هل العالم بحاجة إلى مزيد من الطاقة النووية؟
هناك بعض التحديات التي تواجه التحول إلى الطاقة الخضراء، عبر الاعتماد على الطاقة الطبيعية، ومن ذلك، عمل الأطفال -الذين لا تتجاوز أعمارهم سبع سنوات- بجمهورية الكونغو الديمقراطية، في مناجم الكوبالت، وهو عنصر كيميائي ضروري لصُنع بطاريات السيارات الكهربائية.

ترجمات - السياق
مع محاولات العالم، التحول سريعًا إلى الطاقة الخضراء، والتقليل من انبعاثات الكربون الناتجة عن الوقود الأحفوري، ترى مجلة فورين أفيرز الأمريكية، أنه رغم أن الطاقة المتجددة قد تبدو سهلة، فإن الاعتماد عليها والتحول إليها، قد لا يبدو بالأمر الهين، ومن ثم فإن الطاقة النووية تعد الأمثل لهذا التحول.
وبينت المجلة أن التحول إلى الطاقة الخضراء مُعقد لأن مصادر الطاقة، التي يُنظر إليها -على نطاق واسع- أنها "خضراء" لها تأثيرات خارجية سلبية، على عكس ما قد يرغب فيه كثيرون من صانعي السياسات.
وأشارت إلى أن الطاقة النووية، تبدو أمام "عصر ذهبي" جديد، مع اشتداد الحاجة إلى مصادر طاقة نظيفة ورخيصة، في مواجهة أزمة نقص الإمدادات الروسية من الغاز، على خلفية الحرب في أوكرانيا، التي دفعت الأسعار إلى مستويات قياسية العام الماضي، وأيضًا لتلبية الأهداف المتعلقة بالمناخ.
واستشهدت المجلة، ببعض التحديات التي تواجه التحول إلى الطاقة الخضراء، عبر الاعتماد على الطاقة الطبيعية، ومن ذلك، عمل الأطفال -الذين لا تتجاوز أعمارهم سبع سنوات- بجمهورية الكونغو الديمقراطية، في مناجم الكوبالت، وهو عنصر كيميائي ضروري لصُنع بطاريات السيارات الكهربائية.
وفي الصين، التي تسيطر على 80 في المئة من صناعات الألواح الشمسية، تعتمد صناعة الطاقة الشمسية على العمالة الأويغورية بالسخرة، حتى أنهم يتركون العمال بلا وجبات فترات طويلة.
خطط جديدة
وأشارت "فورين أفيرز" إلى أنه رغم أن توقعات الطاقة المعدلة لعام 2022 الصادرة عن وكالة الطاقة الدولية، تثير بعض هذه القضايا، فإنها ترسم مسارًا للوصول إلى سياسة "صافي صفر كربون" بحلول عام 2050، من خلال تعظيم طاقة الرياح والطاقة الشمسية، مع افتراض أن الدول يمكنها العثور على المعادن المطلوبة واستخراجها بأسعار اقتصادية.
ولكن -حسب وكالة الطاقة الدولية- حتى في ظل هذه الافتراضات المتفائلة، فإن مصدر طاقة خاليًا من الكربون، غالبًا ما يتجاهَل في العالم، لافتة إلى أنه للوصول إلى سياسة "صافي صفر كربون" بحلول عام 2050، يحتاج العالم إلى مضاعفة العمل في الطاقة النووية.
وترى الوكالة أنه لكي يتحول العالم إلى الطاقة النظيفة، يحتاج إلى معدل 30 جيغاوات من القدرة النووية الجديدة، التي ستطرح على الإنترنت بدءًا من عام 2030، ثم البقاء على هذا المسار حتى عام 2050.
وبينت المجلة، أن الانشطار النووي، وهو العملية التي تولد الطاقة النووية، ينتج طاقة وفيرة مع إطلاق غازات دفيئة صفرية بشكل أساسي، على غرار طاقة الرياح والطاقة الشمسية والطاقة الكهرومائية.
علاوة على ذلك، فإن الطاقة النووية، تعد "تقنية آمنة ومثبتة، وتوفر أكثر من نصف توليد الطاقة الخالية من الكربون في الولايات المتحدة أثناء العمل بلا توقف، بعيدًا عن التعرض لنزوات الطبيعة الأم"، في إشارة إلى تغير المناخ من الشمس للرياح.
