بعد 12 عاماً على مقتل القذافي.. أين تقف ليبيا؟
يقول المحلل الليبي معتز بلعيد، في تصريحات لـ -السياق-، إن المسار السياسي يشهد نشاطًا، خاصة بعد التوافق بين مجلسي النواب والأعلى للدولة

السياق "خاص"
على درب الأزمة الليبية الشائك، خطا البلد الإفريقي عامه الثالث عشر من دون حل في الأفق، لأزمته التي تعثرت سبل الخروج منها.
تلك الأزمة، التي كان الطريق إلى حلها يمر عبر ثلاثة مسارات: سياسية، واقتصادية، وأمنية أو عسكرية، كانت عراقيل كثيرة تقف عائقًا أمام الخروج منها.
فمن انسداد سياسي ولد حالة من القوة القاهرة أرجأت إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 24 ديسمبر 2021، وأعادت الانقسام، بحكومتين تتصارعان على السلطة، إحداهما حائزة شرعية البرلمان، والأخرى ترفض التسليم، متسلحة بالأمر الواقع وقبضتها على المليشيات المسلحة، كان المسار السياسي يقف بلا حراك يلوح في الأفق، سوى بعض المبادرات التي لم تجد حلحلة على أرض الواقع.
إلا أن ذلك المسار شهد انفراجة، باتفاق مجلسي النواب والأعلى للدولة على الإعلان الدستوري الثالث عشر، الذي يعد قاعدة دستورية، قد تجرى على أساسها الانتخابات، إذا سارت الأمور على المستوى المأمول.
المسار السياسي
ذلك المسار أمامه تحديات، أبرزها التخوفات من الجلسة التي سيعقدها ما يعرف بـ«الأعلى للدولة»، الأحد، لمناقشة التعديل الدستوري وخارطة الطريق، وكيفية عمل المؤسسات التشريعية والتنفيذية، حتى إجراء الانتخابات.
ورغم أن ذلك المجلس رأيه استشاري غير ملزم، فإن الواقع أثبت أن عدم انضمامه للبرلمان في أية خطوة، يجعل إجراء الانتخابات أمرًا بعيد المنال، خاصة أن أغلبية المؤسسات تتمركز في العاصمة طرابلس، حيث يقبع هو الآخر.
كما أن مصيره سيظل معلقًا على اجتماع تحتضنه الولايات المتحدة 22 و23 فبراير الجاري، لأمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وتركيا ومصر بشأن ليبيا، بحضور المبعوث الأممي عبدالله باتيلي.
ومن المتوقع أن يعلن المبعوث الأممي، خلال إحاطته أمام مجلس الأمن في 27 فبراير الجاري، خارطة طريق لليبيا، بينما من غير المعلوم هل تشمل الخارطة تغييرًا للمراكز قبل العملية الانتخابية، أم تبقى الأوضاع على ما هي عليه إلى ما بعد الانتخابات.
بدوره، قال المحلل السياسي الليبي العربي الورفلي، في تصريحات لـ«السياق»، إن الخلاف ما زال قائمًا بين مجلسي النواب والدولة، مشيرًا إلى أن المجلسين يستفيدان من الوضع الحالي، الذي يمكنهم من الاستمرار في مناصبهم.
وبينما قال إن ليبيا بحاجة إلى معجزة، لإنقاذ المسار السياسي، أكد أنها تعيش وضعًا سياسيًا صعبًا وانقسامًا حادًا وسيادة مخترقة، مشيرًا إلى أن الأوضاع وصلت إلى طريق مسدود، مع استفحال الأزمات السياسية والاقتصادية، وظهور مجموعات فاسدة تسيطر على الإدارات الليبية.
من جانبه، قال المحلل الليبي معتز بلعيد، في تصريحات لـ«السياق»، إن المسار السياسي يشهد نشاطًا، خاصة بعد التوافق بين مجلسي النواب والأعلى للدولة، مشيرًا إلى أنه بإمكان المجلسين التوصل لحلول، إن لم تتدخل المليشيات المسلحة أو الأطراف الخارجية.
المسار الأمني
أما المسار الأمني والعسكري، فشهد محطات من الصعود والهبوط منذ اتفاق جنيف الموقع في أكتوبر 2020، بانفراجة مهدت الطريق لتوحيد الجيش، إلا أنه لم يكتمل بعد الألغام السياسية التي وضعت على دربه، وتسببت في تأخير توحيد الجيش.
