورية الشمالية، من خلال دعوات المسؤولين الأمريكيين السابقين وخبراء آخرين لقبول وضع بيونغ يانغ كدولة أسلحة نووية، وهو هدف رئيس لدبلوماسيتها.
ووضعت الحرب في أوكرانيا الصين وروسيا إلى جانب كوريا الشمالية أكثر من أي وقت آخر في العقود الثلاثة الماضية، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إنه في ظل هذه الظروف، فإن أي مفاوضات مع كوريا الشمالية ستؤدي -في أحسن الأحوال- إلى تجميد مؤقت في اختباراتها.
وأكدت «ذا ناشيونال إنترست»، أنه يجب أن تكون واشنطن مستعدة لتقديم التبادل المألوف لنزع السلاح النووي، الذي يمكن التحقق منه في خطوات مرئية، إذا كانت على مراحل، للاعتراف الدبلوماسي، ومعاهدة سلام لإنهاء الحرب الكورية، والمشاركة الاقتصادية على نطاق واسع، لكن مفاوضات تحقيق هذه الغاية تعثرت للسبب نفسه، فالأمر ببساطة ليس في مصلحة كوريا الشمالية.
تلك السياسة الكورية الشمالية، لا تترك سوى رد فعل واحد قابل للتطبيق، هو الرد الذي تتبعه إدارة بايدن بوضوح، بدعم من كوريا الجنوبية واليابان: استراتيجية الردع والاحتواء، بالاعتماد على دروس الحرب الباردة.
تعزيز الردع
وتقول الصحيفة الأمريكية، إن التجربة النووية السابعة لكوريا الشمالية، مصحوبة بمزيد من التقدم في تكنولوجيا الصواريخ، تتطلب تعزيزًا كبيرًا ومتصاعدًا لاستراتيجية الردع تلك.
وبينما من غير المرجح تكثيف الاحتواء، الذي يشمل العقوبات والضغط الاقتصادي، لقرار الصين وروسيا بإنهاء مشاركتهما في إجراءات العقوبات المنصوص عليها، في قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يجب الاعتماد على الردع.
وتقول «ذا ناشيونال إنترست»، إن بنية الردع في المنطقة غير كافية، فمن الناحية العملية، يجب أن تقنع خصمنا بأن الاستخدام المحتمل لقدرته النووية لمهاجمة الولايات المتحدة أو حلفائها في أزمة أو وقت الحرب، أو حتى الاستفزازات الحركية التي لا ترقى إلى الحرب، ستخاطر ببقائها، إلا أنه مع ذلك، ليس من الواضح إذا كان كيم وجنرالاته قد توصلوا إلى هذا الحكم.
طرق لتعزيز سياسة الردع
هناك طرق عدة يمكن من خلالها أن يكون الردع أكثر إقناعًا لنظام بيونغ يانغ، بل ويرفع تكلفة التطوير المستمر للصواريخ والأنظمة النووية إلى مستوى غير مقبول، تتضمن تشديدًا واضحًا للتعاون الأمني الثلاثي، بين الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية، الأمر الذي يحظى باهتمام فوري ليس فقط من بيونغ يانغ، ولكن أيضًا من داعميها في بكين وموسكو.
أولاً، هناك نشر أصول استراتيجية أمريكية في المنطقة، للتعبير عن الاستعداد لتنفيذ ضربات انتقامية، ردًا على أي استخدام للأسلحة النووية من كوريا الشمالية، فعادة ما ينفذ عن طريق التمركز المؤقت للطائرات الاستراتيجية -قاذفات B-2 و B-52 على سبيل المثال- بالقواعد الأمامية في غوام.
إلا أنه مع ذلك، فإن الأمر الأكثر قوة هو التمركز الدائم للأنظمة ذات القدرة المزدوجة في المنطقة، ويمكن أن تشمل هذه الغواصات الهجومية من فئة أوهايو، التي ليست مجهزة بأسلحة نووية.
