الجزائر والمغرب وتونس.. أمن غذائي مهدد ومحاولات حثيثة للخروج من عنق الزجاجة

هذه الأزمات عصية على الحل، بسبب الانكماش الذي شهده الاقتصاد الجزائري، وانخفاض صادرات البلاد من النفط الخام والغاز الطبيعي المسال بنحو 30%، إضافة إلى انخفاض قيمة الدينار أمام الدولار.

الجزائر والمغرب وتونس.. أمن غذائي مهدد ومحاولات حثيثة للخروج من عنق الزجاجة
أغلبية بلدان المغرب العربي تعتمد بشكل كبير على واردات الحبوب، وبذلك تكون عُرضة للتأثر بالاضطرابات التي تصيب الأسواق العالمية

السياق

أزمة أمن غذائي، تشهدها 3 دول في المغرب العربي، بسبب الارتفاعات القياسية في أسعار الحبوب، ما أدى إلى معدلات تضخم، لم تشهدها منذ عقد من الزمان.

فتونس والجزائر والمغرب دخلت في أزمة أمن غذائي، بسبب ما وصفتها تقارير دولية بـ«الهشاشة الهيكلية للنظم الغذائية» في تلك البلدان، وعدم قدرتها على التعامل مع ندرة الميادة المتزايدة.

وعجلت الصدمات الاقتصادية المحلية والعالمية، التي نجمت عن جائحة كورونا، والتي أصابت معظم اقتصادات العالم بالشلل، وقت الإغلاق، بخروج أزمة الغذاء الحالية في البلدان الثلاثة إلى العلن.

وأحدثت جائحة كورونا، اضطراباً بسلاسل الإمداد في العالم، ما أثار القلق بشأن الأمن الغذائي، بحسب «الفاو»، التي قالت إن تلك الاضطرابات شكلت صعوبات في تشغيل سلاسل الإمداد الغذائي في بعض الأسواق، خاصة في بلدان المغرب العربي.

وبحسب «الفاو»، فإن أغلبية بلدان المغرب العربي تعتمد بشكل كبير على واردات الحبوب، وبذلك تكون عُرضة للتأثر بالاضطرابات التي تصيب الأسواق العالمية، مشيرة إلى أن توقعات الإنتاج المحلي من الحبوب جيدة في العموم، باستثناء دول المغرب العربي.

الجزائر

تمثل الواردات الغذائية في الجزائر نحو 75% من حاجات سكانها البالغ عددهم 45 مليون نسمة قبل كورونا، إلا أن الحاجات الغذائية في البلد العربي، زادت بشكل كبير بعد جائحة كورونا، ما أدى إلى إنفاق نحو 24 مليونًا من مواطنيها أكثر من 60% من دخولهم فقط لتلبية تلك الحاجات.

وتعد الجزائر أكبر مستورد للغذاء في إفريقيا، بينما مثلت الحبوب (70% منها قمح) 43 من إجمالي السعرات الحرارية و46% من البروتين في النظام الغذائي الجزائري.

وتوقعت تقارير محلية، أن ينخفض الإنتاج الجزائري من الحبوب 38%، العام الحالي، لتغيُّر المناخ، وما تسبب فيه من ظواهر قاسية وقلة الأمطار.

ذلك النقص في الإنتاج يتوقع أن يدفع البلد الإفريقي إلى بذل جهود أكبر في استيراد القمح ليصل إلى 8.1 مليون طن متري، أعلى من العام الماضي، بنسبة 25%.

وتواجه الجزائر أزمة، خاصة أن معظم وارداتها من الحبوب من فرنسا، التي أصبحت عاجزة عن الوفاء بالكميات التي طلبها البلد الإفريقي، ما دفع الأخيرة إلى اللجوء لألمانيا والصين، وكندا وبولندا وروسيا.

كما تواجه أزمة إمدادات الحليب، إلا أنها لن تستطيع التعلب عليها، إلا بتوفير أكثر من مليون بقرة، لتلبية الطلب الحالي على الحليب من الإنتاج المحلي فقط.

أزمات مستفحلة

هذه الأزمات عصية على الحل، بسبب الانكماش الذي شهده الاقتصاد الجزائري، وانخفاض صادرات البلاد من النفط الخام والغاز الطبيعي المسال بنحو 30%، إضافة إلى انخفاض قيمة الدينار أمام الدولار.

وفي محاولة من البلد الإفريقي للتغلب على ندرة المياه التي باتت التحدي الرئيس لها، لجأت إلى التوسع في محطات تحلية مياه البحر.

ورغم تلك الأزمات، فإن الجزائر احتلت المرتبة الأولى إفريقيًا في مجال الأمن الغدائي، ضمن تصنيف برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، الذي أكد أن الجزائر كانت ضمن القائمة التي تقل فيها نسبة الذين يعانون سوء التغذية عن 2.5% من العدد الإجمالي للسكان، بين عامي 2018 و2020.

المغرب

لم تكن الجزائر وحدها تعاني أزمة في الأمن الغذائي، بل إن المغرب حل في المرتبة الثانية إفريقيًا، ضمن البلدان التي تتراوح فيها نسبة من يعانون سوء التغذية، بين 2.5 و4.9%، بحسب برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، الذي أكد أن 4.1 مليون مغربي لا يحصلون على الغذاء بما فيه الكفاية.

وبحسب برنامج الأغذية العالمي، فإن 15% من الأطفال المغربيين الأقل من 5 سنوات يعانون سوء تغذية، مشيرًا إلى أن 2.6% من الأطفال من هذه الشريحة العمرية عرضة لسوء تغذية حاد.

