منهج مكافحة التمرد... لماذا على القوات الأمريكية دراسة حرب العراق؟

بعد 20 عامًا من الغزو الأمريكي للعراق، ما زالت الدروس تتدفق من ذلك الحدث، الذي هز المنطقة، وغيّر كثيرًا من طريقة أداء الجيش الأمريكي.

منهج مكافحة التمرد... لماذا على القوات الأمريكية دراسة حرب العراق؟

ترجمات - السياق

بعد 20 عامًا من «الغزو» الأمريكي للعراق، ما زالت الدروس تتدفق من ذلك الحدث، الذي هز المنطقة، وغيّر كثيرًا من طريقة أداء الجيش الأمريكي، الذي وجد نفسه -عن غير قصد- في صراع طويل من أجل الاستقرار والأمن، في ذلك البلد الآسيوي.

وتقول صحيفة فورين أفيرز، في تقرير، إن الرئيس الأمريكي -آنذاك- جورج دبليو بوش ووزير دفاعه دونالد رامسفيلد، توقعا حربًا قصيرة وحادة، تنتهي بمجرد طرد القوات الأمريكية للرئيس العراقي الراحل صدام حسين.

وأوضحت أن الجيش الأمريكي كان على أهبة الاستعداد، لاقتحام الجيش العراقي بسرعة بقواته عالية التقنية، في تدخل سريع من شأنه أن يُتوج بالاستيلاء على بغداد، إلا أنه بدلاً من ذلك، سمحت الافتراضات الخاطئة، والأخطاء التي أعقبت إطاحة صدام، وقوة الغزو التي كانت صغيرة جدًا لتأمين البلاد، بنمو تمرد عنيف ثبت أنه من الصعب هزيمته.

وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإنه بعد الغزو الأولي، وجد الجيش الأمريكي نفسه متورطًا في قتال يشبه قتاله بفيتنام في الستينيات والسبعينيات، لكن بعد عقود من تلك الحرب، نُسي عديد من الدروس المستفادة في فيتنام، بتكلفة باهظة كهذه.

وأشارت إلى أنه بعد انسحاب الولايات المتحدة من فيتنام عام 1973، حوَّل الجيش الأمريكي تركيزه إلى التهديد من الاتحاد السوفييتي، مؤكدة أن الأخير أوقف تعليم قواته كيفية محاربة التمرد، ما جعل تلك القدرات المكتسبة تبدأ الضمور.

وبحسب «فورين أفيرز»، فإنه نتيجة لذلك، استغرق الأمر من الجيش الأمريكي سنوات، للوصول إلى أفضل طريقة للقتال في العراق، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة منحت اليوم مرة أخرى الأولوية لمنافسة القوى العظمى، لكن ينبغي لها ألا ترتكب الخطأ نفسه، المتمثل في إدارة ظهرها للاستعداد لمحاربة التمرد، وأن تكون جاهزة لمجموعة النزاعات التي قد تنشأ في القرن المقبل.

 

التفكير الكبير

خلال حرب فيتنام، قاتل الجيش الأمريكي، الوحدات الفيتنامية الشمالية العادية ومقاتلي الفيتكونغ، بحسب الصحيفة الأمريكية التي قالت إنه بحلول الوقت الذي انسحبت فيه القوات الأمريكية من الصراع، كانت قد تعلمت الكثير عن حرب مكافحة التمرد، وعمليات الاستقرار، وبناء الدولة.

في السنوات اللاحقة، ترك الجيش هذه التجربة تتلاشى، مع القليل من الخبرة التي ظلت مركزة في مركز الحرب الخاصة التابع للجيش الأمريكي جون إف كينيدي، وتحول الجزء الأكبر من القوات المسلحة بدلاً من ذلك إلى التحضير للقتال المكثف ضد قوات حلف وارسو في أوروبا.

وأدى انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991 إلى سير الجيش الأمريكي على غير هدى، فلم يكن الصراع بين القوى العظمى مرجحًا في المستقبل المنظور، بينما كافح القادة العسكريون لتحديد مهمتهم وتحديد أفضل السبل لتنظيم قواتهم.