ولمضاعفة الطاقة النووية، فإن العالم -وفقًا لمعهد أكسفورد لدراسات الطاقة، يحتاج إلى بناء 235 مفاعلًا جديدًا في السنوات الثماني المقبلة، ليصل إلى صافي صفر كربون بحلول عام 2050.
ولأن 440 مفاعلًا تعمل الآن على مستوى العالم و60 مفاعلًا جديدًا قيد الإنشاء، فإن العالم سيكون بحاجة إلى إنشاء وتشغيل 180 مفاعلًا إضافيًا بقدرة 1000 ميغاواط، أو 25 مفاعلًا جديدًا سنويًا بحلول عام 2030، مع مزيد من النمو بعد ذلك، للوصول إلى هدف 2050 المطروح.
وترى المجلة الأمريكية، أن هذا الأمر ليس بالهين، بالنظر إلى العديد من الحواجز التي وضعتها المجموعات المناهضة للطاقة النووية لوقف إنتاج الطاقة الخالية من الكربون، إضافة إلى عمليات التصريح المطولة والوقت والتكلفة اللازمين لتشغيل أي مصنع نووي.
هناك أيضًا عقبة أخرى -حسب المجلة- تعيق هذه المشروعات، إذ رفض أكبر ممول للطاقة الخضراء في العالم، البنك الدولي، تمويل المشروعات النووية، أو المشاركة في تمويلها.
وأشارت المجلة الأمريكية إلى أن هذه السياسة تعني أن البلدان النامية المتعطشة للطاقة، ستضطر إلى اللجوء للأنظمة الاستبدادية، للحصول على التمويل والتكنولوجيا اللازمة لبناء محطات الطاقة النووية.
أمام ذلك، ترى المجلة، أنه حان الوقت للبنك الدولي لإلغاء هذه السياسة التي تؤدي إلى نتائج عكسية، لاسيما بالنظر إلى تركيزه على تخفيف آثار تغير المناخ.
إعادة النظر
وأشارت "فورين أفيرز" إلى أنه رغم أن عددًا قليلاً من الدول، مثل النمسا وأستراليا، لا يزال تعارض بقوة الطاقة النووية، فإن اليابان وفرنسا، اللتين كانتا تخططان لإغلاق جزء من مفاعلاتهما النووية، عكستا مسارهما، الربيع الماضي، بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.
بينما أوقفت ألمانيا، التي كان من المقرر أن تغلق مفاعلاتها نهاية عام 2022، مؤقتًا إغلاق مفاعليها الأخيرين، لتجنُّب نقص الطاقة الناتج عن الحرب في أوكرانيا.
كما لا تزال دول أوروبية أخرى، بما في ذلك بولندا ورومانيا، تمضي إلى أبعد من ذلك، عبر الالتزام بشراء مفاعلات نووية مصنوعة في الولايات المتحدة.
ولأسباب مماثلة، اختارت جمهورية التشيك شركة وستنغهاوس الأمريكية للطاقة النووية، كأحد ثلاثة مرشحين نهائيين (مع شركات من فرنسا وكوريا الجنوبية) للمناقصة الحالية لتوليد الطاقة النووية الجديدة.
والأهم من ذلك -حسب المجلة- أعلنت البلدان النامية، بما في ذلك غانا وكينيا والفلبين، خلال الأشهر الثلاثة الماضية، أنها تعتزم بناء محطات طاقة نووية جديدة، لتلبية أهداف التنمية الاقتصادية والطاقة النظيفة.
وبينت المجلة، أنه منذ الستينيات حتى العقد الأول من هذا القرن، كانت الشركات الأمريكية أكبر مُصدِّر للتقنيات النووية في العالم، لكن خلال العقد الماضي، لجأت الدول النامية إلى روسيا والصين للمساعدة في بناء مشاريع جديدة للطاقة النووية.
وقد وقَّعت "روساتوم"، المورد النووي الرئيس لروسيا، معاهدات اتفاق مع أكثر من 30 دولة لتقديم المساعدة في التطوير النووي، إذ تبني روسيا حاليًا مفاعلات نووية، في بنغلاديش وبيلاروسيا والصين ومصر والهند وتركيا.
من جانبها، صدرت الصين تقنيتها إلى باكستان، لكنها تتابع بنشاط مشاريع أخرى في العالم.
