ما قدرات أردوغان للفوز بأصعب انتخابات؟
على الورق، تُمثل انتخابات هذا العام تحديات هائلة لأردوغان، وفق مجلة فورين أفيرز.

ترجمات – السياق
بعد 20 عامًا في السلطة، هل يقترب رجب طيب أردوغان من فقدان السيطرة على تركيا؟ وماذا بإمكانه أن يفعل لمواجهة ذلك؟
أسئلة عدة تلوح في الأفق، مع قرب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 14 مايو الجاري، مع تزايد فرص مرشح المعارضة الرئيس كمال كليتشدار أوغلو، الذي تدعمه أغلبية استطلاعات الرأي، خصوصًا بعد الغضب العارم، الذي عمّ البلاد جراء زلزال فبراير، الذي أودي بحياة عشرات الآلاف، وفق مجلة فورين أفيرز الأمريكية.
ومن المقرر أن يتوجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع في 14 مايو الجاري، لتحديد مصير الديمقراطية في تركيا، بعد أقل من ثلاثة أشهر من زلزال (6 فبراير) الذي أودي بحياة أكثر من 50 ألف شخص، وأدى إلى نزوح أكثر من 5.9 مليون جنوبي تركيا وشمالي سوريا، وسط اتهامات لحزب أردوغان الحاكم "العدالة والتنمية"، بأن تغاضيه عن أهمية اتباع أُسس معينة في البناء بهذه المنطقة -التي تشتهر بالزلازل- زاد حجم المأساة.
قد تبدو عودة، رجب طيب إردوغان، إلى رئاسة تركيا مستبعدة للبعض، لكن مهارته، كسياسي نجح مرارا وتكرارا في استخدام موارد الدولة لصالحه وفي تقسيم خصومه أو تحييدهم، قد تحمل مفاجأة غير سارة لخصومه في الانتخابات القادمة، وفق المجلة.
وترى المجلة الأمريكية، أن الزلزال الأخير في تركيا يُعد أكبر تحدٍ لأردوغان في حياته السياسية، إذ إن استجابة الحكومة للكارثة الإنسانية، أثارت الغضب بين الأتراك وهوّت بشعبيته، ما يُهدد سباقه الانتخابي.
علاوة على ذلك، تسببت سياسات أردوغان الاقتصادية في تضخم جامح، ما زاد ضيق عديد الأتراك من حكمه المستبد.
ومع تراجع شعبية أردوغان، بدا التحالف الذي تشكل حديثًا من ستة أحزاب معارضة، بقيادة كمال كليتشدار أوغلو، رئيس حزب الشعب الجمهوري (سي إتش بي)، منضبطًا ومنظمًا بشكل غير مسبوق، لكن على الأرض قد تكون الأمور مختلفة.
نفوذ أردوغان
ترى "فورين أفيرز" أن استخدام أردوغان لنفوذه الواسع على وسائل الإعلام التركية، حد فعليًا من النقاش العام بشأن الزلزال، وحوّل النقاش المحلي إلى إنجازات تركيا الصناعية والعسكرية في عهده.
في غضون ذلك، دخل مرشح حزب ثالث السباق، ما وفر لأردوغان وسائل إضافية لتفكيك المعارضة، كما أن الإصلاح الحكومي للطريقة التي يوزع بها البرلمان المقاعد، يمكن أن يمنح حزب العدالة والتنمية التابع للرئيس، ميزة كبيرة في التصويت المقبل.
ومع اقتراب انتخابات 14 مايو، يبدو أن أردوغان قد يكون قادرًا -على الأقل- على فرض جولة إعادة، وأن حزب العدالة والتنمية وشركاءه في الائتلاف، قد يتمتعون بالأغلبية في البرلمان.
ورغم أن عودة أردوغان كانت غير متوقعة، خصوصًا بعد اليأس الذي ضرب البلاد إثر زلزال 6 فبراير الماضي، فإن مهارته في استخدام موارد الدولة لصالحه وتقسيم أو تحييد خصومه، قد تحمل مفاجأة غير سارة لخصومه في انتخابات 14 مايو الجاري.
فقد رجحت السباقات الانتخابية الأخيرة في تركيا كفة أردوغان بشكل غير عادل، منذ أن تحول إلى نظام رئاسي عام 2018.
وتبين المجلة الأمريكية، أن البيروقراطيين يدعمون حزب العدالة والتنمية الحاكم، ويجعلون موارد الدولة متاحة له، في وقت يستغل أردوغان نفوذه على قطاع الشركات لزيادة سلطته، حيث تسيطر الشركات الموالية له على ما يقرب من 90 في المئة من وسائل الإعلام التركية.
