فورين أفيرز: جنرالات السودان يجرون البلد نحو كارثة.. والحل في قادة مدنيين يمكنهم شق طريق نحو السلام
أفضل فرصة لإنهاء الصراع تكمن في جبهة موحدة، تتمثل في اجتماع القوى الغربية والإقليمية مع مجموعات المجتمع المدني السوداني، للضغط لوقف دائم لإطلاق النار، ثم يأتي الانتقال إلى الديمقراطية بقيادة مدنية.

ترجمات - السياق
بعد أقل من خمس سنوات، على رحلته نحو الديمقراطية التي تعثرت، يتجه السودان نحو حرب أهلية طويلة الأمد، بحسب صحيفة فورين أفيرز.
وأوضحت الصحيفة الأمريكية، أنه في الخامس عشر من أبريل الجاري، اندلع القتال بين جهازي الأمن الرئيسين، الجيش ومجموعة شبه عسكرية تُعرف بقوات الدعم السريع، اللذين يتنافسان على السلطة، منذ أن أطاحا معًا الرئيس السابق عمر البشير عام 2019.
وأشارت إلى أن «الأعمال العدائية بين الطرفين كانت أكثر حدة في العاصمة الخرطوم، إلا أن العنف اندلع في ثماني ولايات على الأقل من ولايات السودان البالغ عددها 13 ولاية، ما أدى إلى قتل مئات المدنيين»، مؤكدة أن القوى الإقليمية اصطفت خلف المتحاربين الرئيسين، ووعدت بتجديد مخزوناتها الحربية وتمكينها من مواصلة تمزيق البلاد.
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن سبب الصراع هو تفكك جهاز الأمن السوداني، منذ ثورة 2018، ما أدى إلى ظهور مركزين متنافسين للقوة، وكان عاملًا في «الانقلاب العسكري» الذي نفذته القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، المعروف بحميدتي.
وقالت «فورين أفيرز»، إن «الجنرالين استغلا عدم الاستقرار في التحول الديمقراطي الذي خرج عن مساره، لتهميش الحكومة الانتقالية المدنية، التي ظهرت للنور في أكتوبر 2021، ثم مقاومة الضغط الدولي لحل خلافاتهما وتسليم السلطة إلى إدارة مدنية جديدة، الذي كان متوقعًا الشهر الماضي».
التنافس بينهما، أدى إلى دفع البلاد لحالة من الفوضى، ويهدد بإعادة إشعال الصراعات المتأججة منذ فترة طويلة في دارفور وأماكن أخرى، يمكن أن تمتد إلى جيران السودان»، تقول الصحيفة الأمريكية، مشيرة إلى أنه ليس على السودان أن يسير في طريق ليبيا ولا سوريا.
وأشارت إلى أن أفضل فرصة لإنهاء الصراع تكمن في جبهة موحدة، تتمثل في اجتماع القوى الغربية والإقليمية مع مجموعات المجتمع المدني السوداني، للضغط لوقف دائم لإطلاق النار، ثم يأتي الانتقال إلى الديمقراطية بقيادة مدنية.
وحذرت من إمكانية انزلاق السودان إلى حرب أهلية، قائلة، إن الوقت هو العامل الذي قد يؤدي إلى ذلك «فكلما طالت فترة الصراع، زادت احتمالات التصعيد، وتقلصت فرصة إعادة البلاد إلى مسار سلمي نحو التحول الديمقراطي».
منافسات قاتلة
وتقول «فورين أفيرز»، إن بذور الصراع الحالي ُزرعت قبل فترة طويلة من ثورة السودان 2018-2019، بعد الاستيلاء على السلطة في انقلاب عسكري عام 1989، سعى بعده البشير إلى الحيلولة دون خروج حكمه عن مساره بطريقة مماثلة.
وأشارت إلى أنه للحيلولة دون انقلاب عسكري، أنشأ نظام البشير عديد الأجهزة الأمنية، التي تداخلت ولاياتها مع القوات المسلحة السودانية، بما في ذلك الميليشيات التي نُشرت لمحاربة الانفصاليين جنوب السودان في التسعينيات.
