دبلوماسية الدولار... كيف نجحت الصين في عزل تايوان؟

معظم الحلفاء المتبقين لتايوان دول صغيرة في أمريكا اللاتينية والمحيط الهادئ، بعد تحول الاقتصادات القوية في العالم منذ عقود

دبلوماسية الدولار... كيف نجحت الصين في عزل تايوان؟

ترجمات -السياق 

في أحدث تأكيد لنفوذ الصين المتزايد على المسرح العالمي، قطعت هندوراس علاقتها بتايوان، الجزيرة الديمقراطية التي خاضت -طوال خمسين عامًا- معركة للاعتراف الدبلوماسي.

وفي انتكاسة جديدة لتايوان، التي فقدت أحد داعميها القلائل، أعلنت الصين وهندوراس –الأحد- إقامة علاقات دبلوماسية، بعد أن أعلنت تيغوسيغالبا قطع علاقاتها بتايبيه، التي لم يعد يعترف بها سوى 13 بلدًا في العالم.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا شونيينغ، إن الصين وهندوراس أقامتا علاقات دبلوماسية، مرفقة رسالتها القصيرة بصورة لوزير خارجية الصين كين غانغ مصافحًا نظيره من هندوراس إنريكه رينا، الذي يزور بكين.

وتعد بكين جزيرة تايوان البالغ عدد سكانها 23 مليونا، إقليمًا صينياً ستستعيده يومًا بالقوة إذا لزم الأمر، وقد وقع الانفصال عام 1949 نهاية الحرب الأهلية الصينية، التي تواجه فيها الشيوعيون، الذين تولوا السلطة في بر الصين الرئيس والجيش القومي، الذي اضطر إلى الانكفاء إلى جزيرة تايوان.

وخلال العقود السبعة التي تلت ذلك، لم يسيطر الجيش الشيوعي على الجزيرة، التي بقيت تحت سيطرة جمهورية الصين، التي كانت تحكم كل المناطق الصينية، وتقتصر سلطاتها الآن على تايوان.

قطع العلاقات

وفي بيان السبت، قال وزير خارجية هندوراس إنكريه رينا إنه «بناءً على تعليمات رئيسة الجمهوريّة سيومارا كاسترو، أبلغت تايوان بقرار قطع العلاقات الدبلوماسية».

بينما قالت وزارة خارجية هندوراس إن «حكومة هندوراس تعترف بصين واحدة في العالم، وحكومة جمهوريّة الصين الشعبية هي الحكومة الوحيدة التي تمثل الصين»، مشيرة إلى أن «تايوان جزء لا يتجزأ من الأراضي الصينية».

من جهة أخرى، يرى وزير الخارجية التايواني أن «رئيسة هندوراس كاسترو تُساوِرها أوهام بشأن وعود الصين لها بتقديم مساعدات اقتصادية»، مضيفًا أن بكين لم تكفّ عن محاولة إغراء هندوراس بحوافز ماليّة.

وقال مكتب رئيسة تايوان تساي إينغ وين في بيان إن «قطع العلاقات الدبلوماسية بين بلادنا وهندوراس يندرج في إطار سلسلة من الإكراه والترهيب (...) تقلص الصين موقع (تايوان) على الساحة الدولية منذ فترة طويلة معرضة السلام والاستقرار الاقليميين للخطر بطريقة أحادية الجانب».

وتسعى السلطات الصينية إلى عزل تايوان على الساحة الدبلوماسية منذ عام 2016 عند انتخاب رئيسة تنتمي إلى حزب يؤيد استقلال الجزيرة.

واستطاعت الصين -في السنوات الأخيرة- انتزاع من تايبيه اعتراف حلفاء عدة لها من أمريكا اللاتينية على غرار جمهورية الدومينيكان ونيكاراغوا.

ومن الدول التي لا تزال تقيم علاقات دبلوماسية مع تايوان، الفاتيكان وإسواتيني (سوازيلاند سابقًا) وباراغواي وجزر في المحيط الهادئ وهايتي.

كان إدواردو إنريكه تحدث في 15 مارس الجاري عن «حاجات ضخمة» لهندوراس، مشيرًا إلى أن تايوان رفضت زيادة مساعداتها لتبرير نية بلاده إقامة علاقات مع الصين.

ماذا يعني القرار؟

يعني قرار الرئيس شيومارا كاسترو أن هندوراس ستضطر إلى قطع علاقتها بتايوان، الجزيرة الديمقراطية التي خاضت -طوال خمسين عامًا- معركة للاعتراف الدبلوماسي مع الصين.

