حكم التحكيم واتفاقية نفط أربيل – بغداد... ما تأثيره محليًا ودوليًا؟
بحسب مجموعة السياسات، فإن مصير صادرات النفط الكردي عبر تركيا، سوف تحدده سياسة علاقة أربيل ببغداد وعلاقة بغداد بأنقرة

ترجمات - السياق
قالت مجموعة السياسات بشأن العراق، إنه لا يجوز لبغداد استخدام النصر الدستوري الذي أحرزته في باريس، بحكم لصالحها انتزعته من محكمة التحكيم الدولي، كسلاح.
وكانت محكمة التحكيم الدولية (ICC) قضت في 23 مارس الماضي، بأن تركيا انتهكت اتفاقية خط الأنابيب لعام 1973، عندما سهلت صادرات النفط الكردية المستقلة عام 2014.
وبعد الحكم، أغلقت تركيا خط الأنابيب، الذي مكّن هذه الصادرات، خلال العقد الماضي، ليوقِّع بعدها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ورئيس الوزراء مسرور بارزاني اتفاقية تاريخية، لاستئناف صادرات نفط إقليم كردستان.
وردًا على الاتفاق، أكد رئيس الوزراء بارزاني أن الاتفاقية مؤقتة لكن «جميع مبادئها ستنعكس في الميزانية الاتحادية وقانون النفط والغاز»، بينما أشار رئيس الوزراء السوداني إلى «أهمية اتفاق يمهد الطريق لتمرير الميزانية الاتحادية».
وعن آثار هذه التطورات، قالت مجموعة السياسات بشأن العراق، في تقرير ترجمته «السياق»، إن على بغداد عدم استخدام النصر الدستوري في باريس كسلاح، وأن تواصل التفاوض مع أربيل بحسن نية.
وتقول مجموعة السياسات، إن حكم التحكيم في باريس كان تطورًا مهمًا، لكنه ليس قاتلاً لقطاع الطاقة في كردستان، والعلاقة بين أربيل وبغداد، وكذلك بين العراق وتركيا.
وأشارت إلى أن الحكم لم يمثل سوى انتصار جزئي للعراق، مؤكدة أن بغداد ادعت خرق العقد بموجب خمس فئات، بما في ذلك التخزين والنقل والاستخدام الحصري ومطالبة الوصول والتحميل، لكنها لم تتمكن إلا من كسب مطالبتها بالتحميل.
وبحسب مجموعة السياسات، فإن مصير صادرات النفط الكردي عبر تركيا، سوف تحدده سياسة علاقة أربيل ببغداد وعلاقة بغداد بأنقرة، مشيرة إلى أنه لا يزال بإمكان تركيا رفض الالتزام بالحكم، الذي كان ضيقًا في نطاقه، ولا يمنع تركيا من تسهيل الصادرات عن طريق الشاحنات أو عبر خط أنابيب بديل.
ويقول الدكتور رانج علاء الدين، الباحث في مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية، إن الاتفاق بين رئيس الوزراء السوداني ورئيس الوزراء بارزاني، على استئناف صادرات النفط كان التطور الأكثر أهمية، ما يشكل لحظة تاريخية لعلاقات أربيل بغداد التي ينبغي الاستفادة منها، لتمهيد الطريق لتسوية النزاع طويل الأمد.
التفاوض بحسن نية
«على الجانبين مواصلة التفاوض بحسن نية، وعلى بغداد إشراك أربيل كشريك على قدم المساواة»، يقول الدكتور رانج علاء الدين، الباحث في مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية مجموعة السياسات، مشيرًا إلى أنه ينبغي لبغداد ألا تستخدم الفوز الدستوري الذي حققته في باريس كسلاح، مهما كان هذا الفوز قصير الأمد، لاسيما أنها متورطة في سلسلة من التوترات مع تركيا، بما في ذلك المياه ووجود حزب العمال الكردستاني في العراق.
ومن شأن الاتفاقية، التي وقَّعها رئيسا الوزراء بارزاني والسوداني، تعزيز اقتصاد كردستان، وبث الثقة بقطاع الطاقة، بحسب مجموعة السياسات بشأن العراق، التي أكدت أن حكم التحكيم الصادر عن المحكمة، التي تتخذ من باريس مقراً لها، يقوِّض قدرة إقليم كردستان على بيع نفطه بشكل مستقل على المدى القصير، ما يقوِّض بدوره طموحاته في الاستقلال الاقتصادي.
