بعد الانتخابات النصفية... هل يستمر الدعم الأمريكي والأوروبي لأوكرانيا؟
رغم أن المؤشرات لا تكشف عن موجة حمراء في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، فإن هناك مخاوف أوروبية من تحول في الموقف الأمريكي

ترجمات - السياق
تساءلت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، عن مدى إمكانية استمرار الدعم الأمريكي والأوروبي لأوكرانيا، بعد انتهاء انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في الولايات المتحدة، مشيرة إلى أنه حال فوز الجمهوريين، فإن هذا الدعم قد يقل أو ربما يتلاشى.
وذكرت الصحيفة -في تحليل للكاتب إيشان ثارور، المتخصص في العلاقات الخارجية- أن عددًا من المسؤولين الأوروبيين والأوكرانيين أبدوا قلقهم من تغير موقف الولايات المتحدة الداعم لكييف، بعد انتهاء انتخابات التجديد النصفي، خصوصًا حال فوز الجمهوريين.
وبينما أشارت استطلاعات الرأي إلى احتمال عودة الجمهوريين للسيطرة على الكونغرس بأغلبية حاسمة، زادت المخاوف من أن يقوِّض القوميون اليمينيون -الذين يسيرون على درب الرئيس السابق دونالد ترامب- إدارة الرئيس الحالي جو بايدن في بعض الملفات المهمة، خصوصًا دعم أوكرانيا ضد الغزو الروسي.
فقد حذر بعض المشرعين والمرشحين الجمهوريين، من أنه لن يكون هناك "شيك على بياض" أمريكي لكييف، بينما طالب آخرون صراحةً، بوقف "كل التمويل الموجه لأوكرانيا".
كان زعيم الجمهوريين في مجلس النواب الأمريكي كيفن مكارثي، حذر مؤخرًا، من أن حزبه لن يوقع "شيكًا على بياض" لأوكرانيا إذا فاز بأغلبية مقاعد المجلس في انتخابات منتصف الولاية، كما تتوقع استطلاعات الرأي.
تحول أوروبي
وحسب "واشنطن بوست" فإنه رغم أن المؤشرات لا تكشف عن "موجة حمراء" في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، فإن هناك مخاوف أوروبية من تحول في الموقف الأمريكي.
وقال راينهارد بوتيكوفر، العضو الألماني في البرلمان الأوروبي، في بيان: "مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2024 لا يزال هناك سبب كافٍ لقيام الاتحاد الأوروبي للاستعداد لمزيد من التحولات في علاقته مع الولايات المتحدة".
كانت استطلاعات الرأي، حذرت لأسابيع من "موجة حمراء" وشيكة -حشد انتخابي جمهوري من شأنه أن يشكل تعبيرًا قاسيًا عن الشجب الشعبي لجو بايدن والديمقراطيين.
ولكن مع شروق الشمس في جميع أنحاء الولايات المتحدة، الأربعاء الماضي، أصبح من الواضح أن"تسونامي" الذي كان يأمل به الجمهوريون، لن يصل.
وفي حين حقق الحزب مكاسب متواضعة ولا يزال الأقرب للفوز بمجلس النواب، ظل مجلس الشيوخ موضع تنافس حاد وكان أداء الديمقراطيين أفضل مما كان متوقعًا.
ورغم هذه المخاوف، فإن ستافروس لامبرينيديس سفير الاتحاد الأوروبى لدى الولايات المتحدة، كانت لديه وجهة نظر أكثر ثقة، وقال في مقابلة مع الصحيفة الأمريكية: "ليس لديّ أي شك في أن المساعدات الأمريكية لأوكرانيا ستستمر، بصرف النظر عن التوزيع السياسي للكونغرس المقبل".
ورأى أن محادثاته في مجلس النواب منحته انطباعًا أكيدًا بأن "الدعم الثابت من الحزبين لأوكرانيا حتى في الظروف التي يتحدث فيها الأمريكيون عن الاستقطاب لن يتزحزح".
كانت كل من الولايات المتحدة والدول الأعضاء الـ 27 في الاتحاد الأوروبي خصصوا مليارات الدولارات في شكل مساعدات عسكرية ومالية لكييف.
وأشارت الصحيفة الأمريكية، إلى أن "هناك درجة من الإجماع بين القيادة العليا بين الديمقراطيين والجمهوريين، على أن هذا الدعم يجب أن يستمر طالما أن أوكرانيا تصمد أمام الهجمات الروسية".
بينما أعلنت المفوضية الأوروبية -هذا الأسبوع- عن حزمة مقترحة بنحو 18 مليار دولار لمساعدة الحكومة الأوكرانية في تلبية احتياجاتها التمويلية قصيرة الأجل عام 2023.
معركة وجودية
ورأى لامبرينيديس أن الدعم الغربي الأمريكي والأوروبي لأوكرانيا "معركة وجودية"، مضيفًا أن أوروبا ملتزمة بأوكرانيا "طالما أن الأمر يتطلب ذلك"، في إشارة إلى أن الدعم لن يتوقف طالما استمرت روسيا في حربها هناك.
ورغم تأكيد الدعم الغربي غير المحدود لأوكرانيا، فإن الصحيفة، أشارت إلى أن الحرب فرضت ثمنًا مريرًا على أوروبا، حيث تأثرت مجتمعاتها واقتصاداتها بالعقوبات الكبرى التي تفرضها حكوماتها على روسيا.
ولفتت إلى أنه من المتوقع أن يضيف الشتاء القارس المقبل، وتكاليف التدفئة المرتفعة مزيدًا من التكلفة الباهظة على الأوروبيين، مشيرة إلى أن تأثير الحرب لم يتوقف عند حد القارة العجوز وإنما انتقل تأثيرها إلى أبعد من ذلك، حيث انهارت الحكومة في سريلانكا، وتعاني الصومال مجاعة محتملة.