ورأت المجلة، أن الدول النامية اضطرت إلى اللجوء لروسيا والصين، بعد أن أوضح البنك الدولي عام 2013 أنه لن يستمر في تمويل أي مشاريع نووية.
ففي ذلك الوقت، حظر رئيس البنك، الكوري الجنوبي جيم يونغ كيم، تمويل المشاريع النووية، قائلاً: "الطاقة النووية قضية سياسية، ومن ثمّ لا تشارك مجموعة البنك الدولي في تقديم الدعم للطاقة النووية".
ولفتت المجلة إلى أن يونغ كيم بنى رأيه على بيانات مصرفية، إحداها عام 2009، عندما قال البنك إن تمويل الطاقة النووية "من شأنه أن يولد مخاطر جدية تتعلق بالانتشار، والسلامة، والتخلص من النفايات".
وفي الآونة الأخيرة عام 2021، رأى البنك الدولي أن تمويل الأسلحة النووية "ليس من اختصاصه".
إلا أن هذه التبريرات لم تكن دقيقة، ومن ثمّ قد تتغير الرؤية، ويتقدم البنك الدولي لتمويل هذه المشروعات.
وبما أن البنك الدولي جزء من منظومة الأمم المتحدة ، فهو يخضع لمظلة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي ضغط رئيسها، رافائيل غروسي، على البنك لرفع حظره.
وذكرت المجلة، أن تبريرات البنك الدولي بشأن المخاوف من أن تكون مشروعات الطاقة النووية بوابة سهلة للأسلحة النووية، باتت رجعية، إذ لا يعد الوقود المتولد من محطات الطاقة النووية المدنية التي تعمل بالماء الخفيف، مثل تلك الموجودة في الولايات المتحدة، مصدرًا فعالًا لمواد الأسلحة المحتملة، مشددة على أن التحول إلى إنتاج السلاح النووي، يتطلب قدرات معقدة للغاية ومكلفة جدًا.
كوارث نووية
أما في ما يخص الكوارث النووية، فبينت "فورين أفيرز" أن أسبابها لم تكن تتعلق بطموح في الوصول لإنتاج السلاح النووي، مشيرة إلى أن الكارثة الأولى في جزيرة ثري مايل، الذي وقع عام 1979 كان سببها قصور أجهزة غرفة التحكم، وعدم كفاية التدريب على إجراءات الطوارئ.
أما "تشيرنوبيل"، أشهر وأخطر كارثة نووية، التي وقعت عام 1986، فكانت نتيجة تصميم رديء، وعدم تحذير الجمهور من الانبعاثات المشعة في الوقت المناسب.
الكارثة النووية في فوكوشيما باليابان، التي وقعت عام 2011، نتجت عن تجاهل بيانات تسونامي التاريخية، وبناء المصنع بالقرب من المحيطـ، حيث كانت معدات السلامة اللازمة عُرضة للفيضانات.
ومن ثمّ -حسب المجلة الأمريكية- كان من الممكن تجنُّب هذه الحوادث الثلاث، مشيرة إلى تشغيل نحو 600 مفاعل نووي مدني منذ الستينيات (ناهيك عن مئات المفاعلات العسكرية الأخرى)، ولم تقع حوادث مماثلة.
وأشارت إلى أن سجل إنجازاتها جيد جدًا، لا سيما عند مقارنتها بتأثيرات أشكال مماثلة من الطاقة، فعند النظر في الوفيات لكل وحدة من الكهرباء المولدة، نتج عن الطاقة النووية أقل بنسبة 99.8 في المئة من الفحم، و99.7 في المئة أقل من النفط، و97.6 في المئة أقل من الغاز.
إضافة إلى ذلك، قدرت ورقة للمكتب الوطني للبحوث الاقتصادية لعام 2019 أن خطة ألمانيا للتخلص التدريجي من الأسلحة النووية ستكلف أكثر من 1100 وفاة إضافية كل عام، نتيجة لزيادة تلوث الهواء الناجم من استخدام الوقود الأحفوري.
وكنتيجة للدروس المستفادة من الحوادث الثلاث، فإن أكثر من 450 مفاعلًا للطاقة النووية، التي تُشكل الصناعة النووية الدولية تعمل بمستويات أمان عالية بشكل استثنائي، تحت أعين السلطات التنظيمية النووية الوطنية، وكذلك الرابطة العالمية لمشغلي الطاقة النووية.
