هل تستحق صفقة إيران النووية الجديدة المخاطرة؟
بينما يقول مؤيدو الاتفاق إن إعادة الصفقة من شأنها نزع فتيل الأزمة المتصاعدة، وإعطاء الولايات المتحدة مزيدًا من الوقت للرد، إذا اختارت إيران تصعيد برنامجها النووي، يجادل المنتقدون بأنها لن تؤدي إلا إلى تأجيل يوم الحساب، لأن إيران تستخدم تخفيف العقوبات لبناء قوتها العسكرية

ترجمات - السياق
كشفت صحيفة وول ستريت الأمريكية، عن جدل كبير داخل أروقة المؤسسات السياسية الأمريكية، بشأن جدوى الاتفاق النووي الجديد، وما إذا كانت الصفقة الإيرانية الجديدة تستحق المخاطرة، مشيرة إلى أن منتقدي الاتفاق النووي الإيراني الجديد، يرون أنه لن يقدم سوى القليل من الفوائد للولايات المتحدة وحلفائها، ومن ثم لا يستحق التسويات التي ستقدمها واشنطن والقوى العظمى لطهران.
وأوضحت الصحيفة، في تقرير، أن المفاوضات المتأنية بشأن إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 كانت قد استؤنفت في فيينا الثلاثاء الماضي، حيث قال مسؤولون أمريكيون وإيرانيون إن الاتفاق قد يكون في متناول اليد قريبًا.
ونقلت الصحيفة، عن دبلوماسي أمريكي كبير قوله: إن المسؤولين الأمريكيين يتطلعون إلى أواخر فبراير الجاري، كموعد نهائي غير رسمي للمحادثات، رغم أن ذلك قد يتأخر بضعة أيام، إذا كان المفاوضون يقتربون من التوصل إلى اتفاق نهائي.
التقدم الإيراني نوويًا
وذكرت "وول ستريت جورنال" أن التقدم الذي حققته إيران، منذ انسحاب إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الاتفاق عام 2018، قوَّض مكاسب المفاوضين الغربيين، الذين كانوا يسعون جاهدين لضمان عدم اقتراب إيران من تطوير سلاح نووي.
وتعليقًا على هذه المخاوف، قال متحدث باسم الخارجية الأمريكية: "ترتسم ملامح اتفاق فى الأفق، يتناول المخاوف الأساسية لجميع الأطراف، لكن إذا لم يبرم فى الأسابيع المقبلة، فإن التقدم النووى الإيرانى المستمر سيجعل عودتنا إلى خطة العمل الشاملة، الاتفاق الإطاري الذي أبرم عام 2015، مستحيلة".
تأتي هذه المخاوف، بعد أن ذكرت صحف أمريكية الأسبوع الماضي، أن المسؤولين الأمريكيين خلصوا إلى أنه بموجب استعادة الاتفاق القديم، فإن إيران لن تحتاج سوى 6 أشهر للحصول على الوقود اللازم لصنع قنبلة ذرية، بينما كان هدف الاتفاق إيصال هذا الوقت إلى سنة على الأقل.
وحسب الصحيفة، فإن 33 عضوًا جمهوريًا في مجلس الشيوخ، حذروا الاثنين الماضي، البيت الأبيض، من معارضة هذا الاتفاق أو عرقلته نهائيًا، إذا لم تسمح إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بمراجعته، والتصويت المحتمل على الشروط الأمريكية.
ونقلت "وول ستريت جورنال" عن مسؤولين أمريكيين سابقين قولهم: إن إحياء الصفقة يمكن أن يُبقي الإيرانيين على مسافة آمنة من الحصول على يورانيوم كافٍ لصنع قنبلة لمدة ثماني سنوات أخرى أو نحو ذلك، لكنهم شددوا على أنه من دون اتفاق قد يستغرق الأمر أسابيع أو حتى أيامًا.
وقال روبرت أينهورن، مسؤول سابق رفيع المستوى في وزارة الخارجية الأمريكية، زميل بارز في معهد بروكينغز، لـ "وول ستريت جورنال": "في حال عدم الاتفاق، ستتمكن إيران من مواصلة تكثيف برنامج التخصيب، وتكديس المزيد من اليورانيوم المخصب على مستويات أعلى".
وأضاف: "سيجعل ذلك إيران أقرب بكثير من عتبة دولة نووية، وبذلك فإن الدول الخليجية وإسرائيل ستشعر بقلق شديد، وستزيد أسباب احتمال توجيه ضربة عسكرية وقائية".
جدل أمريكي
وعن الجدل الأمريكي المثار بشأن جدوى الاتفاق النووي الجديد، أوضحت "وول ستريت جورنال" أنه بينما يقول مؤيدو الاتفاق إن إعادة الصفقة من شأنها نزع فتيل الأزمة المتصاعدة، وإعطاء الولايات المتحدة مزيدًا من الوقت للرد، إذا اختارت إيران تصعيد برنامجها النووي، يجادل المنتقدون بأنها لن تؤدي إلا إلى "تأجيل يوم الحساب"، لأن إيران تستخدم تخفيف العقوبات لبناء قوتها العسكرية.
ونقلت "وول ستريت جورنال" عن مارك دوبويتز، الرئيس التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، قوله: "إن إدارة بايدن على وشك تخفيف العقوبات، بشكل لا يتناسب مع ما تقدمه إيران بشأن ملفها النووي".
وأضاف: "بعد خمس أو ست سنوات من تخفيف العقوبات بشكل كبير، كان الاقتصاد الإيراني سيتعافى، ومن ثم كان بإمكانهم تحصين أنفسهم ضد قدرتنا على استخدام ضغط العقوبات السلمية في المستقبل... ولم يكن السؤال ما إذا كنا سنواجه إيران أم لا، وإنما كان السؤال هو ما إذا كنا سنواجه إيران في موقف أضعف أم أقوى".
