انتقادات استضافة قطر لكأس العالم... ازدواجية معايير أم حقيقة غائبة؟
طريق قطر إلى كأس العالم... سيل من الانتقادات يكشف عن ازدواجية أم حقائق غائبة؟

السياق
سيل من الانتقادات العارمة، صاحب مشوار قطر طريق الطويل إلى لحظة استضافة كأس العالم، الشهر الجاري، لم يتوقف يومًا إلا أنه تنوع وفق كل مرحلة.
فقبل 12 عامًا وتحديدًا عام 2010، فازت قطر بحق استضافة بطولة كأس العالم، إلا أنه منذ ذلك الحين، لم تغب قطر عن أنظار المنظمات الحقوقية والدولية، التي أدانت سجل الدوحة الذي وصفته بـ«السيئ» في مجال حقوق الإنسان، إضافة إلى قوانينها التي تقيد طريقة عمل القنوات التلفزيونية والصحف الأجنبية، خلال كأس العالم.
وبينما لم تتوقف الانتقادات يومًا، كان آخرها التصريحات المثيرة لوزيرة الداخلية الألمانية نانسي فايسر، التي بثت الأسبوع الماضي، قائلة فيها إن استضافة قطر للمونديال كانت بالنسبة للحكومة الألمانية «صعبة للغاية».
وبينما شنت الوزيرة الألمانية هجومًا على قطر، مستعيدة ذاكرة الـ12 عامًا الماضية، لحظة فوز قطر بكأس العالم، قائلة إن حق استضافة الدوحة لمونديال 2022 «خادع للغاية»، مشيرة إلى أن «هناك معايير ينبغي الالتزام بها، وسيكون من الأفضل، عدم منح حق استضافة البطولات لهذه الدول».
وأضافت الوزيرة الألمانية، في تصريح ثان، أنه «يجب أن نتأكد من ارتباط منح شرف استضافة وتنظيم الأحداث الرياضية الدولية في المستقبل، بمعايير حقوق الإنسان».
تلك التصريحات أثارت حفيظة الدوحة، التي عدتها مستفزة وغير مسؤولة، واستدعت السفير الألماني لديها كلاوديوس فيشباخ، وسلمته مذكرة احتجاج رسمية، أعربت فيها عن رفضها وشجبها للتصريحات التي أدلت بها الوزيرة الألمانية في حق استضافة قطر لكأس العالم 2022.
وتعد هذه أول مرة تستدعي فيها الدوحة، سفيراً احتجاجاً على تصريح لمسؤول في بلده بشأن استضافتها المونديال، رغم أنها تعرضت منذ أن منحها الاتحاد الدولي لكرة القدم حق استضافة المونديال عام 2010، للعديد من الانتقادات، على خلفية طريقة تعاملها مع العمال المهاجرين.
إلا أنه وفي محاولة لتبرئة ساحة بلاده من سيل الاتهامات الجارف، أعرب أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، عن امتعاضه من الحملة التي وصفها بالأولى من نوعها على دولة تستضيف كأس العالم، قائلًا: «الدوحة تتعرض لانتقادات غير مسبوقة منذ فوزها باستضافة كأس العالم لكرة القدم 2022، بعضها وصل لحد الافتراءات».
تصريحات الأمير تميم، التي قالها في خطاب أمام مجلس الشورى بثه التلفزيون قبل أيام، كشفت عن امتعاض كبير لدى الدولة الخليجية من الانتقادات المتلاحقة التي تستهدفها، منذ أن فازت بحق استضافة كأس العالم 2022.
وبينما تتوقع قطر وهي أول دولة في الشرق الأوسط تستضيف كأس العالم، وصول 1.2 مليون زائر خلال البطولة، التي تمثل تحديًا لوجستيًا وأمنيًا غير مسبوق للدولة الخليجية، تعرضت الدوحة لانتقادات دولية حادة بسبب طريقة التعامل مع العمالة الأجنبية، فضلًا عن القوانين الاجتماعية التقييدية.
لكن ما الاتهامات الموجهة لقطر وما مدى صحتها وكيف ردت عليها الدوحة؟
قبل 12 عامًا وتحديدًا عام 2010، فازت قطر بحق استضافة كأس العالم، إلا أنه منذ ذلك الحين، لم تتوقف الانتقادات الموجهة للدوحة، التي تنوعت وفق كل مرحلة.
بعد قليل من فوزها بالبطولة، وجهت اتهامات إلى مسؤولي الاتحاد الدولي لكرة القدم بالفساد، والسماح لقطر بشراء حق استضافة كأس العالم، مقابل رشوة قدرها 1.5 مليون دولار، عرضتها الدوحة على كل مسؤول في الفيفا.
