أمريكا والسعودية... خطوات على طريق تحسن العلاقات والصين تترقب

وصفت مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، العلاقات الأمريكية السعودية بأنها على مفترق طرق، خصوصًا بعد الدور الناجح الذي لعبته الصين في تقريب وجهات النظر بين الرياض وطهران.

أمريكا والسعودية... خطوات على طريق تحسن العلاقات والصين تترقب
الرئيس الأمريكي جو بايدن - ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان

ترجمات - السياق

في أعقاب نجاح الوساطة الصينية، بتقريب وجهات النظر بين الإيرانيين والسعوديين، هناك من يرى أن العلاقات السعودية الصينية آخذة في التصاعد، بينما العلاقات الأمريكية السعودية في طريقها إلى الأفول، ونتيجة لذلك كرست واشنطن جهودها لاستعادة هذه العلاقات مع الرياض، خوفًا من خسارة حليف تاريخي قوي في منطقة تعج بالمشكلات، فضلًا عن الأهمية القصوى للنفط السعودي بالنسبة إلى الاقتصاد الأمريكي.

خلال السنوات الأخيرة، تتجه السعودية -بشكل متزايد- إلى الصين في مجالات عدة، إذ اشترت المملكة أسلحة من الصين، بعد أن رفضت الولايات المتحدة بيع أنظمة معينة، ورغم أن هذه الخطوات مثيرة للقلق من منظور أمريكي، فإنه يبدو من غير المرجح أن تكون الرياض قد اتخذت قرارًا لا رجوع فيه، بالانفصال عن الولايات المتحدة، والاصطفاف مع بكين.

وربما تنتهج الرياض استراتيجية ذكية لتعزيز العلاقات الجوهرية مع واشنطن وبكين، باستخدام العلاقات المتنامية مع الصين، للحصول على أقصى قدر من التنازلات من الولايات المتحدة، كل ذلك بالحفاظ على الشراكة الاستراتيجية مع واشنطن.

ووصفت مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات - وهي أمريكية فكرية تركز على الأمن القومي والسياسة الخارجية- العلاقات الأمريكية السعودية بأنها على مفترق طرق، خصوصًا بعد الدور الناجح الذي لعبته الصين في تقريب وجهات النظر بين الرياض وطهران.

ونوهت إلى أنه قد يكون الترتيب الذي استمر عقودًا بين البلدين، الذي ضمنت فيه الولايات المتحدة الأمن السعودي، مقابل تصدير موثوق للنفط، على المحك، خصوصًا بعد أن قلصت واشنطن التزاماتها في الشرق الأوسط، للتركيز على جمهورية الصين الشعبية ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ.

في المقابل، تواجه الرياض من جانبها بيئة أمنية إقليمية متدهورة وتراجع الثقة في الضمانات الأمنية الأمريكية.

وأفادت تقارير بأن المملكة العربية السعودية تسعى للحصول على ضمانات أمنية من الولايات المتحدة، ووصول موثوق وسريع إلى الأسلحة الأمريكية، مع تعاون أمريكي في إنشاء برنامج نووي مدني، يتضمن تخصيب اليورانيوم، مقابل استعادة العلاقات.

لكن بما أن إدارة الرئيس جو بايدن لا تستطيع الموافقة على طلبات الرياض من دون موافقة الكونغرس، فإنه يبدو من المستبعد تمرير هذه الاتفاقات، بسبب المشاعر المعادية للسعودية بين بعض النواب، وفق المؤسسة الأمريكية.

وبينما تتجه الرياض -بشكل متزايد- إلى بكين، يرى الأمريكيون من الحزبين أن الدول التي "تنحاز" إلى الحزب الشيوعي الصيني (سي سي بي) ليست أصدقاء (ولا شركاء) لأمريكا، فكيف ستكون العلاقة بين البلدين خلال الفترة المقبلة؟

طلاق استراتيجي

وعن مستقبل العلاقات بين البلدين، تساءلت مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، عن إمكانية أن يسلك البلدان طريقهما المنفصل، ويقبلان طلاقًا استراتيجيًا، أم أن هناك طريقًا للمضي قدمًا لوضع العلاقة على أساس أكثر ثباتًا، وربما التحرك نحو اتفاقية شراكة استراتيجية، من شأنها أن تكون متسقة مع المصالح الأمريكية وتعالج المخاوف السعودية الرئيسية، مضيفة: "لو أمكن الوصول إلى هذه الاتفاقية فكيف تبدو؟".

