حرب الطاقة... هل تنجح أوروبا في الخروج من ظِل الصين؟
تواجه الطاقة المتجددة في أوروبا تحديات عدة، في مقدمتها، أن الصين، هي التي تنتج المواد اللازمة لتوليد الطاقة المتجددة -الشمسية والرياح والكهرومائية- بأسعار تقل كثيرًا عن تلك المُصنعة في أوروبا.

ترجمات - السياق
يسعى الاتحاد الأوروبي إلى زيادة قدراته في الطاقة المتجددة، لكن اعتماده على الصين -في المواد الخام والتكنولوجيا- يقف حائلًا أمام ذلك، فهل تنجح القارة العجوز في الخروج من ظِل بكين، وتضاعف اعتماداتها على الطاقة الشمسية بتكنولوجيا خاصة بها، أم أن الأمر مازال مبكرًا؟
حسب صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، تواجه الطاقة المتجددة في أوروبا تحديات عدة، في مقدمتها، أن الصين، هي التي تنتج المواد اللازمة لتوليد الطاقة المتجددة (الشمسية والرياح والكهرومائية) بأسعار تقل كثيرًا عن تلك المُصنعة في أوروبا، إلا أن الاتحاد الأوروبي، يرفض تقديم أي دعم للشركات الأوروبية، الباحثة عن النجاة من تغول التنين الصيني، في صناعة المواد اللازمة لتوليد الطاقة المتجددة.
ويتمثل التحدي الثاني في أن انتقال أوروبا نحو مصادر الطاقة المتجددة مازال بطيئًا، لضعف الاستثمارات في هذا النوع من الصناعة، والانتقال نحو استثمارات أكثر جذبًا من حيث العائد بعيدًا عن الطاقة.
وبينما تلقت دول الاتحاد الأوروبي صفعة قوية عام 2022 تمثلت في خفض روسيا لإمدادات الغاز الطبيعي نحو دول التكتل، لجأت الأخيرة إلى الطاقة المتجددة.
لكن، خلال الاجتماع السنوي لـ "لوبي الطاقة الشمسية في أوروبا" ببروكسل، احتفل التنفيذيون في الصناعة بالانتشار السريع للألواح الشمسية في المنطقة، بعد التراجع عن الغاز الروسي.
ووقفت الرئيسة التنفيذية لشركة سولار باور يورب، والبورغا هيميتسبيرغر، تتحدث بفخر قائلة: "الليلة يجب أن تكون أفضل احتفال على الإطلاق" ، مشيرة إلى أن الصناعة الأوروبية حطمت أرقامًا قياسية، في منشآت الطاقة الشمسية، العام الماضي.
تحديات أكبر
لكن محللين وخبراء في الطاقة -تحدثوا لـ "فايننشال تايمز"- حذروا من تحديات عدة تواجه أوروبا، للاكتفاء الذاتي من الطاقة الشمسية (المتجددة).
وقالت كادري سيمسون، مفوضة الطاقة والمناخ بالاتحاد الأوروبي، - التي أمضت العام الماضي في حشد جهود الكتلة للتخلص من الغاز الروسي، إن "التحول من الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المتجددة ينبغي ألا يعني استبدال تبعية بأخرى"، في إشارة إلى التحول من الغاز الروسي إلى الطاقة المتجددة الصينية.
وأشارت إلى أن الاتحاد الأوروبي يريد أن يكون أكبر مصدر منفرد للطاقة الشمسية عام 2030، ما يعني زيادة قدرته على توليد الطاقة الشمسية ثلاث مرات تقريبًا، خلال السنوات السبع المقبلة.
كما ذكرت سيمسون، أن أكثر من ثلاثة أرباع واردات الاتحاد الأوروبي من الألواح الشمسية عام 2021 "كانت من دولة واحدة"، هي الصين.
كان الاتحاد الأوروبي أبرم اتفاقًا لخفض الاستهلاك النهائي للطاقة في دول التكتل 11.7% بحلول عام 2030، وهو هدف قال مشرّعون إنه سيساعد في مكافحة تغير المناخ، والحد من استخدام أوروبا للوقود الأحفوري الروسي.
وحسب الصحيفة، كان التوصل للاتفاق بعد محادثات استمرت ساعات، بين مفاوضين من دول الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي.
واتفق المفاوضون على أن الطاقة التي سيستخدمها المستهلكون النهائيون، مثل المنازل والمصانع، في التكتل بحلول عام 2030 يجب أن تكون أقل بنسبة 11.7% من الاستخدام المتوقع بحلول ذلك الموعد.
