لماذا لم تتسبب خسارة أداني 100 مليار دولار في تدمير اقتصاد الهند؟

الهند تعد موطنًا لنحو 1.5 مليون شركة وسوق أسهم جيد، بخلاف الشركات العقارية الكبيرة.

لماذا لم تتسبب خسارة أداني 100 مليار دولار في تدمير اقتصاد الهند؟

ترجمات -السياق 

تلاعب خطير بالأسهم وخطة احتيال في الحسابات، وُصفت بأكبر عملية غش في تاريخ الشركات، أسقطت مجموعة أداني، التي كانت أكبر تكتل هندي، حتى وقت قريب.

تلك المجموعة التي خسرت -الشهر الماضي- أكثر من 100 مليار دولار خلال أيام، أثارت مخاوف من أن انهيارها قد يؤدي إلى ضربة قوية لأسواق رأس المال في البلاد، والاقتصاد الهندي، خاصة أنها تمتلك موانئ، ومطارات، ومحطات كهرباء، ومناجم فحم، ومزارع للطاقة الشمسية، وطرقًا، وشركات توزيع للكهرباء والغاز، ومصانع للأسمنت، فضلاً عن مصافٍ لزيوت الطعام، وصوامع حبوب، وحتى أكبر سلسلة توريد للتفاح في الهند.

ذلك التنوع في أسهم المجموعة، الذي يمتد إلى معظم قطاعات الاقتصاد الهندي، أثار قلقًا بالغًا بشأن إمكانية تأثيرها في البلد الآسيوي، الذي قفز إلى المرتبة الخامسة عالميًا بين الاقتصادات الأقوى.

ورغم أن محللين قالوا إن هذه الاضطرابات أضرت بصورة الهند، في الوقت الذي تسعى فيه إلى جذب مستثمرين أجانب بعيدًا عن الصين، فإن عدوى تلك الخسارة لم تنتشر في الأسواق.

وفي محاولة من المصرف المركزي الهندي، لتدارك أية خسارة مستقبلية، طلب من المقرضين تفاصيل عن تأثرهم بوضع مجموعة أداني، التي تشمل مصالحها موانئ وشركات اتصالات ومطارات ومؤسسات إعلامية، فضلًا عن الفحم والنفط والطاقة الشمسية.

وتقول صحيفة نيويورك تايمز، إن تأثير خسارة أداني في الاقتصاد الهندي، سيكون مخيفًا ليس فقط للهند، لكن للعالم أجمع.

وبدأت متاعب أداني مع نشر مؤسسة هيندنبورغ ريسرتش الأمريكية تقريرًا قالت فيه إن أداني زاد أسعار أسهم شركات مجموعته بشكل زائف، من خلال ضخ أموال عبر ملاذات ضريبية خارج البلاد، مشيرة إلى أن «هذا التلاعب الخطير بالأسهم وخطة الاحتيال في الحسابات يعدّان أكبر عملية غش في تاريخ الشركات».

وضع الأسواق

ورغم خسارة أداني، فإن «نيويورك تايمز»، قالت إن الأسهم الهندية تمتعت بأسبوع هادئ في مومباي، المركز المالي للبلاد، واستقرت إلى حد كبير منذ انهيار المجموعة، بينما كان مؤشر السوق الرئيس في الهند أعلى بنحو 2.5%، مما كان عليه قبل عام، حتى مع انخفاض الأسهم الأمريكية بأكثر من 4% خلال الفترة نفسها.

وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن صعود المؤشر الرئيس، يُعد دليلًا واضحًا على حجم وقوة مشهد الأعمال الهندي الأوسع، مشيرة إلى أنه رغم سقوط مجموعة أداني بشكل مذهل، بعد أن اتهمتها شركة تجارية صغيرة في نيويورك بالاحتيال والتلاعب بالأسهم، فإن الكارثة كانت بالكاد مجرد «دفقة قليلة من الدلو» الهندي الكبير.