وأكدت الصحيفة الأمريكية، أنه عندما اندلع تمرد دارفور عام 2003، اتبع البشير الاستراتيجية نفسها، واعتمد على ميليشيات من القبائل العربية في المنطقة «الجنجويد»، لقمع المتمردين بدلاً من القوات المسلحة السودانية.
وبعد انحسار الصراع في دارفور، أعاد البشير تسمية الجنجويد بـ«قوات الدعم السريع»، ودمج عام 2013 مقاتليها في قوة شبه عسكرية أكثر انتظامًا تحت سلطة جهاز المخابرات والأمن الوطني، تقول الصحيفة الأمريكية.
وأشارت إلى أنه عام 2017، أقر البرلمان السوداني قانونًا يضع قوات الدعم السريع تحت قيادة البشير المباشرة، ما جعلها على قدم المساواة مع القوات المسلحة السودانية، رغم أن مقاتليها في الغالب يفتقرون إلى التدريب العسكري الرسمي.
أسباب التنافس
«اشتد التنافس بين هذه الأجهزة بعد ذلك، فرأى كبار الضباط العسكريين في السودان، أن قوات الدعم السريع غير مدربة وغير منضبطة، ونظروا بازدراء إلى حميدتي، الذي لم يتخرج في المدرسة الثانوية، ناهيك عن الالتحاق بأكاديمية عسكرية»، تقول «فورين أفيرز»، مشيرة إلى أن الرتب الدنيا في القوات المسلحة السودانية احتقرت نظراءها في قوات الدعم السريع، لأنهم حصلوا على رواتب أعلى ومعدات أفضل، بينما استاء جنود قوات الدعم السريع من النظر إليهم كقوة غير شرعية وأقل شأناً.
«التنافس كان له بُعد قبلي أيضًا، فرغم تجنيد القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، من جميع المجتمعات العرقية الرئيسة في السودان، فإن البشير حشد الرتب العليا في القوات المسلحة السودانية بحفنة من القبائل العربية، بينما كان تجنيد قادة قوات الدعم السريع من عرب دارفور في الغالب، وقبيلة الرزيقات خاصة من عشيرة الماهرية»، بحسب الصحيفة الأمريكية.
ورغم جهود البشير لجعل القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع يتواجهان، فإنهما اتحدا في إطاحته، تحت وطأة أزمة اقتصادية متفاقمة، واحتجاجات الشوارع التي تصاعدت في أبريل 2019، بحسب «فورين أفيرز».
وأشارت إلى أنه، في البداية، أعلن قادة الجهازين العسكريين التزامهم بالانتقال الديمقراطي (رغم أن كثيرين شككوا في نيتهم)، مضيفة: في أغسطس 2019، تفاوضوا على اتفاقية مع التحالف المدني الذي قاد الانتفاضة.
وبموجب الاتفاق، تولى البرهان منصب رئيس الدولة المؤقت 21 شهرًا، قبل التنازل عن السلطة لحكومة مدنية، إلا أنه بعد فترة وجيزة من توقيع الاتفاقية، دفع حميدتي البرهان لإنشاء دور جديد له، وهو منصب نائب الرئيس.
متى تدهورت علاقة حميدتي والبرهان؟
ورغم ذلك، وقبل التسليم مؤقتًا، شن البرهان وحميدتي وقادة عديد الجماعات المتمردة، التي دُمجت في الحكومة، خلال الفترة الانتقالية في 25 أكتوبر 2021، انقلابًا مضادًا للثورة، لتهميش القادة المدنيين، تقول الصحيفة الأمريكية، التي أشارت إلى أنه منذ ذلك الحين، تدهورت العلاقة بين حميدتي والبرهان، وتصاعد التنافس بين قواتهما.
وتقول «فورين أفيرز»، إن كلا الرجلين أقام تحالفات مهمة، فحميدتي عمل على ترسيخ دور دولة الإمارات العربية المتحدة كراعٍ، من خلال إرسال قوات الدعم السريع للقتال إلى جانب القوات الإماراتية والسعودية في اليمن (القوات المسلحة السودانية لديها أيضًا قوات في اليمن، لكنها تتمركز إلى حد كبير على الحدود مع المملكة العربية السعودية، لمنع الحرب من السفر شمالًا).
