السعودية وروسيا قبل اجتماع أوبك بلس... شواهد تدحض الخلافات وبيانات تؤكد صحة العلاقات
يقول جيف كولجان أستاذ العلوم السياسية في جامعة براون: لقد عدنا إلى العالم القديم لأوبك، حيث اتخاذ معظم القرارات المهمة في الرياض وليس فيينا.

السياق
«علاقات روسيا بالسعودية بناءة وقائمة على الثقة والاحترام والتفاهم المتبادل»، كلمات كانت جزءًا من بيان روسي للكرملين، نفى خلاله ما أثير من تقارير عن توتر العلاقات بين الرياض وموسكو.
البيان، جاء في أعقاب تقرير نشرته «وول ستريت جورنال» الأسبوع الماضي، تحدثت فيه عن تصاعد التوترات بين السعودية وروسيا، عقب مواصلة موسكو ضخ كميات ضخمة من الخام الأرخص ثمناً في السوق، ما يقوِّض جهود الرياض لتعزيز أسعار الطاقة عالمياً.
مصادر الصحيفة الأمريكية، زعمت أن السعودية أعربت عن غضبها لروسيا، لعدم الامتثال لتعهدها بخفض الإنتاج، مشيرة إلى أن المسؤولين السعوديين اشتكوا إلى كبار المسؤولين الروس، وطلبوا منهم احترام التخفيضات المتفق عليها.
إلا أن تلك التقارير التي تأتي قبل أيام من اجتماع لـ«أوبك بلس»، نفتها روسيا ضمنيًا ببيان الكرملين الخميس، الذي أكد أن علاقات روسيا بالسعودية بناءة وقائمة على الثقة والاحترام والتفاهم المتبادل.
وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، ردًا على سؤال عن العلاقات بالسعودية قبل الاجتماع، إنها «بناءة وقائمة على التفاهم المتبادل والاحترام المتبادل والثقة المتبادلة وعملية للغاية».
شواهد تدحض الخلافات
بيان الكرملين، جاء في أعقاب قرارات وخطوات اتخذتها روسيا مع دول تحالف أوبك بلس، من دون أي خلاف، ففي الثاني من أبريل الماضي فاجأ تكتل أوبك بلس، المؤلف من منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) ودول منتجة أخرى أبرزها روسيا، بتنفيذ عمليات خفض إضافية للإنتاج، ما أسفر عن رفع أسعار النفط.
ورفع الإعلان المفاجئ عن تخفيضات الإنتاج في أبريل، أسعار خام برنت القياسي تسعة دولارات للبرميل، ليتجاوز 87 دولارًا بالأيام التي تلت ذلك، لكن الخام خسر تلك المكاسب منذ ذلك الحين وتراجع سعره إلى أقل من 73 دولارًا تحت وطأة مخاوف تتعلق بالنمو الاقتصادي العالمي، وتأثيره في الطلب على الوقود.
فقبل أيام، قال وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان إنه سيبقي البائعين على المكشوف متألمين ودعاهم إلى الحذر، ما أثار تكهنات بأنه يحذر من تخفيضات إضافية للإمدادات.
ورغم أن هناك تسريبات بإمكانية اتخاذ التحالف قرارًا جديدًا بالخفض، بالنظر إلى تدني أسعار النفط إلى 70 دولارًا للبرميل، فإن مصادر في «أوبك بلس»، استبعدت أن تزيد أوبك وحلفاؤها تخفيضات الإمدادات، في اجتماعهم الوزاري الأحد المقبل.
بينما قال نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك، إنه لا يتوقع أي خطوة جديدة من تحالف أوبك بلس في فيينا، حسبما نقلت عنه وسائل إعلام روسية.
كما نسبت وكالة الإعلام الروسية لنوفاك القول إنه يتوقع أن يتجاوز سعر خام برنت 80 دولارًا للبرميل بحلول نهاية العام.
وتضخ "أوبك بلس"، التي تضم منظمة البلدان المصدرة للبترول أوبك وحلفاء بقيادة روسيا، قرابة 40% من الإنتاج العالمي من النفط، وتزود سوق صادرات الخام بنحو 60% من احتياجاتها، ما يعني أن لقراراتها تأثيًرا كبيرًا في الأسعار.
