نيويورك تايمز: كيف ضغطت قطر على وكالة أممية كي لا تحقق في انتهاكاتها؟
ذكرت نيويورك تايمز، أن المسؤولين بوزارة العمل القطرية، طلبوا من منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة، عشية انطلاق كأس العالم لكرة القدم، الامتناع عن أي تعليق قد يلقي بظلاله على البطولة.

ترجمات -السياق
مازال ملف استضافة قطر لبطولة كأس العالم لكرة القدم، يثير تساؤلات في الأوساط الدولية، خصوصًا بعد اتهامات لها بانتهاكات حقوق العمال، لا سيما علاقة الدوحة بقضية رشوة لمسؤولين كبار في البرلمان الأوروبي.
صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، كشفت تفاصيل جديدة، مشيرة إلى أن قطر شرعت في حملة استمرت سنوات من "المناورات السياسية" التي ساعدت في تحويل منظمة العمل الدولية، وهي منظمة أممية معنية بمراقبة حقوق العمال، "من منتقد إلى حليف"، أثناء استعدادها لاستضافة مونديال 2022، لدرجة أن المنظمة بدت كأنها تعامل قطر كـ"عميل يدفع بدلًا من كونها دولة خاضعة للمراقبة والتدقيق".
وحسب الصحيفة، يمكن لمنظمة العمل الدولية التحقيق مع الحكومات وتقديمها إلى المحكمة ووصفها بأنها منتهكة للحقوق، وهي عوامل يمكن أن تعرض الاستثمار الأجنبي للخطر وتضر بسمعتها.
وذكرت الصحيفة الأمريكية، أن المسؤولين بوزارة العمل القطرية، طلبوا من منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة، عشية انطلاق كأس العالم لكرة القدم، الامتناع عن أي تعليق قد يلقي بظلاله على البطولة.
مساهمات مالية
وبينت "نيويورك تايمز" -طبقًا لوثائق ومقابلات مع أكثر من عشرة مسؤولين عماليين حاليين وسابقين- أن الحملة القطرية تضمنت السفر المجاني لقائد عمالي، إضافة إلى جهود ضغط مكثفة لتفادي تحقيق في البرلمان الأوروبي، علاوة على مساهمة بـ 25 مليون دولار لمنظمة العمل الدولية.
كانت استضافة كأس العالم جزءًا من جهد طويل ومكلف بذلته قطر لترسيخ صورتها العالمية، لكن العرض الذي قدَّمته شابته اتهامات بالرشوة ولفت الانتباه إلى نظام العمل الاستغلالي.
والآن بعد انتهاء البطولة، تعمل السلطات على توحيد الجهود للتغلب على الانتقادات وتشكيل الرأي السياسي، لا سيما في أوروبا.
وبالفعل -وفق الصحيفة- فإنه بحلول موعد انطلاق المونديال، كانت منظمة العمل الدولية قد هدأت من انتقاداتها، وسحبت شكوى تتهم قطر بالعمل الجبري والاستغلال.
وتعد السلطات البلجيكية، حملة قطر في منظمة العمل الدولية جزءًا أساسيًا من استراتيجية محاولة الدوحة للتغلب على الانتقادات وتشكيل الرأي السياسي، وفقًا لمسؤول قريب من التحقيق، اشترط عدم كشف هويته.
في المقابل، نفت قطر –مرارًا- ارتكاب أي مخالفة تتعلق بالتحقيقات في البرلمان الأوروبي.
وقالت الحكومة القطرية في رد لصحيفة نيويورك تايمز: إن "قطر تتعامل مع منظمة العمل الدولية من خلال القنوات الرسمية المستخدمة مع وكالات الأمم المتحدة".
وأضافت: "حقيقة أن قرار منظمة العمل الدولية بتبني موقف دقيق وموضوعي، يهدف إلى إحداث تغيير إيجابي على أرض الواقع في قطر، قوبل بالسخرية وانعدام الثقة".
وأشارت الحكومة القطرية، في بيانها للصحيفة الأمريكية، إلى أن رد الفعل "غير مفاجئ للأسف، لكنه غير معقول".
وقالت منظمة العمل الدولية، إنها كسبت تنازلات مهمة من دون أن تفعل شيئًا مختلفًا، ردًا على الضغط القطري، لكن المسؤولين الحاليين والسابقين قالوا إن هذه التحركات وراء الأبواب المغلقة كانت مثيرة للانقسام.
وحسب الصحيفة، تضيف التفاصيل الجديدة لجهود قطر للتأثير في هيئات الرقابة العمالية، إلى مجموعة من الأدلة لكيفية استخدام الدولة لثروات النفط والنفوذ السياسي لتلميع صورتها.
ووجد تقرير سري للاتحاد الدولي لنقابات العمال، أن الاتحاد لديه نقاط ضعف "تشغيلية ومالية ودستورية وسياسية" للفساد.
وأشار التقرير، الذي حصلت صحيفة نيويورك تايمز على نسخة منه، إلى الحاجة الملحة للحماية من "التهديدات التي تتعرض لها الحركة النقابية العالمية".
وردًا على هذه الاتهامات، يقول مسؤولو العمل إنهم تصرفوا بنزاهة، بينما يقول مسؤولو المنظمة الدولية، إن ما قد يراه البعض انتقادات غير متوازنة هو الدبلوماسية في العمل، مشيرين إلى أن الـ 25 مليون دولار -وهي من أكبر المساهمات من نوعها، التي لم يعلن عنها عند الإعلان عن الصفقة- لم تشتر النفوذ، ورأوا المبلغ "علامة على التزام الدولة بتحسين أحوال العمال لديها".
