اليوم الـ21 لحرب السودان... استمرار المعارك ووضع إنساني على وشك الانهيار
لليوم الـ21 على التوالي، استيقظ سكّان الخرطوم، البالغ عددهم خمسة ملايين نسمة، على وقع الضربات الجوية ونيران المدافع الرشاشّة.

السياق
تستمر المعارك في السودان، رغم الهدنة التي تعهّد القائدان العسكريان المتصارعان على السلطة بالالتزام بها، ورغم التهديدات الأمريكية بفرض عقوبات.
ولليوم الـ21 على التوالي، استيقظ سكّان الخرطوم، البالغ عددهم خمسة ملايين نسمة، على وقع الضربات الجوية ونيران المدافع الرشاشّة.
ومنذ 15 أبريل، أسفر القتال بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) عن نحو 700 قتيل وآلاف الجرحى، بحسب مجموعة بيانات مواقع النزاع المسلّح وأحداثه (إيه سي إل إي دي).
عرقلة المساعدات
إلى ذلك، دعت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين –الجمعة- الدول إلى السماح للمدنيين الفارين من السودان بدخول أراضيها، وعدم إعادتهم إلى البلد الذي يمزقه الصراع.
وقالت إليزابيث تان مديرة الحماية الدولية بالمفوضية للصحفيين، بإفادة صحفية في جنيف: "ننصح الحكومات بعدم إعادة الناس إلى السودان بسبب الصراع الدائر هناك".
وأضافت تان: "هذا ينطبق على السودانيين والأجانب بمن فيهم اللاجئون الذين استضافهم السودان، والذين لا يحملون جنسية، وكذلك الذين ليس لديهم جواز سفر، أو أي شكل من أشكال الهوية".
ووفقاً للأمم المتحدة، أجبر الصراع في السودان نحو مئة ألف على الفرار إلى البلدان المجاورة، وعرقل تسليم المساعدات في بلد يعتمد فيه نحو ثلث السكان على المساعدات الإنسانية.
وأوضحت تان أنه لا يوجد ما يشير إلى عدم السماح للمدنيين من السودان بدخول البلدان المجاورة.
"يجب أن تنتهي"
بدوره، أكّد الرئيس الأمريكي جو بايدن أنّ "المأساة... يجب أن تنتهي"، ملوّحاً بفرض عقوبات على "الذين يهدّدون السلام"، لكن من دون أن يسمّي أحداً، مهددًا بعقوبات جديدة بحق الجهات المسؤولة عن إراقة الدماء.
وقال بايدن إنه وقّع مرسومًا يعزز صلاحيات الإدارة الأمريكية لفرض عقوبات على "الذين يهددون السلام والأمن والاستقرار في السودان، ويقوِّضون العملية الانتقالية الديمقراطية، ويستخدمون العنف ضد المدنيين، ويرتكبون انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان".
وأوضحت وزارة الخارجية الأمريكية، أن الأمر يتعلق بفتح الباب أمام إمكان فرض عقوبات، مشيرة إلى أن واشنطن تحتفط بالحق في ذلك، رافضة تحديد أي جدول زمني لذلك، أو إعطاء أي مؤشرات بشأن الذين قد تشملهم العقوبات.
كانت هذه الدولة، التي يبلغ عدد سكّانها 45 مليون نسمة، خرجت عام 2020 من عقدين من العقوبات الأمريكية، التي فُرضت على حكومة الجنرال عمر البشير الذي أطاحه الجيش تحت ضغط الشارع عام 2019.
عام 2021 أطاح البرهان ودقلو معاً شركاءهما المدنيين، بعدما تقاسما السلطة معهم منذ سقوط البشير، لكن سرعان ما ظهرت خلافات بين الجنرالين تصاعدت حدّتها، ومن أبرز أسبابها شروط دمج قوات الدعم السريع في الجيش.
ومنذ ذلك الحين، لا يبدو أنّ شيئاً قادر على التوفيق بين الرجلين، اللذين يتبادلان الاتهامات بانتهاك الهدن المتتالية.