وبينت أنه للإجابة عن هذه الأسئلة، يجب تقسيم العلاقات السعودية الأمريكية إلى ثلاثة أقسام.

القسم الأول يصف السياق الاستراتيجي للعلاقة الثنائية، من خلال تفصيل الأولويات والمخاوف الرئيسة في العاصمتين، ويلخص المشكلات الأساسية في العلاقة، ويسلط الضوء على دور جمهورية الصين الشعبية في "الإضرار" بهذه العلاقة.

ورغم الاختلافات والخلافات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، يحاول القسم الثاني تحديد الأهداف المشتركة للحكومتين، أو التي يمكن -على الأقل- بناء إجماع ثنائي عليها.

بينما يحلل القسم الأخير سبعة مجالات يمكن أن تشكل اتفاقية شراكة استراتيجية بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، من شأنها أن تخدم المصالح الأمريكية، وتعالج الأهداف السعودية الرئيسة، وتحشد الدعم في العاصمتين.

وتشمل هذه المجالات: (الضمانات الأمنية والتعاون، ومنع إيران من التسلح النووي، والاتفاق على عمليات نقل الأسلحة، والنفط والغاز والبتروكيماويات، والطاقة النووية، والإرهاب، وأيضًا حقوق الإنسان).

السياق الاستراتيجي

وبينت مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، أنه لفهم ما يحدث في واشنطن في ما يتعلق بالرياض، يجب الأخذ في الاعتبار أولا الدور الذي تلعبه جمهورية الصين الشعبية بمنطقة الشرق الأوسط.

ففي الولايات المتحدة، ظهر إجماع من الحزبين، على أن بكين تُمثل التهديد الرئيس للولايات المتحدة، وأعلنت إدارة بايدن ضمن استراتيجيتها للأمن القومي لعام 2022 أن "جمهورية الصين الشعبية المنافس الوحيد الذي لديه نية لإعادة تشكيل النظام العالمي، ولديه القوة الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية لذلك".

ومن ثمّ فإن التحدي الشامل والخطير للأمن القومي للولايات المتحدة، المساعي القسرية والخطيرة التي تبذلها جمهورية الصين الشعبية لإعادة تشكيل منطقة المحيطين الهندي والهادئ والنظام الدولي، ليناسب مصالحها وتفضيلاتها الاستبدادية "، حسب تقييم "البنتاغون" في استراتيجية الدفاع الوطني بالعام نفسه.

وفي أبريل الماضي، كشف استطلاع للرأي من مركز بيو للأبحاث أن ستين بالمئة من الأمريكيين لديهم نظرة سلبية تجاه الصين، وهي الأعلى منذ بدء إجراء هذا الاستطلاع قبل 14 عامًا، إذ كانت هذه النسبة تبلغ 47 بالمئة قبل عام.

وبيّن الاستطلاع أن أغلبية المستطلع آراؤهم كانوا من أتباع الحزب الجمهوري، ما يعني أنه حال تغيير الإدارة بالبيت الأبيض العام المقبل، فإن السياسة الأمريكية تجاه بكين لن تتغير.

ووفقًا لذلك، قلصت الولايات المتحدة وضعها العسكري في الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة، حيث انخفض عدد القوات الأمريكية في منطقة عمليات القيادة المركزية (سينتكوم) بنسبة 85 في المئة عن ذروته عام 2008.

يتوافق هذا التخفيض في القوات الأمريكية مع الروح السائدة في الولايات المتحدة، بعدم تكرار التجارب السلبية في العراق وأفغانستان.

ويرى محللون أمريكيون، أن الاهتمام الأمريكي المتزايد بالشرق الأوسط، وبأفغانستان، كان سببًا رئيسًا في صعود الصين، من خلال استغلالها لانشغال واشنطن بعيدًا عنها، وتوسع نفوذها في منطقة المحيطين الهادئ والهندي.