وبالفعل، تحسنت حقوق العمال في قطر منذ أن فتحت منظمة العمل الدولية مكتبها في الدوحة عام 2018، وحددت قطر حدًا أدنى للأجور، وقالت إن العمال يمكنهم تغيير وظائفهم من دون إذن صاحب العمل.
العبودية الحديثة
لكن -وفق "نيويورك تايمز"- فقد كشف المدافعون عن العمل وجماعات حقوق الإنسان وبعض السياسيين، أمثلة للعمل القسري، حيث عُلق عُمال البناء المهاجرون وخادمات المنازل في ديون طويلة الأجل، من قِبل أرباب العمل الذين صادروا جوازات سفرهم وبطاقاتهم المصرفية وحجبوا رواتبهم، وهي ظروف شبهتها بعض جماعات حقوق الإنسان بالعبودية الحديثة.
وعام 2014، بينما غذى العمال المهاجرون طفرة البناء في كأس العالم بمليارات الدولارات، قدَّم ممثلو النقابات الدولية شكوى إلى منظمة العمل الدولية، متهمين قطر بانتهاك الحقوق.
وقال الممثلون: "منذ اللحظة التي يبدأ فيها العمال المهاجرون البحث عن عمل في قطر، ينجذبون إلى نظام شديد الاستغلال يسهل على أرباب عملهم العمل القسري".
وفي الوقت الذي دافع فيه مسؤولو البرلمان الأوروبي عن قطر، وقع بعض أفرادها في تهم تتعلق بالرشوة.
فبينما قالت إيفا كايلي -وهي سياسية يونانية- النائبة في البرلمان الأوروبي في نوفمبر، إن قطر هي الأفضل في مجال حقوق العمال، إلا أنها بعد ثلاثة أسابيع من هذه التصريحات وُجهت إليها تهم بالفساد.
وجُمدت أصول وممتلكات كايلي وأفراد أسرتها، إثر ورود اسمها -خلال التحقيقات التي تجريها هيئة مكافحة الفساد الأوروبية- في بلجيكا مع عدد من المسؤولين الأوروبيين المشتبه بضلوعهم في فساد وغسل أموال، وتلقي رشاوي من مسؤولين قطريين، للتأثير في قرارات الاتحاد الأوروبي، عشية الاستعدادات لمونديال 2022.
وفي ديسمبر الماضي، أوقف الاتحاد الدولي لنقابات العمال مؤقتًا أمينه العام لوكا فيسينتيني عن العمل، بسبب صلته بتحقيق جنائي بشبهة فساد هز البرلمان الأوروبي.
وفيسينتيني واحد من ستة استجوبوا بشأن مدفوعات مزعومة من قطر للتأثير في صُنع القرار بالاتحاد الأوروبي، لكنه ليس أحد الأربعة المتهمين في الفضيحة التي أُطلق عليها "قطر غيت".
وتعليقًا على ذلك، قالت ماري كلارك ووكر، النقابية الكندية التي كانت جزءًا من الهيئة الحاكمة لمنظمة العمل الدولية: "من الممكن للدول التي لديها سلطة ومال أن تتلاعب بالنظام من خلال التنمر على الآخرين".
وقال مصطفى قادري، الباحث بمجال حقوق الإنسان، الذي كتب تقريرًا عن الانتهاكات العمالية المرتبطة بكأس العالم 2022: "كانت قطر فعّالة للغاية في السيطرة ليس فقط على السرد ولكن في صياغته".
وأضاف: "كان هناك كثير من المشجعين للإصلاحات ومنح الحكومة تصنيف A من دون تنفيذها".
وبينت "نيويورك تايمز" أن قطر ارتبطت بتحقيقات للسلطات البلجيكية، في أعقاب اتهام عدد من أعضاء البرلمان الأوروبي، بالحصول على أموال من الدوحة مقابل الإشادة بالدولة الخليجية -في ما يعرف بـ "قطر غيت"- والتقليل من انتهاكاتها لحقوق العمال خلال الفترة التي سبقت استضافة كأس العالم.
وحسب الصحيفة، فإنه طالما تعرضت الدوحة لاتهامات بانتهاكات حقوق العمال من منظمات حقوق الإنسان ودول غربية عدة، لاسيما أولئك الذين أسهموا في تشييد منشآت كأس العالم لكرة القدم.
أمام ذلك، بدلاً من استخدام مرحلة كأس العالم لتسليط الضوء على تلك الانتهاكات، كانت المنظمة العمالية والشركات التابعة لها تتخذ نبرة إيجابية في كثير من الأحيان، وفق الصحيفة.
ولكن في تقرير التحقيق الداخلي، الذي نشر هذا الأسبوع بين قادة النقابات العمالية، خلص الاتحاد الدولي لنقابات العمال إلى أن تغييره "من النقد القاسي إلى الثناء المشروط" كان بحسن نية.
وبينما تقول منظمة العمل الدولية، إنها لم تخفف رسالتها بناءً على طلب الحكومة، إلا أنه مع تركيز العالم على قطر، فإن التصريحات العلنية للوكالة خلال كأس العالم لم تذكر الانتهاكات العمالية، واختارت بدلاً من ذلك الإشادة بتعاونها مع الحكومة، لدرجة أن الوكالة نشرت في "تويتر" صورة لكبار مسؤوليها يستمتعون بالبطولة.