الخميس الأسود.. شلل في النقل والمدارس الفرنسية احتجاجًا على سياسات ماكرون
شهدت المدن الكبرى، على رأسها باريس، فوضى واسعة النطاق، حيث دعت النقابات العمالية والمهنية وجمعيات الحقوق المدنية في البلاد، إلى إضراب عام وتظاهرات، احتجاجًا على تغيير نظام معاشات التقاعد الحكومية.

ترجمات - السياق
وعاشت فرنسا يومًا عصيبًا، جراء شلل أغلبية الخدمات الأساسية، في النقل والقطارات والسفر الجوي والصحة والتعليم، أطلق عليه "الخميس الأسود".
وشهدت المدن الكبرى، على رأسها باريس، فوضى واسعة النطاق، حيث دعت النقابات العمالية والمهنية وجمعيات الحقوق المدنية في البلاد، إلى إضراب عام وتظاهرات، احتجاجًا على تغيير نظام معاشات التقاعد الحكومية.
ففي باريس -حسب الصحيفة البريطانية- كانت قطارات المترو والركاب تعمل بخدمات مخفضة بشكل حاد، في حين ألغِي نحو 20 في المئة من الرحلات في مطار أورلي.
وبينما اضطرت خدمة السكك الحديدية الوطنية (إس إن سي في) لإدارة ثلث حركة القطارات فقط على خطوطها عالية السرعة، ألغيت قطارات اليوروستار من لندن وإليها، وتأثرت خطوط العبّارات خارج ميناء كاليه شمالي فرنسا بالإضرابات أيضًا.
ولأول مرة منذ أكثر من عشر سنوات، تتوحد النقابات العمالية في فرنسا، للمشاركة في يوم احتجاجي كبير، الخميس، بإضرابات ومظاهرات، رفضًا لمشروع إصلاح نظام التقاعد، الذي كشفت عنه رئيسة الوزراء إليزابيث بورن الثلاثاء الماضي، ويقضي برفع سن التقاعد إلى 64 عامًا بحلول 2030، وتسريع رفع الحد الأدنى لسنوات المساهمة في صندوق التأمين التقاعدي للحصول على معاش تقاعد كامل.
اختبار لماكرون
ورأت "فايننشال تايمز" أن هذه الإضرابات ستكون أول اختبار لقدرة المحتجين على إجبار الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، على التراجع عن خطط رفع سن التقاعد الرسمي إلى 64 عامًا بدل 62 حاليًا.
وأشارت إلى أن قرابة 70 في المئة من معلمي المدارس الابتدائية أبلغوا بنيتهم المشاركة في الإضراب، ما أدى إلى إغلاق ثلث المدارس الابتدائية في باريس وحدها، وفقًا للاتحاد الوطني للمعلمين.
بينما قال مترو باريس، في بيان، إن خدماته تعطلت بشدة، كما ورد إلغاء الرحلات الجوية، وأُعلن عن الإضرابات من قِبل سائقي الشاحنات وعُمال البريد وشركات التوصيل، كما توقف عُمال مصافي النفط عن العمل.
ومن المرجح -حسب الصحيفة- أن يستمر التعطيل خلال الأسابيع المقبلة، حيث تسعى الحكومة لدفع مشروع قانون بشأن إصلاح نظام التقاعد عبر البرلمان، نهاية مارس المقبل.
ونقلت الصحيفة عن قادة النقابات العمالية قولهم، إنهم يريدون الوصول إلى المعارضة الرمزية المتمثلة في مليون محتج، شاركوا في 215 مظاهرة من ليل في الشمال إلى مدينة كان على ساحل البحر المتوسط.
ومن المتوقع أن يعلن القادة العماليون، مساء الخميس ما إذا كانوا سيمددون الإضرابات.
كان قادة النقابات قد دعوا إلى "تعبئة جماهيرية" واسعة للاحتجاج والإضراب عن العمل، رفضًا لرفع سن التقاعد.
ووعد فيليب مارتينيز، رئيس الكونفدرالية العامة للعمال (اليسار) بـ"تعبئة شعبية كبيرة" ودعا إلى خروج "مليون فرنسي إلى الشارع الخميس".
وقال للصحيفة البريطانية: "إنه اليوم الأول، سيكون هناك مشاركون آخرون وسيزداد العدد خلال الأيام المقبلة".
وأضاف مارتينيز: "نحن عازمون على كل شيء لمنع التصديق على مشروع قانون إصلاح نظام التقاعد من قِبل الجمعية الوطنية"، داعيًا الفرنسيين إلى "الخروج إلى الشارع الخميس 19 يناير لقول لا لقانون إصلاح نظام التقاعد في فرنسا".
الرسالة نفسها أراد إيصالها لوران بريغيه، رئيس الكونفدرالية الفرنسية للعمال، الذي طلب حضور "أكبر قدر من الناس" خلال المظاهرات التي ستجوب المدن الفرنسية.
ووصف بيرغيه، زعيم "الكونفدرالية الفرنسية الديمقراطية للعمل" (وسط)، وهي أكبر نقابة من حيث العدد، مشروع الحكومة على أنه "أسوأ وأعنف مشروع منذ ثلاثين عامًا"، مثنيًا في الوقت نفسه على "وحدة الصفوف التي أظهرتها النقابات ورغبتها في إفشال المشروع الحكومي".
