خيول نادرة وفنون وطائرات خاصة... الحياة الساحرة لعائلة مؤسس فاغنر
المعلومات المتوفرة عن طفولة مؤسس فاغنر، شحيحة للغاية، لكن المؤكد أنه قضى تسع سنوات داخل السجن، بعد إدانته بتهمة السرقة والاحتيال، إضافة إلى التغرير بمراهقين لارتكاب أعمال إجرامية.

ترجمات - السياق
رغم أنه اشتهر بأنه طباخ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فإن يفغيني بريغوغين -أمير الحرب الروسي- يرأس مجموعة مسلحة منظمة غامضة من المرتزقة الروس، ويدير القتال في عديد الدول، من أوكرانيا لإفريقيا، ما أكسبه شهرة واسعة في بضعة أشهر، جنى من ورائها أموالًا طائلة، جعلته يعيش "حياة ساحرة مرفهة"، ليس وحده وإنما هو وجميع أفراد عائلته.
صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، سلطت الضوء على أقارب أمير الحرب الروسي، ومحاولة الحكومات الغربية فرض العقوبات عليهم، مشيرة إلى أن هذه العائلة تمتلك عديد الخيول الأصيلة النادرة، وأكثر من معرض فني، فضلًا عن الطائرات الخاصة.
يُعد بريغوغين حليفًا مقربًا من الرئيس بوتين، ويقود "فاغنر" وهي مجموعة من المرتزقة الذين ينفذون أعمالًا تُوصف بالـ"قذرة" خدمة للسلطة الحاكمة في روسيا.
المعلومات المتوفرة عن طفولة هذا الرجل، شحيحة للغاية، لكن المؤكد أنه قضى أغلبية أعوام عقده الثالث "تسع سنوات" داخل السجن، بعد إدانته بتهمة السرقة والاحتيال، إضافة إلى التغرير بمراهقين لارتكاب أعمال إجرامية.
وبعد إطلاق سراحه في تسعينيات القرن الماضي، اشترى كشكًا لبيع النقانق في مدينة سانت بطرسبورغ، وسرعان ما توسع عمله إلى حد أنه استطاع أن يحوز عديد المطاعم الفخمة، بينها المطعم العائم "نيو أيلاند" المفضل لبوتين.
عائلة الأمير
وعن عائلة بريغوغين، سلطت "فايننشال تايمز" الضوء على حياة والدته فيوليتا بريغوجينا، مشيرة إلى أنها اشتركت في السابعة والسبعين من عمرها، بأحد دروس الرسم في مدينة سانت بطرسبرغ عام 2017.
وأشارت إلى أنها بدت لزملائها في الفصل كأنها مجرد امرأة عجوز تحاول الاستمتاع بما تبقى لها من عمرها، ولكن بعد عام واحد فقط افتتحت بريغوجينا معرضها الفني الخاص وسط المدينة، وسرعان ما بدأت تعرض لوحاتها الخاصة، وتستضيف مناسبات وتجذب انتباه وسائل الإعلام المحلية.
وقد تعجب أحد التقارير في القناة التلفزيونية الأولى المملوكة للدولة حينها، من تحول المرأة السبعينية فجأة إلى فنانة بين عشية وضحاها، إذ لم تكن تمارس مهنة الرسم كهواية وإنما كمحترفة تنظم عديد المعارض.
لكن، ما قد لا يعرفه الزائرون العاديون للمعرض، أن هذه الفنانة والدة يفغيني بريغوغين، بائع النقانق الذي تحول إلى رئيس ميليشيات خاصة وأمير حرب قوي، خلال الغزو الروسي لأوكرانيا، كما أنه أيضًا أحد أشهر مجرمي الحرب المتهمين على هذا الكوكب، كما تصفه "فايننشال تايمز".
واتهم "فاغنر" -الجيش الخاص الذي أسسه بريغوغين- بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، بما في ذلك القتل والاغتصاب والتعذيب، بينما وصفت الحكومة الأمريكية امبراطوريته التجارية بأنها "منظمة إجرامية عابرة للحدود".
وأشارت الصحيفة البريطانية، إلى أنه رغم الاهتمام الكبير الذي يناله بريغوغين خلال السنوات الأخيرة، فإن الأضواء لم تسلط كثيرًا على عائلته، ولكن مع دخول الدبابات الروسية أوكرانيا العام الماضي، فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة عقوبات، ليس فقط على الشخصيات البارزة المقربة من الكرملين، ولكن على عائلاتها أيضًا.