وبينت المجلة أن الصناعة اكتسبت سجلًا حافلًا بالاحترام في ما يتعلق بالسلامة، والتقييم الذاتي النقدي، والاستعداد لمشاركة أفضل الممارسات، بين جميع النظراء النوويين المدنيين في العالم.
إضافة إلى ذلك، فإن أحدث جيل من المفاعلات النووية التي صُممت في الولايات المتحدة أصغر (عادةً ربع حجم المفاعلات التي تسوق من قِبل روسيا والصين أو أقل)، وأسهل في البناء والتمويل، بمستويات معززة من الأمان.
وتضيف المجلة: المخاوف التي أثارها البنك الدولي بشأن النفايات مضللة أيضًا، لأن الوقود النووي هو المعدن الأكثر تنظيمًا في العالم، نتيجة للإشراف الدقيق من المنظمين النوويين المدنيين في الدول التي تمتلك الطاقة النووية.
أسس المستقبل
وفي ما يخص مستقبل صناعة الطاقة النووية، بينت "فورين أفيرز" أنه خلال مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ العام الماضي، المعروف بـ COP27، وعدت الاقتصادات الصناعية (باستثناء الصين، أكبر مصدر لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري في العالم) بالدفع للدول النامية مقابل "خسائرها وأضرارها" من تغير المناخ.
وأشارت المجلة، إلى أن هذه الدول (النامية) بحاجة ماسة إلى طاقة رخيصة وموثوقة وموفرة، بما في ذلك الطاقة الخضراء، لا سيما تلك التي لديها طاقة أساس ثابتة مثل الطاقة النووية.
وكما قالت الخبيرة الاقتصادية المصرية عبلة عبداللطيف، لوفد من الكونغرس الأمريكي في مؤتمر الأطراف، فإن إفريقيا تحتاج إلى التمويل لتطوير القوة النووية، التي تشتد الحاجة إليها.
ورأت المجلة، أنه ربما كان هذا أحد الأسباب التي دفعت مصر إلى الحصول على قرض من شركة روساتوم (واحتُجزت في التكنولوجيا الروسية لعقود) لبناء مصنعها النووي الجديد.
أمام ذلك "يمكن للبنك الدولي أن يحذو حذو الولايات المتحدة، التي أنهت أخيرًا حظرها على تمويل المشاريع النووية الأجنبية عام 2020، عندما وافقت مؤسسة تمويل التنمية الدولية الأمريكية (دي إف سي) على إقراض المشاريع النووية، لأنه يُنظر إليها على أنها مصادر طاقة متجددة.
ووفق المجلة "على الولايات المتحدة الضغط من أجل عكس سياسة البنك الدولي، وإعادة التفكير في تمويل الصناعات النووية"، مشددة على ضرورة دعم المقترح الذي قدمه النائب باتريك ماكهنري، وهو جمهوري من ولاية كارولينا الشمالية، الرئيس القادم للجنة الخدمات المالية بمجلس النواب الخاص بهذا الشأن.
ومن المتوقع إعادة تقديم مشروع (قانون تمويل الطاقة النووية الدولي)، الذي قدَّمه ماكهنري هذا العام أمام البرلمان.
حتى البرلمان الأوروبي أعاد تعريف الطاقة النووية، بأنها خضراء بتصويت تاريخي في يوليو 2022.
وبينت المجلة الأمريكية، أنه بتغيير تصنيف الطاقة النووية بشكل صحيح إلى صديق للبيئة، أصبح بإمكان الدول الأوروبية الوصول إلى مئات المليارات من القروض الرخيصة والإعانات الحكومية.
أمام ذلك، تؤكد "فورين أفيرز" أن استراتيجية الطاقة الخضراء الشاملة تعد أمرًا ضروريًا، وتعني أن مزيدًا من الطاقة النووية يجب أن تحدث بسرعة، لكي يظل العالم قريبًا من مسار صافي صفر كربون بحلول عام 2050، ولكن "ذلك يتطلب مساعدة البلدان في تمويل مشاريع جديدة من خلال البنك الدولي".
وأضافت: "تغيير سياسة البنك الدولي لتوفير التمويل للمشاريع النووية، سيكون أسرع وأسهل طريقة لتعزيز جهود صافي صفر كربون في العالم النامي، مع زيادة الأمن والسلامة والازدهار أيضًا".