أمير طاهري: الأيديولوجيات المستوردة تموت بسرعة في الأراضي العربية
بالنظر للتاريخ، من المرجح أن تنتشر الانتخابات بشكل أو بآخر في معظم دول المنطقة خلال العقد الحالي، وستصبح العديد من الدول العربية وغيرها من الدول الإسلامية ديمقراطيين مثلما أصبحوا، في أوقات مختلفة، قوميين ويساريين وإسلاميين بشكل أو بآخر، لكن ما لم يتعلم العرب والمسلمون دروس الماضي، فإن الفكرة العظيمة المقبلة، يمكن أن تفشل أيضاً.

ترجمات - السياق
رغم أن كثيرين في الشرق الأوسط يسألون "مَنْ التالي؟" فإن السؤال الحقيقي ينبغي أن يكون: ماذا بعد؟، بحسب الكاتب الإيراني أمير طاهري.
وأضاف طاهري، في مقال بصحيفة جلف نيوز الإماراتية: يجب البحث عن فكرة عظيمة، لتعبئة طاقات العرب والمسلمين، لإخراجهم من مأزقهم التاريخي، وتحويلهم إلى مجتمعات صناعية، بدلاً من كونهم مجرد جزء من التاريخ.
دولة قوية
وقال طاهري: "قبل أن نفكر في ماهية هذه الفكرة الجديدة العظيمة، دعونا نراجع بعض الأفكار، لنجد أنه يتعين علينا أن نبدأ من أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين فقط، لأنه لم تكن هناك دول عربية مستقلة بشكل حقيقي قبل ذلك، حيث كانت تركيا وإيران إمبراطوريتين في حالة احتضار، مع القليل من السيطرة على مصيرهما".
وأشار طاهري إلى أن الفكرة العظيمة الأولى، التي أتت إلى المنطقة من الغرب، كانت إنشاء دولة قوية بجيش دائم وبيروقراطية حديثة، وتبنت تركيا وإيران فكرة ارتداء ملابس على الطراز الأوروبي، وذلك على الأقل بالنسبة للنخبة، كما أن كل ذلك رافقه بعض أشكال التصنيع الغربي، مثل السكك الحديدية والتلغراف ودور الأوبرا ،كما حدث في طهران واسطنبول والقاهرة.
ورأى طاهري، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، أن المسؤول الأكبر عن جلب هذه الفكرة إلى المنطقة، هو المغامر والناشط السياسي الإيراني جمال الدين، الذي قال إنه "تنكر في الزي الأفغاني".
ووفقاً لطاهري، فإن ما لم يدركه الأفغاني، هو أن النموذج الغربي كان ثمرة قرون من التطور، حدد فيها الأوروبيون لأول مرة هويتهم الوطنية، ثم أنشأوا دولاً حديثة للتعبير عنها، لكن الشعوب العربية والمسلمة الأخرى في الشرق الأوسط، كانت تضع العربة أمام الحصان، إذ كانت تعمل على إنشاء الدولة أولاً، ثم تبحث عن هوية للأمة.
ولكن سرعان ما أدركوا أن الدول القوية، التي أنشأوها على حساب ما تبقى من الحريات الفردية، لم تكن قوية بما يكفي لمقاومة هجوم القوى الغربية، لكنها كانت فعّالة فقط في استخدام أدواتها لقمع الشعب.
لا دولة
وأشار طاهري، إلى أن بعض القادة العرب والمسلمين، اعترفوا بأن الدولة التي لا تقوم على هوية للأمة، قطعة ديكور، لكن هذا التحليل أدى إلى استيراد فكرة أخرى من الغرب، هي القومية.
وتابع: "لقد كان عرابي باشا في مصر، وأتاتورك في تركيا، ورضا شاه في إيران، ورشيد علي جيلاني في العراق، من ممثلي هذا التيار الجديد، لكن أفكار هؤلاء أيضاً حُكم عليها بالفشل، لأنه لم تكن هناك دول على النمط الأوروبي في الشرق الأوسط، لكن كانت جميع دول المنطقة، من بقايا إمبراطوريات محطمة متعددة الأعراق".
وقال إن "أولئك الذين أدركوا أنه لا توجد دولة في الشرق الأوسط، يمكنها بمفردها مواجهة تحديات عالم يهيمن عليه الغرب، بدأوا تبني استيراد فكرة أخرى من أوروبا هي الوحدة القومية، إذ طوَّر زكي الأرسوزي وعلي ناصر الدين وفاتح الحصري فكرة العروبة، ودفع الشباب الأتراك قضية القومية التركية، كما روَّج كاظم زاده إيرانشهر وأحمد كسراوي للقومية الإيرانية.
استيراد الاشتراكية
ولفت الكاتب، إلى أنه بعدما انتهت الفكرة السابقة بكارثة أيضاً، على المستويين الفكري والعملي، استوردوا فكرة أخرى من الغرب هي الاشتراكية، وبحلول منتصف الستينيات، كان جميع أنواع الفكر اليساري الغربي، من الماركسية اللينينية إلى الكاستروية والماوية، في المنطقة، بجانب الأفكار الهجينة الأخرى، مثل الاشتراكية العربية والبعثية، إذ فاز اليسار الهجين بالسلطة في عدد من الدول العربية، لاسيما في مصر وسوريا والعراق، كما سيطر الشيوعيون على جنوبي اليمن.