وأضافت أن حميدتي تقرب -كذلك- إلى روسيا، حيث قاد وفدًا إلى موسكو، في الأسبوع الذي بدأت القوات الروسية «غزوها» لأوكرانيا، وتوسيع شراكته الحالية مع مجموعة فاغنر، حتى أن قوات الدعم السريع نصبت نفسها، كحليف للاتحاد الأوروبي، في حربه ضد الهجرة من القرن الإفريقي.
في غضون ذلك، عمّق البرهان علاقات القوات المسلحة السودانية الوثيقة بالفعل مع مصر، تقول «فورين أفيرز»، مشيرة إلى أن كبار قادة القوات المسلحة السودانية كانوا يتدربون بانتظام في الكليات العسكرية بمصر، حتى قبل «الانتفاضة السودانية».
وأشارت إلى أن البرهان واصل إجراء مناورات عسكرية مشتركة منتظمة مع مصر وسافر مرارًا إلى القاهرة، بينما زار كبار المسؤولين المصريين، بمن فيهم رئيس المخابرات عباس كامل، الخرطوم منذ تولي البرهان منصبه.
إلى جانب الجنرالين، اصطف -أيضًا- حلفاء محليون أقوياء، تحسبًا لصراع اليوم، فلقد عمل البرهان على إرضاء الإسلاميين، الذين كانوا جزءًا رئيسًا من قاعدة دعم البشير، فدأب على إطلاق سراح النخب السياسية السابقة المسجونين في أعقاب الانتفاضة، وقوَّض الجهود المبذولة لإصلاح الخدمة المدنية واستعادة الأصول التي «سرقها» أعضاء النظام السابق، بحسب الصحيفة الأمريكية.
بينما خصص حميدتي الموارد للمزارعين الريفيين في السودان لحشد الدعم الشعبي، تقول «فورين أفيرز»، مشيرة إلى أن البرهان وحميدتي لديهما الموارد التي يمكن أن تمكنهما من القتال فترة طويلة في المستقبل.
كيف انهار الوضع؟
الانهيار المفاجئ في السودان، إلى أعمال عنف جزئياً، يعكس فشل القوى الغربية والإقليمية، في نزع فتيل التوترات بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وأشارت إلى أنه بعد «انقلاب أكتوبر 2021 من قبل البرهان وحميدتي، خرج المتظاهرون السودانيون إلى الشوارع بأعداد كبيرة للمطالبة بعودة الحكم المدني، ما أدى إلى دفع القوى الغربية الزعيمين للعودة إلى طاولة المفاوضات والتوصل إلى اتفاق انتقالي جديد».
وبحلول ديسمبر 2022، كان الجنرالان والسياسيون المدنيون قد وضعوا اتفاقية إطارية جديدة، من شأنها أن تعيد السودان إلى طريق الانتخابات.
ولحمل الأطراف الرئيسة على التوقيع، لم يذكر الاتفاق أهدافه الأكثر حساسية التي ستتحقق، بل دعا إلى دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة السودانية، من دون أن يحدد جدولًا زمنيًا.
وقال البرهان -آنذاك- إنه يتوقع اكتمال العملية في غضون عامين، في حين دعا حميدتي إلى عملية مدتها عشر سنوات، تقول «فورين أفيرز»، مشيرة إلى أن القوى الغربية والدولية ضغطت على جميع الأطراف لتوقيع الاتفاق في الأول من أبريل الماضي، حتى يتمكنوا من تشكيل حكومة جديدة في الوقت المناسب للذكرى السنوية الرابعة لإطاحة البشير في 11 أبريل المنصرم، إلا أن الموعد النهائي جاء ومضى من دون أي جديد.
ومع عمق الخلاف بين الجانبين وتصاعد الضغط الخارجي، بدأ البرهان وحميدتي تكوين القوات، تحسباً للصراع الذي اندلع صباح 15 أبريل الماضي.