وتقول الصحيفة الأمريكية، إن بعض صانعي السياسة تبنوا استخدام القوات المسلحة لحالات الطوارئ على نطاق صغير، وعمليات حفظ السلام، و«العمليات العسكرية بخلاف الحرب»، وهي عبارة شائعة بين صانعي السياسة في التسعينيات، الذين كانت بينهم وزيرة الخارجية مادلين أولبرايت، التي اشتهرت بعبارتها: ما الفائدة من امتلاك هذا الجيش الرائع الذي تتحدث عنه إذا لم نتمكن من استخدامه؟

في التسعينيات، نشرت واشنطن الجيش في الصومال وهايتي والبوسنة وكوسوفو، في عمليات مكنتها من توزيع المساعدات الغذائية، وأجبرت ديكتاتورًا على التنحي عن السلطة، وساعدت في وقف حرب أهلية، وفي النهاية ولدت دولة جديدة، لكنها لم تأت بلا تكلفة، فالجمهور الأمريكي سارع إلى التشكيك في أهداف الانتشار العسكري الأمريكي بمجرد تكبدهم خسائر.

ورغم عمليات النشر الصغيرة الناجحة هذه إلى حد كبير، ظل القادة العسكريون الأمريكيون متمسكين بالتخطيط لعمليات قتالية واسعة النطاق.

 

التهديد الكبير

ورأى أميرالات البحرية الأمريكية وجنرالات القوات الجوية أن الصين الصاعدة هي التهديد الكبير التالي، بينما واصل مدربو الجيش تحفيز الفرق القتالية في مركز التدريب الوطني، للتدريب على العمليات ضد أعداء وهميين يشبهون الولايات المتحدة، أعداء مصورون بالمرآة لم يكونوا موجودين في العالم الحقيقي.

ودخلت القوات المسلحة ثورة في الشؤون العسكرية، باستخدام التكنولوجيا والعقيدة والمنظمات الجديدة، التي اقترنت بها الذخائر الموجهة مع أحدث أنظمة الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، التي من شأنها أن تبدد نظريًا ضباب الحرب، وتقلل الاحتكاك في ساحة المعركة، وتمكن من الانتصار في حروب مستقبلية بتكلفة منخفضة.

وستكون الحروب ضد خصوم القوى العظمى والدول الأقل قوة، مثل إيران والعراق وكوريا الشمالية، سريعة وغير مكلفة وحاسمة.

ولفترة وجيزة بعد غزو أفغانستان والعراق، بدا أن المنظرين كانوا على حق، ففي البلدين، تغير النظام بسرعة وبإنفاق محدود للدم والأموال، لكن لم يكن هناك تفكير يذكر في ما سيتبع.

وتقول الصحيفة الأمريكية، إن تدمير القوات المسلحة العراقية وطالبان، كانا أسهل بكثير من تنصيب حكومات جديدة وتحقيق الاستقرار، في البلدان التي عانت سوء الحكم، مشيرة إلى أنه مع تعثر الجيش الأمريكي، اندلعت حركات تمرد شرسة، بدعم من الدول المجاورة بأجندات تتعارض مع المصالح الأمريكية.

 

التعلم عبر التطبيق

لسنوات، تعثرت العمليات في العراق عندما بدأ القادة العسكريون التعامل مع الحرب التي كان عليهم خوضها، تتحدث الصحيفة الأمريكية، عن تشجيع القادة -في البداية- على شن عمليات هجومية ضد الإرهابيين والمعاقل العنيدة من نظام صدام، بصرف النظر عن التكاليف التي يتحملها الشعب العراقي.

وأشارت إلى أن الجنرال جون أبي زيد، الذي كان -آنذاك- رئيس القيادة المركزية الأمريكية، بدا قلقًا من أن القوات الأمريكية والقوات الأجنبية الأخرى كانت «أجسامًا مضادة» من شأنها أن تسبب مزيدًا من المتمردين أكثر مما قد تقمعه.

وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن الجنرال أمر القوات الأمريكية بالانسحاب من المدن العراقية، للحد من الاستفزازات التي قد تؤجج الاستياء وتثير مزيدًا من العنف، لكن بما أن الجيش والشرطة العراقية الجديدة كانا يفتقران إلى الأفراد والجاهزية، فقد سمح هذا الانسحاب للمتمردين السُّنة والميليشيات الشيعية بالسيطرة على الأحياء، بشكل أدى لاندلاع التوترات الطائفية عندما قصف إرهابيو القاعدة مرقد الإمام العسكري، وهو موقع شيعي مقدس بسامراء، في فبراير 2006، ما أدى إلى حرب أهلية هددت بتمزيق العراق.

وأشارت إلى أنه مع بقاء كبار القادة متشبثين بالمفاهيم الاستراتيجية والعملياتية، جرب قادة المستوى المتوسط مثل العقيد إتش آر ماكماستر والمقدم ديل ألفورد والعقيد شون ماكفارلاند عمليات مكافحة التمرد في تلعفر والقائم والرمادي، ونشروا قواتهم في مواقع أصغر في المناطق الحضرية، وتحالفوا مع القبائل المحلية والزعماء لمواجهة القاعدة والجماعات المتمردة.

وفي ديسمبر 2006، نشر مركز الأسلحة المشتركة للجيش الأمريكي وقيادة تطوير القتال في مشاة البحرية -بشكل مشترك- كتيبًا جديدًا لمكافحة التمرد ركز على حماية السكان من ترهيب المتمردين وعنفهم كمفتاح للنجاح، إضافة إلى ذلك، جدد بوش قيادة الجيش، واستبدل برامسفيلد وقائد ساحة المعركة الجنرال جورج كيسي، بوب جيتس والجنرال ديفيد بتريوس، اللذين كانا مصممين على متابعة حملة قوية لمكافحة التمرد لتحسين حظوظ التحالف في العراق.

وبينما قالت إن الرئيس الأسبق بوش زودهم بالموارد اللازمة للقيام بذلك، بزيادة القوات من 2007 إلى 2008، لهزيمة القاعدة في العراق وتحقيق الاستقرار، أكدت أنه بمساعدة الصحوة السُّنية، وهي ثورة قبلية مدعومة من الولايات المتحدة ضد القاعدة في محافظة الأنبار، نجحت زيادة القوات بما يتجاوز التوقعات.

وأكدت الصحيفة الأمريكية، أن الولايات المتحدة غيرت هدفها من إنشاء ديمقراطية جيفرسون، إلى هدف أكثر قابلية للإدارة هو «الاستقرار»، وتوفير بيئة آمنة في العراق، من شأنها تهيئة الظروف للديمقراطية على المدى الطويل.

وحوَّلت القوات الأمريكية تركيزها إلى عمليات مكافحة التمرد التي تركز على تأمين بغداد وأحزمة الأراضي المحيطة بها وتدمير القاعدة في العراق، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إنه عند هذه النقطة، تعلمت القوات الأمريكية كثيرًا من تكتيكات وتقنيات وإجراءات جديدة لمكافحة التمرد، نهاية القتال الحاد.

 

استراتيجية أمريكية

تلك الاستراتيجية أثمرت انخفاض الحوادث الأمنية في العراق عام 2008 بأكثر من 90% عن مستويات ما قبل الزيادة، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إن هذا الهدوء النسبي مكن من إجراء انتخابات ناجحة عامي 2009 و2010، إلا أن الوضع انقلب عندما رد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، الذي كان قد هُزم في الانتخابات الأخيرة وكان في خطر الانقطاع من منصبه، باستهداف أعدائه السياسيين، وإشعال نيران الحرب الأهلية.

