إجلاء الأمريكيين من السودان... هل يتكرر سيناريو أفغانستان؟
كشفت إدارة بايدن أنها أرسلت سفنًا بحرية بالقرب من ساحل السودان، لمساعدة الأمريكيين في المغادرة بأمان.

ترجمات - السياق
حرب مفاجئة ألجمت الجميع، وحاصرت عشرات الآلاف من الرعايا الأجانب، بين نيران الجيش وقوات الدعم السريع، حتى أن أقوى دولة في العالم -الولايات المتحدة- فشلت في إجلاء رعاياها الذين تجاوز عددهم 16 ألفًا، وسط مخاوف من تكرار مأساة أفغانستان.
وأدى الانسحاب الفوضوي من أفغانستان، إلى قتل وتشريد عشرات، مع ترك آخرين يواجهون مصيرًا مجهولا تحت حكم طالبان.
هل السودان على طريق أفغانستان؟
هكذا تساءلت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، عما تؤول إليه الأوضاع في هذا البلد، الذي يشهد حربًا بين الجيش بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، والدعم السريع وبقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـ "حميدتي" للسيطرة على السلطة.
وأشارت المجلة إلى تفاصيل عملية إجلاء سابقة، في الصومال، لكن من خلال دعم عسكري، انتُشل عشرات الرعايا الأجانب، قبل نيران الحرب الأهلية هناك.
ففي صباح 5 يناير 1991، أطلق فريق من مشاة البحرية الأمريكية مهمة جريئة، لإجلاء موظفي السفارة الأمريكية في الصومال، التي مزقتها الحرب حينها، وبالفعل نجحوا في نقل ما يقرب من 300 شخص من مقديشو بأمان.
وأشارت المجلة إلى أن 36 فقط من الذين أجلوا كانوا من موظفي السفارة الأمريكية، بينما كان الباقون أجانب ودبلوماسيين، بمن في ذلك السفير السوفييتي.
كانت المهمة، التي أطلق عليها "الخروج الشرقي"، في ذلك الوقت من أخطر عمليات الإجلاء في التاريخ الدبلوماسي للولايات المتحدة، وانتصارًا في حد ذاتها لكيفية استخدام القوة العسكرية الأمريكية لحماية، ليس فقط موظفي حكومتها، بل أيضًا الأمريكيين والأجانب.
الماضي يتكرر
وها هو السودان يشهد أعمال عنف، على غرار ما حدث في أفغانستان والصومال تقريبًا، وحوصر آلاف داخل أراضيها، وباتوا غير قادرين على الفرار من الصراع، فهل تستطيع الولايات المتحدة التدخل عسكريًا على غرار الصومال، لإنقاذ مواطنيها وبقية الرعايا الأجانب، أم تتكرر الفوضى التي شهدتها أفغانستان، ويترك كثيرون وسط فوضى لا يُعرف متى تنتهي.
فقد أدى اندلاع القتال بين جنرالين متنافسين للسيطرة على البلاد، إلى تحويل العاصمة الخرطوم إلى منطقة قتال بين عشية وضحاها، ما دفع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى إطلاق عملية إجلاء سريعة لموظفي السفارة.
لكن على عكس ما حدث في الصومال، فرغم إجلاء الجيش الأمريكي هذه المرة جميع موظفي الحكومة الأمريكية و"عددًا قليلًا" من الدبلوماسيين المتحالفين، فإنه ترك وراءه قرابة 16 ألف أمريكي هناك، وسط قليل من الوسائل الواضحة لإجلائهم في القريب العاجل.
وحسب "فورين بوليسي"، فقد أثار هذا الواقع الجديد اتهامات شديدة وردود فعل سلبية في واشنطن، حيث دفع بعض المسؤولين والمشرعين إدارة بايدن إلى بذل مزيد لمساعدة الأمريكيين المحاصرين هناك في الخروج من هذا البلد بأمان في أقرب وقت.
كما أثار هذا الأمر -محاصرة 16 ألف أمريكي بالسودان- أسئلة جديدة عما إذا كان كبار مسؤولي إدارة بايدن قد استجابوا بشكل صحيح للتحذيرات الواسعة النطاق، من احتمال اندلاع القتال في السودان، خلال الأسابيع التي سبقت الصراع.
وقد أدى ذلك -حسب المجلة- إلى حالة من الغضب والاتهامات في واشنطن بين المسؤولين، رغم المحاولات المبذولة على مدار الساعة لوقف إطلاق النار.
ونقلت المجلة الأمريكية عن أحد المسؤولين الأمريكيين قوله: "كانت علامات التحذير هناك تؤكد نشوب صراع محتمل، إلا أنه لم يؤخذ بها حتى وقع المحظور".
من جانبهم، لا يزال الأمريكيون المحاصرون وسط القتال في السودان، ينتقدون صراحةً وزارة الخارجية لتقاعسها عن مساعدتهم في الخروج من هذا البلد.
ورغم رفض وزارة الخارجية التعليق، فإن وزير الخارجية أنتوني بلينكين قال، خلال مؤتمر صحفي الخميس: إن الولايات المتحدة "تقدم أفضل نصيحة ممكنة لأي شخص يطلب مساعدتنا" و"تقدم الدعم اللوجستي "لجهود الإجلاء الأخرى.
وأضاف: "ما نحتاج إلى القيام به وما نعمل على تأسيسه، عملية مستدامة لتمكين الناس من المغادرة بأمان في أسرع وقت ممكن".