وتمارس الصين ضغوطًا دبلوماسية، من خلال الإصرار على أن أي دولة ترغب في إقامة علاقات رسمية، بثاني أكبر اقتصاد في العالم، يجب أن ترفض في الوقت نفسه الاعتراف بتايوان.

نتيجة لذلك، فإن مجموعة متضائلة من الدول على استعداد لإقامة علاقات دبلوماسية مع الجزيرة الديمقراطية، التي يبلغ عدد سكانها 23.5 مليون نسمة.

وقبل إعلان كاسترو، كان لتايوان 14 حليفًا دبلوماسيًا فقط - انخفاضًا من 56 عام 1971، عندما فقدت الاعتراف بها من الأمم المتحدة، وانخفض من 22 إلى الرقم الحالي، قبل قطع هندوراس علاقاتها، عندما تولت رئيستها تساي إنغ وين منصبها عام 2016.

وتقول شبكة سي إن إن الأمريكية، إن معظم الحلفاء المتبقين لتايوان دول صغيرة في أمريكا اللاتينية والمحيط الهادئ، بعد تحول الاقتصادات القوية في العالم منذ عقود، مشيرة إلى أن قطع هندوراس علاقاتها، أحدث مسمار في نعش تطلعات تايوان.

من جانبه، قال ليف ناشمان، الأستاذ المساعد في السياسة بجامعة تشنغتشي الوطنية: «يقدم الحلفاء الدبلوماسيون لتايوان دعمًا ذا مغزى، مثل السماح بزيارات رسمية، لكننا نسأل كثيرًا، إذا لم يكن لتايوان يومًا ما أي حلفاء دبلوماسيين رسميين، فما الذي سيتغير؟ والإجابة ليست بهذا القدر».

تحالفات غير رسمية

وبحسب ناشمان، فإن الولايات المتحدة ربما تكون سحبت اعترافها الدبلوماسي بتايوان عام 1979، إلا أن علاقتها غير الرسمية تبدو قوية كما كانت منذ عقود.

ولم يعق الافتقار إلى العلاقات الدبلوماسية رئيسة مجلس النواب آنذاك نانسي بيلوسي من زيارة مثيرة للجدل إلى تايبيه في أغسطس الماضي، الزيارة التي ردت عليها الصين بغضب، بإجراء تدريبات عسكرية غير مسبوقة وإطلاق صواريخ فوق الجزيرة.

كما لم تثن رئيس مجلس النواب الأمريكي الحالي كيفن مكارثي عن التخطيط للقاء تساي أوائل أبريل المقبل، عندما يخطط لعبور الولايات المتحدة في طريقه إلى أمريكا الوسطى، في رحلة أخرى من المتوقع -على نطاق واسع- أن تثير قلق الصين.

سيناريو أوكرانيا

تقول الشبكة الأمريكية، إن الغزو الروسي غير المبرر لأوكرانيا ومخاوف تكرار السيناريو في تايوان، أديا إلى تسارع دعم الدول الأوروبية للجار الأصغر للصين، فهذا الشهر، أصبح وزير من ألمانيا -أكبر اقتصاد في أوروبا- أول وزير يزور تايوان منذ 26 عامًا، في رحلة وصفتها برلين بأنها محاولة لتعزيز التعاون العلمي والتكنولوجي، رغم احتجاجات بكين.

وفي يناير الماضي، كشف الجيش التايواني عن تبادل مع حلف شمال الأطلسي، أرسل خلاله أحد المقدمين في برنامج تدريب أكاديمي مدته ستة أشهر في كلية عسكرية دولية في إيطاليا.

ويشير الخبراء إلى أن الولايات المتحدة لا تزال الضامن الأكبر لأمان الجزيرة، في مواجهة غزو محتمل من الصين، وأن الولايات المتحدة تزود تايوان بالأسلحة كل عام، وكلاهما تفعل من دون علاقة دبلوماسية.

وأكد الخبراء، أن مجموعة السبع (الولايات المتحدة، وكندا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، واليابان، والمملكة المتحدة) سارعت جميعًا إلى التعبير عن مخاوفها، بعد التدريبات العسكرية الصينية في مرحلة ما بعد بيلوسي.

كما أن دور تايوان كرائد عالمي في توريد رقائق أشباه الموصلات -اللازمة لتشغيل كل شيء من أجهزة الكمبيوتر المحمولة إلى الأسلحة المتقدمة- يجعلها أيضًا شريكًا تجاريًا مهمًا لعديد من الديمقراطيات الغربية.

وبحسب الشبكة الأمريكية، فإن ، شركةTaiwan Semiconductor Manufacturing Company، التايوانية، من أكثر الشركات قيمة في آسيا بـ 90% من الرقائق فائقة التطور في العالم.

