السودان.. النيل وممرات الشحن الحيوية والذهب في مرمى الحرب

يقول جورغيو كافييرو، الرئيس التنفيذي لغولف ستيت أناليتيكس: أهمية السودان تكمن في أنه يقع عند تقاطع العالمين العربي والإفريقي.

السودان.. النيل وممرات الشحن الحيوية والذهب في مرمى الحرب

ترجمات -السياق 

 نهر النيل، وبعض أكبر مناجم الذهب بالقارة، وممرات الشحن الحيوية، بات مصير بعض أهم الموارد الاستراتيجية في إفريقيا، معلقًا بنتيجة الصراع الدائر في السودان، بين الجيش بقيادة الجنرال عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع التي يتزعمها محمد حمدان دقلو "حميدتي"، وسط تخوفات من تصاعد دور روسيا في ذلك الصراع.

وحسب صحيفة وول ستريت الأمريكية، فإنه طالما لفتت هذه الثروات أنظار القوى الخارجية، بما في ذلك روسيا، والآن هناك من يحاول التأثير في نتيجة الصراع، من خلال تقديم الأسلحة، ما قد يؤدي إلى مواجهة مميتة بين الجيش السوداني وميليشيا قوات الدعم السريع.

وراح الآلاف ضحية هذا الصراع بين مصابين وقتلى، بينما حوصر ملايين المواطنين في منازلهم، وسط استمرار الغارات الجوية ونيران المدفعية، وتبادل إطلاق النار في الشوارع، خلال عيد الفطر.

بدأ القتال بين الجيش السوداني بقيادة البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة دقلو في 15 أبريل الجاري، وخلف 413 قتيلًا و3551 جريحًا، بحسب منظمة الصحة العالمية.

واندلع القتال على خلفية تباين بين القائدين العسكريين، على طريقة دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة، علمًا بأن الآلاف من "الدعم" كانوا ضمن مجموعات متهمة بارتكاب تجاوزات عُرفت باسم "الجنجويد" شكلها الرئيس السوداني السابق عمر البشير الذي أطاحه انقلاب عسكري عام 2019، وفقا الصحيحة.

"فاغنر" والدعم

وسلطّت "وول ستريت جورنال" الضوء على علاقات حميدتي المتشابكة مع روسيا وفاغنر، كاشفة أن "دقلو" رفض عرضًا من فاغنر، المرتبطة بالكرملين، بتزويده بأسلحة ثقيلة، حسبما نقلته عن مصدر مقرب من قائد الدعم السريع.

وحسب الصحيفة، يشعر الخبراء والمسؤولون الغربيون بالقلق، من أن الاتشابكات الجيوسياسية بين الجنرالين المتحاربين، يمكن أن تغرق البلاد في صراع فوضوي، وتزيد زعزعة استقرار منطقة هشة لكنها استراتيجية.

ونقلت عن جورغيو كافييرو، الرئيس التنفيذي لـ "غولف ستيت أناليتيكس"، وهي شركة استشارية للمخاطر مقرها واشنطن، قوله: "أهمية السودان تكمن في أنه يقع عند تقاطع العالمين العربي والإفريقي".

وأشار إلى أنه "إذا تمكنت دولة من الحصول على كثير من النفوذ في السودان، فذلك يوفر لها عديد الفرص لسلاسل التوريد المحلية وطرق التجارة وروابط مع البلدان الإفريقية الأخرى".

لكن بالنسبة لسكان السودان، الذين يزيد عددهم على 45 مليون نسمة، فإن الصراع بين الجنرالات والفصائل المسلحة يؤدي إلى تفاقم أزمة إنسانية واقتصادية مدمرة، إذ إنه حتى قبل بدء القتال، كان واحد من كل ثلاثة سودانيين يعاني الجوع.

أما بالنسبة للحلفاء الخارجيين للجنرالين، فإن معركتهم من أجل الهيمنة السياسية والعسكرية، يمكن أن تقرر ما سيحدث لمليارات الدولارات من الاستثمارات، وقدرتهم على إبراز قوتهم في المنطقة.

وترى الصحيفة أن مصر أكثر الدول التي لديها مصلحة عاجلة في دعم استقرار السودان، إذ إنها تحتاج -بشكل فوري وعاجل- لمساعدة الخرطوم في معارضة بناء إثيوبيا لسد ضخم أقصى الجنوب على نهر النيل.