عواقب استمرار القتال
وحذرت «فورين أفيرز»، من أنه حال عدم احتواء القتال -هناك الآن فرصة حقيقية للغاية- سيمتد ما بدأ في الخرطوم إلى بقية البلاد، مشيرة إلى أن الفراغ في العاصمة أدى إلى استئناف الصراعات القديمة غربي دارفور، حيث بدأت القبائل العربية -بعضها منتسب إلى قوات الدعم السريع- مهاجمة المدنيين، وبدأت الأخيرة تسليح نفسها.
وأشارت إلى أن الحركات الانفصالية قد تعود في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق بشكل جدي، بينما الحكومة المركزية في حالة حرب مع نفسها، محذرة من أن هناك خطرًا في أن ينفصل عدد من القوات المسلحة السودانية، لا يزال مواليًا لنظام البشير القديم، ويشكل تمردًا خاصًا به.
في أسوأ السيناريوهات، يمكن أن يتحول السودان إلى دولة فاشلة، تنقسم إلى دول عدة بحكم الأمر الواقع ذات حدود غير معلومة، ما يؤدي إلى تشريد ملايين، وربما إشعال حملات التطهير العرقي أو الإبادة الجماعية، تقول الصحيفة الأمريكية.
ورغم أن الصراع على السلطة يذكي الأزمة، فإن التصعيد الإقليمي -على نطاق واسع- يمكن أن يقودها أيضًا، فلسوء الحظ، جُرت القوى الإقليمية إلى الصراع، تقول «فورين أفيرز»، زاعمة أن «مصر أرسلت أسلحة إلى القوات المسلحة السودانية، بينما أرسل قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر، أسلحة إلى قوات الدعم السريع.
وأوضحت أن الرزيقات (قبيلة حميدتي) تتمركز على الحدود بين السودان وتشاد، بينما تتمركز قبيلة البقارة الأكبر التي تضم الرزيقات أقصى الغرب في النيجر بالساحل، مشيرة إلى أن ذلك قد يدفع الحكومات والقادة المتشددين في هذه المنطقة إلى الدخول في الصراع.
وحذرت من أن السودان قد يصبح ساحة معركة، في المواجهة المحتدمة بين إثيوبيا ومصر على سد النهضة، مشيرة إلى أنه إذا دخلت الجهات الفاعلة الإقليمية بعمق في الأزمة، سيصبح احتواء النزاع أكثر صعوبة، حيث على أي تسوية محتملة أن ترضي أطرافًا عدة.
ورغم صعوبة التنبؤ بحل الصراع، فإن هناك أمرًا واحدًا واضحًا، أنه كلما طال القتال بين البرهان وحميدتي، زاد احتمال دخول مجموعات أخرى خارج القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع إلى المعركة، تقول «فورين أفيرز».
ومع بدء انخفاض الإمدادات لدى الطرفين المتحاربين، سيصبحان أكثر استعدادًا لعقد صفقات ترهن مستقبل السودان، من خلال توزيع مناجم الذهب، والأراضي الزراعية الخصبة، وامتيازات البحر الأحمر، بين موارد أخرى، مقابل الدعم، تقول الصحيفة الأمريكية.
كيف يمكن حل الأزمة؟
ورغم ذلك، فإن «فورين أفيرز»، قالت إن الوقت لم يفت لمنع اندلاع حريق، فهناك خطوات يمكن للاعبين المحليين والدوليين اتخاذها، للحد من الخسائر البشرية وإنهاء القتال، قبل أن ينتشر.
وعن تلك الخطوات، قالت الصحيفة الأمريكية، إن القوى الغربية والإقليمية تحتاج إلى مقاومة إغراء دعم جانب معين، والعمل معًا لاحتواء الصراع وإنهائه، مشيرة إلى أن على الولايات المتحدة وفرنسا، على وجه الخصوص، استخدام نفوذهما على جيران السودان -مصر وإثيوبيا بالنسبة للأولى وتشاد للأخيرة- لمنعهم من التدخل بشكل أكبر في الصراع.
وأوضحت أن المجتمع الدولي يحتاج إلى الضغط لوقف دائم لإطلاق النار، مشيرة إلى أن ذلك سيسمح بإنشاء ممرات إنسانية، ما يتيح تدفق المساعدات وخروج المدنيين.