وذكرت الصحيفة، أن الولايات المتحدة وشركاءها وضعوا قيودًا صارمة على النشاط النووي الإيراني، بما في ذلك كمية اليورانيوم المخصب، التي يمكن أن تكدسها إيران وتنتجها، وأبحاثها عن أجهزة الطرد المركزي المتقدمة لإنتاج المواد الانشطارية، وتحويل مفاعل الماء الثقيل المخطط، الذي كان يمكن أن ينتج ما يكفي من البلوتونيوم لإنتاج قنبلتين، أو ثلاث قنابل نووية في السنة، حال تنفيذ تدابير احترازية طويلة الأمد، إلا أن طهران استمرت في تخصيب اليورانيوم.
وأشارت إلى أن إيران احتفظت ببنية تحتية نووية كبيرة، بما في ذلك الحق في تخصيب اليورانيوم، كما توصلت إلى تفاهم مفاده أن القيود المفروضة على تخصيب اليورانيوم وتطوير أجهزة الطرد المركزي وتكنولوجيا الصواريخ، ستخف بمرور الوقت.
وأمام كل ذلك، أوضحت "وول ستريت جورنال" أن كل الدلائل تشير إلى أن إيران مصممة على الاستمرار في برنامجها النووي، إذ إنه بحلول عام 2023 -على سبيل المثال- سينتهي الحظر الدولي على استيراد إيران لتكنولوجيا الصواريخ البالستية، بينما بحلول عام 2031، لن يكون هناك سقف محدد لكمية اليورانيوم المخصب، التي يمكن أن تنتجها إيران أو درجة نقاء تلك المادة.
فشل أمريكي
ورأت "وول ستريت جورنال" أن جهود الإداراتين (الجمهورية والديمقراطية) فشلت في تعزيز قيود الاتفاق على البرنامج النووي الإيراني، مشيرة إلى أنه بعد انسحابه من اتفاق عام 2015 وفرضه عقوبات شديدة، أصر ترامب على أن توقف إيران جميع عمليات تخصيب اليورانيوم، وكذلك تطويرها للصواريخ التي يمكن أن تحمل رؤوسًا نووية، إلا أن إيران واجهت ذلك بتحمل تأثير العقوبات، وعمدت إلى توسيع نطاق عملها النووي بشكل كبير.
وتقول الصحيفة: رغم أن الرئيس بايدن تعهد باستعادة اتفاق 2015 أولاً ثم التفاوض على اتفاقية متابعة أكثر صرامة وأطول، من شأنها أن تغطي أيضًا برنامج إيران الصاروخي، فإن إيران -التي مرت بمرحلة انتقالية سياسية خاصة بها إلى رئيس أكثر تشددًا- لم تُظهر أي اهتمام باتفاق جديد.
وأمام هذه التحديات، قال إريك بروير، كبير المديرين في مبادرة التهديد النووي والمدير السابق لمكافحة الانتشار في مجلس الأمن القومي لـ "وول ستريت جورنال": إن المسؤولين الأمريكيين سيحتاجون إلى الحكم على "ما البدائل لإحياء الصفقة؟ وما الخيارات المتوفرة لدينا؟ وإلى أي مدى هذه الخيارات واعدة وخطيرة وواقعية؟ ".
وأشارت "وول ستريت جورنال" إلى أنه بموجب الاتفاق الذي تم إحياؤه، يتعين على إيران شحن معظم مخزونها البالغ 2.5 طن من اليورانيوم، والتوقف عن إنتاج الوقود النووي بدرجة نقاء أعلى من 3.67% وإلغاء تركيب معظم أجهزة الطرد المركزي المتقدمة، إلا أن إيران تصر على أنها لن تسمح بتدمير تلك الآلات، لذلك يريد المسؤولون الغربيون قيودًا على قدرة إيران على إنتاج آلات جديدة.
نقطة فارقة
وحسب الصحيفة الأمريكية، فقد ضغط البيت الأبيض على إيران، لإحياء اتفاق 2015 النووي سريعاً، لافتاً إلى أنه سيكون من المستحيل العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، في حال عدم التوصل إلى اتفاق في الأسابيع المقبلة.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي، في تصريحات للصحفيين: "محادثاتنا مع إيران وصلت إلى نقطة فارقة".
وأشارت إلى أن المبعوث الأمريكي الخاص لإيران روب مالي، عاد إلى فيينا لإجراء محادثات غير مباشرة مع طهران بشأن عودة الجانبين إلى الالتزام بالاتفاق.
وأضافت ساكي: "الاتفاق الذي يتناول المخاوف الأساسية لجميع الأطراف لم يعد بعيداً، لكن إذا لم يتوصل إليه في الأسابيع المقبلة، فإن التقدم النووي الإيراني المستمر سيجعل من المستحيل علينا العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة"، في إشارة إلى الاسم الرسمي لاتفاق 2015 النووي.
يأتي ذلك بينما أعلن السناتور الديمقراطي بوب مينينديز، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، الأسبوع الماضي، معارضته لمواصلة محادثات فيينا، ودعا إدارة بايدن إلى اتخاذ نهج جديد في مواجهة البرنامج النووي والصاروخي الإيراني، ودعم طهران للجماعات التي تعمل بالوكالة.
ورأت "وول ستريت جورنال" أنه من دون اتفاق جديد، تبدو إيران مستعدة لتوسيع نطاق عملها النووي، وتقترب أكثر من القدرة على إنتاج سلاح نووي واختلاق أزمة لإدارة بايدن، التي تواجه تحديات ضخمة في السياسة الخارجية، بما في ذلك مع روسيا بشأن أوكرانيا.