كان المغرب أطلق برنامج خطة «المغرب الأخضر»، عام 2008، الذي امتد حتى عام 2020 لتعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية، بحسب تقارير محلية، أشارت إلى أن المشروع نجح في زيادة الصادرات الزراعية للبلاد 117%.

ورغم الآثار الإيجابية للبرنامج، فإنه أدى إلى تقليص مساحة الأراضي الزراعية المخصصة لإنتاج الحبوب حتى 59%، ما دفع المغرب إلى استيراد 54% من الحبوب.

الإنتاج الزراعي

وبينما يخطط المغرب لاستدامة الإنتاج الزراعي للتصدير والاستهلاك، يواجه مشكلة ارتفاع درجة الحرارة والجفاف، التي تسهم في تآكل التربة بنحو نصف الأراضي المغربية، خصوصًا أن 16% من تلك الأراضي تروى من السدود المحلية.

من جانبه، أكد برنامج الأغذية العالمي، أن الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية أسهمت بشكل كبير بتقدم المغرب في القضاء على الفقر المدقع والقضاء على الجوع، وخفض نسبة الذين يعيشون في حالات الفقر المدقع أو الفقر الغذائي إلى الصفر تقريبًا.

وأوضح برنامج الأغذية العالمي، أن الوصول إلى الغذاء مضمون بشكل عام في المغرب، لكن البلاد لا تزال تواجه تحديات تتعلق بسوء التغذية والأمن الغذائي طويل الأجل والزراعة المستدامة.

ويعتمد ارتفاع مستوى الأمن الغذائي واحتمالات المزيد من التحسينات، على الجهود الوطنية للحد من أوجه عدم المساواة والضعف وتفاوت الدخل، بين المناطق الحضرية والريفية وبين الرجال والنساء.

تونس

تونس كانت من تلك البلدان، التي شملها تقرير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "الفاو" في ديسمبر المنصرم، الذي أكد أن الأزمات الطويلة تعرقل الجهود لتحقيق هدف القضاء على الجوع في المنطقة بحلول 2030.

وقال تقرير "الفاو" إن مستوى انعدام الأمن الغذائي الحاد، الذي يعد من مقاييس المنظمة لمستويات الجوع، في الدول التي تشهد نزاعات، ضعف مستواه في الدول الأخرى.

وبحسب أرقام رسمية، فإن ربع التونسيين أصيبوا بحالة من انعدام الأمن الغذائي المعتدل إلى الشديد بين عامي 2018 و2020، مقارنة بـ 18.2% بين عامي 2014 و2016.

إلا أن جائحة كورونا، أسهمت في تفاقم العجز المالي التونسي، الذي وصل عام 2020 إلى 11.5% من الناتج المحلي الإجمالي، في رقم يعد الأكبر منذ 40 عامًا.

وقبلت تونس عام 2020، قرضًا طارئًا بـ 750 مليون دولار من صندوق النقد الدولي، ورغم حاجتها لتغطية مدفوعات سداد الديون البالغة 5.8 مليار دولار، فلن تستطيع الإقدام على الاقتراض ثانية، تخوفًا من تكرار سيناريو فنزويلا.

وبحسب الإحصائيات الرسمية، فإن تونس بحاجة إلى استيراد 70% من حاجاتها من الحبوب، مشيرة إلى اختلال توازن تجارة المواد الغذائية إلى 290.9 مليون دولار خلال النصف الأول من 2021.

وبلغ الخلل في تجارة المواد الغذائية، نهاية الربع الثالث من عام 2021 نحو 1.32 مليار دينار، مع ارتفاع أسعار الحبوب المستوردة 23.9% للقمح اللين.

وبينما تستخدم تونس 80% من المياه المتوفرة في الزراعة والباقي للشرب، إلا أنها تخسر قرابة 50% من تلك المياه، قبل الوصول إلى المنازل، بسبب سوء البنية التحتية.

وتواجه السدود التونسية انخفاضًا في المياه مع ارتفاع درجة الحرارة وحالات الجفاف، إلا أنه من المتوقع أن تصبح في ميليج ورميلي مغمورة بالطمي بحلول 2035.

محاولة للحل

وفي محاولة من تونس للتغلب على أزمة الأمن الغذائي، وقَّعت أواخر ديسمبر المنصرم، اتفاقيتي تعاون مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "الفاو" تتعلقان بإنجاز مشروعين يستهدفان تعزيز الأمن الغذائي والقدرة على التأقلم مع التغيرات المناخية.

وبحسب تقرير لوكالة الأنباء التونسية الرسمية في ذلك الوقت، فإن الاتفاقية تتعلق بمشروع ينفذ بالشراكة مع "الفاو"، يهدف إلى تعزيز الأمن الغذائي والقدرة على التأقلم مع التغيّرات المناخية، من خلال بلورة مخطط عمل وطني للقطاع الفلاحي.

وأكدت الوكالة التونسية، أن المشروع يستهدف تطوير آليات تأقلم، تتعلق بالمياه والأراضي والزراعات والثروة الحيوانية والصيد البحري والغابي، إلى جانب وضع مخططات الحماية الاجتماعية لتحسين التأقلم داخل الأوساط الريفية الأكثر هشاشة.

بينما تتعلق الاتفاقية الثانية، بمشروع تدعمه الوكالة النرويجية للتعاون الإنمائي، يهدف إلى جمع بيانات واقعية عن الحماية الاجتماعية في قطاع الصيد البحري وتربية الأحياء المائية.

وبحسب التقرير الرسمي، فإن المشروع يركز على تحسين الوصول إلى الحماية الاجتماعية، وتعزيز قدرة المؤسسات التونسية لتوسيع التغطية وتحسين الخدمات الاجتماعية، التي تستهدف الصيادين والعاملين في مجال الصيد البحري وتربية الأحياء المائية.