وتخشى القاهرة أن يتسبب مشروع السد الإثيوبي في إضعاف حصة مصر من نهر النيل، ما يضر بملايين، ويعطل الزراعة.

أهمية السودان

وعن الأهمية الاستراتيجية للسودان، بينّت "وول ستريت جورنال" أن موانئ السودان تعد نقطة التصدير الوحيدة لنحو 135 ألف برميل من النفط يوميًا، تنتج داخل البلاد وجنوب السودان المجاور، كما أنها البوابة الرئيسة للبضائع من وإلى دول إفريقيا الوسطى غير الساحلية الغنية بالمعادن، مثل تشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى.

وبالنسبة للولايات المتحدة، فإن القلق الأكبر هو التأثير المحتمل لروسيا في الصراع، وقدرة موسكو على استغلال السودان في زيادة نفوذها بالمنطقة، والمساعدة في تمويل حملتها في أوكرانيا.

وحسب الصحيفة، يتمتع الجنرال حميدتي بعلاقات وثيقة مع روسيا، وينتظر الكرملين التوقيع النهائي من القيادة السودانية على عقد إيجار 25 عامًا لقاعدة بحرية في بورتسودان، على بُعد قرابة 1000 ميل شمال أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في إفريقيا.

وتتيح القاعدة الروسية للسفن الحربية التابعة للكرملين -حال إتمامها- الوصول إلى قناة السويس والمحيط الهندي، في ظل أكبر مواجهة بين موسكو والولايات المتحدة وأوروبا.

وترى روسيا في القاعدة وسيلة لتسهيل استخراج الذهب والمعادن الأرضية النادرة، وغيرها من الموارد من السودان ووسط إفريقيا، بحسب مسؤولين أمريكيين.

وتعتمد الشركات التي يسيطر عليها يفغيني بريغوغين، الحليف الرئيس للرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومالك "فاغنر"، على مقاتلي قوات الدعم السريع، لتأمين مواقع شرقي وغربي السودان لتعدين الذهب منذ سنوات، وفقًا للحكومة الأمريكية والاتحاد الأوروبي ومسؤولين سودانيين.

وحسب المصادر نفسها، فإنه بينما قدمت "فاغنر" الأسلحة والتدريب للميليشيا، تسيطر عائلة الجنرال حميدتي على شركة تعالج مخلفات المناجم التي تديرها روسيا.

لكن ردًا على ذلك، قال بريغوزين للصحيفة الأمريكية: إن المجموعة شبه العسكرية "ليست متورطة -بأي حال من الأحوال- في الصراع السوداني".

كما نفى أحد مستشاري دقلو العمل مع مجوعة فاغنر الروسية.

وقد ساعدت الاستثمارات الروسية في زيادة إنتاج السودان السنوي من الذهب إلى قرابة 100 طن عام 2021 من أقل من 30 طنًا قبل خمس سنوات، وفقًا لبيانات وزارة المالية.

ويقول المسؤولون في البنك المركزي السوداني وشركة التعدين الحكومية إنهم يقدرون أن قرابة 70% من ذهب البلاد يصدر إلى روسيا.

وخلال الأشهر الأخيرة، شجعت الولايات المتحدة، مصر على الضغط على الجنرال البرهان، للتوقف عن العمل مع بريغوزين، وفقًا لمسؤولين أمنيين غربيين حاليين وسابقين.

وقبل أسابيع من اندلاع القتال، ألقت السلطات السودانية القبض على عشرات من عمال المناجم الروس، للاشتباه في تهريب الذهب.

ونقلت "وول ستريت جورنال" عن شون ماكفيت، خبير الحرب والعلاقات الدولية في مدرسة ماكسويل بجامعة سيراكيوز، قوله، إن مشاركة فاغنر يمكن أن ترجح كفة الجنرال دقلو خلال الصراع.

وأضاف: "طالما كان حميدتي طموحًا للغاية، ويمكن لبريغوزين أن يلعب دور صانع الملوك"، بينما في المقابل، سيوفر دقلو لروسيا السيطرة على ميناء مهم على البحر الأحمر.