كانت دول الاتحاد الأوروبي خفضت طلبها على الغاز بنسبة 20% العام الماضي، في وقت كثفت الاعتماد على طاقتي الرياح والشمس لتوليد الكهرباء، حسب مفوضة الطاقة بالاتحاد الأوروبي كادري سيمسون.
مع ذلك، في أعقاب أزمة الوقود الروسية واضطرابات سلسلة التوريد الوبائية، يتزايد قلق المسؤولين والشركات الأوروبية، من الاعتماد على دولة واحدة (الصين) لتلبية احتياجات معدات التوليد الخاصة بها، لا سيما بالنظر إلى أن الإنتاج يتركز في منطقة انتشرت فيها ادعاءات واسعة النطاق بانتهاكات حقوق الإنسان.
ويتركز نحو خمسي الإنتاج العالمي في شينغيانغ، المنطقة الشمالية الغربية، حيث تنظم الحكومة الصينية حملة واسعة ضد الأويغور وغيرهم من السكان المسلمين.
ومع ضخ إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، مئات المليارات من الدولارات والإعانات في مجال الطاقة النظيفة، تحت مظلة قانون خفض التضخم الأمريكي، ووسط تزايد الشكوك الأوروبية في الصين، فإن بعض مسؤولي الاتحاد الأوروبي قدموا مقترحات جديدة تخدم انتعاش صناعة الطاقة الشمسية.
ويقول رافائيل جلوكسمان، عضو البرلمان الأوروبي الذي يعمل في لجنة التجارة الدولية، تعليقًا على الدعم الأمريكي للطاقة: "على أوروبا أن تنتج احتياجاتها مرة أخرى، لا يمكننا أن نكون قارة مستهلكة فقط، فلقد تعلمنا من الوباء وحرب أوكرانيا، أنه عندما يكون هناك اضطراب في السوق، فإن النتائج ستكون كارثية".
صفر كربون
وهو ما ردت عليه المفوضية الأوروبية، بتقديم قانون صافي الانبعاثات الصفرية (نت زيرو إندستري Net Zero Industry)، مشيرة إلى أن الاتحاد الأوروبي سيحتاج إلى 400 مليار يورو من الاستثمار سنويًا، لإزالة الكربون وتحقيق هدفه المتمثل في صافي الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2050.
القانون الذي اقتُرح الأسبوع الماضي، ينص على أن الاتحاد الأوروبي يجب أن تكون لديه قدرة تصنيع كافية للطاقة النظيفة، لتلبية ما لا يقل عن 40 في المئة من احتياجات التوليد.
لكن القارة تنتج أقل من نصف ذلك، وهناك تحذيرات من أن المقترحات غير واقعية.
وعلى الشركات التي تقدم عطاءات للمناقصات العامة أو الإعانات لتوليد الطاقة، أن تحصل على 40% من معداتها من مصانع الاتحاد الأوروبي بموجب المقترحات.
كما أن من المرجح أن تفوتهم العقود، إذا استخدموا موردين من دول ثالثة سيطرت على سلسلة إمداد معينة، كما تفعل الصين بالنسبة للطاقة الشمسية.
إلا أن الأزمة الأكبر في هذا القانون، أنه لا يوجد مستثمرون لضخ الأموال في هذه الصناعة، طالما أن هناك دولًا خارج التكتل، تقدم حوافز أفضل وعوائد أسرع وأعلى، على غرار الصين.
ونقلت "فايننشال تايمز" عن ستيفن زويرب، مدير المبيعات وتسليم المشاريع في "بي آي برلين"، قوله: "لا يمكننا التوسع بالسرعة الكافية لتلبية الطلب الأوروبي"، مضيفًا: "بينما الجميع متحمسون لإنشاء مصنع واحد -مصنع إنيل الإيطالي الجديد في صقلية، الذي سينتج تكنولوجيا (ثري جي دبليو) لمشاريع الطاقة الشمسية- أعلنت الشركات الصينية العملاقة عن مصانع جديدة بقدرة 20 جيغاوات".
ولذلك، تطالب شركات الطاقة الشمسية الأوروبية، بضرورة توفير مزيد من التمويل، لرفع الصناعة إلى المستوى الذي وصلت إليه الصين، مشيرين إلى أن الإجراءات الواردة في القانون المقترح، لمنح الأولوية للإنتاج المحلي، في عقود المشتريات العامة ودعم المستهلك، يمكن أن تزيد التكاليف إلى درجة تؤثر في الاستيعاب.
وأشارت الصحيفة البريطانية، إلى أن أوروبا كانت أكبر مُصنع للطاقة الشمسية في العالم، حيث أنتجت 30 في المئة من الألواح الكهروضوئية عام 2007، لكن السياسة الصناعية الكبيرة التي انتهجتها بكين، خلال السنوات الأخيرة، أدت إلى زيادة الإنتاج الصيني، ومن ثمّ انخفاض الأسعار.