وأوضحت أن الهند تعد موطنًا لنحو 1.5 مليون شركة وسوق أسهم جيد، بخلاف الشركات العقارية الكبيرة، مشيرة إلى أن البورصة الوطنية تقلبت بشكل مريح بين 3 تريليونات و3.5 تريليون دولار العام الماضي.

وأشارت إلى أن مرونة السوق عززت حقيقة أن بقية الأعمال الهندية ترغب في رؤيتها بشكل مباشر أكثر، رغم أن أداني -وهي مجموعة بنية تحتية مدارة عائليًا وقائمة على الطاقة- تستحوذ وحدها على بعض الأعمال.

أسباب الخسارة

وتقول «نيويورك تايمز»، إن بعض المراقبين -المنتقدين لأعمال أداني– حددوا بعض العيوب التي دفعت المجموعة للخسارة، منها (الغموض، وتعقيد بعض المشاركات والمساهمات، والبيروقراطية في تنفيذ المهام)، وهي أمور غير موجودة في عديد من الشركات الهندية الأصغر حجمًا.

لكن عديد الشركات المربحة في الهند تعد نماذج نسبية للنزاهة، كما يقول المراقبون، حتى في سياق السوق الهندي السريع، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي تحدثت عن تصنيف عديد من الشركات في القائمة التي تحتفظ بها «ريفينيتيف»، وهي مزود ببيانات السوق الدولي، تعد من أفضل الشركات الخاضعة للحكم في العالم، بما في ذلك أنفوسيس -وهي شركة هندية متعددة الجنسيات تختص بتقديم خدمات الاستشارة المتعلِقة بالأعمال- ومختبرات دكتور ريدي، وهي شركة دوائية هندية عالمية متعددة الجنسيات.

الهند قوة عظمى

وفي حين وصفت مجموعة أداني، بأنها «أكبر خدعة في التاريخ المالي»، بدت «هيندنبورغ للأبحاث»، وهي شركة استثمار في نيويورك، متفائلة بشأن الهند، واصفة إياها بأنها «قوة عظمى ناشئة ذات مستقبل مثير».

وأشار البنك المركزي الهندي، الأربعاء الماضي، إلى أنه سيستمر في العمل كالمعتاد، فرفع أسعار الفائدة بربع نقطة وترك الباب مفتوحًا أمام إمكانية زيادات أخرى، ما يجعله في وئام مع نظرائه الغربيين الكبار، الذين يضعون أيضًا أولوية لخفض التضخم.

وبحسب «نيويورك تايمز»، فإن القلق الأولي، جاء بعد أن أجبرت تداعيات اتهامات "هيندنبورغ"، مجموعة أداني على إلغاء طرح رئيس للأسهم في الأول من فبراير، مشيرة إلى أن مخاوف أثيرت من انتشار وباء الشك في أسواق رأس المال بالهند، وسط مخاوف من أن يتخلص المستثمرون الهنود أو الأجانب من الأسهم والسندات الهندية بشكل عشوائي، خوفًا من أن تنخفض قيمتها فجأة.

سمعة النظام

وتعرضت سمعة النظام الهندي لشكوك، بينما واجه رئيس الوزراء ناريندرا مودي تساؤلات عن علاقاته الوثيقة بمؤسس المجموعة الملياردير الهندي غوتام أداني، بحسب الصحيفة الأمريكية التي قالت إن أسهم الشركات الأخرى، سواء في البنية التحتية أم في مجالات غير ذات صلة، ما زالت صامدة.

وهناك من يشير إلى أن علاقة أداني القوية برئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، المتحدر أيضًا من ولاية غوجارات، ساعدت في دعم أعماله التجارية وتجنيبه الرقابة.

وقال أداني لمحطة إنديا توداي التلفزيونية: «لا أساس لهذه المزاعم»، مشيرًا إلى أن كونهما من الولاية نفسها يجعله «هدفًا سهلًا» لاتهامات كهذه.

