أمريكا تعود إلى قطف الرؤوس في الصومال...كيف تؤثر الاستراتيجية في خريطة الإرهاب بالقرن الإفريقي؟

قال الخبير في شؤون الجماعات الجهادية، الدكتور حسن أبو هنية، في تصريحات لـ-السياق-، إن هدف تصفية بلال السوداني، وهو منسق عملياتي وشخصية مفتاحية ومهمة في تنظيم داعش الصومال، كان القبض عليه حيًا، لأن أجهزة الأمن الأمريكية كانت لديها معلومات عن نشاط التنظيم في الصومال وإفريقيا، إلا أن العملية انتهت بقتله.

أمريكا تعود إلى قطف الرؤوس في الصومال...كيف تؤثر الاستراتيجية في خريطة الإرهاب بالقرن الإفريقي؟

السياق

ضربات متتالية للحركة الإرهابية في الصومال، أدمت أوصالها وأطاحت عديدًا من قياداتها، وجعلتها في موقف المدافع، بعد أن كانت تعد نفسها الآمر الناهي في البلد الإفريقي المأزوم أمنيًا واقتصاديًا.

فمن حركة «الشباب» مرورًا بـ «داعش» إلى «القاعدة»، تنظيمات إرهابية اختلفت توجهاتها، لكن أهدافها توحدت، في محاولتها السيطرة على الصومال، مستغلة الرخوة الأمنية ثغرة للدخول منها إلى البلد الإفريقي.

إلا أن الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، الذي تولى رئاسة بلاده في مايو الماضي، قطع تعهدات على نفسه، بينها إطاحة االتنظيمات الإرهابية المتمركزة في بلاده، على محاور عدة، أبرزها الاستعانة بالجيران لضبط الحدود، أملًا بقطع الطريق على هؤلاء للاستفادة من الوضع الأمني.

ثاني المحاور، تقوية شوكة الجيش داخليًا عبر مطالبة الدول الغربية برفع حظر تسليحه، ومناشدة الدول العربية والخليجية دعمه، للخروج من الأزمة.

جهود أثمرت -في أشهر معدودة- وعيًا شعبيًا وصل عنان السماء، أسهم -بالتعاون مع الجيش- في إطاحة عديد من قيادات حركة الشباب الصومالية، وأفقدها وباقي التنظيمات الإرهابية كثيرًا من أفرادها والأراضي التي سيطرت عليها.

جاء ذلك بالتوازي مع إعادة التعاون والتنسيق بين الاستخبارات الصومالية والجيش الأمريكي في عمليات على الأرض، تهدف لقطف رؤوس قادة تلك التنظيمات، أثمرت إطاحة القيادي في تنظيم داعش بلال السوداني، و10 آخرين.

 

مصير التنظيمات الإرهابية

تلك التطورات، أثارت تساؤلات عن مصير التنظيمات الإرهابية على الأراضي الصومالية خلال الفترة المقبلة، وما إذا كانت هذه التحركات ستبدد أحلامها في اتخاذ الصومال بيئة حاضنة لها، وما إذا كانت لأحد تلك التنظيمات الكلمة العليا على باقي الإرهابيين.

إلى ذلك، قال الخبير في شؤون الجماعات الجهادية، الدكتور حسن أبو هنية، في تصريحات لـ«السياق»، إن هدف تصفية بلال السوداني، وهو منسق عملياتي وشخصية مفتاحية ومهمة في تنظيم داعش الصومال، كان القبض عليه حيًا، لأن أجهزة الأمن الأمريكية كانت لديها معلومات عن نشاط التنظيم في الصومال وإفريقيا، إلا أن العملية انتهت بقتله.

وبينما قال إنه -حتى الآن- لا توجد مقاربة واضحة ولا حرب لمواجهة التنظيمات الجهادية، ليس فقط شرقي الصومال بل وسطها، وفي الصحراء والساحل وشرق ووسط إفريقيا، أكد أنه من المبكر رؤية نتائج عملية تصفية بلال السوداني.

وأوضح أبوهنية، أن الضربات الأمريكية المشتركة ظلت محدودة، رغم إعادة الرئيس الأمريكي القوات التي سحبها سلفه دونالد ترامب، إذ تخشي أمريكا أن يستفيد تنظيم داعش من حركة الشباب الصومالية وانفصال الأجنحة عنها.

وأكد الخبير في شؤون الجماعات الجهادية، أن نفوذ حركة الشباب الصومالية ما زال قويًا، خاصة في الجنوب، مرتبطا ببقاء زعيم التنظيم في الصومال عبدالقادر مؤمن، مشيرًا إلى أنه لم يكن هناك تحول جذري بالمقاربة في التعامل مع ظاهرة الجهادية، سواء المرتبطة بالقاعدة مثل حركة الشباب أم المرتبطة بـ«داعش».

وأشار إلى أن هناك حملات شنتها القوات المشتركة على حركة الشباب و«داعش» لكنها لم تتمكن من القضاء على التنظيم، الذي يتمدد أحيانا وينحسر أحايين أخرى.

ورغم ذلك، فإن الخبير في شؤون الجماعات الجهادية، قال إن القوات الأمريكية غير جادة في مكافحة الإرهاب بالقرن الإفريقي، في الوقت الذي تعاني فيه القوات المحلية وقوات الاتحاد الإفريقي ضعفًا كبيرًا لا يمكنها من المواجهة.

 

هل يتحد "داعش" و"الشباب"؟

يقول أبوهنية، إن 90% من الهجمات الإرهابية تنفذها حركة الشباب، لأنها الأقوى ولها هيكل تنظيمي أكثر قوة، من حيث القدرة المالية والأعداد، بينما وجد «داعش» لنفسه موطنًا يحاول استغلاله لإعادة هيكلته والحفاظ على وجوده بالمنطقة.