ويجب أيضًا النظر في النشر الأمامي لحاملة طائرات ثانية في اليابان، إضافة إلى تمركز جناح مقاتلة تكتيكية ثانية في قاعدة ميساوا الجوية شمالي اليابان، التي لديها القدرة على استيعاب قوات إضافية وتقع ضمن نطاق الضرب السهل لكوريا الشمالية.
ويعد نشر أنظمة الصواريخ البالستية وصواريخ كروز البرية الأمريكية خيارًا أكثر قوة، رغم أنه ربما يستمر في سلم التصعيد، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إن قرار اليابان بالحصول على صواريخ توماهوك كروز لإنشاء قدرة هجومية بعيدة المدى يحقق بعض الأهداف.
لكن لكي تكون فعالة، يجب دمجها في قيادة عملية مشتركة بحكم الأمر الواقع، يمكن أن تعتمد على قدرات الاستطلاع والمراقبة الأمريكية وغيرها من القدرات الاستخباراتية.
الطريقة الثانية
تتمثل في التحرك بطريقة جادة نحو إنشاء قيادة دفاع جوي وصاروخي ثلاثية مشتركة، بينما دعا البيان الثلاثي الصادر في كمبوديا عن الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية، إلى تبادل بيانات إطلاق الصواريخ وغيرها من المعلومات الاستخباراتية.
من حيث المبدأ، هذا ممكن ويحدث بالفعل بين كوريا الجنوبية وقيادة الدفاع الجوي المشتركة، بين الولايات المتحدة واليابان في قاعدة يوكوتا الجوية، بينما ستجمع القيادة الثلاثية بين الهيكل الأمريكي الياباني وتنسيق الدفاع الصاروخي بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية تحت قيادة القوات المشتركة، بحسب الصحيفة الأمريكية.
الطريقة الثالثة
إنشاء أوامر مشتركة شبيهة بحلف شمال الأطلسي، من شأنها أن تشمل القوات النووية، حتى في ترتيبات المشاركة، بحسب الصحيفة الأمريكية التي قالت إن هذه خطوة قد تتجاوز الإجماع السياسي الحالي في اليابان وكوريا الجنوبية.
لكن إحياء حوارات الردع التشاورية الموسعة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان، يوفر إطارًا للتحرك نحو حوار متعدد الأطراف، على غرار حلف الناتو للتخطيط النووي يمكنه تحديد المهام المحددة التي قد يؤديها كل حليف، لمساعدة الولايات المتحدة في أوقات مصيبة، بينما ينبغي أن تصاحب ذلك اجتماعات منتظمة لمجموعة تنسيق الردع الموسعة الثلاثية على مستوى كبار المسؤولين.
وستشكل هذه الخطوات مصداقية لضمان الردع الأمريكي الممتد، الذي لا وجود له، بينما ستصدر بيانًا قويًا لكوريا الشمالية وحلفائها، بشأن عواقب التهديدات النووية.
وستثبت هذه التحركات أن المجتمع الدولي لن يقبل بكوريا الشمالية، كدولة تمتلك أسلحة نووية.
وعلى المدى الطويل، سيكون استثمار عائلة كيم الهائل في الحصول على قدراتها النووية والصاروخية خسارة شبه كاملة، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إنه يجب أن يفهم النظام أنه لا يمكنه استخدام الأسلحة النووية من دون كارثة على نفسه، ولا يمكنه استخدامها كابتزاز فعال.
وأشارت إلى أنه باستثناء ذلك، فإن الأسلحة النووية أسوأ من عديمة الفائدة، فهي لا تستطيع إطعام شخص كوري شمالي واحد، بل تأخذ الطعام من أفواه الكوريين.
وختمت الصحيفة الأمريكية تقريرها، بأنه لا نظام يدوم إلى الأبد، فمشكلات كوريا الشمالية أساسية وحادة وغير قابلة للحل، مشيرة إلى أنه بالعزم وبعض الحظ، يجب أن تكون الولايات المتحدة قادرة على ردع كوريا الشمالية، حتى يتغير الوضع إلى الأفضل.