وترى الصحيفة، أن هذه الإضرابات ستكون اختبارًا لمؤهلات ماكرون الإصلاحية، ولحظة مهمة في ولايته الثانية، خصوصًا بعد أن جادل مرارًا بأن نظام التقاعد الحكومي، الذي يعتمد على العمال الحاليين، الذين يمولون استحقاقات المتقاعدين، يحتاج إلى التغيير لضمان قابليته للتطبيق، مع تقدم السكان في السن.
وتماشيًا مع موقفه الاقتصادي المؤيد للأعمال التجارية، استبعد ماكرون الأساليب الأخرى، مثل زيادة الضرائب أو خفض المعاشات التقاعدية.
مواجهة الشارع
وبينت "فايننشال تايمز" أن من المرجح أن يوافق البرلمان على مشروع القانون، لأن الجمهوريين المحافظين أبدوا استعدادهم للتصويت مع تحالف ماكرون الوسطي، لذلك قد تبدأ المواجهة في الشوارع بدلاً من ذلك.
وأشارت إلى أن مواجهة الاحتجاجات، خلال محاولة تغيير قواعد التقاعد، أصبحت طقوسًا للرؤساء الفرنسيين الجدد، لافتة إلى أنه منذ أن خفّض الاشتراكي فرانسوا ميتران سن التقاعد من 65 إلى 60 أوائل الثمانينيات، واجه القادة المتعاقبون مقاومة عند محاولتهم تغيير نظام يعده عديد الفرنسيين حقًا لا يمكن المساس به.
بينما أظهر استطلاع للرأي لشركة إبسوس، الأربعاء، أن 61 في المئة عارضوا الإصلاح الذي اقترحه ماكرون لأسباب، منها أنه غير ضروري أو سيئ التخطيط، أو جاء في توقيت سيئ، لكن 81 في المئة أقروا -في سؤال منفصل- بأن النظام بحاجة إلى التغيير.
كما أظهر استطلاع للرأي لشركة إيلاب الفرنسية للأبحاث والاستشارات، أن أكثر من 60% من الفرنسيين يؤيدون الاحتجاجات التي دعت لها النقابات العمالية الفرنسية، احتجاجًا على الإصلاحات التي يعتزم ماكرون إدخالها على الرواتب، والتي سيرفع بموجبها سن التقاعد حتى 64 عامًا، وأن 46% سيشاركون في الاحتجاجات خلال الأسابيع المقبلة.
وبيّن الاستطلاع الذي شارك فيه 1002 فرنسي، ينتمون لمختلف الطبقات المهنية والاجتماعية، والفئات العمرية، أن 68% من المشاركين الذين تتراوح أعمارهم بين 54 و60 عامًا، يؤيدون الاحتجاجات.
ونقلت الصحيفة عن جيروم فوركيه، الخبير بمعهد إيفوب لاستطلاعات الرأي، قوله: "الدعم الشعبي للحركات الاحتجاجية ضد المعاشات دائمًا ما يكون قويًا، وعادةً ما يصمد رغم اضطرابات الحياة اليومية، ما لم يكن هناك عنف".
وحسب الصحيفة، حاول ماكرون إصلاح المعاشات التقاعدية عام 2019 عندما قدم فكرة أكثر طموحًا، بالانتقال إلى نظام قائم على النقاط لجميع العمال بدلاً من خطط عدة، إلا أنه واجه حينها شهرين من إضرابات النقل، قبل أن يضطر إلى التخلي عن الفكرة بسبب إغلاقات كورنا.
كان الرئيس ماكرون يأمل رفع سن التقاعد إلى 65 عامًا في ولايته الأولى، لكنه تراجع بعدما واجه معارضة عنيفة، وأكد في خطابه للأمة الفرنسية بمناسبة رأس السنة الجديدة 2023، ضرورة إصلاح هذا النظام الذي تعارضه المنظمات النقابية والمعارضة السياسية.
وبينت الصحيفة، أن الحكومة اختارت هذه المرة مجموعة أبسط من التعديلات، التي تترجم إلى اضطرار الفرنسيين إلى العمل عامين أطول، مشيرة إلى أن الاقتراح سيغير سن التقاعد والمعايير الأخرى التي تحدد المعاشات التقاعدية، أي الوقت الإجمالي الذي على الأشخاص قضاؤه في العمل، ليصبحوا مؤهلين للحصول على معاش تقاعدي كامل.
وبموجب الخطة الجديدة، يجب أن يكون عمر الأشخاص 64 عامًا قبل أن يتمكنوا من التقاعد (باستثناء بعض الذين بدأوا العمل في سن مبكرة) وسيتطلبون 43 عامًا من المساهمات، بدلاً من نحو 41 الآن.
بينما يرى معارضو التغييرات، بما في ذلك التحالف السياسي اليساري (نوبيس)، وحزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، أن الخطة ستكون غير عادلة، لأن العمال ذوي "الياقات الزرقاء" سيتعرضون لضربة أكبر، لأنهم غالبًا ما يدخلون القوة العاملة في وقت مبكر.