لماذا تعزز الصين وجودها في القرن الإفريقي؟
وصف الكاتب الأمريكي مايكل روبين، تراجع النفوذ الأمريكي في إفريقيا، مع تزايد الوجود الصيني هناك بالانتحار الاستراتيجي، مشيرًا إلى أن بكين وضعت منطقة القرن الإفريقي ضمن نطاق اهتماماتها خلال العقد المنصرم، ما يؤكد ضرورة عودة تحرك واشنطن هناك.

ترجمات - السياق
وصف الكاتب الأمريكي مايكل روبين، تراجع النفوذ الأمريكي في إفريقيا، مع تزايد الوجود الصيني هناك بـ"الانتحار الاستراتيجي"، مشيرًا إلى أن بكين وضعت منطقة القرن الإفريقي ضمن نطاق اهتماماتها خلال العقد المنصرم، ما يؤكد ضرورة عودة تحرك واشنطن هناك.
كانت الصين قد عقدت مؤخرًا أول مؤتمر بين الصين والقرن الإفريقي عن الأمن والحوكمة والتنمية، ورغم عنوانه، فإن المؤتمر لم يتطرق إلى أي من النزاعات التي تمزق هذه المنطقة.
ويتمتع القرن الإفريقي بموقع استراتيجي مهم، وإمكانات تنموية هائلة، لكن المنطقة عاشت -خلال السنوات الأخيرة- قضايا ساخنة، وصراعات عدة.
آخر الاهتمامات
وسلَّط مايكل روبين، الباحث المقيم بمعهد أمريكان إنتربرايز، في تحليل بموقع ناينتين فورتي فايف الأمريكي، الضوء على الاهتمام الأمريكي بمنطقة القرن الإفريقي، مشيرًا إلى أنها تأتي في آخر اهتمامات الإدارات الأمريكية المتعاقبة ووزارة الخارجية، حتى أن زيارات الرؤساء تكاد تتوقف عند دول (جنوب إفريقيا ونيجيريا وكينيا والسنغال) فقط، من دون الاهتمام ببقية الدول.
وقال الكاتب ساخرًا "داخل وزارة الخارجية، عادةً ما يكون مكتب الشؤون الإفريقية في أدنى مرتبة، ودائما ما يقع بجوار الكافتيريا أو موقف السيارات".
وشدد على أن استمرار هذا الإهمال يُعد انتحارًا استراتيجيًا، مشيرًا إلى أنه بينما تعترف واشنطن بالمنافسة العالمية مع الصين، تسعى بكين إلى توسع طموحاتها في القرن الإفريقي، وسط تراجع أمريكي غير مسبوق.
ولتأكيد هذا الاهتمام، استطرد الكاتب: إذا كان تركيز بكين الأساسي خلال العقد الماضي على تعزيز وجودها العسكري في بحر الصين الجنوبي، أو تعزيز وجودها -اقتصاديًا وعسكريًا- في باكستان وسريلانكا، فإن طموحاتها في القرن الإفريقي كانت اكتمالًا لأضلاع مثلث اهتماماتها القصوى دوليًا.
دبلوماسية الديون
وبين روبين أنه طالما استخدمت الصين دبلوماسية الديون لزيادة نفوذها في جيبوتي، مشيرًا إلى أنه قبل خمس سنوات، افتتحت رسميًا أول قاعدة بحرية خارجية لها في الدولة الواقعة على البحر الأحمر التي تستضيف أيضًا القوات الأمريكية.
كما دعمت بكين -حسب الموقع الأمريكي- الرئيس الصومالي السابق محمد فارماغو، الذي منح 31 رخصة صيد للصين عبر قانون جديد، إذ إنه بموجب تلك الرخص تتمكن جمعية مصائد الأسماك الصينية، التي تشمل 150 شركة صيد كبيرة، من صيد أسماك التونة من الشواطئ الصومالية بشكل قانوني، وتفتح الباب على مصراعيه للسفن الأجنبية.
إلا أنه في المقابل، فإن منطقة أرض الصومال -التي انفصلت عن الصومال عام 1991 لكنها لم تحظ باعتراف دولي واسع باستقلالها- حدت من طموحات الصين عندما أقامت علاقات رسمية مع تايوان.
وأشار الموقع الأمريكي، إلى أنه بينما أشاد مجلس الأمن القومي بهذه الخطوة -اتفاق أرض الصومال وتايوان- في ذلك الوقت، كانت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أكثر تحفظًا.
وتعليقًا على ذلك، بيّن روبين، أن بكين قد ترى تحفظ واشنطن على أنه دعوة لاتخاذ خطوة نحو منطقة استراتيجية بالنسبة لها، إذ إنه في حديثه خلال المؤتمر الأول للسلام والحوكمة والتنمية بين الصين والقرن الإفريقي في أديس أبابا، قال شيويه بينغ، المبعوث الصيني الخاص إلى القرن الإفريقي إن بكين تريد أن تلعب دورًا أكبر، ليس فقط في التجارة والاستثمارات ولكن أيضًا في مجال السلام والتنمية.
وأضاف بينغ: هذه هي المرة الأولى التي تلعب فيها الصين دورًا في مجال الأمن، متابعًا: لم يعد بإمكان الصين تقييد قواتها في قاعدتها في جيبوتي، لكن يمكنها بدلاً من ذلك المشاركة في حفظ السلام.
وعن أهمية تعيين مبعوث خاص للصين في القرن الإفريقي، ترى بكين أن هناك مصالح صينية كبيرة في المنطقة، وفي السنوات الأخيرة، أصبح القرن الإفريقي منطقة رئيسة تنشط الصين فيها على تنفيذ مبادرة الحزام والطريق وتعزيز حضورها وتوسيع مصالحها الخارجية.
