الصراع في تيغراي.. هل تنجو إثيوبيا من التقسيم؟

تسبب الصراع بين الجيش الحكومي، وجبهة تحرير شعب تيغراي في أزمة إنسانية حادة، ودفع أعلى هيئة حقوقية في الأمم المتحدة إلى الأمر بفتح تحقيق دولي في انتهاكات مفترضة.

الصراع في تيغراي.. هل تنجو إثيوبيا من التقسيم؟

ترجمات - السياق

حذرت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، من أن الحرب في إثيوبيا قد تنتهي بتمزق البلاد، مشيرة إلى أن التاريخ يعيد نفسه، مثلما حدث في القرن السابع من تقسيم البلاد، حتى استطاع الإمبراطور تيودروس إعادة توحيدها عام 1855، مرجحة أن يكون الحل الأمثل لاستقرار البلاد هو التقسيم الجغرافي.

كان متمردو جبهة تحرير شعب تيغراي، أعلنوا مؤخرًا انسحابهم من منطقتي أمهرة وعفر شمالي إثيوبيا والتراجع إلى تيغراي، في نقطة تحول جديدة في الحرب المستمرة منذ 13 شهرًا، التي أودت بحياة الآلاف.

وتسبب الصراع بين الجيش الحكومي، وجبهة تحرير شعب تيغراي في أزمة إنسانية حادة، ودفع أعلى هيئة حقوقية في الأمم المتحدة إلى الأمر بفتح تحقيق دولي في انتهاكات مفترضة.

واندلعت الحرب في إثيوبيا نوفمبر 2020 عندما أرسل آبي أحمد الجيش إلى إقليم تيغراي لإطاحة السلطات المحلية، المنبثقة من جبهة تحرير شعب تيغراي، بعد اتهامها بتدبير هجمات على ثكنات للجيش الفدرالي.

وتسبب القتال في نزوح أكثر من مليوني شخص، ودفع بمئات الآلاف إلى المجاعة، بحسب تقديرات الأمم المتحدة، مع تقارير عن مذابح وعمليات اغتصاب جماعي ارتكبها الطرفان.

وخلص تحقيق مشترك، بين مفوضية الأمم المتحدة والمفوضية الإثيوبية لحقوق الإنسان، مطلع نوفمبر الماضي، إلى ارتكاب كل الأطراف جرائم يمكن تصنيفها جرائم ضد الإنسانية.

 

عواقب مدمرة

وقالت "فايننشال تايمز"، إن على الاتحاد الإفريقي والدول المراقبة للصراع، التأهب لما ستفضي إليه الأمور عقب انتهاء القتال، وأضافت: "عندما ينتهي القتال، قد يكون من الصعب إعادة توحيد إثيوبيا مرة أخرى، إذ يوضح التاريخ صعوبة ذلك، حيث انهار البلد مع عواقب مدمرة طويلة الأجل".

واستشهدت الصحيفة البريطانية، بما شهده التاريخ الإثيوبي من صدامات دموية، أدت إلى انقسام البلاد وتمزيقها، وأوضحت أن الانهيار الأول للدولة المركزية، الذي بدأ في القرن السابع، أدى إلى استمرار "العصور المظلمة" في إثيوبيا حتى استعادة ما يسمى الحكم السليماني والسيطرة المركزية عام 1270.

وأشارت إلى أن الانهيار الأخير، عام 1769، كان إيذانًا بظهور "عصر الأرومو"، عندما قاتل اللوردات الإقليميون للسيطرة على العاصمة (المركز حينها)، لتوحيد البلاد تحت قبضة واحدة باسم ملك الملوك أو (الإمبراطور)، مؤكدة أنها كانت فترة فوضوية استمرت حتى إعادة توحيد وتأسيس إثيوبيا الحديثة على يد الإمبراطور تيودروس عام 1855.

وذكرت، أنه منذ ذلك الحين نجح الأباطرة المتعاقبون والمجلس العسكري ورؤساء الوزراء، في الحفاظ على تماسك الدولة (باستثناء انفصال إريتريا) بالقوة ، وهو ما يحاوله الآن الزعيم الحالي آبي أحمد.

 

رؤية جديدة

ولتوضيح كيفية الوصول إلى دولة مستقرة نسبيًا، نقلت "فايننشال تايمز" عن الباحثين نيك تشيزمان ويوهانس ولدماريام، قولهما في دراسة نشرتها مجلة فورين آفيرز بعنوان: "هل تستطيع إثيوبيا البقاء؟": إن بقاء الدولة الإثيوبية، يتطلب من قادة البلاد رؤية جديدة، تختلف عن الرؤى التاريخية السابقة.

وأضافا: "إثيوبيا التي كانت تتدخل في شؤون الآخرين، أصبحت ساحة للتنافس الإقليمي والدولي، والأخطر افتقادها التوافق المطلوب لاستمرار الدولة"، وتساءلا: "هل إثيوبيا بلد لكل القوميات، أم أن القومية الكبرى أو الأقوى عسكريًا، تسيطر؟".

وحسب الصحيفة البريطانية، فإن "الرؤى" الثلاث التي سيطرت على البلاد: الإمبراطورية الماركسية (1974-1991)، ثم جمهورية اتحادية مقسمة إلى تسع ولايات عِرقية (1994-2018).. والآن، تحت حكم آبي أحمد، (إثيوبيا الرأسمالية)، لم تنهِ فكرة الانقسامات القديمة، وبناء دولة موحدة تستمر من دون صراعات جانبية عِرقية.

وأوضحت، أنه لتجنُّب العودة إلى عصر الأمراء (الاقتتال الداخلي)، يجب أن تستند الرؤية الواقعية الوحيدة لتوحيد هذه المنطقة الشاسعة والمتنوعة والهشة بيئيًا -ليس إلى التاريخ ولا الأيديولوجية ولا العِرق- وإنما إلى الجغرافيا حيث يتحد الناس حول الطبيعة.

واستشهدت "فايننشال تايمز" بالأوضاع في كينيا، قائلة: إن الكينيين يفهمون هذا، إذ يقسم دستورهم اللامركزي لعام 2010 البلاد إلى 47 مقاطعة، ذات حدود جغرافية محددة بوضوح، تهدف إلى تعزيز "الحوكمة التشاركية والتنمية الشاملة والمستدامة وحقوق الإنسان وسيادة القانون".

وذكرت "فايننشال تايمز" أنه يمكن لمثل هذا (الدستور الجغرافي) أن يعمل بشكل جيد في إثيوبيا، باستخدام أحواض الأنهار الـ 12 الرئيسة، كوحدات جغرافية للإدارة والتنظيم والتخطيط"، مشيرة إلى أن أي تفكير في نظام آخر للحكم، سيهدد بإطالة أمد المأساة الحالية لإثيوبيا وإفريقيا.