كان تحالف أوبك بلس اتفق -أوائل أكتوبر- على خفض بمليوني برميل يوميًا من مستويات الإنتاج المستهدفة، مقارنة بمستوى أساس للإنتاج في أغسطس 2022، ليرتفع إجمالي تخفيضات الإنتاج إلى 3.66 مليون برميل يوميا أو نحو أربعة بالمئة من الاستهلاك العالمي.
وتجاوزت تخفيضات المجموعة أهدافها في الآونة الأخيرة، في ما يرجع إلى قدرة الإنتاج المحدودة لدى نيجيريا وأنجولا المنتجتين للنفط غربي إفريقيا.
خطوات على الطريق
بخلاف القرار غير المتوقع في أبريل الماضي، فاجأ التحالف الأسواق مرات عدة في السنوات الماضية، ففي مارس 2020، تخلى التحالف عن حصص الإنتاج، ما أدى إلى اندلاع حرب أسعار سعودية روسية بداية جائحة كورونا، لتنخفض إثر ذلك أسعار النفط 25%.
وسرعان ما عاود فرض الحصص وإعلان أكبر خفض للإنتاج حتى الآن بنحو 10 ملايين برميل يوميًا، الذي اتفق عليه الأعضاء في أبريل 2020.
وتقول وكالة بلومبرغ، إن روسيا تحتاج إلى أن تُظهر لشركائها في "أوبك بلس" أنها تخفض إنتاج النفط كما وعدت، أو تخاطر بإثارة الغبار كما فعلت عام 2020.
وقبل أن توافق الـ23 دولة، التي تشكل التحالف، على أكبر خفض للإنتاج بالعالم في أبريل الماضي، كان هناك تناقض مذهل، فعندما بدأت جائحة كورونا سعت المملكة العربية السعودية لعقد اجتماع عاجل لأعضاء المجموعة، لفرض قيود إنتاج أعمق وأطول، إلا أن موسكو رفضت، ما أسهم في اندلاع حرب أسعار قصيرة الأمد ساعدت في خفض أسعار النفط الخام إلى أقل من 20 دولارًا للبرميل.
إلا أن المنتجين عادوا إلى طاولة التفاوض، ووافقوا على خفض الإمداد بنحو 10 ملايين برميل يوميًا، وهو ما التزمت به المملكة العربية السعودية، بتخفيض حصتها من اليوم الأول للاتفاق.
اختبار حاسم
وتقول «بلومبرغ»، إن المنتجين يواجهون مرة أخرى ضعف أسعار النفط، حيث يستعدون لاجتماع سياسي نهاية هذا الأسبوع.
وأشارت إلى أنه بعد ثلاثة أشهر من التعهد بالتخفيض بـ 500 ألف برميل يوميًا، هناك دلائل على أن تأثيرها محسوس في أي مكان مهم.
وقال جيف كولجان أستاذ العلوم السياسية في جامعة براون: «لقد عدنا إلى العالم القديم لأوبك، حيث اتخاذ معظم القرارات المهمة في الرياض وليس فيينا».
وجادل كولجان في ورقة عام 2014 أن أوبك لديها نفوذ أقل بكثير مما يمنح لها الفضل في كثير من الأحيان، لأن الدول الأعضاء تغش بشكل تقليدي في حصص الإنتاج الخاصة بها.
ولاحظ مراقبو "أوبك" الآخرون أنه في السنوات الأخيرة، واجه الكارتل مشكلة في تحقيق أهدافه، ناهيك عن تجاوزها، بسبب المشكلات في الدول الأعضاء مثل فنزويلا ونيجيريا.
إضافة إلى ذلك، أبدت المملكة العربية السعودية استعدادًا لاستخدام طاقتها الإنتاجية الاحتياطية الرائدة عالميًا، التي تبلغ نحو 2.5 مليون برميل يوميًا كعصا لإبقاء المخالفين في الصف.
وقال بول هورسنيل، رئيس أبحاث السلع في ستاندرد تشارترد، إن دول "أوبك بلس" تلتزم بحصصها لتجنُّب إثارة حلقة أخرى من هذا القبيل.
وقد يكون أعضاء "أوبك بلس" أكثر ميلًا لدعم الأسعار بتخفيضات أكثر حدة مما كانت عليه، كما قال خورخي ليون، المحلل في Rystad Energy الذي عمل مع المنظمة، لأن حصتهم في السوق أصبحت أقل إثارة للقلق.