وأشارت إلى أن عديد المؤسسات القضائية المهمة في البلاد، التي يُفترض أن تكون مستقلة مثل المجلس الأعلى للانتخابات، وعديد المحاكم التركية، تخضع لأوامر الرئيس.
قمع أردوغان المعارضة ونشطاء المجتمع المدني أيضًا، واستخدام استراتيجيات على غرار زملائه المستبدين مثل رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، لتهيئة ساحة لعب غير عادلة خلال الحملة الانتخابية، وفق المجلة، التي أشارت إلى أن مرونة أردوغان تُظهر مدى صعوبة إطاحة زعيم غير ليبرالي في منافسة انتخابية، حتى لو كان يتمتع بدعم ضئيل.
فالجميع لم يسلموا من قمع أردوغان، من رجل الأعمال الخيري ومنظم المجتمع المدني عثمان كافالا إلى صلاح الدين دميرتاش، الرئيس السابق لحزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد والليبراليين، وكثيرون يقبعون خلف السجون.
ومن خلال اكتساب نفوذ واسع على القضاء، والبيروقراطية الحكومية، ووسائل الإعلام الوطنية، غالبًا ما كان هؤلاء القادة قادرين على هندسة نتائج الانتخابات، بصرف النظر عن القوة النسبية للمعارضة.
صراع السلطان
على الورق، تُمثل انتخابات هذا العام تحديات هائلة لأردوغان، وفق "فورين أفيرز".
فقد واجه الاقتصاد التركي أزمة، بعد أن فقدت العملة أكثر من 450 في المئة من قيمتها، خلال السنوات الخمس الماضية، وارتفع التضخم بشكل مطرد، ليقترب من 100 في المائة.
في الماضي، كان النمو الاقتصادي المطرد عاملاً حاسمًا في نجاح أردوغان، حيث فاز بما يقرب من اثني عشر انتخابًا على مستوى البلاد، بسبب سجله في انتشال الناخبين من الفقر، وتحسين الوصول إلى الخدمات مثل الرعاية الصحية، وتوفير الازدهار الاقتصادي والاستقرار.
وأشارت المجلة الأمريكية، إلى أنه خلال العقد الأول من حكم أردوغان، بين عامي 2003 و2013، اجتذبت تركيا كميات قياسية من الاستثمار الأجنبي المباشر، ما ساعد في تمويل معجزته الاقتصادية، وتعزيز قاعدة حزب العدالة والتنمية.
وحتى بعد نضوب تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، خلال السنوات التي أعقبت حملة القمع الحكومية على احتجاجات حديقة جيزي عام 2013، تمكّن أردوغان من الحفاظ على استمرار الاقتصاد، بفضل التدفقات الكبيرة من المستثمرين العالميين.
لكن منذ عام 2018، تآكل سجل أردوغان الاقتصادي، ونصّب نفسه سلطان تركيا الجديد، ليصبح رئيسًا للدولة، ورئيسًا للحكومة، ورئيسًا للحزب الحاكم، ورئيسًا للشرطة الوطنية، ورئيسًا للجيش.
كما بسط سيطرته المباشرة على الاقتصاد، ما أفقد البنك المركزي استقلاليته، وزاد مخاوف المستثمرين الأجانب.
علاوة على ذلك، منذ بدء جائحة كورونا، أدت سياساته الاقتصادية غير التقليدية، إلى دفع الاقتصاد لحالة من الاضطراب.
واقتناعًا منه بأن أسعار الفائدة تدفع التضخم، أبقى أسعار الفائدة التركية منخفضة، ما أدى إلى زيادة التضخم بشكل أسرع، وتسبب في ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وانعدام الأمن المالي.
بعبارة أخرى -وفق المجلة الأمريكية- أدى انتزاع أردوغان للسلطة إلى سحب بساط النمو الاقتصادي والاستقرار من تحت قدميه، وباتت القاعدة الكبيرة التي دعمته ذات يوم تتآكل.
في الوقت نفسه، أصبحت المعارضة أكثر اتحادًا.
ففي الانتخابات السابقة، تمكن أردوغان من جذب قاعدته الأصلية، من خلال شيطنة الجماعات السياسية المتنوعة في تركيا، مثل اليساريين والليبراليين والأكراد والعلويين، وبما أن هذه المجموعات نفسها كانت منقسمة إلى أحزاب مختلفة ومتنافسة، فإنها لم تكن قوية بما يكفي لمواجهة هذا الضغط.
لكن عام 2018، وفي رد فعل لسيطرة أردوغان على مفاصل الدولة، وتغيير نظام الحكم إلى رئاسي، قررت أربعة أحزاب معارضة توحيد قواها، بقيادة كليتشدار أوغلو.