وغالبًا ما يستشهد القادة العسكريون الأمريكيون، بأن التوسع في الاهتمام بالشرق الأوسط، كان سببًا رئيسًا في ظهور التهديد الصيني، وصعود "محور آسيا" المتمثل في روسيا وإيران والصين.

في الوقت نفسه، رغم اختلافاتهم، فإن أقصى اليسار واليمين في الولايات المتحدة، يتفقون على ضرورة تقليص النفقات بالشرق الأوسط، ومنح اهتمام أكثر بمنطقة المحيطين الهادئ والهندي.

ورغم أن هذه المشاعر مفهومة على مستوى ما، فإن هناك بعض المشكلات معها:

- أولاً: تحتفظ الولايات المتحدة بمصالح أمنية وطنية مهمة في الشرق الأوسط الأوسع، بما في ذلك الحاجة إلى العمل مع الشركاء هناك، لمواصلة الضغط على الجماعات الإرهابية، حتى لا تتمكن من استعادة قوتها ومهاجمة الأمريكيين في أي مكان، وبالأراضي الأمريكية.

ثانيًا: الاهتمام بمكافحة الانتشار النووي في المنطقة، لا سيما في منع جمهورية إيران، من حيازة سلاح نووي وتجنب سلسلة الانتشار المحتملة التي يمكن أن تسببها قنبلة نووية إيرانية.

ثالثًا: حرية الملاحة وصادرات الطاقة الموثوقة، التي تعد أساسية لأمن وازدهار الولايات المتحدة وحلفائها.

ومن ثمّ تواجه تقديرات اليسار واليمين، مشكلة أخرى، في أن الانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط، قد يمنح الفرصة لإيران لاستكمال برنامجها النووي، فضلًا عن تعرض الملاحة بالمنطقة وصادرات الطاقة لمخاطر عدة، إضافة إلى المخاوف من عودة الإرهاب.

وهنا يكمن التحدي الأساسي، ففي حين يجب على الولايات المتحدة تعزيز موقفها وقدراتها في المحيطين الهندي والهادئ، فإن التخفيضات الإضافية الكبيرة في الموقف العسكري في الشرق الأوسط قد تحرم القيادة المركزية من وسائل تأمين هذه المصالح، ما يزيد تحول المشكلات الأصغر إلى أزمات أكبر.

وأشارت المؤسسة الأمريكية، إلى أن هذه الأزمات قد تجبر واشنطن على إرسال أعداد أكبر من القوات العسكرية الأمريكية إلى الشرق الأوسط في المستقبل، وهو ما حدث بعد الانسحاب من العراق عام 2011.

لكن، بصرف النظر عن موقف القوة الأمريكية، فإن واشنطن حريصة على تجنب أي صراعات كبرى جديدة في الشرق الأوسط.

وأوضحت المؤسسة الفكرية، أن أي حرب كبرى جديدة في الشرق الأوسط، قد تؤدي إلى توجيه ضربة قوية للجهود الأمريكية، لردع الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ومع ذلك، فإن المفارقة أنه عندما يعلم الخصوم أن الولايات المتحدة ستفعل أي شيء تقريبًا لتجنب الصراع العسكري، فإنها ببساطة تدعو إلى مزيد من العدوان ويمكن أن تزيد احتمالات نشوب صراع تسعى واشنطن إلى تجنبه.

المشكلة الأخرى التي فاجأت واشنطن، تتمثل في أن بكين تتحرك بشكل متزايد نحو الشرق الأوسط، حيث زادت مبيعات الأسلحة الصينية إلى المنطقة بشكل غير مسبوق، بخلاف التدخل "الدبلوماسي" الصيني في عديد من قضايا المنطقة، وآخرها تقريب وجهات النظر بين الرياض وطهران.

في الوقت نفسه، حتى لو قدمت واشنطن جميع ضماناتها للرياض، فإن إيران بالمقابل تتقدم سريعًا نحو امتلاك سلاح نووي، وتضاعف استراتيجيتها في دعم ميليشياتها بالمنطقة، وتعزز ترسانتها من الطائرات من دون طيار والصواريخ المتقدمة، وهو ما يزيد شعور المملكة العربية السعودية بانعدام الأمن.