ولا تتوقف الخسائر عند الاقتصاد فحسب، وإنما كشفت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون"، أن ما يصل إلى مئتي ألف جندي قد لقوا حتفهم بالفعل خلال تسعة أشهر من القتال، منهم مئة ألف روسي وعدد مماثل من الأوكرانيين، إضافة إلى قرابة 40.000 مدني.
ومع ذلك، فإن المساعدة الغربية لأوكرانيا جعلت البلاد في وضع أقوى لاستعادة الأراضي التي فقدتها لصالح روسيا، حيث دخلت القوات الأوكرانية هذا الأسبوع، بعد انسحاب روسي واضح، مدينة خيرسون الجنوبية، وهي عاصمة إقليمية ادعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنها جزء من روسيا بشكل غير قانوني، بعد إجراء استفتاءات وهمية في أربع جمهوريات من الأراضي التي يسيطر عليها الكرملين ووكلاؤه الانفصاليون.
لامبرينيديس يدرك ضرورة هذا الدعم الأجنبي، وقال: إنه في غياب المساعدة، فإن "فرص فوز بوتين ستكون عالية للغاية"، مشددًا على أن هذه ليست النتيجة التي يرغب المسؤولون الأمريكيون أو الأوروبيون في قبولها.
وبالفعل -حسب الصحيفة الأمريكية- حتى لا تصل الأمور لهذه النتيجة -فوز بوتين- يواصل البنتاغون إرسال مساعدات عسكرية لأوكرانيا، خصوصًا "الدفاعات الجوية" التي نجحت في تغيير النتائج على الأرض لصالح الجيش الأوكراني.
حافة الهاوية
كان الاتحاد الأوروبي وصف الحرب وسياسة حافة الهاوية، التي ينتهجها بوتين بشأن أوكرانيا، بأنها تحدٍ يجب مواجهته، وقال لامبرينيديس: "قرار بوتين بالحرب... يُعد سياسة خطيرة ينتهجها مستبد خطير للغاية يمتلك أسلحة نووية لابتزاز الدول الديمقراطية في العالم، ومن ثمّ فإنه إذا نجح، فإن قدرة الأمريكيين والأوروبيين في العالم سوف تتضاءل بشكل كبير خلال العقود المقبلة".
وتعود المخاوف من "انتصار بوتين" -الذي يعد من وجهة نظر لامبرينيديس الشريك الأصغر للصين- إلى أن هذا الانتصار سيؤدي إلى "تشجّع الصين في العقود المقبلة"، وهو ما يعني إثارة صدامات وصراعات عالمية لا حدود لها.
وبحسب الصحيفة، قد يؤدي فوز المرشحين الجمهوريين المؤيدين للرئيس السابق دونالد لترامب في مجلسي النواب والشيوخ إلى تقوية أصوات المعارضة التي تشكك بجدوى إنفاق إدارة بايدن المتزايد باطراد على دعم أوكرانيا.
وترى أن أوكرانيا تراقب نتائج الانتخابات النصفية بقلق، رغم أن وزير الدفاع الأوكراني أليكسي ريزنيكوف تحدث -الأسبوع الماضي- عن ثقته بأن كلًا من الجمهوريين والديمقراطيين سيواصلون دعم كييف.
وذّكرت الصحيفة بقول الرئيس الأمريكي السابق ترامب بأن السياسة الأمريكية الحالية يمكن أن تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة، فضلًا عن دعوات ترامب إلى الضغط على كييف والدفع لإجراء مفاوضات سلام مع موسكو.
ورغم هذه المخاوف، فإن الأزمة الحالية أظهرت قوة العلاقات عبر الأطلسي، وهو ما أكده لامبرينيديس قائلًا: "هذه الشراكة لم يكن يتوقعها بوتين مطلقًا"، مشيرًا إلى أن الحرب عززت الاستثمار الأوروبي في الأمن المشترك، وأدت إلى التوسع الوشيك لحلف الناتو مع استعداد فنلندا والسويد لدخول التحالف العسكري.
وأشاد السفير الأوروبي بفاعلية إدارة بايدن في حشد رد جماعي على الغزو. وقال لامبرينيديس: بالنسبة للأمريكيين والأوروبيين، فإن حرب بوتين أبرزت كيف أن "أمننا وازدهارنا يعتمدان على بعضهما".
وفي هذه الأثناء، ووسط الألم الاقتصادي ودرجة من القلق العام، تحاول الحكومات الأوروبية -حسب الصحيفة الأمريكية- تسريع الانتقال نحو الطاقة المتجددة، بينما تدفع أيضًا من خلال حزم التحفيز لمساعدة المواطنين العاديين.
وتعليقًا على ذلك، قال لامبرينيديس: "نحن نحاول الانفصال سريعًا عن الوقود الأحفوري الروسي، مهما كانت التكلفة الاقتصادية"، مضيفًا: "نعمل على دعم اقتصاداتنا وشعبنا بتكلفة باهظة".
وعن إمكانية اللجوء إلى المفاوضات مع موسكو، قال لامبرينيديس: "حتى الآن، لم يقدم بوتين أي مؤشر على استعداده لإجراء مفاوضات جادة"، مضيفًا: "دعمنا للأوكرانيين أمر ضروري ليكونوا قادرين على التفاوض من موقع قوة أو على الأقل من موقع مساواة، وليس تحت تأثير بندقية روسية موجهة إلى رؤوسهم".