وأعلن رئيس جنوب السودان سلفا كير أنّ طرفي النزاع وافقا "مبدئياً"، خلال اتصال معه، على هدنة تستمرّ من 4 إلى 11 مايو الجاري.
معارك طويلة الأمد
رئيسة الاستخبارات الأمريكية أفريل هاينز تتوقّع معارك "طويلة الأمد" لأنّ "الطرفين يعتقدان أنّ بإمكان كلّ منهما الانتصار عسكرياً، وليست لديهما دوافع تُذكر للجلوس إلى طاولة المفاوضات".
من جهته، قال خالد عمر يوسف، وزير مدني أقيل خلال الانقلاب: "كل دقيقة تستمرّ فيها الحرب يموت أناس ويتشرّد بشر ويتمزّق مجتمع وتضعف الدولة".
وأسفر القتال عن إصابة أكثر من خمسة آلاف شخص بجروح، وتشريد ما لا يقلّ عن 335 ألف شخص، وإجبار 115 ألفاً على النزوح، وفقاً للأمم المتحدة التي تطلب 402 مليون يورو لمساعدة السودان، الذي يعدّ من أفقر الدول.
وأوضحت الأمم المتحدة أنّ "أكثر من 50 ألف شخص عبروا في الثالث من مايو" إلى مصر، مضيفة أنّ "أكثر من 11 ألفًا" عبروا إلى إثيوبيا و"30 ألف شخص إلى تشاد".
من جهته، أكّد الأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريش أنّه "من الضروري" ألا تتخطّى الأزمة السودانية الحدود.
وفي دارفور غرباً على الحدود مع تشاد، سُلح مدنيون للمشاركة في الاشتباكات، بين الجنود وقوات الدعم السريع ومقاتلين قبليين ومتمرّدين، وفقاً للأمم المتحدة.
حلول إفريقية
في هذا الإقليم الذي شهد حرباً دامية بدأت عام 2003 بين نظام البشير ومتمرّدين ينتمون الى أقليّات إثنية، لفت المجلس النرويجي للاجئين إلى سقوط "191 قتيلاً على الأقلّ واحتراق عشرات المنازل ونزوح الآلاف" بخلاف تعرّض مكاتبه للنهب.
وأفاد شهود عيان باشتباكات في الأُبيّض، على بُعد 300 كيلومتر جنوب العاصمة.
ووصل 30 طنّاً إضافية من المساعدات الجمعة إلى مدينة بورتسودان الساحلية، التي ظلّت نسبياً في منأى عن أعمال العنف.
وتسعى الأمم المتحدة ومنظّمات غير حكومية إلى التفاوض بشأن تسليم هذه الشحنات إلى الخرطوم ودارفور، حيث تعرّضت المستشفيات والمخزونات الإنسانية للنهب والقصف.
وفي وقت تتكثف الاتصالات الدبلوماسية في إفريقيا والشرق الأوسط، قال الجيش إنه اختار الاقتراح الذي تقدّمت به الهيئة الحكومية للتنمية شرقي إفريقيا (إيغاد) بسبب الحاجة إلى "حلول إفريقية لمشكلات القارّة"، مرحّباً في الوقت ذاته بالوساطات الأمريكية والسعودية.
كان مبعوث البرهان في أديس أبابا الخميس، كما أعلنت القاهرة أنّها تحدثت عبر الهاتف إلى القائدين المتحاربين.
وتعقد الجامعة العربية في القاهرة -الأحد- اجتماعين غير عاديين على مستوى وزراء الخارجية، أحدهما لبحث الحرب في السودان، حسبما قال لوكالة فرانس برس دبلوماسي رفيع المستوى.
وتعهّد معسكر البرهان بتسمية موفد يمثّله للتفاوض على الهدنة مع الطرف الآخر برعاية "رؤساء جنوب السودان وكينيا وجيبوتي".
من ناحية أخرى، أعلنت قوات الدعم السريع أنّها وافقت على هدنة ثلاثة أيام -وليس أسبوعاً - وأنّها تتواصل مع قائمة طويلة من البلدان والمنظمات.