أقوال لا أفعال
من جانبها، كشفت إدارة بايدن أنها أرسلت سفنًا بحرية بالقرب من ساحل السودان، لمساعدة الأمريكيين في المغادرة بأمان، لافتة إلى أنها توفر أيضًا المعلومات الاستخبارية ومراقبة قوافل الأمم المتحدة، التي تغادر الخرطوم لمتابعة سلامتهم.
وهو ما ردت عليه "فورين بوليسي" بأنه "أقوال لا أفعال"، مشيرة إلى أن عدد الأمريكيين المحتجزين بالسودان، قد يكون أكثر من 16 ألفًا.
كان مسؤول في البحرية الأمريكية، قد أعلن أن الولايات المتحدة سترسل سفينة حربية جديدة إلى السودان.
وقال المسؤول إن السفينة الحربية يو إس إن إس برونزويك، تتجه إلى السودان، بعد أن أكد "البنتاغون" أن السفينة يو إس إس تروكستون موجودة بالفعل قبالة السواحل السودانية، كما أن السفينة يو إس إس لويس ب. بولير في طريقها إلى هناك.
إلا أن مسؤولين في إدارة بايدن، بينوا أن القتال العنيف في المدينة يجعل خطة الإجلاء هذه غير آمنة.
علاوة على ذلك، تقع الخرطوم على بُعد أكثر من 500 ميل من الساحل، ما يجعل عملية الإجلاء أكثر صعوبة بكثير من التي جرت في لبنان، التي تقع على طول البحر المتوسط، أو مقديشو على الساحل الصومالي.
بينما حثّ مشرعون، بايدن على تجنب تكرار ما حدث في أفغانستان، حيث أدى الجسر الجوي الضخم، أواخر عام 2021 إلى إجلاء عشرات الآلاف، لكنه ترك عديد الأمريكيين والحلفاء الأفغان خلفهم مع سيطرة طالبان على البلاد.
ونوهت المجلة الأمريكية، إلى أن عديد الأمريكيين، الذين ما زالوا في السودان، يحملون جنسية مزدوجة، لكنْ هناك أيضًا وجود كبير للأمريكيين الذين كانوا في السودان ضمن الأعمال الإنسانية والمساعدات التي تمولها الولايات المتحدة، وفقًا لمسؤولين في واشنطن وآخرين عادوا من الخرطوم.
من جانبه، برر مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، تأخر إجلاء الأمريكيين من السودان، بأن الإدارة حذرت مرارًا من مخاطر السفر إلى هذا البلد، إلا أن كثيرين لم يأخذوا هذه التحذيرات على محمل الجد.
وهو ما رد عليه مسئول آخر بالقول: إن هؤلاء لم يكونوا مجرد سائحين، وإنما كانوا عمال إغاثة يعيشون في الخرطوم، لتعزيز المصالح الأمريكية ومساعدة السودانيين.
آفاق قاتمة
ووصفت "فورين بوليسي" مستقبل السودان، في ظل الصراع المحتدم بين الجيش والدعم السريع بالقاتم، مشيرة إلى أن هذا الاقتتال أدى إلى قتل مئات وإصابة آلاف، بخلاف أنه قضى على آمال السودان للانتقال إلى الديمقراطية.
ونوهت إلى أنه قبل أيام من اندلاع القتال، اجتمع الوسطاء الأمريكيون والبريطانيون مع (البرهان وحميدتي) في محاولة للتوصل إلى اتفاق سياسي بشأن حكومة جديدة، لإعادة البلاد إلى مسار التحول الديمقراطي، إلا أن الأمور ساءت بشكل غير متوقع.
ونقلت المجلة الأمريكية عن محللين سودانيين، قولهم، إنهم يتوقعون أن يؤدي النزوح الجماعي للأجانب إلى تصعيد البرهان وحمديتي معركتهما، للسيطرة على العاصمة (الخرطوم)، ما يعني سقوط ضحايا جدد.
بينما قال مسؤولون أمريكيون إنهم حاولوا التوسط لوقف إطلاق النار بين قوات البرهان وحميدتي خمس مرات على الأقل، مشيرين إلى أن هذه المحاولات فشلت في وقف إطلاق النار حتى الآن.
كان الجيش السوداني وافق على تمديد الهدنة 3 أيام إضافية، وجاء في بيان للناطق الرسمي باسم الجيش، أن موافقته جاءت لتهدئة الأوضاع وتهيئة الظروف المناسبة لإجلاء المقيمين من مختلف الجنسيات، وتيسير النواحي الإنسانية للسودانيين.
بدورها، أعلنت قيادة الدعم السريع موافقتها على مقترح الآلية الثلاثية واللجنة الرباعية بتمديد الهدنة الإنسانية 72 ساعة إضافية.
وقد رحب وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بالهدنة الخامسة، بين طرفي الصراع في السودان.
وحثّ بلينكن، عبر "تويتر"، طرفي الصراع على الالتزام بإنهاء القتال وضمان وصول المساعدات الإنسانية بلا عوائق.
وقالت الخارجية الأمريكية -في بيان- إن بلينكن تعهد خلال لقاء مع الأمين العام للأمم المتحدة أنتوني غوتيريش، بالضغط لوقف دائم للقتال في السودان وحماية المدنيين، وضمان وصول المساعدات الإنسانية.