تلك الاتهامات نفاها رئيس الفيفا السابق سيب بلاتر ورئيس فريق عرض قطر حسن الذوادي، مؤكدين أنه لا صحة لارتكاب أي مخالفات مقابل استضافة الدوحة كأس العالم 2022.
عدم دفع الأجور
ومن الفساد في كأس العالم، إلى سوء معاملة العاملين في المنشآت التي تستضيف كأس العالم، بعدم دفع رواتبهم، أو بالتضييق عليهم بعدد من الطرق.
وبينما تعد الدوحة من أكبر منتجي الغاز الطبيعي في العالم، كما أنها من أغنى دول العالم من ناحية دخل الفرد، يمثل العمال الأجانب 85% من سكان قطر البالغ عددهم ثلاثة ملايين نسمة.
وكشفت منظمة العفو الدولية أن عمالًا وافدين يعملون في مشروع بناء ملعب كأس العالم لكرة القدم في قطر عملوا مدة تصل إلى سبعة أشهر من دون أجر، مشيرة إلى أنها استندت في روايتها إلى مقابلات أجرتها مع موظفين حاليين وسابقين، وراجعت سجلات المحكمة والعقود لتحديد المدى الكامل لعدم الدفع.
إلا أن الدوحة التي نفت ذلك، تبنت إصلاحات تضمنت قواعد لحماية العمال من درجات الحرارة شديدة الارتفاع، ووضع حد أدنى للأجور الشهرية عند ألف ريال (275 دولارا)، مؤكدة أنها تواصل تطوير نظام العمل.
طرد العمال
ومن قطع أجور العمال إلى طردهم، لم تضل الشائعات يومًا طريقها في الوصول إلى الدوحة، في 28 أكتوبر الماضي، قالت وكالة رويترز، إن قطر أخلت مجمعات سكنية تضم آلاف العمال الأجانب وسط العاصمة الدوحة، بالمناطق التي سيقيم بها مشجعو كرة القدم الزائرون خلال كأس العالم.
ونقلت الوكالة البريطانية عن عمال قولهم، إن السلطات أخلت أكثر من 12 مبنى وأغلقتها، ما أجبرهم، وأغلبهم آسيويون وأفارقة، على البحث عن مأوى يمكنهم العثور عليه، بما في ذلك افتراش الرصيف أمام أحد مساكنهم السابقة.
وأشارت إلى أنه في أحد المباني الذي قال سكان إنه كان يأوي 1200 شخص في حي المنصورة بالدوحة، أبلغت السلطات الناس الساعة الثامنة مساء الأربعاء بأن أمامهم ساعتان فقط للمغادرة.
وعاد مسؤولو البلدية قرابة الساعة 10:30 مساء، وأجبروا الجميع على الخروج وأغلقوا أبواب المبنى، على حد قول السكان، بينما لم يتمكن بعض الرجال من العودة في الوقت المناسب لأخذ متعلقاتهم.
وقالت فاني ساراسواثي، مديرة المشاريع في موقع ميجرانت رايتس دوت أورج «حقوق المهاجرين» الذي يدافع عن حقوق العمال الأجانب في الشرق الأوسط، إن عمليات الطرد تهدف إلى المحافظة على صورة قطر البراقة والثرية من دون الاعتراف بدور العمالة الرخيصة التي جعلت ذلك ممكنًا».
وأضافت: «هذا عزل متعمد في أوضح صوره، لكن الطرد من دون أي إشعار يخلو من الإنسانية ويستعصي على الفهم».
إلا أن مسؤولًا حكوميًا قطريًا لم ينفِ عمليات الإخلاء، بل قال إنها لا علاقة لها بكأس العالم وإنها تأتي «بما يتماشى مع الخطط المستمرة الشاملة وطويلة الأجل لإعادة تنظيم مناطق الدوحة».
وأضاف المسؤول: «أعيد تسكين الجميع منذ ذلك الحين في مساكن آمنة ومناسبة (...) طلبات الإخلاء كان يفترض أن تنفذ بعد إشعار مناسب».
وقال المسؤول القطري إن السلطات البلدية تطبق قانونًا قطريًا بدأ سريانه عام 2010 يحظر «سكن تجمعات العمال داخل مناطق سكن العائلات»، وهو تصنيف ينطبق على معظم وسط الدوحة، ويمنحها صلاحية إخراج سكانها.