بينما قال الباحث والمحلل السياسي الصومالي عبدالرحمن آدم، في تصريحات لـ«السياق»، إن فلول حركة الشباب فرت إلى جهة جبال جلجلة الداعشية في ولاية بنتلاند شرقي الصومال، بسبب هجمات الجيش والشعوب المتعاونة التي تسمى (معويسلاي) في ولايتي جلمودوج وهيرشبيلة.

ورغم ذلك، فإن المحلل الصومالي، يقول إن المعلومات التي تتواتر من هذه الجبال المحصنة، تشير إلى أن حركة الشباب وداعش اتحدا في ما يتعلق بتنسيق الدفاع بينهما والتصالح، وترك الخلاف الذي كان بينهما للتفرغ لمواجهة العدو المشترك، الدولة الصومالية.

إلا أن ذلك الاتحاد، أدى إلى تكثيف الهجمات الصاروخية من الطائرات الأمريكية، بالتعاون مع جهاز الاستخبارات الصومالي، ما تسبب في نجاح عملية القضاء على قيادات الإرهاب وتصفية أول قيادي داعشي في القرن الإفريقي.

ويرى المحلل السياسي الصومالي، أن هذه العمليات المشتركة تقضي على آمال «داعش» و«الشباب» نحو توحيد قوتهما، وتضع «التطرف» في القرن الإفريقي وخليج عدن، على مسار إطاحته.

 

إعادة رسم الخريطة

الأمر نفسه، أشار إليه رئيس مركز سلام لدراسات التطرف، الدكتور إبراهيم نجم، في تصريحات لـ«السياق»، قائلًا إن استهداف قيادات «داعش» من شأنه الحد من قدرته على الانتشار وفرض سيطرته على المناطق المختلفة في البلاد، خاصة في ظل الصراع الكبير بينه وبين تنظيم القاعدة، لأن الصومال كانت المعقل الرئيس للأخير في إفريقيا.

وأوضح رئيس مركز سلام، أن التركيز على قادة داعش، يمكن أن يدفع القاعدة إلى تجديد محاولاتها للعودة إلى ساحة التجنيد والاستقطاب ومزاحمة تنظيم داعش على الأراضي الصومالية، مشيرًا إلى أن إفريقيا تشهد حالة من إعادة هيكلة خريطة الإرهاب على المستوى القاري، في ظل تمدد التنظيمات شرقًا وغربًا.

وأضاف رئيس مركز سلام، أن تنظيم داعش يتخذ من منطقة بونتلاند، أقصى الشمال الشرقي للبلاد، ملاذًا آمنًا له، مشيرًا إلى أن عملية تصفية السوداني أثبت قدرة القيادة المركزية على الوصول للتنظيم الإرهابي، وتوحي بضعف مكانة ونفوذ تنظيم داعش في أبرز معقل له بالبلاد.

 

تعزيز الجنوب

ومع ذلك الضعف والوهن، يقول نجم، إن حركة الشباب الصومالية، عملت على تقوية وجودها جنوبي البلاد، وتصدت لمحاولات داعش المتواصلة منذ 2015، لاستقطاب أعضائها، مشيرًا إلى اشتباكات بين الفصيلين، بسبب التنازع على النفوذ وتجنيد إرهابيين من الطرفين، ما يدحض رواية الاتحاد بين التنظيمين، على حد قوله.

وأوضح أن ضعف القيادة المركزية لداعش في الصومال، بزعامة المدعو عبدالقادر مؤمن، من شأنها تجديد محاولات حركة الشباب الصومالية لاستقطاب أعضائه، الأمر الذي لا يُستبعد أن ينتهي بمبايعات من داعش للجماعة القاعدية.

رئيس مركز سلام قال إن الأوضاع الصومالية ليست بمعزلٍ عما يدور في إطار القارة الإفريقية التي تشهد إعادة تشكل خريطة النفوذ الإرهابي في أقاليمها الخمسة، مشيرًا إلى أن «داعش» يسعى إلى ربط أماكن نفوذه، من جنوب الصومال، وصولًا إلى منطقة القرن الإفريقي شرقًا والوسط في موزمبيق والكونغو، الأمر الذي يفسر النشاط الإرهابي للتنظيم في البلدين السابقين، تزامنًا مع محاولات التوسع في منطقة الساحل والغربي الإفريقي عبر نيجيريا والنيجر وتشاد والكاميرون.

ويقول نجم إن تنظيم القاعدة يسعى لإعادة هيكلة خريطته عبر التوسع على الشريط الساحلي من مالي إلى دول الجوار في بوركينافاسو وبنين، في إطار استراتيجية إرهابية أعلنتها حركة ما تُعرف بـ«نصرة الإسلام والمسلمين»، قبل سنوات للانتشار في دول الجوار وتوسع نفوذ تنظيم القاعدة.

 

تحديات كبيرة

الخبير في الجماعات والحركات الإسلامية، الدكتور مروان شحادة، يقول إن هناك معركة بين أمريكا وتنظيم داعش، لافتًا إلى أن «القاعدة» غير موجودة في القرن الإفريقي، خاصة الصومال.

وبينما أشار إلى أن حركة الشباب التي بايعت أسامة بن لادن، ما زالت تحافظ على البيعة من الناحية المعنوية فقط، أكد أنها تواجه تحديات كبيرة، في ظل دعم الولايات الأمريكية ودول إفريقية للجهود الحكومية، في مواجهة حركة الشباب.