خلافات ألمانيا وبولندا.. هل تهدد الوحدة الأوروبية؟

شنت الحكومة البولندية حملة قانونية بارزة ضد ألمانيا، للحصول على تعويضات في زمن الحرب، واتهمت برلين بالسيطرة المفرطة على مؤسسات الاتحاد الأوروبي

خلافات ألمانيا وبولندا.. هل تهدد الوحدة الأوروبية؟
المستشار الألماني أولاف شولتز - رئيس وزراء بولندا ماتيوش مورافيتسكي

ترجمات - السياق

في الوقت الذي يسعى الغرب، إلى التكاتف، ضد جهود روسيا في حربها على أوكرانيا، تظهر تناقضات تبين أن هذه "الوحدة" لم تكتمل، وهو ما أشارت إليه صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، في ما يخص العداء المتنامي بين بولندا وألمانيا.

وتحت عنوان "العداء في قلب أوروبا"، أوضحت الصحيفة، أنه في الوقت الذي يحاول الغرب تشكيل جبهة موحدة، ضد طموحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوروبا الشرقية، تظهر توترات بين وارسو وبرلين تقوِّض ذلك.

وسلطت الصحيفة الضوء على تشغيل أنظمة الدفاع الصاروخي الأمريكية "باتريوت"، منذ يناير الماضي، في بولندا، مِن قِبل جنود ألمان، موضحة أن الوجود العسكري الألماني في وارسو يُعد الأكثر أهمية، منذ الحرب العالمية الثانية.

وأشارت إلى أن الوجود الألماني يُشكل جزءًا من جهود حلف شمال الأطلسي "الناتو" لتعزيز جناحه الشرقي ودعم أوكرانيا، لافتة إلى أن هذا الوجود يختبر أيضًا العلاقة الألمانية البولندية، التي يعدها كثيرون في أسوأ حالاتها، منذ سقوط جدار برلين ونهاية الحرب الباردة.

ونوهت الصحيفة إلى أن انتشار الألمان في بولندا سبقته خلافات سياسية، حيث رفضت برلين طلبًا بولنديًا بتركيب صواريخ باتريوت في أوكرانيا، بدلاً من بولندا.

العلاقة على الأرض

لكن وفقًا لجنرال يقود 300 جندي ألماني ببولندا، فإن المشاحنات السياسية بعيدة تمامًا عن الأوضاع على الأرض، مشيرًا إلى أن التعاون بين الجانبين يسير بشكل جيد.

ونقلت "فايننشال تايمز" عن العقيد يورغ سيفيرز: "هناك توترات سياسية لكننا لا نشعر بها، فقد فوجئت بمساعدات جيدة من البولنديين، الذين أعدوا كل شيء لوصولنا بشكل أسرع مما كنت أظن".

ونوهت الصحيفة إلى أن الجنود البولنديين لا يتعاملون مع صواريخ باتريوت، لكنهم يحرسون المنطقة، ويتولون إنشاء 1600 لوح خرساني، كبنية تحتية لهذه الصواريخ، حتى لا تغوص في التربة الموحلة.

ورغم اختلاف المهام، فإن الجنود البولنديين ينامون في المجمع العسكري نفسه الذي ينام فيه الألمان، حسب الصحيفة البريطانية.

وتعد العلاقة الألمانية البولندية، حاسمة للقارة الأوروبية، منذ الغزو النازي لبولندا، الذي أشعل الحرب العالمية الثانية، وصولاً إلى ذروة اندفاع ألمانيا نحو بولندا وغيرها من الدول الشيوعية السابقة، للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

واليوم، يظهر واقع العلاقة بين البلدين، إن كانت القوى الغربية موحدة، لمحاولة إحباط خطط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين -الذي وضع غزوه لأوكرانيا أوروبا الشرقية أيضًا في قلب الجغرافيا السياسية العالمية- أم أن كلًا منهما تقف على حدة.

لكن، هناك في برلين -وفق الصحيفة- خيبة أمل من الحكومة البولندية، وما يُنظر إليها على أنه محاولة بولندية، لاستخدام ألمانيا كحقيبة سياسية قبل الانتخابات البرلمانية البولندية في الخريف.

كانت بولندا نددت بألمانيا، لبطئها في تقديم مساعدات عسكرية لأوكرانيا، ورفضها المخاوف البولندية، بشأن العلاقات الاقتصادية بين برلين وموسكو، التي تجسدها خطوط أنابيب نورد ستريم.