وأضاف: «في الواقع لا أدين بنجاحي لأي مسؤول، إنما بسبب الإصلاحات السياسية والمؤسساتية، التي بدأها عديد من المسؤولين والحكومات، في فترة طويلة تزيد على ثلاثة عقود».

في المقابل، يعتزم الجانب الهادئ من الرأسمالية الهندية الاستمرار في غزل الأموال، أملًا في الفوز بأي جزء من امبراطورية أداني، قد يسقط، بحسب الصحيفة الأمريكية التي قالت إنه في السنوات التي تلت تولي مودي السلطة، صوَّر أداني شركته على أنها في خدمة الحكومة الهندية، إلا أنها عندما تعرضت لهجوم من «هيندنبورغ»، هاجمت الرافضين لها، متهمة إياهم بالتسبب في «الكرب للهنود».

إلا أنه مع ذلك، فإن طبيعة منظمتي مودي وأداني، ليست نموذجية للرأسمالية الهندية في القرن الحادي والعشرين، إذ يقول سوراب موخيرغيا، مؤسس شركة مارسيلوس إنفيستمينت مانغرز في مومباي، إنه خلال العقد الماضي، أضيف 1.5 تريليون دولار من القيمة إلى الأسواق العامة في الهند، 80٪ منها من 20 شركة فقط.

آلات تجميع الأموال

بعض هؤلاء، مثل أداني، يحدثون كثيرًا من الضجيج، ويتباهون بثقلهم وعلاقاتهم السياسية، وهو ما علق عليه موخيرغيا قائلًا، إن 90% من هذه العلاقات «امتيازات نظيفة ومدارة بشكل جيد»، مشيرًا إلى أن قادة أكبر وأكثر آلات تجميع الأموال في الهند غالبًا «ما يبقون أفواههم مغلقة ورؤوسهم تحت الحاجز الحكومي»، في إشارة إلى أن الضجيج الذي أثير عن علاقة أداني برئيس الوزراء لم يكن في صالحه.

وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن الجمهور الهندي يميل إلى الشركات التي تبتعد عن الحكومة، مشيرة إلى أن الرؤساء التنفيذيين لشركات مثل بنك إتش دي إف سي أو آسيان باينتس -وهي شركة هندية متعددة الجنسيات للطلاء- نادرًا ما يُرون وهم يحتضنون السياسيين.

وتقول الصحيفة الأمريكية، إن بعض قادة الأعمال في الهند يشعرون سرًا بالرضا لرؤية أداني يحصل على مكافآت حكومية، يعتقدون أنه يستحقها، ليس فقط لأسباب شخصية، وإنما لأنهم يعتقدون أن ذلك سيكون مفيدًا لحوكمة الشركات.

وبحسب «نيويورك تايمز»، فإن المحكمة العليا في الهند، استمعت –الجمعة- إلى طلبين للتقاضي بشأن المصلحة العامة، متعلقين بتقرير «هيندنبرغ»، إلا أنها أشارت إلى أنها ترى مجالًا للتحسين، وأمرت الحكومة بالإجابة عن الأسئلة المتعلقة بذلك.

رغم ذلك، فإن قليلين فقط ينتقدون أداني، مرجعين ذلك إلى أنه يتمتع بأصدقاء أقوياء في الداخل والخارج، ومن ثمّ فإن خسارته قد توقفه قليلًا لكنه لن ينتهي أمره.

هل يسقط أداني؟

واستشهدت الصحيفة بسانغاي ريدي، رئيس (جي في كيه)- مجموعة البنية التحتية المنافسة التي فقدت أكثر مطاراتها ربحية لمجموعة أداني، بعد اتهامات متلاحقة من وكلاء فيدراليين- الذي لجأ إلى موجات الأثير لإنكار ادعاء أحد السياسيين، بأن الحكومة «اختطفت» المطارات الخاصة بـ«أداني».