وأوضحت المؤسسة، أن المخاوف السعودية، زادت بعد أن أسقطت إيران في يونيو 2019 طائرة استطلاع أمريكية من طراز غلوبال هوك بأكثر من 100 مليون دولار، ولم تحرك إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب ساكنًا.

وبعد بضعة أشهر، في سبتمبر، عندما قصفت طهران البنية التحتية النفطية السعودية في بقيق وخريص بمزيج من الطائرات من دون طيار وصواريخ كروز، فإن الولايات المتحدة مرة أخرى لم ترد بالقوة العسكرية.

لكن، بعد هجمات بقيق، نشرت واشنطن معدات وأفرادًا في المملكة العربية السعودية، لتعزيز القدرات وردع الهجمات المستقبلية.

 ولذلك فقد وصف عبدالخالق عبد الله، أستاذ العلوم السياسية البارز في الإمارات العربية المتحدة، عدم الرد الأمريكي بأنه "فشل ذريع وخيبة أمل مطلقة".

 وأضاف: "تخاطر الولايات المتحدة بأن يُنظر إليها على أنها شيء أقرب إلى لاعب كمال أجسام يبدو قاسيًا في صالة الألعاب الرياضية، لكنه متردد في إلقاء لكمة لأحدهم بالشارع، وبذلك سرعان ما يتعلم البلطجية في الحي ألا يخافوه رغم مظهره المخيف".

 كان وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن قال للكونغرس في مارس الماضي: إن الجماعات المدعومة من إيران ضربت مواقع أمريكية في سوريا والعراق 83 مرة منذ يناير 2021، أربعة منها فقط نالت ردودًا أمريكية.

 ومما زاد الطين بلة -حسب وصف المؤسسة الأمريكية- أن الرياض واجهت تأخيرات وصعوبات في شراء أسلحة أمريكية للدفاع عن نفسها.

 ولمعالجة هذا الشعور المتزايد بانعدام الأمن، يبدو أن الرياض تسعى إلى ثلاثة أشياء:

 الأول: ضمانات مؤكدة بأن الولايات المتحدة ستتدخل للدفاع عن المملكة عند الحاجة، وفقًا لتقرير "وول ستريت جورنال" في 9 مارس 2023.

 الثاني: دعم الولايات المتحدة لبرنامج نووي مدني، يشمل تخصيب السعودية لليورانيوم.

الثالث: وصول موثوق وسريع إلى الأسلحة الأمريكية.

المشكلة بالنسبة للسعوديين أنه لكي تستوعب الإدارة الأمريكية هذه الأهداف الثلاثة، يجب أن يرضخ الكونغرس أولًا.

لكن -حسب المؤسسة الفكرية- ذلك يكاد يكون مستحيلًا في الوقت الحالي، نظرًا للمشاعر الحالية في الكابيتول هيل بشأن الحرب في اليمن، وكذلك قتل جمال خاشقجي عام 2018.

وجراء هذا الإحباط، تتجه الرياض -بشكل متزايد- إلى الصين في مجالات عدة.

ففي السنوات الأخيرة ، اشترت المملكة العربية السعودية أسلحة من الصين، بعد أن رفضت الولايات المتحدة بيع أنظمة معينة.

وعلى سبيل المثال، طلبت السعودية مئات الطائرات من دون طيار الصينية من طراز وينغ لونغ II عام 2017.

ولكن المملكة العربية السعودية وقعت شراكات مع شركات صينية مملوكة للدولة لتصميم وتصنيع طائرات من دون طيار أخرى على الأراضي السعودية.

وكشفت صور الأقمار الاصطناعية التي حصلت عليها شبكة سي إن إن الأمريكية، عام 2021 أن المملكة العربية السعودية كانت تصنع صواريخ بالستية محليًا بمساعدة صينية.

 وعلى الجبهة النووية، ورد أن الرياض وبكين وقعتا عديد الاتفاقيات المتعلقة بالتعاون النووي المدني، وتشير تقارير إلى أن الصين تساعد المملكة في تحديد ورسم خامات اليورانيوم القابل للتعدين.

