هل بدأت حرب باردة جديدة؟

حرب روسيا ضد أوكرانيا، ليست فقط اشتباكات عسكرية تكتيكية، وإنما حرب يخوضها بوتين ضد أسس النظام الأوروبي الحالي.

 هل بدأت حرب باردة جديدة؟

ترجمات -السياق 

بينما تتصاعد الحرب الدائرة في أوكرانيا بلا هوادة، ويتزايد التوتر بين واشنطن وبكين من جهة، وبين واشنطن وموسكو من جهة أخرى، بات السؤال المُلح: هل بدأت حرب باردة جديدة، وكيف تنتهي؟

مجلة ناشيونال إنترست الأمريكية، سلطت الضوء على الإجابة عن هذا السؤال، موضحة أن المنتصر في الحرب الروسية الأوكرانية سيحدد ملامح النظام العالمي.

وأشارت إلى أنه خلال سنوات الحرب الباردة، في النصف الثاني من القرن العشرين، حتى أوائل القرن الحادي والعشرين، تحدثت حكومات ومحللون عسكريون وأكاديميون وحتى روائيون، عن حرب عالمية ثالثة نووية بسبب أزمة بين الروس والأمريكيين.

وبينت -في تحليل للمحللين الأمريكيين لورانس جيه كورب مساعد وزير الدفاع الأمريكي سابقًا، الباحث في مركز التقدم الأمريكي للأبحاث، وستيفن سيمبالا أستاذ العلوم السياسية في جامعة بنسلفانيا الأمريكية- أن أي فشل لاستراتيجية الردع المتبادل بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي طوال سنوات الحرب الباردة، كان يمكن أن يؤدي إلى دمار غير مسبوق للحضارة الإنسانية، لدرجة أن أحد الكتّاب قال إن الناجين من هذه الحرب "سيحسدون الموتى".

وتضيف المجلة: هذا السيناريو المرعب لم يحدث لأن القادة الأمريكيين، من هاري ترومان حتى جو بايدن مرورًا بجيمي كارتر ورونالد ريغان، حرصوا على تجنُّبه، لكن الرئيس الأمريكي الحالي قال إن الرد الروسي على الدعم الغربي بقيادة الولايات المتحدة لأوكرانيا، يمكن أن يوسع نطاق الحرب الروسية في أوكرانيا.

من ينتصر؟

ووصفت "ناشيونال إنترست" الحرب الدائرة في أوكرانيا، التي دخلت عامها الثاني، بأنها حرب على الشرعية السياسية وحقوق الإنسان، ولذلك يواجهها العالم أجمع من قِبل "محاربين" مدنيين وعسكريين مُسلحين بالأفكار والاستراتيجيات الاقتصادية والأسلحة الحركية.

ورأت أنه صراع يضع الديمقراطية الليبرالية والنظام الدولي القائم على القواعد، على المحك، موضحة أن المنتصر في هذه الحرب هو الذي سيحدد ما إذا كان القانون الدولي والحكومة التوافقية والكرامة الإنسانية، ستزدهر وتنجح في منطقة أصبحت حرة، رغم أنها كانت -في وقت من الأوقات- جزءًا من الاتحاد السوفييتي السابق.

ورأت أن الصراع الدائر في أوكرانيا "نسخة بطيئة لصراع عالمي جديد يتطور في أوروبا الشرقية وليست حربًا عالمية شاملة"، لافتة إلى أن حرب روسيا ضد أوكرانيا، ليست فقط اشتباكات عسكرية تكتيكية، وإنما حرب يخوضها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضد أسس النظام الأوروبي الحالي لدول سبق أن دعته للانضمام إليه، وأيضًا ضد تراث الحضارة الغربية.

وبينت أن مفهوم بوتين للأوراسية يقوم على أساس إقامة قيم نظام روسي مستبد، يستند إلى نسخة عصرية من الامبراطورية الروسية السابقة، لكي يحل محل أي نظام أوروبي حالي، يستند إلى الديمقراطية السياسية واقتصادات السوق.

وعلى عكس الصين، التي أقامت مؤسساتها الاقتصادية لكي تستطيع التكامل مع الاقتصاد الغربي، لم يطور الزعيم الروسي الأدوات التي تسمح له بتكامل اقتصادي أوسع مع باقي أوروبا، وبدلًا من ذلك عزل بوتين الاقتصاد الروسي في هيكل مالي يسيطر عليه، ورغم ذلك ظل راكدًا.

ونوهت المجلة الأمريكية، إلى أن هذا الأمر ينطوي على صراع قوى وحرب على القيم، فبوتين ينظر للغرب الديمقراطي، ليس فقط كعقبة أمام استعادة روسيا لعظمتها، وإنما أيضًا بأنه يُقدم للعالم مجموعة متدهورة من القيم والإرشادات السياسية والأخلاقية.