في البداية، لم يكن لهذا الائتلاف "تحالف الأمة"، تأثير هائل، لكن في الفترة التي سبقت الحملة الحالية، انضم حزبان آخران إليه، ما شكل جبهة قوية للتغيير تغطي تقريبًا أطياف السياسة التركية.
وفي برنامجه الانتخابي، وعد "تحالف الأمة" بإنهاء حُكم الرجل الواحد، وتعزيز الأعراف والحريات الديمقراطية، وإعادة إرساء سيادة القانون.
كما تعهد كيليتشدار أوغلو بإعادة إحياء العقيدة الاقتصادية واستقلال البنك المركزي، ما يعني تدفقًا جديدًا لرأس المال الأجنبي، ويساعد في استئناف النمو الاقتصادي.
والاقتصاد، بحسب المجلة، يُشكل أصعب اختبار لأردوغان، لكنه مع ذلك طوَّر استراتيجيات لمواجهة هذه التهديدات، وهو واثق بأنه إذا تمكن من فرض جولة إعادة في الانتخابات الرئاسية، 28 مايو، يمكنه الفوز بها.
ومؤخرًا، تقدم كيليتشدار أوغلو بفارق ضئيل على أردوغان، بنقطة أو نقطتين، خلال استطلاعات الرأي.
وبالمثل، يتقدم تحالف المعارضة على الكتلة الموالية لأردوغان، المعروفة بتحالف الشعب، في السباق للسيطرة على البرلمان.
السيطرة على المعلومات
وبينت "فورين أفيرز" أن الرئيس التركي يسيطر أيضًا على المعلومات، مشيرة إلى أن حقيقة عدم قدرة قرابة 80 في المئة من السكان على قراءة لغات أخرى غير التركية، أداة قوية في يد أردوغان لكسب الأصوات.
ولكبح جماح مواقع التواصل الاجتماعي، أقر البرلمان، تحت سيطرة حزب العدالة والتنمية وحليفه، حزب العمل القومي التركي القومي المتطرف (إم إتش بي)، عام 2020، قانونًا يفرض على المنصات العالمية، التي ترغب في العمل بتركيا فتح مكاتب لها في البلاد، ما جعلهم عرضة للعقوبات والغرامات، إذا فشلوا في الاستجابة لتوجيهات الحكومة لحظر أو تقييد المحتوى.
في الوقت نفسه، تعرضت الشبكات التلفزيونية التركية المستقلة القليلة، التي لا تسيطر عليها الشركات الموالية لأردوغان، لغرامات باهظة وأوقفت بثها أيامًا عدة، إذا بثت محتوى يخالف السرد الحكومي المعتمد.
وعليه، كانت التغطية الإخبارية انتقائية للغاية، إذ لم يذكر التضخم، الذي وصل إلى 85.5 في المئة عام 2022، كما لم يتهم أحد الحكومة بالتقاعس عن كارثة الزلزال، بينما غاب الحديث عن الفساد الهائل والمتنامي للنخبة الحاكمة، بما في ذلك الرئيس وعائلته.
هناك أيضًا جانب أكثر قتامة في حرب المعلومات التي يشنها أردوغان، إذ تستهدف حملته المعارضة، بخبث وادعاءات كاذبة، لاسيما الحزب الموالي للأكراد، حزب الشعوب الديمقراطي، الذي يدعم تحالف الأمة ومرشحه الرئاسي كيليتشدار أوغلو.
وأشارت المجلة الأمريكية، إلى أنه رغم أن حزب الشعوب الديمقراطي حركة سياسية سلمية، فإن وسائل الإعلام الموالية لأردوغان تزعم أن حزب الشعوب الديمقراطي هو نفسه حزب العمال الكردستاني (بي كيه كيه)، وهو كيان مُصنف بالإرهاب يقاتل تركيا منذ عقود، وأن كيليتشدار أوغلو "مدعوم من الإرهابيين".
أنا أو الفوضى...!
وكما فعل، يستخدم أردوغان أيضًا النظام الانتخابي التركي لصالحه، إذ إنه عام 2022، دفع أردوغان وحزبه بقانون، من شأنه أن يزيد فرص سيطرة حزب العدالة والتنمية وتحالف الشعب على البرلمان.
ففي النظام الانتخابي التركي، تكون إجراءات التصويت الرئاسي واضحة ومباشرة، إذ يمكن اختيار الفائز بالحصول على أكثر من 50 في المئة من الأصوات، أو إذا لم يحقق أي مرشح ذلك، فعن طريق الفوز بجولة الإعادة بين أكبر اثنين من الفائزين بالجولة الأولى.
