مصر وصندوق النقد الدولي... من يحسم لعبة شد الحبل؟
العلاقة بين مصر وصندوق النقد، لم تصل حد القطيعة، فمصر غازلت الأخير بقرار، من شأنه أن يعيد رسم العلاقة التي توترت في الآونة الأخيرة.

السياق
رافضة تعويمًا جديدًا لعملتها المحلية لدواعي «الأمن القومي»، ومنهية الإعفاءات الضريبية التي كانت تتمتع بها الشركات الحكومية، إشارات غازلت بها العاصمة المصرية القاهرة، الشارع المحلي، وصندوق النقد.
ففي الأولى، حاولت تهدئة المخاوف المحلية من التعويم الجديد المحتمل للجنيه المصري الذي فقد 100% من قيمته خلال الأعوام المنصرمة، على وطأة إجراءات تحرير سعر الصرف المتتالية، ما أدى إلى رفع التضخم لمعدلات قياسية.
قرارها بعدم إجراء تعويم جديد للجنيه بالمخالفة للتوقعات، أثار غضب صندوق النقد الدولي، الذي يشترط سعرًا مرنًا للصرف، قبل منح القاهرة الدفعة الثانية من قرض بثلاثة مليارات دولار خلال أربعة أعوام.
إلا أن العلاقة بين مصر وصندوق النقد، لم تصل حد القطيعة، فمصر غازلت الأخير بقرار، من شأنه أن يعيد رسم العلاقة التي توترت في الآونة الأخيرة.
كانت مصر أبرمت اتفاقات مع الصندوق، لإجراء إصلاحات اقتصادية هيكلية تمكنت بموجبها، من الحصول على قروض عدة خلال السنوات الماضية، إلا أن القرض الأخير، واجه بعض العقبات.
ماذا فعلت مصر؟
قبل أيام، صرح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بأن سعر الصرف في بلاده أصبح «أمناً قومياً»، وأنه لا يمكن لحكومته الاقتراب منه، إذا كان سيؤثر في حياة المصريين.
الرئيس المصري، أضاف أن بلاده ثبتت سعر صرف الدولار مقابل الجنيه، عبر إيداع العملة الأمريكية في السوق، والتدخل في سعر الصرف، ثم الحفاظ على قيمة الجنيه، لأنها تتعلق بحياة المواطنين والأمن القومي.
تصريحات السيسي، التي كانت المرة الأولى التي يرد فيها بشكل مباشر، على الضغوط التي تتعرض لها بلاده من صندوق النقد الدولي لـ «مرونة أكبر لسعر الصرف»، أسهمت في تعقيد المشهد بصورة أكبر، ما أربك سوق السندات الدولية المصرية، وسوق العملات السوداء بالنسبة للمضاربين على العملة المحلية.
تلك التصريحات لم يغفلها صندوق النقد الدولي، الذي أكد -عبر المديرة العامة للصندوق كريستالينا غورغييفا في تصريحات صحفية- أن المؤسسة الدولية تخوض نقاشات جيدة جداً مع السلطات المصرية، التي تتخذ الخطوات المناسبة، مضيفة: «هناك خطوات كثيرة صائبة أقدمت مصر على تنفيذها، لكنها بحاجة إلى تقييم البيئة العالمية المتغيرة، وتحديد طريقة تسمح لها بتعزيز تنافسية اقتصادها».
تسلمت مصر أول دفعة من صندوق النقد الدولي في ديسمبر الماضي بـ 347 مليون دولار، ومن المقرر استلام الدفعات الباقية في مارس وسبتمبر من كل عام، وتحديداً من 2023 إلى 2026، إلا أن ذلك لم يحدث.
وتقول مديرة صندوق النقد، إن إحدى الطرق التي تسمح لمصر بزيادة تنافسيتها، تعزيز احتياطات الدولة من العملات الأجنبية، مشيرة إلى أن الصندوق تحدث مع الحكومة المصرية بهذا الشأن.
وبينما أكدت غورغييفا أنه مع وجود أسعار صرف عدة، يحصل بعض الناس على امتيازات بينما يُحرم آخرون منها، وأضافت: «كما نعلم أن دعم العملة من دون ما يكفي من احتياطي العملات الأجنبية، يؤدي إلى استنزاف هذه الاحتياطات».
وشددت المسؤولة الدولية على ضرورة اتخاذ مصر الإجراءات الضرورية، لحماية هذه الاحتياطات من العملات الأجنبية، مشيرة إلى أن الصندوق سيظل جاهزاً لاستكمال النقاشات مع السلطات المصرية.
وبينما تحاول مصر التأقلم بمرونة مع فخاخ وصفة صندوق النقد الدولي، لإيصال الاقتصاد إلى بر الأمان، اتخذت القاهرة -الأسبوع الماضي- إجراءً قد يغير من دفة العلاقات المتوترة مع المؤسسة الدولية.
فما الإجراء الجديد؟
الأربعاء الماضي، أعلن مجلس الوزراء المصري، الموافقة على مشروع قانون لإلغاء الإعفاءات المقررة لجهات الدولة، في الأنشطة الاستثمارية والاقتصادية.
وقالت رئاسة مجلس الوزراء المصري -في بيان- إن مواد مشروع القانون، كفلت المساواة بين القطاع الخاص وأجهزة الدولة ومؤسساتها وهيئاتها وكياناتها وشركاتها، أو الشركات التي تسهم في ملكيتها، عند ممارسة أنشطة استثمارية أو اقتصادية.
البيان الحكومي أضاف أن «المساواة ستكون من خلال سريان الأصل العام المنصوص عليه في قوانين الضرائب والرسوم على الطائفتين من دون تمييز، وإلغاء الإعفاءات الضريبية أو الرسوم، سواء كان الإعفاء كليًا أم جزئيًا»، مشيرًا إلى أنه لن يحدث إخلال بالاتفاقيات الدولية المعمول بها في مصر، والإعفاءات المقررة للأعمال والمهام المتعلقة بمقتضيات الدفاع عن الدولة وحماية الأمن القومي، وكذا الإعفاءات المقررة لأنشطة تقديم الخدمات المرفقية الأساسية.
وبحسب الحكومة المصرية، فإن مشروع القانون نص على استمرار تمتعها بالإعفاءات، حتى تنفيذ هذه التعاقدات، وفقاً للقوانين التي أبرمت في ظل سريانها، مشيرة إلى أن القرار يأتي «في إطار حرص الدولة المصرية على تحسين مناخ الاستثمار، ودعم مشاركة القطاع الخاص في مختلف الأنشطة الاقتصادية، ودعمًا للتنافس في إطار من الحيادية والشفافية واقتصادات السوق الحر».
هل يسهم القرار في خفض التوترات؟
يقول مراقبون، إن من اعتقدوا أن العلاقة توترت، عقب رفض السيسي تعويمًا جديدًا للجنيه لدواعي الأمن القومي، أعادوا النظر في تقديراتهم، إثر موافقة الحكومة على مشروع قانون بإلغاء الإعفاءات الضريبية.
وبحسب المراقبين، فإن الخطوة المصرية تتوافق مع وصفة قدمها صندوق النقد للقاهرة بضرورة إنهاء الاستثناءات، التي مكنت شركات حكومية عدة من تحقيق أرباح كبيرة، مشيرين إلى أن المشروع تفعيل لوثيقة سياسة ملكية الدولة، لتطبيق الحياد التنافسي وتوفير بيئة عادلة للتنافس في المجالات الاقتصادية، للقطاع الخاص والحكومة.