الناخبون المحبطون دعموا ماكرون... وهو الآن مدين لهم

إن دعم الكثير من الناخبين لماكرون بشكل واضح -رغم شكوكهم- شهادة على التزامهم تجاه الجمهورية الفرنسية، عسى أن تعيش طويلًا.

الناخبون المحبطون دعموا ماكرون... وهو الآن مدين لهم

ترجمات - السياق

 

أعيد انتخاب إيمانويل ماكرون رئيسًا لفرنسا، ويمكن للعالم أن يتنفس الصعداء. لقد جرى تفادي كارثة حقيقية، وهذا ليس من قبيل المبالغة على الإطلاق.  

فخصم ماكرو، مارين لوبان، كابوس السياسية الأوروبية، منظّرة يمينية متطرفة، دعت إلى "التقارب الاستراتيجي" مع فلاديمير بوتين، في الوقت الذي كانت فيه  روسيا تواصل هجومها الوحشي على أوكرانيا.  

بفضل والدها، جان ماري لوبان، هي أيضًا وريثة التقليد الفرنسي جدًا لمعاداة السامية وإنكار الهولوكوست وكراهية الإسلام، رغم أنها خفَّفت مؤخرًا من نبرتها، وتراجعت عن بعض مقترحاتها الأكثر غرابة.

لديّ رأيان بشأن هذه الانتخابات، من ناحية، أشعر بفخر كبير بالبلد الذي أصبح موطني بالتبني، إنه لأمر مشجع أن فرنسا رفضت مرة أخرى اليمين المتطرف نفسه، الذي عطَّل السياسة بشكل دائم في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.  

ومن ناحية أخرى، تصدى الفرنسيون لليمين المتطرف، من خلال إعادة انتخاب شاغل وسطي، يحيِّـر العقل أحيانًا في غطرسته، وعدم تعاطفه مع الناس العاديين.  

إذا كان هناك أي شيء، فإن النتائج تظهر تجديدًا ضعيفًا للوضع الراهن، لمجرد عدم وجود بديل حقيقي، قد يكون ذلك جيدًا بمرور الوقت.

من الصعب القول إن هذه الانتخابات كانت انتصارًا لجدال على آخر، لأن ماكرون -بالكاد- قدَّم رؤية واضحة للناخبين، وبالكاد كان يتكيف مع الحملة الانتخابية حتى النهاية.  

لقد تغلب على لوبان بنسبة 59 إلى 41 في المئة، وهو فوز حاسم بالتأكيد، لكن أيضًا بهامش أصغر من آخر مرة تواجه فيها الفريقان، قبل خمس سنوات.

فوز ماكرون يمثل المرة الأولى، التي يفوز فيها رئيس فرنسي بإعادة انتخابه، منذ 20 عامًا (آخر مرة كان جاك شيراك عام 2002، عندما واجه جان ماري لوبان).  

يتمتع ماكرون بنوع من الحظ، الذي يُقتل من أجله السياسيون الطموحون، لقد ترشح لمنصب في مناسبتين فقط، للرئاسة، وفاز في المرتين.

ولكن حتى لو جرت هزيمة اليمين المتطرف، لا يزال هناك شيء مقلق للغاية بشأن النتيجة النهائية. على سبيل المثال، سجلت مارين لوبان نتيجة أفضل من أي وقت مضى، حيث فازت بنسبة 41 في المئة من الأصوات.  

المرة الأخيرة التي ترشحت فيها، عام 2017، كسبت 34 في المئة فقط. يبدو أن هجومها الساحر نجح، ويرى المزيد من الناخبين أنها مرشحة ذات مصداقية.  

هذه الحقيقة مقززة، تتزامن مع الحرب في أوكرانيا، التي ربما كانت أهم نزاع بري في أوروبا، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، واجه الناخبون الفرنسيون أحد أفراد العائلة، الذي كان دائمًا مركز اليمين الأوروبي المتطرف بعد الحرب، بتعاطفه مع النازية، وإنكار الهولوكوست، وسلطته. صحيح لم ينتخبها الفرنسيون، لكنهم لم يرفضوها تمامًا.

قالت لوبان، في خطاب تنازلها: "الأسرة القومية الآن الخصم الرئيس للرئيس ماكرون، إنه تصويت تاريخي بالنسبة لنا"، وهي في ذلك محقة للأسف. 

سيعلن حلفاء ماكرون نتائج الأحد، على أنها صدّ الوسط الليبرالي لموجة "الشعبوية"، وهي رواية مفرطة في التبسيط، وغير مناسبة تمامًا لتعقيد هذه اللحظة.

سبب آخر مقلق لنتائج الانتخابات، أنها تظهر القليل من عدم الاكتراث، وحتى اللامبالاة  في مواجهة الهوية، إذ تشير التقديرات المبكرة إلى أن معدل الامتناع عن التصويت يبلغ نحو 28 بالمئة، بزيادة طفيفة عن مستواه عام 2017. 

وإذا كان هذا صحيحًا ، سيكون ذلك أعلى رقم في جولة التصويت النهائية منذ عام 1969، وهذا يعني أيضًا أن ماكرون أعيد انتخابه بدعم نحو 38 في المئة من الناخبين المسجلين، مقارنة بـ 43.6 في المئة عام 2017، وفقًا لتحليل مبكر من إبسوس. 

هذه ليست موجة من التأييد الشعبي لحزب الوسط، الذي يبدو غير متبلور وفارغ أكثر من أي وقت مضى.

"أعيد انتخابه لإنقاذ الديمقراطية" هكذا قال باتريك ويل، المراقب الحريص للمشهد السياسي الفرنسي، الأستاذ بجامعة السوربون في باريس، الذي أضاف: "العديد من الأشخاص، الذين صوتوا لصالحه، يريدون أن يكون تحت سيطرة البرلمان، الانتخابات البرلمانية المقبلة في يونيو ستكون صعبة بالنسبة له".  

سوف تكون كذلك بالفعل، فالفوز بولاية ثانية شيء، والحكم مرة أخرى سيكون شيئًا آخر.

كانت رسالة ماكرون الاساسية، إما طريقه وإما الطريق السريع، لكن بسبب لوبان، بقي الناخبون -لحسن الحظ- على طريقه.  

إن إعادة انتخابه لا تبدو كأنها انتصار نهائي لـ "الديمقراطية الليبرالية"، بل بالأحرى المرونة الملهمة لسلوك الناخبين المحترم، رغم الاتجاه المؤسف للمؤسسة السياسية "الوسطية" لعزل أفقر أفراد المجتمع والأقليات، خاصة المسلمين، الذين يشكلون سببًا من كون فرنسا بلدًا عظيمًا.

إن دعم الكثير من هؤلاء الناخبين لماكرون بشكل واضح -رغم شكوكهم- شهادة على التزامهم تجاه الجمهورية الفرنسية، عسى أن تعيش طويلًا.

ماكرون مدين لهم بالكثير، ويبدو أنه يعرف ذلك، إذ قال في خطاب قبوله عند سفح برج إيفل: "أريد أن أقول إن هذا التصويت يلزمني في السنوات المقبلة"... دعونا نأمل أن يفي بوعده.

 

مقال رأي للكاتب جيمس مكولي في "واشنطن بوست"