وبحسب الخبراء، فإن هذه العروض للدعم من «العلاقات غير الرسمية لتايوان، أهم بكثير لسلامة الجزيرة واقتصادها من تحالفاتها الرسمية مع الدول الأصغر».

هوية منفصلة

يعود الصراع بين الصين وتايوان، إلى نهاية الحرب الأهلية الصينية، عندما فرت الحكومة القومية الصينية -أو الكومينتانغ- إلى تايوان بعد هزيمتها على يد شيوعي ماو تسي تونغ عام 1949.

وبعد أن أقامت حكومة على الجزيرة قبل أربع سنوات فقط، استمرت بتسمية نفسها جمهورية الصين في تايوان، وزعمت أنها الممثل الشرعي ليس لتايوان فحسب، بل للبر الرئيس الصيني أيضًا. 

في غضون ذلك، أنشأت السلطات الشيوعية في البر الرئيس الصيني، جمهورية الصين الشعبية، وادعت أيضًا أنها الممثل الشرعي لجانبي مضيق تايوان.

كانت تايوان، بصفتها جمهورية الصين، ممثلة في الأمم المتحدة حتى عام 1971، عندما أصدرت الجمعية العامة قرارًا بالاعتراف بأن النظام الشيوعي في بكين «الممثل الشرعي الوحيد للصين في الأمم المتحدة». 

وحولت الولايات المتحدة اعترافها إلى بكين عام 1979، وحذت حذوها أغلبية الدول، وعديد منها تحت ضغط بكين.

لكن منذ انتقال تايوان إلى الديمقراطية في التسعينيات، قللت الجزيرة من أهمية مطالبها الإقليمية على البر الرئيس للصين، بينما قالت رئيسة تايوان، إن مستقبل الجزيرة يمكن أن يقرره شعبها.

الاستقلال الفعلي

وفي حين أن اقتصاد تايوان وسلامتها لا يعتمدان على حلفائها الرسميين، يقول الخبراء والمشرعون إن العلاقات الرسمية لا تزال ذات قيمة، إلى حد ما.

ويقول مايكل كول، كبير مستشاري المعهد الجمهوري الدولي في تايبيه: «يساعد في تقويض مطالبة بكين القانونية بالسيادة على تايوان»، مشيرًا إلى أن هذه الدول تساعد أيضًا في توفير صوت لتايوان بالمجتمع الدولي. 

وفي أكتوبر وقَّع 10 من الحلفاء الدبلوماسيين لتايوان رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، لانتقاد استبعاد الأمم المتحدة لتايوان، لكن كول أشار إلى أن هؤلاء الحلفاء كانوا «صغارًا وليسوا مؤثرين».

وبحسب كول، فإنهم «يوفرون صوتًا في الجمعية العامة للأمم المتحدة، لكن أعدادهم غير كافية للتأثير في البقية، الذين غالبًا ما يصوتون لصالح بكين».

بدوره، قال وانغ تينغ يو، وهو مشرع من الحزب الديمقراطي التقدمي الحاكم في تايوان: «القضية أن بكين تحاول هدم رمز السيادة في تايوان»، مضيفًا: «الصين تدعي أنها تتمتع بالسيادة على تايوان، لكن ليس لديها سيطرة علينا». 

وأضاف البرلماني التايواني: "بالنسبة لنا، يمكننا أن نقبل أن تكون لديك علاقات دبلوماسية بتايوان، بينما تقيم أيضًا علاقات دبلوماسية مع الصين. القضية الوحيدة أن الصين تغمر أعينها بالقول إن تايوان غير موجودة».

دبلوماسية الدولار

لكن رمز السيادة هذا يأتي بتكلفة متزايدة على حكومة تايوان، بسبب حملة الضغط التي شنتها بكين، التي وصفها خبراء بأنها «دبلوماسية الدولار».

وباستخدام سوق الصين الضخم كجزرة وعصا، تمكنت بكين من إبعاد عديد من البلدان الأصغر، مع معاقبة أولئك الذين يرفضون التزحزح.

وعندما حولت جزر سليمان الاعتراف الدبلوماسي إلى بكين عام 2019، عرضت الصين على الدولة الواقعة في المحيط الهادئ 8.5 مليون دولار من أموال التنمية لذلك.