وعام 2012، فتحت المفوضية الأوروبية تحقيقًا لمكافحة الإغراق في واردات الألواح الشمسية الصينية، وفي العام التالي، فرضت رسومًا تقارب 50 في المئة على تلك الواردات.
دفع هذا القرار الاتحاد الأوروبي إلى الدخول في أكبر نزاع تجاري مع الصين حتى الآن، إذ هددت بكين بفرض رسوم جمركية انتقامية، على النبيذ والسيارات الفاخرة.
أمام ذلك، تراجعت المفوضية الأوروبية عن مقترحاتها الأولية، وبدلاً من ذلك وافقت على أرضية سعرية للألواح الشمسية مع بكين، لكن بعد استياء اللوبي الأوروبي لتصنيع الطاقة الشمسية، أسقطت أرضية السعر عام 2018.
ومع انقسام الدول الأعضاء على اقتراح المفوضية، حيث رأى فريق أنه لا يرغب في المخاطرة بعلاقته التجارية مع الصين، كانت النتيجة ظهور الصين كرائد عالمي بلا منازع في تكنولوجيا الطاقة الشمسية، إذ إنها منذ عام 2011، استثمرت أكثر من 50 مليار دولار في قدرة تصنيع الألواح الشمسية الجديدة، أي 10 مرات أكثر من أوروبا، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية.
عقبات هائلة
في الوقت الذي تلوح القيود المحتملة على الإمدادات من الصين في الأفق، فإن هناك عقبات هائلة تقف أمام خطط أوروبا، لتحقيق قدر أكبر من الاكتفاء الذاتي في تكنولوجيا الطاقة الشمسية، وفق "فايننشال تايمز".
ونقلت الصحيفة عن محلل الصناعة يوهانس بيرنروتر -مؤسس شركة أبحاث سوق البوليسيليكون- قوله: إن أحد الاختناقات الرئيسة في أوروبا، في ما يخص سلسلة التوريد، ضعف إنتاج سبائك السيليكون والرقائق، التي تُستخدم في تصنيع الخلايا الشمسية.
وحسب الصحيفة، لا تهيمن الشركات الصينية على إنتاج البولي سيليكون العالمي فحسب، بل أصبحت الدولة أيضًا رائدة على مستوى العالم، في التكنولوجيا التي تحول المواد الخام إلى سبائك ورقائق.
وأرجع برنروتر انسحاب مصنعي المعدات الأوروبيين من سوق الطاقة الشمسية، إلى أن الشركات الصينية كانت أكثر فعالية من حيث التكلفة (أي تكلفة أقل).
والسؤال: كيف يمكن للاتحاد الأوروبي أن ينشئ بسرعة سلاسل التوريد الجديدة، اللازمة لتحقيق أهدافه في مجال الطاقة المتجددة؟
يجيب خبراء -تحدثوا للصحيفة البريطانية- بأن ذلك يتطلب أيضًا إشراك الشركات الصينية بشكل أو بآخر.
كما يحذر الخبراء من أن تكاليف الطاقة في أوروبا عالية جدًا، مشيرين إلى أنه في الوقت الذي تتراوح أسعار الكهرباء الصناعية في الصين بين 60 و80 دولارًا لكل ميغاوات/ ساعة -باستثناء الدعم الذي تحصل عليه هذه المصانع من الحكومة- كان متوسط سعر الطاقة في الاتحاد الأوروبي 130 دولارًا لكل ميغاوات في الساعة.
من أهم المعوقات أمام أوروبا أيضًا، في إنتاج الطاقة الشمسية، أن مبادرة واشنطن، أغرت شركات أوروبية بالتحرك عبر المحيط الأطلسي غربًا، ومغادرة الاتحاد الأوروبي.
وتقول شركات الطاقة الشمسية الأوروبية، إن قواعد المحتوى المحلي في اقتراح الاتحاد الأوروبي، لتعزيز تصنيع الطاقة المتجددة في التكتل، ستجعل الانتقال إلى الطاقة النظيفة أكثر صعوبة، بسبب القيود المفروضة على الواردات الصينية.
ويُلزم قانون صافي الانبعاثات الصفرية (نت زيرو إندستري) المقترح للمفوضية الأوروبية، الحكومات بتخفيض المناقصات العامة لمشاريع الطاقة المتجددة من خارج دول التكتل، وهذا من شأنه أن يلحق الضرر بشركات الطاقة الشمسية، التي يعدها القانون "غير متنوعة بشكل كافٍ"، إذ تمتلك الصين أكثر من 80% من السوق الأوروبية، عبر سلسلة التوريد الصناعية.