واليوم -حسب الصحيفة- يخضع اثنان من أطفال بريغوغين وزوجته لعقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بينما عوقبت والدته الفنانة بريغوجينا من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي وكندا لدعمها "فاغنر".
ورغم أن الاعتراض الدولي على أنشطة "فاغنر" ازداد العام الماضي فقط، فقد تبين أن معاقبة عائلة بريغوغين أصعب مما كان متوقعًا.
فالشهر الماضي حققت فيوليتا بريغوجينا -83 عامًا- انتصارًا غير متوقع في إحدى محاكم الاتحاد الأوروبي، إذ أقنع محاموها قضاة الغرفة الأولى بالمحكمة العامة للاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ، بعدم وجود روابط اقتصادية لديها بابنها ولا شركته الرئيسة "كونكورد"، فرفعت القيود المفروضة عليها.
وترى الصحيفة البريطانية، أن نجاح بريغوجينا في الطعن بعقوبات الاتحاد الأوروبي، التي اعتمدت -وفقًا للحكم- على أدلة من ويكيبيديا، أبرز التعقيد القانوني الذي ينطوي عليه تحميل أفراد عائلات الشخصيات المدعومة من الكرملين، المسؤولية عن تصرفات أقاربهم.
ويقول بيتراس أوستريفيتشوس، العضو الليتواني في البرلمان الأوروبي: "إنه إهمال كبير... بريغوزين وعديد من الأوليغارشية الروسية ومسؤولي الدولة يعملون علانيةً ضد الغرب، وفي الوقت نفسه يتمتعون هم وعائلاتهم بالرفاهية الغربية".
ويرى أن ما سماه "النهج الغربي الناعم" تجاه عائلة بريغوغين، منحه الفرصة لتأسيس مجموعة فاغنر المسلحة، مضيفًا: "لقد أغفلنا وقللنا من شأن جيش بريغوزين الخاص، ولم نتخذ القرارات الصحيحة في الوقت المناسب".
قفز الحواجز
وحسب "فايننشال تايمز"، دأب بريغوغين على توصيف أفراد عائلات النخبة الروسية، الذين يعيشون في الخارج بـ "الخونة"، قائلاً إنهم "يعيشون في الخارج ويقضون عطلات في الخارج ويربون الأطفال في الخارج"، ومع ذلك فحتى العام الماضي كان هذا هو نمط الحياة الذي تمتع به أفراد عائلاتهم، خاصة في قفز الحواجز الاستعراضي للخيول، وهي رياضة باهظة الثمن، يُفضلها أطفال المليارديرات الأمريكيون والأرستقراطيون الأوروبيون.
وفي 20 من فبراير العام الماضي، أي قبل أربعة أيام من الغزو، تنافست روسية شقراء، في حدث هواة قفز الحواجز بمنتجع أوليفا على البحر المتوسط قرب فالنسيا في إسبانيا، وكانت الفتاة هي فيرونيكا بريغوجينا، أصغر ابنتي بريغوغين.
وتظهر السجلات التي جمعها الاتحاد الدولي لرياضات الفروسية (إف أي آي)، الهيئة المنظمة لرياضة الفروسية، كيف تنافست فيرونيكا وبولينا، الابنة الكبرى لبريغوغين، خارج روسيا منذ عام 2014 في مئات الأحداث على خيول عدة ضمن مسابقات في ألمانيا وفرنسا والبرتغال وإيطاليا وبلجيكا وإسبانيا.
وحسب الصحيفة، امتطت فيرونيكا "حصانًا مخصيًا رماديًا يسمى ديثارا"، وحصلت على المركز الرابع، ونالت جائزة بـ 50 يورو.
ولم تُسجل أي من الخيول التي ركبتها بنات بريغوغين في هذه المسابقات باسمه في الاتحاد الدولي للفروسية، ولم يتمكن عدد من مربيي الخيول والمدربين، الذين باعوا أو عملوا مع الخيول التي تمتطيها ابنتا بريغوغين الذين اتصلت بهم "فايننشال تايمز"، تأكيد المالكين النهائيين للحيوانات، لكنهم قالوا إنهم يعتقدون أنها مملوكة لبولينا، بينما لم ترد الأخيرة على طلبات "فايننشال تايمز" للتعليق.
