بعد مرور نحو شهرين على الحرب... السودان إلى أين؟

باحثة متخصصة في الشأن الإفريقي، تقول لـ السياق، إنه لا مؤشرات على إمكانية التوصل إلى تسوية سياسية بالفترة الراهنة.

بعد مرور نحو شهرين على الحرب... السودان إلى أين؟

السياق 

أيام وتدخل الحرب في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، التي بدأت في 15 أبريل الماضي، شهرها الثالث، مع تباين الرؤى والتوقعات لمسار هذه الأزمة، التي خلفت مئات القتلى وآلاف النازحين في الداخل والخارج.

ورغم تعقد المشهد، بحسب خبراء، فإن الآمال تتجدد في وضع حد لهذه الحرب، خصوصًا مع تكثيف السعودية وأمريكا جهودهما لإحلال السلام، عبر وساطة تكللت بانتزاع وقف لإطلاق النار 24 ساعة بين الجانبين.

فقد اتفق الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، على وقف إطلاق نار في كل أنحاء البلاد 24 ساعة، بجهود ورعاية سعودية أمريكية، بحسب ما أعلنت الرياض.

ووفق بيان وزارة الخارجية السعودية، فإن هذا الاتفاق دخل حيز التنفيذ صباح السبت، على أمل أن يلتزم الطرفان به، ما يسهم في ممرات إنسانية آمنة، لإدخال مساعدات إغاثية، وخروج المدنيين من مناطق القتال.

الأسبوع الماضي شهد انهيار آخر اتفاق للتهدئة بين الجانبين، على هامش المباحثات بين الجيش والدعم السريع في جدة، ما تسبب في إعلان السعودية وأمريكا تعليق المباحثات، رغم مطالبة الطرفين بالعودة إلى مائدة المفاوضات.

في ضوء العرض السابق، تبدو هناك ضرورة للوقوف على مسار هذه الحرب وسيناريوهاتها، خصوصًا أن تداعياتها تتجاوز حدود السودان إلى دول الجوار، بل الإقليم.

لا تسوية

الدكتورة إيمان الشعراوي، مديرة وحدة الدراسات الإفريقية بمركز المستقبل الإقليمي للدراسات الاستراتيجية، الباحثة المتخصصة في الشأن الإفريقي، تقول لـ"السياق"، إنه لا مؤشرات على إمكانية التوصل إلى تسوية سياسية بالفترة الراهنة.

وأوضحت أنه من المتوقع إطالة أمد الصراع العسكري في السودان، لأن طرفي الصراع بقيادة الفريق عبدالفتاح البرهان قائد الجيش، والفريق محمد حمدان دقلو قائد الدعم السريع، متوازنان في القوى، ويريد كل منهما حسم القتال لصالحه، لإحكام سيطرته على البلاد.

وفي ما يتعلق بفرصة أي منهما لحسم الصراع، أكدت إيمان الشعراوي أنه في الوقت الحالي، لا يمكن لأي من الجانبين تحقيق نصر عسكري حاسم، أو السيطرة على السودان.

وزادت أنه حتى لو حُسمت المعركة في الخرطوم، ما يترتب عليه مزيد من تدهور الاوضاع في البلاد وتهميشها، بخلاف زيادة التدخلات الأجنبية لتحقيق مصالحها، في دولة أصبحت منهارة وتعاني أكبر وأهم مؤسسة فيها (المؤسسة العسكرية) الانقسام، ومحاولة كل طرف القضاء على الآخر.

تداعيات إنسانية وإقليمية

ولم تغفل الباحثة في الشأن الإفريقي، ما خلفته الحرب من تداعيات إنسانية كارثية، إذ قالت إن الوضع الإنساني في السودان يزداد سوءًا، في ظل عدم نجاح الأطراف الإقليمية والدولية في وقف القتال، ما تسبب في تزايد أعداد اللاجئين إلى أكثر من 400 ألف سوداني.