مجتمع المثليين
بينما تعد قوانين قطر مناهضة للمثلية الجنسية، تعالت الأصوات المنتقدة للدوحة من العديد من المسؤولين والرياضيين، بينهم، لاعب كرة القدم الأسترالي جوش كافالو، اللاعب الوحيد الحالي والمثلي الجنس في دوري كرة القدم للرجال.
وفي أكتوبر من العام الماضي، انتقد كافالو القوانين القطرية، قائلًا: إنه سيكون خائفًا من اللعب في قطر، حيث المثلية الجنسية غير قانونية ويعاقب عليها بالسجن مدة تصل إلى ثلاث سنوات.
إلا أن الرئيس التنفيذي للجنة المنظمة للبطولة ناصر الخاطر رد عليه بقوله: «على العكس، نحن نرحب به هنا في دولة قطر، ونرحب به ليأتي ويرى حتى قبل كأس العالم... لا أحد يشعر بالتهديد هنا، ولا أحد لا يشعر بالأمان».
وأضاف: «فكرة أن الناس لا يشعرون بالأمان هنا غير صحيحة. لقد قلت هذا من قبل وأقول هذا لك مرة أخرى، الجميع مرحب بهم هنا، وسيشعر الجميع بالأمان هنا. قطر دولة متسامحة. إنه بلد مرحّب. إنه بلد مضياف».
بل إن الرئيس التنفيذي لكأس العالم لكرة القدم، قال قبل أيام، إن الدوحة ستوفر مناطق للمشجعين المخمورين حتى يستعيدوا نشاطهم.
ونقلت "رويترز" في سبتمبر الماضي عن مصدر مطلع على خطط البطولة، قوله إن قطر ستسمح للمشجعين حاملي التذاكر بشراء البيرة قبل ثلاث ساعات من انطلاق المباريات وبعد ساعة من صفارة النهاية، ولكن ليس خلال المباريات.
وقال ناصر الخاطر الرئيس التنفيذي لقطر 2022 إن أي شخص يفرط في الشرب سيحظى برعاية، مضيفًا: أعلم أن هناك خططا (لتوفير مناطق مخصصة للمخمورين) حتى يستعيدوا نشاطهم إذا... أفرطوا في الشراب، مكررًا رسالة الطمأنة بأن مجتمع الميم مرحب بهم.
تقييد عمل القنوات
بحسب تقرير لصحيفة الغارديان، فإن السلطات القطرية فرضت قيودًا على فرق التلفزيون الدولية في قطر المشاركة في كأس العالم، منعتهم بموجبها من إجراء مقابلات مع أشخاص في منازلهم كجزء من قيود شاملة على التغطية الإعلامية، قالت إنه سيكون لها «تأثير مخيف بشدة» في التغطية الإعلامية.
وسيتم منع المذيعين، من التصوير في مواقع الإقامة، مثل تلك التي تأوي العمال المهاجرين، بموجب شروط تصاريح التصوير الصادرة عن الحكومة القطرية.
وفقًا للبنود، فإنه يُحظر أيضًا التسجيل في المباني الحكومية والجامعات ودور العبادة والمستشفيات، إلى جانب التصوير في العقارات السكنية والشركات الخاصة.
وتندرج القيود ضمن قائمة الشروط التي يجب أن توافق عليها المنافذ الإعلامية عند التقدم للحصول على تصريح تصوير من السلطات القطرية لالتقاط صور فوتوغرافية وتصوير فيديو للمواقع الأكثر شهرة في جميع أنحاء البلاد.
كما أنها تنطبق على المصورين، لكنها لا تشير صراحة إلى صحفيي المطبوعات الذين لا يصورون مقابلاتهم.
ولا تحظر القواعد التقارير المتعلقة بموضوعات محددة، لكن تقييد الأماكن التي يمكن لفرق التصوير تصويرها «بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر، المنازل والمجمعات السكنية ومواقع الإقامة».
ومن المرجح أن يجعل من الصعب عليهم التحقيق في الانتهاكات المبلغ عنها، مثل إساءة معاملة العمال المهاجرين، أو إجراء مقابلات عن مواضيع قد يحجم الناس عن مناقشتها، مثل حقوق المثليين.
إلا أن اللجنة العليا في قطر، التي لم تنفِ كل القيود، بل إنها نفت ما وصفتها بالقيود «المروعة» على الحريات الإعلامية، قالت إن «العديد من وسائل الإعلام الإقليمية والدولية مقرها قطر، ويبلغ آلاف الصحفيين من قطر بحرية من دون تدخل كل عام».