ويشير المسؤولون الألمان إلى أنها الآن ثالث أكبر مورد للأسلحة في العالم لأوكرانيا، وأن بولندا كانت مستوردًا للفحم الروسي قبل الحرب.

الرايخ الرابع

في غضون ذلك، شنت الحكومة البولندية حملة قانونية بارزة ضد ألمانيا، للحصول على تعويضات في زمن الحرب، واتهمت برلين بالسيطرة المفرطة على مؤسسات الاتحاد الأوروبي.

وعام 2021، اتهم ياروسلاف كاتشينسكي، رئيس حزب القانون والعدالة الحاكم في بولندا، ألمانيا بمحاولة إعادة تشكيل الاتحاد الأوروبي إلى "الرايخ الألماني الرابع".

هذه التصريحات جعلت المسؤولين الألمان يشعرون بأن الفوز في الانتخابات -بالنسبة إلى الحزب الحاكم في بولندا- أكثر أهمية من وجود علاقة بنّاءة مع ألمانيا، كما تقول جانا بوغليرين، رئيسة مكتب برلين للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.

أما في وارسو، فبعض السياسيين المعارضين يشعرون بالقلق أيضًا من أن حملة حكومتهم المناهضة لألمانيا، قد "تعرض بولندا للخطر على المدى الطويل"، لا سيما في ما يتعلق بقيادة إعادة إعمار أوكرانيا بعد الحرب، ومساعدتها في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

وتعليقًا على هذه الخلافات، يقول وزير الخارجية البولندي السابق رادوسلاف سيكورسكي، وهو الآن عضو في البرلمان الأوروبي، إن بولندا تخاطر بتحويل فرصة إلى عائق.

وأضاف: "إذا كنا نتحدث عن انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي، فعلينا أن نفهم أن ذلك يعني أيضًا تحولًا إضافيًا نحو الشرق، بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، وذلك يعني أن وجود الاتحاد الأوروبي -مدفوعًا فقط بالعلاقة الفرنسية الألمانية- لن يكون كافيًا".

ورأى سيكورسكي أنه إذا أرادت بولندا أن تلعب دورًا قياديًا في المرحلة التالية من تطور أوروبا، فعليها "إصلاح علاقتها ببروكسل وبرلين"، مضيفًا: "أخشى أنها إن لم تفعل ذلك، فإن رومانيا، التي تمثل نِصف حجمنا، يمكن أن تحل محل بولندا، لأنها لا تختار معارك غير ضرورية".

قضية التعويضات

في غضون ذلك، تتعمق المعارضة البولندية ضد برلين، ففي أكتوبر 2022، رفعت بولندا دعوى رسمية ضد ألمانيا، مُطالبة بـ 1.3 تريليون يورو، تعويضات عن الأضرار والخسائر خلال الحرب العالمية الثانية.

من جانبها، أصرت برلين على أن القضية جرت تسويتها، منذ خمسينيات القرن الماضي، مع حكومة بولندا الشيوعية آنذاك، لترفض برلين بشدة ما سمته "ادعاءً" بولنديًا.

ونقلت "فايننشال تايمز" عن وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بربوك، قولها: "بينما تعترف ألمانيا بمسؤوليتها التاريخية، فإن قضية التعويضات منتهية من منظور الحكومة الألمانية".

وشدد متحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية، في سبتمبر الماضي، على أن قضية التعويضات الخاصة بالحرب العالمية الثانية "انتهت"، مضيفًا: "لم يتغير موقف الحكومة الألمانية، وانتهت قضية التعويضات".

وأضاف: "تنازلت بولندا عن مزيد من التعويضات منذ وقت طويل، عام 1953، وأكدت مرات عدة هذا التنازل".

وتقول برلين إن بولندا تخلت عن تقاضي تعويضات حرب من ألمانيا الشرقية عام 1953، غير أن المحافظين البولنديين ينفون ذلك.

الظالم الآخر

لكن رئيس الوزراء البولندي ماتيوز مورافيكي، قال لصحيفة فايننشال تايمز في سبتمبر الماضي، إن بولندا مستعدة لخوض معركة قانونية طويلة بشأن التعويضات، مضيفًا: "لقد انتظر شعب هيريرو وناما 120 عامًا للحصول على تعويض، ولدينا أيضًا الوقت"، في إشارة إلى تبرع بـ 1.1 مليار يورو تعهدت به ألمانيا عام 2021 تقديرًا لمذبحة الحقبة الاستعمارية لعشرات الآلاف في ناميبيا.