لكن الطريق إلى السيطرة على البرلمان أكثر تعقيدًا، بسبب التقاليد التركية الحديثة في التحالفات الانتخابية.
في الماضي، كانت المقاعد توزع على أساس إجمالي الأصوات، وهو نظام يفضل أقوى تحالف.
ومع توقعه بأن يكون تحالف المعارضة أقوى من تحالفه في انتخابات 2023، نجح أردوغان في تغيير قانون الانتخابات البرلمانية، وأصبح الأمر، بدلاً من التحالف الأكبر، يُفضل القانون الجديد الحزب الأكبر، الذي لا يزال هو حزب العدالة والتنمية في نظام التعددية الحزبية بتركيا.
ولكن بالنظر إلى قرب السباق، قد يكون هذا التغيير كافيًا لمنح تحالف أردوغان الشعبي 10 مقاعد إلى 20 مقعدًا إضافيًا- ما يكفي للفوز بأغلبية برلمانية في 14 مايو حتى لو لم يخرج أردوغان نفسه في المقدمة.
ولدى أردوغان ورقة أخرى يلعبها في السباق الرئاسي، إذ إنه بعد الزلزال بوقت قصير، دخل محرم إينجه، المنشق عن حزب كيليتشدار أوغلو، السباق الرئاسي، ما شكّل تحديًا جديدًا للمعارضة، لأن دعمه يأتي بشكل أساسي من الناخبين، الذين كانوا سيصوتون لكيليتشدار أوغلو.
وأشارت "فورين أفيرز" إلى أن أردوغان دائمًا ما يلجأ إلى استراتيجية "أنا أو الفوضى"، لافتة إلى أن هذه الاستراتيجية نجحت في الماضي، إذ إنه عام 2015، عندما فقد حزب العدالة والتنمية السيطرة على البرلمان فترة وجيزة في يونيو، انهارت فجأة قوات الأمن في البلاد، وتزايدت هجمات حزب العمال الكردستاني وتنظيم داعش الإرهابي، ومن ثمّ سرعان ما انحاز الناخبون إلى أردوغان، ما منح حزبه أغلبية تشريعية جديدة في انتخابات نوفمبر.
ونوهت إلى أنه رغم أن هذه الهجمات غير مرجحة خلال هذه الدورة الانتخابية، فإن تجدد العنف متوقع.
ومما يثير القلق بشكل خاص، المواءمة الأخيرة لحزب القضية الحرة، أو هدى بار، وهو حزب كردي متشدد، مع تحالف الشعب بزعامة أردوغان.
وأوضحت المجلة، أن لدى حزب هدى بار صلات بحزب الله التركي، وهو جماعة إسلامية سياسية عنيفة، سبق أن قاتلت حزب العمال الكردستاني.
وحسب المجلة، فإن هدى بار، التي لم تتخل عن ماضيها العنيف، والتي تروّج لآراء اجتماعية قديمة، لا تحظى إلا بجاذبية تافهة بين الناخبين، إذ حصل الفصيل على دعم بنسبة 0.3 بالمئة فقط في الانتخابات البرلمانية الأخيرة لعام 2018، ومن ثمّ فهو لا يضيف كثيرًا إلى حملة الرئيس، باستثناء الفوضى، حال دخول انتخابات الرئاسة جولة الإعادة.
وترى المجلة، أن احتمال اندلاع عنف متطرف، قد يُشكل تهديدًا مباشرًا لتماسك تحالف المعارضة، لافتة إلى أنه في الوقت الحالي، يحظى كيليتشدار أوغلو بدعم حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد والحزب الصالح القومي التركي، الذي يشعر بالقلق الشديد من التشدد الكردي.
لذلك فإن تجدد النزاع المسلح، الذي يشمل حزب العمال الكردستاني وحزب هدى بار، سيؤدي إلى تقسيم الكتلة الموالية لكيليتشدار أوغلو.
أمام هذه التحديات، ترى "فورين أفيرز" أن الانتخابات المقبلة، تعد الفرصة الأخيرة للديمقراطية في تركيا، مشيرة إلى أن خسارة أردوغان تمنح تركيا فرصة لاستعادة الديمقراطية، لكن فوزه يعني بقاءه في السلطة بقية حياته.
وأشارت إلى أن لدى أردوغان سنوات من الخبرة في التلاعب بالنظام السياسي لصالحه، إذ وضع استراتيجية قوية للبقاء في السلطة، مضيفة: "إذا هُزِم أردوغان، سيكون ذلك تحولًا كبيرًا في مكانة الشعبوية القومية على مستوى العالم".