وأشارت إلى أن المالكي وإدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما لم يتمكنا من الاتفاق على تجديد الاتفاقية التي تحكم سلوك القوات الأمريكية في العراق، والتي أدت إلى انسحاب القوات الأمريكية نهاية عام 2011، ما أدى إلى تدهور قوات الأمن العراقية عندما أقال المالكي القادة الأكفاء وسمح للفساد بإفراغ الجيش.

وبعد أن «غزا» تنظيم داعش العراق عام 2014، عادت القوات الأمريكية، هذه المرة في دور داعم للجيش العراقي وقوات سوريا الديمقراطية، وهي ميليشيا يقودها الأكراد، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إن المعركة بالوكالة ضد داعش نجحت بشكل جيد، فبدعم من القوة الجوية القوية، تعاونت أعداد محدودة من القوات الخاصة الأمريكية والقوات البرية والمستشارين مع القوات العراقية وقوات سوريا الديمقراطية لسحق داعش.

وتقول الصحيفة الأمريكية، إن الصراعات لا تنتهي بتدمير القوات المسلحة للعدو، فمن خلال سنوات التجربة والخطأ في العراق، اكتشف الجيش الأمريكي طرقًا لتأمين السكان والسيطرة عليهم، وإجراء عمليات دقيقة لمكافحة الإرهاب، وإنشاء قوات أمن محلية فعالة، وجمع المعلومات الاستخباراتية، ومنع انتشار المعلومات المضللة، وإشراك الدول المجاورة للقضاء على ملاذات المتمردين، واستقرار الاقتصاد، وإنشاء حكومات فعالة، ما تسمى عمليات بناء الدولة.

ومع ظهور الحرب العالمية على الإرهاب، لم يعد الجيش الأمريكي يدرب بشكل صارم جنوده وضباطه في مكافحة التمرد، خاصة بعد أن أغلق مركز مكافحة التمرد، وقلص عدد الساعات المخصصة للتدريب على مكافحة التمرد في المؤسسات التعليمية العسكرية المهنية، وأوقف التدريب على مكافحة التمرد في مراكز التدريب القتالي.

 

مكافحة التمرد

وأشارت إلى أنه منذ منتصف السبعينيات حتى هجمات 11 سبتمبر 2001، افترض الجيش أن معظم جنوده، باستثناء عدد قليل من القوات الخاصة، يمكنهم تجاهل حرب مكافحة التمرد، مؤكدة أنه مع هزيمة داعش وانسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، كان احتمال اختفاء مكافحة التمرد من التعليم والتدريب العسكري الأمريكي مرتفعًا.

وأكدت الصحيفة الأمريكية، أن الجيش لم يكن مخطئًا في التركيز على الصراعات المحتملة مع الصين وإيران وكوريا الشمالية وروسيا، أخطر أعداء الولايات المتحدة، لكنه ينبغي للقادة العسكريين الأمريكيين ألا يتجاهلوا السيناريو المحتمل بالقدر نفسه الذي يحتاجون إليه، لخوض معارك صغيرة النطاق ضد المنظمات الغامضة.

وأضافت: إذا تعلم الضباط وكبار ضباط الصف على سلسلة من التهديدات التي قد تواجهها البلاد في السنوات المقبلة، بما في ذلك حرب مكافحة التمرد، يمكن للجنود الذين يقودونهم التكيف بسرعة مع المواقف على الأرض.

وأشارت إلى أن الحفاظ على مناهج مكافحة التمرد والحرب الصغيرة في دورات القيادة والأركان العامة وكليات الحرب ثمن ضئيل يجب دفعه لمنع حدوث صدمة في المستقبل، لكنها ستكون مأساة إذا قرر كبار القادة العسكريين الأمريكيين، مثل نظرائهم أواخر الحرب الباردة في سنوات ما بعد فيتنام، التخلي عن الدروس المستفادة بالطريقة الصعبة في العراق، بافتراض أن الولايات المتحدة لن تخوض هذه الحرب مرة أخرى، بينما يشير التاريخ العسكري للولايات المتحدة إلى خلاف ذلك.