أواخر عام 2019، مع فرض عقوبات على ممتلكات بريغوغين الشخصية، بما في ذلك طائرته الخاصة، أعيد تسجيل الخيول التي ركبتها ابنتا بريغوغين فجأة في الاتحاد الروسي للفروسية بأسماء آخرين، وفقًا لبيانات ملكية الخيول من الاتحاد الدولي للفروسية.
بينما أخبر الاتحاد الدولي للفروسية "فايننشال تايمز" بأنه "ليس لديه سلطة ولا اختصاص لتحديد الملكية القانونية للحصان"، وهو أمر يخص الشرطة والسلطات القضائية.
وبينت الصحيفة، أن عائلة بريغوغين المباشرة ليست مجرد مستفيد غير مباشر من ثروته، فالعام الماضي قالت الولايات المتحدة إن بولينا وابنه بافيل وزوجته ليوبوف "يلعبون أدوارًا مختلفة في مشروع بريغوغين التجاري، الذي يستفيد من وضعه التفضيلي داخل النخبة الروسية".
ووفقًا لمنشورات والده على مواقع التواصل الاجتماعي، حارب بافيل مع "فاغنر" في سوريا وحصل على وسام "الصليب الأسود"، وهي خاصة بالخدمة العسكرية في الميليشيات.
وتُظهر سجلات الشركات الروسية، كيف يمتلك أبناء بريغوزين أسهمًا في شركات آبائهم، مع تبادل هذه الرهانات بشكل متكرر بينهم.
فعام 2019، أصبحت بولينا مساهمة في شركة روسية تدعى لاختا بلازا، التي أوقعتها وزارة الخزانة الأمريكية تحت العقوبات في مارس 2022.
لاختا بلازا، التي تخضع لسيطرة بافيل، وفقًا لإيداعات الشركات، شاركت الشركات الروسية التي شحنت معدات صناعية ثقيلة إلى شركات التعدين وقطع الأشجار في إفريقيا، التي فُرضت عقوبات عليها لاحقًا من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لأنها واجهات لشركة فاغنر.
تحدي الاتحاد الأوروبي
كان الاتحاد الأوروبي يأمل تعويض الوقت الضائع، من خلال فرض عقوبات العام الماضي، على أفراد عائلة بريغوزين، لكن ثبت أن تلك العقوبات كانت أقل قوة مما كان مأمولًا في البداية.
حتى الآن لا توجد "فاغنر" ككيان واحد مدمج، لكن بدلاً من ذلك كشبكة مترامية الأطراف من الشركات المتفاعلة بدرجات متفاوتة القرب من مجموعة كونكورد الخاصة به.
وبينت "فايننشال تايمز" أن الهيكل الغامض لشركات بريغوغين شكل تحديًا للحكومات الغربية، في محاولة تقييد عملياته، فوفقًا للدعوى التي رفعتها والدة بريغوغين على عقوبات الاتحاد الأوروبي، كانت مشاركتها الوحيدة في أعمال ابنها، عندما امتلكت أسهمًا في شركة كونكورد للإدارة والاستشارات بين عامي 2008 و2017، وادعت أنه لم يكن لها أي تأثير في الشركة خلال ذلك الوقت.
وقال محاموها إنها "لم ترتبط بأي شكل من الأشكال بالشركات المرتبطة بابنها منذ أكثر من خمس سنوات، ويؤكدون أنها لم يكن لها سوى مشاركة محدودة ومؤقتة في إدارة شركة كونكورد للإدارة والاستشارات في ذلك الوقت".
وبالفعل، وافق قضاة الاتحاد الأوروبي وخلصوا إلى أنه بناءً على الأدلة المعروضة عليهم، فإن روابطها الوحيدة بابنها كانت عائلية، ولم تكن هناك علاقة اقتصادية يمكن إثباتها بينهما.
ومع ذلك تكشف إيداعات الشركات وحسابات معرض فيوليتا الفني عن عدد من التداخلات، بينها وبين الامبراطورية التجارية لابنها، فعام 2021، وفقًا لسجلات الضرائب الروسية، كان المعرض يخضع للتدقيق الضرائبي من شركة استشارية صغيرة في سانت بطرسبرغ تدعى "أكسنت"، التي أبلغت بإيرادات سنوية بلغت نحو 200 ألف دولار، وفريق من خمسة أشخاص.
