هل تتحول المظاهرات في إيران إلى ثورة مسلحة؟

يقول الباحث في الشأن الإيراني محمد عبادي، في تصريحات لـالسياق، إن قيادات ميدانية بالحرس الثوري أعربت عن خشيتها من أن تسير الاحتجاجات السلمية في إيران على المسار السوري، الذي بدأت تظاهراته سلمية، ثم جرى -عسكرة الثورة-، حتى باتت معسكرات تتقاتل بالسلاح.

هل تتحول المظاهرات في إيران إلى ثورة مسلحة؟

السياق

بينما دخلت الاحتجاجات في إيران الأسبوع العاشر على التوالي، من دون أن تخمد جذوتها يومًا واحدًا، رغم محاولات السلطات الإيرانية التي لم تأل جهدًا في «قمعها»، بدت سيناريوهات كثيرة تلوح في الأفق.

تلك السيناريوهات توقعت نهايات عدة لتلك الاحتجاجات، التي تعد التحدي الأكبر للنظام الإيراني منذ عام 1978، أدناها حصول المرأة في إيران على مكاسب عدة، ومحاسبة مرتكبي العنف ضد المتظاهرين، بينما كانت أكثر تلك السيناريوهات إفراطًا في الآمال، تلك التي توقعت سقوط النظام الإيراني، على أيدي المحتجين الذين لم يغادروا الشارع منذ منتصف سبتمبر الماضي.

وبين الإفراط في الآمال والتواضع فيها، يقف سيناريو في المنتصف بين هذا وذاك، إلا أنه يمثل مخاوف كبيرة للنظام والمحتجين، يتمثل في «عسكرة الثورة» شيئًا فشيئًا، حتى تتحول إلى السيناريو السوري، الذي بدأ سلميًا ووقع في بئر العنف وتسليح المحتجين، حتى ظهرت قوى تناوئ النظام وتعاديه، بأسلحة ثقيلة كتلك التي يملكها.

ذلك السيناريو، غذته عوامل عدة، بينها حرص النظام في إيران على إبراز الجانب المسلح من تلك الاحتجاجات، وإظهار المتظاهرين ويكأنهم عصبة مسلحة تحاول إسقاطه، إضافة إلى نشر جماعة «جيش العدل» السلفية الإيرانية المعارضة، مقطعًا مصورًا تستعرض فيه قدراتها المسلحة، وتهدد نظام طهران بـ«دفع ثمن الدماء التي أراقها خلال مواجهة المتظاهرين».

وبينما لم يكشف موقع تصوير ذلك المقطع الذي بدا ويكأنه في منطقة جبلية كبلوتشستان التي يتخذ منها معقلًا له، إلا أنه يمثل تحولًا «مهمًا» في مسار التطورات الداخلية.

 

هل تتحول إيران إلى سوريا ثانية؟

يقول الباحث في الشأن الإيراني محمد عبادي، في تصريحات لـ«السياق»، إن قيادات ميدانية بالحرس الثوري أعربت عن خشيتها من أن تسير الاحتجاجات السلمية في إيران على المسار السوري، الذي بدأت تظاهراته سلمية، ثم جرى «عسكرة الثورة»، حتى باتت معسكرات تتقاتل بالسلاح.

وأوضح عبادي، أن تلك المخاوف تسللت إلى مفاصل النظام الإيراني، التي عبر عنها وزير الخارجية الإيراني حسين آمير عبداللهيان، قبل أيام، عندما حذر من أن البلاد تُدفع دفعًا إلى الاشتباكات حتى تكون هناك حرب أهلية، متهمًا دولًا أجنبية، في إشارة إلى الولايات المتحدة والغرب وإسرائيل، التي قال إنها تدعم المتظاهرين بالسلاح، لإذكاء هذا السيناريو.

وأشار إلى أنه مع استمرار الاحتجاجات في إيران، حاول النظام «تضخيم»، ما سماها «عسكرة الحراك» عبر نشر العديد من المقاطع المصورة باستخدام الطائرات المسيرة وطائرات الاستطلاع، التي تصور جانبًا من المتظاهرين يستخدمون الأسلحة أو يمارسون العنف.

وعن أسباب تركيز النظام الإيراني على «العسكرة»، قال الباحث في الشأن الإيراني، إن هناك سياقين، الأول: حشد باقي الشعب الإيراني ضد المظاهرات، ما يقلل من أهمية عدد القتلى الذي وصل إلى أكثر من 400 قتيل -بحسب منظمات حقوقية- باعتباره يواجه حراكـًا مسلحًا يفرض مواجهته بالسلاح.

الباحث في الشأن الإيراني، قال إن النظام يحاول اكتساب أرضية شعبية، سواء بالداخل أم الخارج، للقضاء على هذه التظاهرات عبر الدفع بالقوة الغاشمة للحرس الثوري في المحافظات الإيرانية، والقبض بيد من حديد على الجميع، بصرف النظر عن كثرة الضحايا المتوقعين، الذين سيبررهم النظام بمواجهته مسلحين.