ورغم كل ذلك، فإن الصحيفة الأمريكية، ترى أنه من السابق لأوانه تحديد المدى الذي ستسقط فيه مجموعة أداني، أو كيف تهبط، لافتة إلى أن الهبوط المأساوي في سعر سهم تكتل، كانت قيمته ذات مرة 220 مليار دولار توقف مؤقتًا في وقت مبكر من هذا الأسبوع، منتصف الطريق تقريبًا إلى الصفر، حيث يشتري صائدو الصفقات الأسهم بأسعار بيع منخفضة.

لكن أسهم أداني استأنفت انخفاضها، إذ قرر «إم إس سي آي وورلد»، وهو مؤشر مؤثر، الجمعة، تقليل بعض وزن الأسهم، ما دفع المستثمرين إلى بيع الأسهم.

وقال مدير المؤشر المالي مورغان ستانلي كابيتال إنترناشونال (إم إس سي آي): بعض الأوراق المالية الخاصة بشركات أداني يجب ألا تُصنف على أنها تداول حر، بعد أن أثار المشاركون في السوق مخاوف بشأن أهلية شركات المجموعة الهندية لبعض مؤشراتها.

وردًا على بيان مورغان ستانلي، قال ناثان أندرسون مؤسس «هيندنبورغ» على "تويتر": «نحن ننظر إلى ذلك على أنه تحقق من صحة النتائج التي توصلنا إليها».

كانت بعض أسهم شركات أداني انتعشت هذا الأسبوع، لكنها تراجعت مرة أخرى الخميس، بعد إعلان مورغان ستانلي، وتراجعت شركة اداني إنتربرايزيز بنسبة 10%، بعد أن خسرت 20% في التعاملات الصباحية المبكرة.

وفي الأسابيع التي تلت اتهام "هيندنبورغ" بارتكاب مخالفات مالية، رفضت بنوك أخذ أسهم شركة أداني كضمان، بينما خفضت وكالة موديز الآفاق الائتمانية لشركتي أداني غرين وأداني إلكتريسيتي مومباي، من مستقرة إلى سلبية، بين خطوات أخرى، وأشارت إلى عوامل مثل القلق بشأن تأثير أي قفزة كبيرة في تكاليف التمويل، وهو وضع تركها بالكاد في مرتبة استثمارية.

وبينما دافع آخرون عن أداني بحذر، إلا أنه لا تزال الإشارات مختلطة، فقد باع صندوق الثروة السيادية النرويجي حصصه في ثلاث شركات تابعة لمجموعة أداني بأكثر من 200 مليون دولار منذ بداية العام، مع تراجع قيمة الشركات خلال الأسبوعين الماضيين بسبب تقرير يتهم أداني بالاحتيال والتلاعب المحاسبي.

وخلصت الصحيفة إلى أن أحد المخاوف التي تحققت، عندما بدأت مجموعة أداني الهبوط، أن مشكلاتها يمكن أن تنتشر عبر مقرضيها لتؤثر في المقترضين الآخرين، لكن مع تدقيق دفاترها أصبح من الواضح أن ديونها تتركز بين المقرضين المدعومين من الدولة الهندية، وبشكل رئيس مؤسسة التأمين على الحياة في الهند وبنك الدولة الهندي ، والبنوك الأجنبية.

ورغم أن هذه المؤسسات لا تشكل أي خطر على المواطنين العاديين في الهند، فإنه إذا تكبدت شركة التأمين على الحياة خسائر بمليارات الدولارات، سيفرص ذلك عبئًا على العجز المالي في البلاد.

أما إذا سقطت شركة أداني في حالة إفلاس، فإن خططها الكبيرة لتحقيق رؤية مودي بشأن البنية التحتية والألواح الشمسية ستفشل، لكن أصولها الرئيسة، مثل الموانئ وخطوط الكهرباء، ستحتفظ بقيمتها إذا تم الاستيلاء عليها من الدائنين.