واللافت أيضًا أن "أكسنت" هي التي تدقق حسابات جميع شركات يفغيني بريغوغين تقريبًا، ومن عملائها الآخرين "إم إنفست"، وهي شركة يسيطر عليها بريغوغين، وفُرضت عقوبات عليها لأنها واجهة لشركة فاغنر في السودان، و"إم فينانس" التي عوقبت بسبب علاقتها بعمليات "فاغنر" في جمهورية إفريقيا الوسطى، حيث شاركت في "نشاط إجرامي خطر، وفقًا للحكومة الأمريكية، بما في ذلك عمليات الإعدام الجماعية والاغتصاب واختطاف الأطفال والاعتداء الجسدي".
ولم ترد "أكسنت" على أسئلة "فايننشال تايمز" عن عملها في الشركات التي يسيطر عليها بريغوغين وعائلته.
وقالت فيوليتا أمام محكمة الاتحاد الأوروبي، إنها لم تكن على اتصال ببقية شبكة شركات بريغوغين، لكنْ رسائل بريد إلكتروني مسربة تكشف أن زوج فيوليتا كان مديرًا تنفيذيًا كبيرًا بشركة أخرى في مجموعة كونكورد، إذ وقَّع صمويل فريدمانوفيتش جاركوي المستندات المقدمة إلى وزارة العدل الأمريكية، نيابةً عن "كونكورد كايترينغ" عندما كانت تواجه اتهامًا، بمحاولة التدخل في الانتخابات الأمريكية عام 2016، وهو ادعاء اعترف به بريغوغين في نوفمبر العام الماضي.
وتُظهر المراسلات المسربة أيضًا بعض الطرق التي ساعدت بها فيوليتا محاولات ابنها لإلغاء العقوبات، فعام 2021، استأجر محامو بريغوزين الروس شركة محاماة في لندن، تسمى "ديسكورت لاو"، لمقاضاة الصحفيين الذين يغطون أنشطته المرتزقة.
معرض جديد
وبينت "فايننشال تايمز" أنه مع ذلك قد لا يكون حكم محكمة الاتحاد الأوروبي لمصلحة والدة بريغوغين الكلمة الأخيرة، إذ قال مسؤول في الاتحاد الأوروبي، إن بروكسل يمكنها الطعن في حكم محكمة العدل الأوروبية، في غضون شهرين.
وأوضح المسؤول أنه سيكون أمامها ثلاث خيارات، إما شطب فيوليتا نهائيًا من قائمة العقوبات، وإما الطعن في الحكم، وإما إعادة فرض العقوبات عليها بمجموعة من الأدلة.
بينما يواصل بريغوزين نفسه استنكاره للمحاولات الغربية لمعاقبته على أنشطة "فاغنر"، وردًا على مقال نُشر مؤخرًا في "فايننشال تايمز" عن أنشطته التجارية وتهربه من العقوبات، كتب على قناة كونكورد تلغرام: "سأبصق على أي عقوبة".
في غضون ذلك فرضت العقوبات الحالية على عائلة بريغوغين بعض التكاليف، إذ لم تعد ابنتا رئيس "فاغنر" قادرتين على الاستمتاع برياضة قفز الحواجز على البحر المتوسط، فالخيول التي تنافستا عليها لم تظهر في أحداث قفز الحواجز الدولية منذ الغزو، وتخضع لحظر شامل على التسجيل الروسي.
وفي مارس 2022 حظر الاتحاد الدولي للفروسية الفرسان الروس أو البيلاروس من المشاركة في فعالياته، ونظرًا إلى أن عائلته محصورة إلى حد كبير في روسيا، فهناك أدلة على أن بريغوغين يبتكر طرقًا جديدة للتهرب من العقوبات.
وأشارت الصحيفة البريطانية، إلى أن فيرونيكا، الابنة الصغرى التي بلغت 18 سنة في مارس الماضي، العضو الوحيد في عائلته المباشرة التي لم تخضع للعقوبات الغربية، ويبدو أن عائلة بريغوغين استفادت منها، إذ تظهر سجلات الشركات الروسية أن فيرونيكا أصبحت -أواخر العام الماضي- مالكة لشركة تتحكم في أحد فنادق سان بطرسبرغ.
وفي الوقت نفسه، واصلت فيوليتا عرض لوحاتها الزيتية في معرضها، ففي ديسمبر الماضي، بينما كانت قوات فاغنر تقصف باخموت، افتتحت معرضًا جديدًا عن أهمية الحفاظ على المعالم الثقافية.
بينما حمل أحد أعمال مجموعتها عنوان "تدمر عام 2022"، وهو منظر طبيعي للمدينة السورية القديمة، التي اشتهرت بهدم آثارها من تنظيم داعش.