 وفي أغسطس 2020، كشفت "وول ستريت جورنال" أن السعودية شرعت في تشييد منشأة لاستخراج اليورانيوم بمدينة العلا شمال غربي البلاد بمساعدة صينية، في إطار تعزيز برنامجها النووي ذي الأغراض السلمية، وفقًا لمصادر غربية مطلعة.

 أما في المجال الدبلوماسي، فقد توسطت الصين باتفاق بين المملكة العربية السعودية وإيران في مارس 2023 لاستعادة العلاقات.

 وفي وقت لاحق من الشهر الماضي، وافق مجلس الوزراء السعودي على قرار الانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون التي تهيمن عليها الصين، في خطوة واضحة للابتعاد عن واشنطن والاقتراب أكثر نحو بكين.

كان ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، قال إنه يتوقع أنه من خلال لعب القوى الكبرى ضد بعضها، أن تتمكن السعودية من الضغط في النهاية على واشنطن للإذعان لمطالبها، من أجل وصول أفضل إلى الأسلحة الأمريكية والتكنولوجيا النووية.

وشددت المؤسسة الفكرية الأمريكية، على أنه رغم العلاقات المتوترة، والتغييرات في السياسة العالمية وأسواق الطاقة خلال السنوات الأخيرة، لا تزال المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة بحاجة إلى بعضهما.

 وقد كتب ستيفن كوك ومارتن إنديك في تقرير لمجلس العلاقات الخارجية نُشر في يونيو 2022: "تحتاج الولايات المتحدة إلى شريك سعودي مسؤول، والمملكة العربية السعودية بحاجة إلى شريك أمريكي موثوق"، وأضاف: "السؤال هو من أين نبدأ وكيف يمكن أن تبدو هذه الاتفاقية؟".

الأهداف المشتركة

هناك أيضًا أهداف مشتركة بين البلدين، أبرزها استفادة المملكة العربية السعودية -بشكل ملموس- من المساعدة الأمنية الأمريكية والقوة العسكرية، بينما في المقابل تواصل الولايات المتحدة والاقتصادات الحليفة الاستفادة من النفط السعودي، لا سيما عندما تكون الحكومة السعودية على استعداد للتنسيق بشأن قضايا أسعار النفط والإمدادات.

 وأشارت مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات إلى أن الحكومتين (الأمريكية والسعودية) ملتزمتان بتعزيز سوق طاقة عالمي مستقر، ومواجهة العدوان والإرهاب.

وتسعى الحكومتان أيضًا إلى ردع العدوان الإيراني في الشرق الأوسط، ولهما أيضًا مصلحة أمنية وطنية مشتركة في "مواجهة الدعاية المتطرفة العنيفة".

 وللحكومتين مصالح سياسية وأمنية واقتصادية، في إحلال السلام والاستقرار في المملكة العربية السعودية، وكذلك في المجال الجوي والمياه الدولية المجاورة، وطالما أوضحت واشنطن أن الهجوم المسلح على المملكة العربية السعودية، يمثل تهديدًا لمصالح الولايات المتحدة المهمة.

 تهدف الحكومتان أيضًا، إلى تعزيز قدرة المملكة العربية السعودية على اكتشاف وهزيمة الهجمات الإلكترونية أو الصاروخية أو الطائرات من دون طيار أو البحرية على المملكة، كما تسعى واشنطن والرياض إلى إنشاء هيكل أمني إقليمي متعدد الأطراف، تلعب فيه المملكة العربية السعودية دورًا رائدًا.

 كما تعارض الحكومتان حيازة إيران للأسلحة النووية، وتعارضان حملة طهران الممنهجة للعدوان والأنشطة المزعزعة للاستقرار، سواء بشكل مباشر أم من خلال المنظمات الإرهابية المدعومة من إيران أو وكلاء آخرين.

ويدعم البلدان أيضًا الاحتفاظ بوضع عسكري أمريكي كافٍ في الشرق الأوسط، لتعزيز الأمن الإقليمي ومواجهة الأعداء، ولتحقيق لذلك سعيًا لإتمام سلام دائم في اليمن، ووضع حد دائم للهجمات التي تنطلق من هناك ضد المملكة العربية السعودية.