وتشير الصحيفة البريطانية، إلى أنه بينما تطالب بولندا بتعويضات من برلين، فإنها لا تتحدث عن موسكو، رغم تقسيم بولندا من قِبل ألمانيا والاتحاد السوفييتي عام 1939، ثم فرض موسكو الحكم الشيوعي على وارسو.

وردًا على سؤال عن سبب عدم سعي وارسو إلى الحصول على تعويضات روسية، قال وزير الدولة البولندي مارسين برزيداتش، في مقابلة مع صحيفة فاينانشيال تايمز: "إننا نتعامل مع برلين وموسكو بطريقة حضارية، فبمجرد أن يتحقق النجاح مع ألمانيا، يمكن أن تكون الخطوة التالية إطلاق هذا النقاش مع "الظالم الآخر".

قاعدة عسكرية

يتمركز الجنود الألمان في قاعدة زاموي، وهي بلدة تعد جوهرة الهندسة المعمارية لعصر النهضة في بولندا، لكنها عانت أيضًا فظائع في زمن الحرب، ليس أقلها بعد أن اختار النازيون المنطقة لعرض الاستعمار الألماني في أوروبا الشرقية.

ورأت "فايننشال تايمز" أن زيارة القاعة المستديرة المبنية من الطوب، التي كانت بمنزلة مركز احتجاز نازي ومكان للإعدام، تعد تجربة مروعة، حيث قُتل نحو 8 آلاف شخص هناك.

كما قُضي على سكان زاموي بسبب الهولوكوست، حيث كانت المدينة مسقط رأس الثورية الماركسية روزا لوكسمبورغ، التي كانت جزءًا من الجالية اليهودية، التي شكلت أكثر من 40 في المئة من سكان المدينة حتى عام 1939.

وحسب الصحيفة، بدا السكان غير قلقين بشأن وجود القوات الألمانية في بلدة زاموي، حيث قضت قوات من الولايات المتحدة ودول "الناتو" الأخرى بعض الوقت، لكن بعض السكان يفرقون بين الترحيب بالألمان وقبول السياسة الألمانية.

وبعد وقت قصير من وصول الجنود الألمان، افتتح مجلس بلدية زاموي معرضًا عن الاحتلال النازي للمدينة، ودُعي الألمان لزيارة المعرض، رغم أنه لم ينظم خصيصًا لهم.

الترابط الاقتصادي

وفي ما يخص الترابط الاقتصادي، بينت "فايننشال تايمز" أن ألمانيا لا تزال الشريك التجاري الرئيس لبولندا، وقد نمت التجارة الثنائية بينهما بشكل لافت، بنسبة 14% العام الماضي، كما أعلنت "مرسيدس بنز" -في ديسمبر- بناء مصنع بمليار يورو، لصنع شاحنات كهربائية جنوبي غرب بولندا.

وقال رئيس الوزراء مورافيكي، إن هذا المصنع أظهر أننا "نوفر أفضل الظروف الممكنة للتنمية الاقتصادية".

وفي مثال للتعاون الاقتصادي، أبرمت ألمانيا صفقة لنقل النفط من بولندا إلى مصفاة شويدت، كبديل لإنهاء الإمدادات الروسية.

ووفقًا لخبراء اقتصاديين، فإن العقوبات المفروضة على روسيا والمخاوف الغربية بشأن الاعتماد على الصين كمورد، يمكن أن تؤدي أيضًا إلى زيادة العلاقات الاقتصادية بين الجارتين الأوروبيتين.

ونقلت الصحيفة عن البولندي بياتا جافورسيك، كبير الاقتصاديين في البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، قوله: "أتوقع أن تؤدي إعادة تشكيل سلاسل القيمة العالمية، إلى تقوية العلاقة التجارية بين بولندا وألمانيا، مع تزايد أهمية بولندا كقاعدة بديلة للموردين إلى ألمانيا".

لكن ألمانيا -حسب الصحيفة البريطانية- لم تقرر ما إذا كانت ستبقي صواريخ باتريوت الخاصة بها في بولندا، إلى ما بعد الموعد النهائي، في يونيو المقبل، وهي التي يواجه جيشها نقصًا حادًا في المعدات.