 

توتر الأطراف

تلك الشرعية التي يحاول النظام الإيراني اكتسابها، بإظهار الجانب المسلح، يسعى لاستخدامها في استهداف القوميات في أطراف البلاد، حال خروجها بمظاهرات واحتجاجات، بحسب العبادي، الذي قال إن المحافظات الحدودية أو ما تعرف بـ«محافظات القوميات» سواء كانوا الأكراد في الشمال الغربي أم الأيزيديين في الشمال أو حتى البلوش في الشمال الشرقي، وأيضا الأحوازيين في الجنوب الغربي، قوميات غاضبة وجاهزة للانفجار وقد عانت خلال 44 عامًا حكم الملالي، من تهميش وقمع وإفقار.

وحذر من أنه إذا ما انتقل الأمر إلى تسليح فصائل من القوميات غير الفارسية، ورفعت السلاح ضد النظام الإيراني، فحتمًا ستكون طهران أمام معضلة، ستدفعها نحو التفكيك، بعد الدخول في دوامة العنف والعنف المضاد.

وعن «جيش العدل»، قال العبادي، إنه يتخذ من محافظة سيستان بإقليم بلوشستان على الحدود بين أفغانستان وباكستان معقلًا له، مشيرًا إلى أن تلك المحافظة السُّنية من أكثر المحافظات اضطهادًا وتهميشا وإفقارًا من قِبل النظام الإيراني الذي يعاقبها، لأنها أولًا غير فارسية، وثانيًا لأنها سُنية على غير المذهب الشيعي الحاكم.

وأكد الباحث في الشأن الإيراني أن ما وصفه بـ«الضغط الكبير» على هذه المحافظة، أخرج عددًا كبيرًا من التنظيمات المسلحة، منهم «جيش العدل»، الذي دائمًا ما يشتبك مع الحرس الثوري، مشيرًا إلى أن ذلك «الجيش» قد يستفيد من حالة الفوضى والسيولة التي تخلفها التظاهرات، لتنفيذ عمليات ضد النظام الإيراني.

ورغم ذلك، فإنه قال إن الأوضاع ستظل على حالها، فنظام الملالي لديه خطة في التوسع بالخارج وتكريس الثروات، في المجالات العسكرية وخدمة مشروع معين ليس فيه حرية مواطنيه ولا أوضاعهم الاقتصادية وتحسين ظروفهم المعيشية، متوقعًا هدوء المظاهرات أو السيطرة عليها بإحكام القبضة الحديدية.

 

خدمة للنظام

الباحث في الشؤون الإيرانية إسلام المنسي، وافق العبادي في تصريحاته، مشيرًا إلى أن سيناريو عسكرة المظاهرات الإيرانية يصب في مصلحة النظام، إذ يمنحه المبرر للقمع واستخدام العنف، باعتبار أنها «حركات إرهابية انفصالية وليست ثورة شعبية سلمية»، حسب رؤية النظام.

وأوضح المنسي، في تصريحات لـ«السياق»، أنه بينما تقول حركات المعارضة إن تظاهراتها سلمية وإن الدولة هي التي تستخدم العنف، فإن للنظام رواية أخرى تقول إن هناك تنظيمًا يتبع «داعش» ينفذ تفجيرات، زاعمًا وجود عنف من الأكراد، لإضفاء شرعية على ضرب كردستان، وممارسة العنف المسلح في بلوشستان.

وأشار الباحث في الشؤون الإيرانية، إلى أن «الثورة» الحالية سلمية، في مقابل نظام يستخدم العنف، ويحاول تشويها بالادعاء بأنها حركة إرهابية عنيفة.

 

غياب الدعم الشعبي

على النقيض، قلل الباحث الأفغاني في العلوم السياسية، الدكتور نور الهدا فرزام، من «عسكرة الثورة»، قائلًا إن الجماعات المسلحة التي تعمل ضد النظام الإيراني «ضعيفة جدًا»، مثل جماعة «جند الله» بقيادة عبدالمالك ریگی الذي اعتُقل عام 2011 وأعدم في ما بعد.

وأشار الباحث الأفغاني، إلى أن عدم نجاح تلك الجماعات، يتمثل في انخفاض شعبيتها في عموم إيران، بخلاف الاختلافات المذهبية بینها وبين أغلبیة الشعب الإیراني، إذ تنشط على أساس المعتقد السُّني أو القومي.

وأوضح فرزام، أن من شروط نجاح أي نشاط مسلح في تحقيق أهدافه، أن تكون له قاعدة شعبية، مشيرًا إلى أنه بغياب هذا الشرط في حالة «جیش العدل» الذی یحمل معتقدًا سُنیا، فإن أي تهديد محتمل له لا یعد ذا أهمية كبيرة، وإن کان لا يمكن التقليل منه.

واستبعد الباحث الأفغاني أن يكون «تسليح» احتجاجات إيران وتحديدًا الأقاليم الحدودية، بداية لموجة من الاحتجاجات المسلحة التي يمكن أن تسقط نظام طهران، لعوامل عدة، أولها أن الشعب الإيراني لا یرید تأييد معتقد سُني، كما لا یرید أن یسقط النظام بأیدی جماعة دينية أخری، بعد خلاصهم من الجماعة الحاکمة.

ومن الأسباب –كذلك- أن إیران لدیها حکومة ومؤسسات قوية، مثل جهاز المخابرات والجیش، فضلًا عن جيش آخر شبه منظم هو الحرس الثوري الإيراني، الذي تقتصر مهمته على حماية النظام، بحسب الباحث الأفغاني في العلوم السياسية.