تُعارض واشنطن والرياض أيضًا شحنات الأسلحة غير المشروعة إلى اليمن، التي تمكن الهجمات على المملكة العربية السعودية، وتؤجج الصراع، وتمنع السلام، وتُعمق وتوسع نطاق أزمة إنسانية مأساوية في اليمن.

نحو اتفاقية شراكة استراتيجية

رغم هذه الأهداف المشتركة، فإن التفاوض على اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة وموضوعية، بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، قد يُمثل تحديًا في ظل الظروف الحالية، لكن هناك أسبابًا مقنعة للبلدين لتجنب أي خلافات محتملة.

فمن المسلم به -حسب المؤسسة الأمريكية الفكرية- أن الحكومتين قد تحتاجان إلى التخلي عن بعض المطالب المتطرفة وتقديم تنازلات صعبة، لكن حال وجود إرادة سياسية كافية، يمكن أن تساعد مجموعة من العناصر في تشكيل اتفاق محتمل.

ووفقًا لمحللين، قد يرغب السعوديون في اتفاقية مكتوبة تحدد التزامات الولايات المتحدة، حال تعرض المملكة لأي هجوم  محتمل، على أن تكون هذه الاتفاقية على غرار معاهدة حلف شمال الأطلسي (الناتو).

 لكن هذه الاتفاقية تواجه معضلة أن واشنطن قد ترفض الالتزام بالمادة 5 للناتو، التي تلزم الولايات المتحدة قانونًا باعتبار أي هجوم ضد المملكة كأنه هجوم على الولايات المتحدة.

 وكخطوة أولى، يمكن للولايات المتحدة تعيين المملكة العربية السعودية كشريك دفاعي رئيس، ما يعني ضمانة أمنية كبرى للرياض في تعرضها لأي هجوم محتمل.

 يمكن أيضًا الاستفادة من مصطلح "شريك دفاعي رئيس"، لموافقة الكونغرس على الاتفاقية الجديدة.

 من جانبها، من المرجح أن تقدر الرياض تأكيدات أن الولايات المتحدة ستحتفظ -وفقًا للأحكام الدستورية الخاصة بها- بالقدرات الدفاعية ومستويات الجاهزية اللازمة لمقاومة الهجمات المسلحة على المملكة العربية السعودية.

وأشارت المؤسسة الفكرية الأمريكية، إلى أن ذلك لن يمثل التزامًا دفاعيًا جماعيًا، بل نية للحفاظ على الوسائل العسكرية، للرد على أي هجوم محتمل ضد المملكة العربية السعودية.

يمكن أيضًا أن تلتزم الولايات المتحدة بالمحافظة على القوات التقليدية المنتشرة في منطقة القيادة المركزية بالمنطقة، إضافة إلى القوات الأخرى خارج المنطقة، القادرة على معاقبة أي عدوان محتمل، والانتشار السريع في أي لحظة كتعزيزات.

 وحسب المؤسسة الفكرية، لا يحتاج هذا الالتزام إلى تحديد عدد القوات، ومقرهم في المنطقة، أو ما إذا كانت ستكون عمليات نشر دائمة أو دورية.

في الوقت نفسه، فإن المنافسة مع جمهورية الصين الشعبية تتزايد في الشرق الأوسط، ولهذا السبب، ولمواجهة التهديد الخطير من إيران والجماعات الإرهابية المتعددة في المنطقة، على الولايات المتحدة الحفاظ على وضع عسكري يعتمد على اقتصاد القوة في الشرق الأوسط، حسب محللين تحدثوا للمؤسسة الفكرية.

وشدد المحللون على أن عدم القيام بذلك، سيؤدي إلى زيادة احتمالات تفاقم تحديات الأمن القومي، ما يؤدي -على الأرجح- إلى إجبار الجيش الأمريكي على العودة إلى المنطقة بأعداد أكبر وبتكلفة أعلى.

ولهذا السبب، شددت مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، على "أن الالتزام العام تجاه المملكة العربية السعودية يتوافق مع المصالح الأمريكية العليا والعامة".

 يتبع..