وأشارت إلى أنه يجب أن تحصل الوكالات الإنسانية على الفور على التمويل والمرونة، لاستجابة واسعة النطاق وإنقاذ الأرواح، مؤكدة أن هذه المهمة قد تكون صعبة.
وبحسب «فورين أفيرز»، جرى التوسط مرات عدة للوصول إلى هدنة، لكن جرى خرقها أكثر من مرة، مؤكدة أنه رغم أن الجنرالين لديهما دوافع للوفاء بالتزاماتهما، فإنه أصبح من الواضح بشكل متزايد أن مرؤوسيهما لا يفعلون ذلك.
وتقول الصحيفة الأمريكية، إن هناك تقارير عن سوء انضباط جنود قوات الدعم السريع، الذين اتخذوا وقف إطلاق النار فرصة للنهب، محذرة من أن الأكثر إثارة للقلق، أن القوات المسلحة السودانية تستخدم هذه الهدن لكسب اليد العليا ضد قوات الدعم السريع.
في الوقت نفسه، على المجتمع المدني في السودان محاولة منع الصراع بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، من التطور إلى حرب أهلية متعددة الأحزاب ومختلطة عرقياً، تقول «فورين أفيرز»، مشيرة إلى أن التوترات العرقية ووفرة الأسلحة، بعد عقود من الحروب الأهلية، تزيدان خطر اندماج هذا الصراع مع الصراعات طويلة الأمد على أطراف السودان، وهي نتيجة قد تؤدي إلى خسائر بشرية هائلة وغير مقبولة.
ولمنع هذه التطورات، يجب تشجيع قادة القبائل والصوفية على لعب أدوارهم التقليدية كوسطاء وكأصوات للعقل، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إنه حال التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، على المجتمع المدني السوداني والدول الغربية والقوى الإقليمية، الدفع نحو الانتقال إلى الحكم المدني، لكنهم سيحتاجون إلى إعادة التفكير في الشكل الذي يجب أن تبدو عليه عملية الانتقال.
وتقول «فورين أفيرز»، إنه أصبح من الواضح أن الاتفاق الإطاري الموقع في ديسمبر 2022 والوثيقة الدستورية الأولية الموقعة في أغسطس 2019 لم يكنا كافيين، مشيرة إلى أنه رغم أن الترتيبين استهدفا تسليم السلطة إلى القادة المدنيين، فإنهما فضلا الجهات المسلحة أثناء المفاوضات وفي المراحل الأولى من الانتقال، ما أدى إلى إبعاد السياسيين والجماعات المدنية إلى وضع الشريك الأصغر خلال هذه المراحل الحاسمة.
وأشارت الصحيفة الأمريكية، إلى أن السنوات الأربع الماضية أظهرت «أنه من الحماقة افتراض أن الجهات المسلحة ستتنازل عن السلطة عن طيب خاطر»، مؤكدة أنه رغم أن مجموعات المجتمع المدني دعت إلى انتقال بقيادة مدنية، فإن القوى الأجنبية أخضعت هدف الانتقال الديمقراطي إلى الهدف الظاهري، المتمثل في الاستقرار قصير المدى من خلال التفاوض مع الجنرالات، وإضفاء الشرعية عليهم.
وبحسب «فورين أفيرز»، على مجموعات المجتمع المدني والحركات الشعبية، أن تقود عملية الانتقال من البداية، مشيرة إلى أنه ما دام المدنيون في زمام القيادة، على شركاء السودان الدوليين تجنب فرض مواعيد نهائية تعسفية على المفاوضين.
وأكدت الصحيفة الأمريكية، أنه بمجرد تشكيل حكومة يقودها المدنيون، ستحتاج إلى إصلاح قطاع الأمن عبر دمج قوات الدعم السريع والميليشيات شبه الحكومية الأخرى في جيش وطني موحد مسؤول أمام القادة المنتخبين، لتجنب إعادة الصراع، مشيرة إلى أن ذلك لن يكون سهلاً، بل يتطلب من شركاء السودان الدوليين تنحية خلافاتهم جانباً وتقديم جبهة موحدة، محذرة من أن البديل حرب طويلة ودموية.