انتصار أجوف
ويمثل حكم المحكمة ما وصفه المراقبون بـ«انتصار أجوف»، لأنه لم يكن سوى انتصار جزئي لبغداد، علاوة على ذلك، فإن الاتفاقية الحالية بين بغداد وأربيل مؤقتة، وستظل كذلك حتى يقر البرلمان العراقي قانون النفط والغاز الشامل، الذي تأخر تقديمه فترة طويلة.
الجدير بالذكر أن الأكراد لديهم قطاع طاقة راسخ والسلطة والقدرة على إدارته، بالاشتراك مع الحكومة في بغداد، بشرط أن تُظهر أربيل وبغداد حسن النية، وأن تنفذ الاتفاقية التي وقَّعها السوداني وبارزاني.
بدوره، قال الدكتور كامران بالاني، الباحث بجامعة ليدن، في تصريحات لمجموعة السياسات بشأن العراق، إن هناك قضايا لم تحل على نطاق أوسع، تنبع من السياق الأوسع للتطورات الأخيرة، مشيرًا إلى أن حكومة بغداد قاومت تقليديًا استقلال كردستان في قطاع الطاقة، لكنها لم تكن متأكدة من أن المحكمة التي تتخذ من باريس مقراً لها ستحكم لصالحها.
ووسط هذا الغموض، أثناء تشكيل الحكومة العراقية والموقف الضعيف للجماعات المتحالفة مع إيران، قضت المحكمة العليا العراقية في فبراير 2022، بأن صادرات النفط لحكومة إقليم كردستان كانت غير دستورية، ما عزز محاولات بغداد لإضعاف حكومة إقليم كردستان.
وأكد الباحث في جامعة ليدن أنه مع التغيير الذي طرأ على تشكيل المحكمة العليا، منتصف عام 2021، فإن الأحزاب الكردية ستكافح لمنع المحكمة من إصدار مزيد من الأحكام ضد استقلاليتها، مشيرًا إلى أن القيادة الكردية قد تضطر إلى الحفاظ على علاقات إيجابية مع القوى الشيعية الحاكمة في بغداد، وإعادة تقييم نهجها بعملية صنع القرار في بغداد والتفاوض بصوت واحد.
ويسلِّط حكم التحكيم، والاتفاق الذي أعقب ذلك بين السوداني وبارزاني، الضوء على أن الصراع على النفط بين حكومة إقليم كردستان والحكومة العراقية يدور في النهاية حول السيادة، بقدر ما يدور حول مسائل نقدية أو فنية.
تقويض سياسة الطاقة المستقلة
تقول مجموعة السياسات، إن الحكم في باريس يقوِّض سياسة الطاقة المستقلة لحكومة إقليم كردستان، ويمكن أن يضعف السيادة المحلية لحكومة الإقليم، على الأقل على المدى القصير، لأنها ستعتمد على بغداد لتصدير نفطها.
وبينما يمكن لبغداد استخدام هذا الحكم كمحفز ضد حكومة إقليم كردستان، ستكون هناك جماعات في بغداد قد تشعر بالتمكين، وتطمح إلى زيادة إضعاف الاستقلال الذاتي لكردستان، بما في ذلك السيطرة على حدودها.
في السياق نفسه، قال الدكتور شوان شاري، الباحث في جامعة كينت البريطانية، إنه بينما تحترم تركيا نتيجة قرار التحكيم، الذي لم يمثل سوى انتصار جزئي لبغداد، فإن ذلك لا يعني أن تركيا ستنفذ نتائجه، أو تقبل الهزيمة، مشيرًا إلى أن أنقرة تسيطر على منابع نهري دجلة والفرات، ما يمنحها القدرة على قطع إمدادات المياه عن العراق، التي كانت مصدرًا رئيسًا للتوترات بين البلدين.
وأكد الدكتور شوان شاري أنه يمكن لتركيا الاستفادة من هذه الميزة الاستراتيجية، في النزاع على صادرات النفط الكردية، فعلى المدى الطويل، وفي أكثر الظروف قسوة، قد تجد تركيا وحكومة إقليم كردستان بدائل أخرى، مثل بناء خط أنابيب جديد، لكن ذلك سيكون مكلفًا ومحفوفًا بالتحديات المحلية والجيوسياسية.