وفي بلدان أخرى، مارس اليسار، وإن لم يكن في السلطة، تأثيراً فكرياً هائلاً، وغالباً ما استخدم هذا التأثير لفرض الإرهاب الستاليني على الكتّاب غير اليساريين، ففي إيران، على سبيل المثال، تعرَّض بعض أعظم الشعراء المعاصرين للسب من الستالينيين، لدرجة أن قلة من الناس تمكنوا من قراءة أعمالهم حتى نهاية اليسار في التسعينيات، وفقاً لطاهري.
الدين والأيديولوجية
وقال الكاتب إنه منذ ستينيات القرن الماضي، استوردت فكرة أخرى من الغرب إلى الشرق الأوسط هي الإسلاموية، موضحاً أنه نظراً لأن الإسلام نشأ في شبه الجزيرة العربية، فإن الاقتراح بأن الإسلام السياسي كان فكراً مستورداً، قد يبدو متناقضاً لبعض الناس، لكنه ليس كذلك، لأن تحويل الدين إلى أيديولوجية سياسية فكرة غربية بحتة.
وتابع: "يعتقد الإسلاميون أن أغلبية المسلمين لم يعودوا مسلمين حقيقيين، وأنه يجب إعادة تشكيلهم من خلال الثورات، لكن هذه مجرد فكرة فاشية، كما أنه في بعض الحالات تأثر أشهر دعاة الإسلام السياسي، مثل الخميني وسيد قطب والمودودي، بشكل مباشر بالأيديولوجيات الشمولية الغربية، أكثر من تأثرهم بالفكر الإسلامي الكلاسيكي، فهم أقرب إلى هوبز ودي مايستر وهيجل من الفارابي وابن خلدون".
وأضاف: "لقد انفجرت أسطورة (الدولة القوية) عندما وضع شاه إيران، عام 1921، على كشوف الرواتب البريطانية مقابل راتب سنوي قدره ٥ آلاف جنيه استرليني، بينما كان الخليفة العثماني، رجل أوروبا المريض، يستعد للذهاب إلى المنفى بعد أن فقد إمبراطوريته".
مصير اليسار
وأوضح طاهري، أن القومية فشلت عندما انهارت خطة جيلاني الانتحارية، وأجبِر رضا شاه على النفي، وهرب مصدق من فوق سلم إلى حديقة مجاورة وهو لا يزال يرتدي البيجامة، بينما مات الرئيس المصري جمال عبدالناصر، بسبب كسر قلبه على الأرجح، بعدما قاد المصريين إلى أكبر هزيمة لهم باسم الشرف العربي، كما هرب الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، الذي زُعم أنه أخذ معه بعض محتويات البنك المركزي العراقي".
وأشار الكاتب، إلى أن اليساريين لم يفعلوا ما هو أفضل من ذلك، إذ إنهم في إيران، أصبحوا جواسيس وآلات تعذيب في نظام الخميني، وفي العراق باتوا جزءًا من آلة موت صدام حسين، وجنوبي اليمن فروا إلى عمان عن طريق اختطاف سيارات الأجرة في حضرموت تحت تهديد السلاح.
وتساءل: "هل يحتاج المرء أن يتذكر السجل الكارثي للإسلاموية، من الديكتاتور العسكري الباكستاني ضياء الحق إلى الخميني، مروراً بالأصوليين السودانيين؟ وماذا عن حركة طالبان التي قد تكون مساهمتها في تاريخ العار بمنزلة تحطيم لتماثيل بوذا في باميان؟".
وقال إن "إقامة الدولة، والقومية، واليسارية، والإسلاموية، كلها أفكار مستوردة من الغرب، وقد دمرت كل منها حياة الناس بطريقتها الخاصة، قبل أن يدرك بعض العرب والمسلمين أنها تشكل خطراً على رفاههم".
الديمقراطية
وأضاف أمير طاهري، أن واردات الشرق الأوسط الأيديولوجية من الغرب، خلال المئة والخمسين عاماً الماضية، فشلت.
وتساءل: "ما الاستيراد الكبير القادم للشرق الأوسط من الغرب؟"، مجيباً: "الديمقراطية، لكن هناك محاولات لتحريفها، بحيث لا يمكن التعرف إليها من خلال اختزالها إلى مجرد انتخابات، صحيح أنه لا ديمقراطية من دون انتخابات، لكن هناك العديد من الانتخابات بلا ديمقراطية".
ورأى طاهري أنه بالنظر للتاريخ، من المرجح أن تنتشر الانتخابات بشكل أو بآخر في معظم دول المنطقة خلال العقد الحالي، وستصبح العديد من الدول العربية وغيرها من الدول الإسلامية "ديمقراطيين" مثلما أصبحوا، في أوقات مختلفة، قوميين ويساريين وإسلاميين بشكل أو بآخر، لكن ما لم يتعلم العرب والمسلمون دروس الماضي، فإن الفكرة العظيمة المقبلة، يمكن أن تفشل أيضاً.
وعن سبب فشل الديمقراطية في العالم العربي، قال طاهري: "مرة أخرى ربما يضعون العربة أمام الحصان، فالديمقراطية لا تبدأ بالانتخابات، وإنما تبدأ بحرية الفكر والتعبير، وبالحركات الشعبية والأندية والجمعيات والنقابات، وفي النهاية الأحزاب السياسية".