من ناحية أخرى، واجهت باراجواي، أكبر دولة بين الحلفاء الدبلوماسيين المتبقين لتايوان، قيودًا في تصدير فول الصويا ولحم البقر إلى الصين، بينما دعا رئيسها ماريو عبدو بينيتيز، تايوان إلى استثمار مليار دولار في بلاده العام الماضي، حتى تتمكن من الاستمرار في مقاومة الضغط «الهائل» عليها للتخلي عن التحالف.

وتجري باراجواي انتخاباتها الرئاسية الشهر المقبل، بينما تعهد مرشح المعارضة بقطع العلاقات الدبلوماسية مع تايوان إذا تم انتخابهما.

وقال جوني تشيانغ، النائب عن حزب الكومينتانغ المعارض في تايوان عضو لجنة الخارجية والدفاع الوطني بالبرلمان، إن تايوان تنفق ما يقرب من 100 مليون دولار سنويًا على مساعدات البنية التحتية ومشاريع التنمية لحلفائها الدبلوماسيين.

وقال تشيانغ، الذي كان رئيس الكومينتانغ بين عامي 2020 و2021: «لقد أصبح صعود الصين تحديًا كبيرًا لدبلوماسيتنا»، مشيرًا إلى أن تايوان تختار بشكل متزايد عدم مضاهاة «دبلوماسية الدولار» الصينية، مفضلة بدلاً من ذلك تأكيد القيم المشتركة، مثل الديمقراطية.

وأضاف: «نحن نستخدم مواردنا الدبلوماسية لمساعدة حلفائنا الدبلوماسيين الرسميين. نحن نقدم برامج إنسانية وتدريبية لإفادة شعبهم بشكل مباشر، لكننا لا نقدم أموالًا للضباط أو صانعي السياسات»، متابعًا: «نحن نعتز بشراكتنا بشكل خاص مع حلفائنا، في مجالات مثل تمكين المرأة والتدريب المهني، لكننا لا نعطي أموالًا للحكومات».

محكمة الرأي العام

في حين أن قيمة الحلفاء الرسميين قد تكون رمزية إلى حد كبير لتايوان من نواح كثيرة، إلا أن هناك مجالًا واحدًا يمكن أن يعود فيه فقدان الأصدقاء -حتى بشكل رمزي- سلبًا على تايبيه.

وعندما يصوت الشعب التايواني لانتخاب رئيسه القادم في يناير المقبل، من المرجح أن تنتهز أحزاب المعارضة كل خسارة في الاعتراف الدبلوماسي كذخيرة.

وقال ناشمان، عالم السياسة: «محليًا داخل تايوان، سترى الأحزاب السياسية تستخدم خسارة تايوان لحلفائها الدبلوماسيين، كطريقة لإظهار أن أي حزب في السلطة سيئ لتايوان».

وتابع: «سيكون من الصعب على الحكومة على الصعيدين الدولي والمحلي، أن تتحمل هذه الأنواع من الضربات، لأن لها قيمة رمزية لكثير من الأشخاص في تايوان، كما أن كثيرًا من البلدان الأخرى ترى ذلك علامة ضعف».

مع ذلك، يمكن أن تأتي سياسة الصين المتزايدة تجاه الدول الصغيرة بنتائج عكسية في محكمة الرأي العام، فالرئيس المنتهية ولايته لميكرونيزيا -التي حاولت الصين اجتذابها كجزء من خطتها لاتفاق أمني مع دول المحيط الهادئ- اتهم الصين بالتورط في «حرب سياسية».

وفي رسالة من 13 صفحة، تدعو إلى حل العلاقات الدبلوماسية مع بكين، زعم ديفيد بانويلو أن الصين كانت تستعد لغزو تايوان، وأنها تورطت في الرشوة والتدخل السياسي وحتى «التهديدات المباشرة» لضمان بقاء ولايات ميكرونيزيا الموحدة على الحياد في الحرب.

وقال تشيانغ، النائب المعارض عن حزب الكومينتانغ -وهو حزب يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه أكثر ودية لبكين- إن المفتاح لتقليل الضغط الصيني المتزايد على الاعتراف الدبلوماسي لتايوان، تحسين الاتصال عبر مضيق تايوان وتقليل العداء.

وأشار إلى أنه خلال السنوات الثماني للرئيس السابق ما يينغ جيو، وهو أيضًا من الكومينتانغ، قطعت دولة واحدة فقط العلاقات الدبلوماسية مع تايوان، مضيفًا: «إذا تمكنت من إدارة العلاقة بين بكين وتايبيه بشكل جيد، سيؤدي ذلك -إلى حد ما- لتقليل الضغط من هذا النوع من دبلوماسية الدولار. إذا تمكن الجانبان من الوصول إلى نوع من التفاهم الضمني... سنتجنب المواقف السيئة».