كذلك أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية لها في الخارج بجيبوتي عام 2017 لأداء مهام الحراسة في المياه قبالة سواحل الصومال، إضافة إلى المشروعات الضخمة التي أقامتها بكين شرقي إفريقيا.
انتهازية الصين
ووصف روبين، توسع الاهتمام الصيني في منطقة القرن الإفريقي بـالانتهازية، حيث تستغل الفرص التجارية في إثيوبيا وجيبوتي، بينما تشير تصريحات شيويه إلى أن الصين قد تنتقل قريبًا إلى مرحلة جديدة تستخدم فيها جيشها تحت ستار العمليات الأمنية أو الشراكات من أجل تشكيل الحكومات وفقًا لمصالحها على طول سواحل البحر الأحمر والمحيط الهندي من السودان إلى كينيا.
وأمام هذا التطور، يرى الكاتب أن الخطر على الولايات المتحدة والعالم الحر من هذه الخطوات كبير، حيث يُعد القرن الإفريقي موطنًا لمضيق باب المندب -أحد أهم نقاط الاختناق الاستراتيجية في العالم- ويسهل الوصول إليه من نقطتين أخريين (قناة السويس على بُعد 1440 ميلًا شمالًا (لكن يجب أن تمر حركة المرور الخاصة بها عبر باب المندب) ومضيق هرمز 1280 ميلًا إلى الشمال الشرقي، مشيرًا إلى أنه إذا نجحت الصين في تعزيز سيطرتها على هذه المنطقة، سوف تتحكم -بشكل فعّال- في تجارة الطاقة والحبوب والأسمدة.
وأشار إلى أن الحرب بين روسيا وأوكرانيا قد تستهلك تركيز البيت الأبيض، لكن إدارة بايدن ستكون مهملة إذا تجاهلت إفريقيا كما فعل الكثير من أسلافها.
وذكر أنه بعد الحديث عن عرض أرض الصومال -غير المعترف بها دوليًا- الاستخدام العسكري الأمريكي لميناءي بربرة البحري والجوي، اللذين يطلان على الممرات البحرية الاستراتيجية، مقابل الحصول على اعتراف بالمنطقة كدولة ذات سيادة، أوصت القيادة الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم) بضرورة وجود دائم هناك.
وبيّن الكاتب أن الاقتراح نال موافقة وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) والمخابرات الأمريكية، وعددًا لا بأس به داخل أروقة الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الكونغرس، إلا أن الخطوة لم تحظ بدعم من وزارة الخارجية، التي طالبت باستمرار جمود الموقف الأمريكي بشأن هذه القضية.
وشدد الكاتب على أنه حان الوقت لدعوة مستشار الأمن القومي جيك سوليفان إلى اجتماع اللجنة لحل هذا المأزق، مضيفًا: ينبغي للولايات المتحدة ألا تسهم في نهضة ميناءي بربرة الجوي والبحري فحسب، بل على وزارة الخارجية فتح قنصلية في هرجيسا -عاصمة أرض الصومال- التي وصفها الكاتب بأنها (الديمقراطية الحقيقية الوحيدة في القرن الإفريقي).
واستطرد: يجب على وزارة الخارجية والبيت الأبيض أيضًا ترسيخ علاقتهما مع كينيا، وهي دولة محورية في المنطقة، مشددًا على أنه ينبغي ألا تكون نيروبي مجرد فكرة عابرة في ذيل اهتمامات واشنطن، لكن على جدول الأعمال مثل برلين أو باريس أو مكسيكو سيتي.
أمل أخير
ويرى روبين، أن هناك أملًا جديدًا في الصومال، حيث يتولى حسن شيخ محمود ولايته الثانية غير المتتالية كرئيس، يُعرف عنه أنه يريد إقامة علاقات قوية بالولايات المتحدة، خلافًا لما كانت عليه الأمور إبان حكم فارماغو.
يذكر أن بايدن، كان قد أذن بإعادة نشر بضع مئات من القوات الأمريكية في الصومال، بعد مرور أكثر من عام على أمر سلفه دونالد ترامب بسحبهم، وقبل قرار ترامب، كان للولايات المتحدة نحو 700 جندي في الصومال، يركزون على مساعدة القوات المحلية في إلحاق الهزيمة بحركة الشباب المتمردة المرتبطة بتنظيم القاعدة.
وبيّن الكاتب أن حسن شيخ محمود ليس فقط وطنيًا، لكنه أيضًا شريك مسؤول يجب على الولايات المتحدة أن تشاركه أكثر بكثير لمساعدة الصومال في تحقيق أفضل مستقبل لها، مع حرمان الصين في الوقت نفسه من فرصة لاستغلال هذه البلاد.
وأشار إلى أنه في حين أن معاداة أمريكا قد تكون عميقة بين أتباع فارماغو ومستشاره السابق للاستخبارات والأمن القومي الداعم للإرهاب فهد ياسين، فإن الصوماليين الوطنيين سيدركون أن الصين تعتمد على فساد النخب، ومن ثمّ من الممكن جر الصومال إلى حكم كليبتوقراطي -حُكم اللصوص- متحجر تحت تأثير بكين.
ووصف روبين، الرئيس الصيني شي جين بينغ بـ(المتعجرف)، مشيرًا إلى أنه يعتقد أن الصين تفوز دائمًا أمام الولايات المتحدة، وأن القرن الإفريقي صفحة بيضاء لطموحات الصين، ومن ثمّ حان الوقت لتظهر الولايات المتحدة له كم هو مخطئ في ذلك.