وأوضحت إيمان الشعراوي، أن تداعيات هذا الصراع امتدت على المستوى الإقليمي، خاصة دول جوار السودان، ومنها مصر التي استقبلت 200 ألف سوداني إلى الآن.

ونوهت إلى التداعيات الأخرى الخاصة بملفات حيوية على مستوى حوض النيل، ومنها ملف سد النهضة، متوقعةً أن تستغل إثيوبيا هذه الحرب بالإسراع في الملء الرابع لسد النهضة، من دون التشاور مع مصر والسودان، مستغلة حالة الانقسام التي يعانيها السودان، بخلاف احتمال تقدمها في بعض المناطق الحدودية محل النزاع بين الدولتين، ومنها الفشقة، لاستعادة ما استرده الجيش السوداني بالفترة الماضية.

وعن إمكانية تمدد الصراع جغرافيًا خارج السودان، أكدت إيمان الشعراوي، أن المثلث الحدودي بين السودان وتشاد وإفريقيا الوسطى، يمثل بؤرة كبيرة للتداخل الإثني والقبلي، خاصة أن قوات الدعم السريع لها امتدادات في تشاد، وهو ما تخشاه الحكومة التشادية من انتقال الصراع داخلها، واستغلال الجماعات المعارضة ذلك لإحداث حالة من عدم الاستقرار السياسي، أو محاولة القيام بتغييرات غير دستورية على مستوى القيادة.

استمرار الصراع

من جانبها ترى الدكتورة هبة البشبيشي، أستاذة العلوم السياسية، الخبيرة في الشؤون الإفريقية -في تصريحات خاصة لـ"السياق"- أن السودان يمر بأزمة كبيرة فهو في مفترق طرق وحالة ضياع شامل لمفهوم الدولة المركزية المستقرة.

وكشفت أن الصراع الراهن ليست له أسباب حقيقية، فهو صراع إفريقي تقليدي محوره التنافس على الثروة والسلطة، وكل جناح من العسكريين يقول إنه أحق بهما من الآخر، وفق رأيها.

إلى جانب ذلك ترى هبة البشبيشي، أن طريقة التعامل العسكري بين كل جناح وآخر ورؤية كل طرف لمسار الحرب، تقود إلى القضاء على الدولة السودانية، ولفتت إلى أن الخرطوم أصبحت مدينة أشباح، تعاني نقص الخدمات وتوقف العملية التعليمية والصحية، وهي أزمة كبيرة حتى أن كل الخدمات المقدمة للمواطن أوقفت، وكل تلك المعطيات تدفع البلاد إلى أزمة تجعلها تنعزل مرة أخرى عن المجتمع الدولي.

وحذرت الخبيرة في الشؤون الإفريقية من توسع تدخل جماعات مسلحة خارجية في الحرب بالسودان، مثل "فاجنر"، إذ إنها تعمل بالأساس على السيطرة ونهب ثروات البلاد، وتأجيج الصراع لتعظيم مكاسبها عبر الفوضى.

سيناريو الصومال

تحذر الدكتورة هبة البشبيشي، من أن الوضع الحالي لا يبشر بأي تطور إيجابي، وإذا استمر الوضع على ما هو عليه، فإنه يقود إلى ما وصفتها بـ"صوملة" السودان، أي تكرار نموذج الصومال، ما يعني استمرار الحرب إلى ما لا نهاية، وإعادة تقسيم البلاد إلى أقاليم، واستندت في رؤيتها إلى تهديد إقليم دارفور أكثر من مرة بالانفصال.

ومما يعزز مخاوف تحقيق هذا السيناريو "تخليق" حالة من الثأر بين مكونات العملية السياسية في السودان، لافتة إلى أن الفرصة متاحة لمراجعة النفس، والتوقف عن إيذاء الشعب السوداني وإهدار موارده، متوقعة أنه مع الوقت لن يُرحَّب بأي من الجانبين في المسار السياسي مستقبلاً.