الصين

ورأت "ناشيونال إنترست" أن بوتين "لسوء الحظ، ليس وحده في استعداده للتخلي عن قيم النهضة والإصلاح والتنوير لصالح الاستبداد والإمبريالية"، لافتة إلى أن الصين -التي تصنفها إدارة بايدن و"البنتاغون" بأنها تهديد متسارع- تحاول توسيع نفوذها العالمي وقوتها العسكرية، للحد من النفوذ الأمريكي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

ورأت أن المحاولات الصينية الأخيرة للتجسس على الولايات المتحدة من خلال "المناطيد"، وغيرها من أنشطة جمع المعلومات الاستخبارية المعادية، جزء لا يتجزأ من استراتيجيتها للأمن القومي.

وأشارت المجلة إلى أنه بينما وضعت روسيا قوتها الحركية الضاربة في الواجهة الأمامية لحربها ضد الغرب، فضّلت الصين تطوير التبعات الاستراتيجية على بكين، عبر مبادرة الحزام والطريق للسيطرة على البنية التحتية العالمية.

ونوهت إلى أنه مع ازدياد القوة العسكرية للصين، جنبًا إلى جنب مع التأثير المتزايد لعولمتها الاقتصادية، يسعى بعض قادتها إلى وضعها مرة أخرى في موقع الأسبقية العالمية، وهي نظرة ينبغي على الولايات المتحدة أن تضعها في الاعتبار، عندما تحاول التعامل معها بشأن التحديات العالمية، مثل تغير المناخ والأمن الغذائي.

وإلى جانب الصين، تحظى الحرب الروسية ضد أوكرانيا بدعم إيران وكوريا الشمالية، ويجمع بين الدول الأربع العداء للولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين والآسيويين، انطلاقًا ليس فقط من حسابات استراتيجية، وإنما أيضًا من القيم المعادية للديمقراطية الشعبية.

وبالفعل -وفق المجلة الأمريكية- يعلن قادة هذه الدول أنفسهم وبلا خجل طموحهم إلى الحكم الاستبدادي والتوسع العسكري ورفض حقوق الإنسان والهروب من أي محاسبة على إساءة استعمال السلطة، إلا أنهم -مثل كل أنظمة الحكم المستبدة- عندما يواجهون قوى مناوئة داخل مجتمعاتهم، يلقون باللوم في فشلهم على النفوذ الأجنبي.

إضافة إلى ذلك، تدعم إيران وكوريا الشمالية الإرهاب وتخريب الأنظمة الأخرى، وفي الحالة الأخيرة، تُصدران تهديدات نووية عدوانية بشكل متكرر ضد الدول المجاورة وغيرها، لكن اعتماد الصين على تحالف يضم إيران وكوريا الشمالية، يُهدد -بشكل كبير- شراكتها الحالية مع دول مثل إسرائيل، وفق وصف المجلة الأمريكية.

حرب الأفكار

وترى "ناشيونال إنترست" أن ما سمتها (حرب الأفكار) الحالية لا تقتصر على ممارسات الدول الأجنبية، ولا الجماعات والتنظيمات غير الرسمية المعادية للمصالح الأمريكية والقيم الغربية، وإنما تدور داخل الديمقراطيات الغربية نفسها، مشيرة إلى أن مؤيدي الأفكار غير الديمقراطية، يجدون جمهورًا مؤيدًا لهم داخل الولايات المتحدة وغيرها من الدول، بسبب وسائل الاتصال العالمية التي وفرتها التكنولوجيا الحديثة.

وأشارت إلى أن بعض التطبيقات تقدم محتوى سياسيًا مغريًا، ورسائل يمكن أن تؤدي إلى انقسام الشعوب بشأن الأيديولوجيات والهوية الوطنية والعرقية وغيرها، لافتة إلى أن "هناك طوفانًا من الفلسفات المثيرة للانقسام يتدفق من أقبية تجار الكراهية إلى الروافد العليا لوزارات الخارجية".

ومن ثمّ -تضيف المجلة- "يمكن أن تؤدي القدرة على حشد الغوغاء اعتمادًا على روايات خطأ أو مثيرة للأحداث إلى نشوب صراع أهلي يمكن أن يعرض النظم السياسية للخطر، كما لم يعد الإرهابيون يفجرون فقط المباني، وإنما يمكنهم أيضًا تفجير الإجماع الوطني على القيم الأكثر أهمية التي تميز بين القادة الديمقراطيين الشرعيين والحكام البربريين المستبدين".

خلاصة القول -وفق "ناشيونال إنترست"- فإن حرب بوتين ضد الحضارة الغربية بشعار "الأوراسية الجديدة"، عودة إلى عالم أسوأ، سواء من الناحية النظرية أم العملية، مشيرة إلى أن الصراع الحالي يدور داخل وعبر حدود الدول، بما في ذلك الصدام بين أفضل الأفكار بشأن المجتمع المدني ودروس أسوأ تشويه للتاريخ.

وأضافت: "من المهم تذكر أن الأفكار السيئة تستطيع التدمير تمامًا كما تفعل القنابل الموجهة، ما يحتم على إدارة الرئيس بايدن إبقاء الاتصالات بروسيا مفتوحة، مع استمرار برنامج تحديث الترسانة النووية الأمريكية".