وأشار إلى أنه بينما أضعفت حكومة إقليم كردستان بسبب التحديات الداخلية المستمرة، بما في ذلك التوترات المتزايدة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، فإن الانقسام الكردي يضعف سياسة الطاقة في كردستان ويجب معالجته.
حل القضايا العالقة
تقول مجموعة السياسات بشأن العراق، إن الاتفاق بين السوداني وبارزاني، أول محاولة لحل القضايا العالقة في قطاع النفط والغاز.
ورغم إعلان أن الاتفاقية صيغة «مؤقتة» للنزاع، فإنها قد تمهد الطريق لتوحيد الجهود بين رئيسي الوزراء في قطاع الطاقة، ما يوفر إحساسًا بالاتجاه والهدف الذي سيحقق عديد المزايا على المدى القصير والطويل.
وبصرف النظر عن الجوانب الفنية والإجرائية لهذه الاتفاقية، فإن الانعكاسات الإيجابية لها ستظهر على المستوى المحلي لاقتصادي العراق وإقليم كردستان.
وعلى الصعيد العالمي، سوف يرحب بها سوق الطاقة العالمي والمستثمرون الدوليون، الذين حافظوا على حصصهم في قطاع الطاقة بكردستان، بحسب مجموعة السياسات، التي قالت إن وقف الصادرات له تداعيات كبيرة.
وتشكل صادرات حكومة إقليم كردستان المقدرة بـ450 ألف برميل يوميًا عبر ميناء جيهان التركي 0.5% من صادرات النفط اليومية العالمية، ما جعل توقف تلك الصادرات التي تزامنت مع حزمة التخفيض التي أقرتها أوبك في الأسبوع نفسه، وقرار العراق خفض الصادرات 200 ألف برميل يوميًا، ترفع أسعار النفط 5.7%.
ويقول الدكتور سلام جبار، الباحث في مجموعة السياسات بشأن العراق، إن بغداد وأربيل تحتاجان إلى استقرار أوضاعهما الاقتصادية ومعالجة المطالب المحلية للنمو الاقتصادي، لاسيما في الفترة المقبلة، ما من شأنه أن يدفع إلى مزيد من المفاوضات وحسن النية بين السوداني وبارزاني.
وأشار إلى أن أجندة السوداني تعتمد على نفقات أكبر، مؤكدًا أن الميزانية صممت لتغطية ثلاث سنوات من توسع ونفقات القطاع العام، عبر الاستفادة من ارتفاع أسعار الطاقة، التي ستساعد الحكومة أيضًا في تقليل العجز.
وأكد أن الاتفاقية مع أربيل ستمنح البلاد متنفسًا لتخفيف الضغط، وتشكيل قاعدة قوية ومستقرة ومستدامة للإيرادات والنمو، مشيرًا إلى أنه للمضي قدمًا، يجب أن تمهد الاتفاقية الطريق أمام أربيل وبغداد لتوحيد سياسات الطاقة الخاصة بهما، في ما يتعلق بالإنتاج وسياسات التصدير والأسعار.
أمن الطاقة في إيطاليا
العام الماضي، أصبح العراق عنصرًا مهمًا في استراتيجية تنويع الطاقة الإيطالية، لتقليص اعتماده على الهيدروكربونات الروسية، لتلبي 13.3% من الطلب الإيطالي على النفط الخام.
ويقول فرانشيسكو ساليسيو شيافي، الباحث في المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية، إن حقلي كردستان وكركوك شكلا نِصف النفط الخام المستورد من العراق، مشيرًا إلى أنه ليس من المستغرب أن تشعر إيطاليا بقلق متزايد من أن الحصار المستمر لصادرات نفط كردستان العراق من جيهان قد يستمر فترة طويلة، ما قد يهدد أمن الطاقة في روما.
على هذه الخلفية، كان التعاون في مجال الطاقة بين إيطاليا وحكومة إقليم كردستان، أحد الموضوعات الرئيسة في زيارة الرئيس بارزاني الأخيرة إلى روما في 13 أبريل الجاري، بحسب الباحث في المعهد الإيطالي.
وأشار إلى أنه رغم أنه لا يمكن استبعاد أن تقدم إيطاليا مساعدتها الدبلوماسية في المستقبل، بفضل علاقاتها الإيجابية بالأطراف المشاركة في النزاع، فإن هذه ستكون عقدة لفك الارتباط، بالنسبة لدولة تنظر -في المقام الأول- إلى المسألة من خلال عدسة أمن الطاقة القومي.