إلا أن الطريق بات ممهدًا، خاصة بعد توصل اللجنة العسكرية الليبية المشتركة (5+5) المشكلة من الجيش الليبي بشرقه وغربه، إلى اتفاق في العاصمة المصرية القاهرة، لإخراج المرتزقة والأجانب من الأراضي الليبية.
وعن ذلك المسار، يقول المحلل الليبي كامل المرعاش، إن هذا الملف الأخطر في الأزمة الليبية، فلم تركز عليه بعثة الأمم المتحدة ولا الدول التي تدعي دعمها للاستقرار في ليبيا، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا.
وأكد ضرورة أن تكون هناك ضغوط على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لحل هذا الملف، محذرًا من أن الدعم الغربي الخفي لبقاء تركيا ومرتزقتها، يعطل أي محاولة لتخليص ليبيا من النفوذ التركي المباشر، ويعطل بدوره أي انتخابات رئاسية وتشريعية، تعيد الاستقرار والسيادة إلى ليبيا.
بدوره، قال المحلل الليبي العربي الورفلي، في تصريحات لـ«السياق»، إن أزمة انعدام الأمن وسيطرة مجموعات مسلحة مؤدلجة علي مقدرات البلاد، أدخلت ليبيا في متاهة حروب ومنازعات لم تنتهِ، محذرًا من خطر انتشار تنظيم القاعدة، الذي حاول بسط نفوذه على كل المدن اللييية بممارسة الإرهاب.
وأكد المحلل الليبي، أن المسار العسكري بات متعثرًا بسبب الوجود التركي في الغرب الليبي، لأن حكومة الدبيبة محمية من السلطات التركية، مشيرًا إلى أن خروج الأتراك يعني نهاية الحكومة، وهو ما لا يريده الدبيبة ومن معه.
وأشار إلى أن الحل يكمن في تمكين الجيش اللييي من بسط سيطرته على مدن الغرب، إلا أنه قال إن هذا الحل يواجه معارضة شديدة على مستوى المليشيات المسلحة، ودوليًا من أمريكا وتركيا وقطر.
بينما قال المحلل السياسي الليبي معتز بلعيد، إن إخراج المرتزقة وتحييد المليشيات المسلحة، الحل الجذري للوصول بليبيا إلى بر الأمان، بداية من انتخابات تخرج من خلالها حكومة قوية قادرة على إدارة الدولة، وبرلمان منتخب.
المسار الاقتصادي
بعد محطات عدة، توقف المسار الاقتصادي في ليبيا، عند محطة يوليو الماضي، التي عين فيها رئيس للمؤسسة الوطنية للنفط محسوب على الشرق الليبي يدعى فرحات بن قدارة.
وعن النقطة التي توقف عندها المسار الاقتصادي، قال المحلل السياسي الليبي كامل المرعاش، في تصريحات لـ«السياق»، إن تعيين بن قدارة لتحقيق توازن في توزيع عادل لثروات البلاد، ولرضوخ حكومة الدبيبة بدفع مرتبات موظفي شرق البلاد ورواتب منتسبي الجيش الوطني، مقابل عدم إغلاق حقول النفط، التي تقع أغلبيتها شرقي البلاد.
وأشار المحلل الليبي إلى أن تلك النقطة كانت بضمانة أمريكية بريطانية، خشية توقف إنتاج النفط وتداعياته على سوق النفط، خصوصًا وقت الصدام مع روسيا بشأن أوكرانيا.
بدوره، قال المحلل الليبي العربي الورفلي، في تصريحات لـ«السياق»، إن المسار الاقتصادي يعاني أزمة، خاصة بعد السيطرة على إيرادات النفط، عن طريق المصرف الخارجي الذي يديره تنظيم الإخوان، بينما الليبيون يعانون كارثة مالية واقتصادية.
وعن أسباب توقف المسار الاقتصادي، قال المحلل الليبي معتز بلعيد، إن سيطرة الصديق الكبير على المصرف المركزي وإشكالية توحيد المصرف المركزي، العثرة الأكبر أمام المسار الاقتصادي.
هل يكون 2023 عام الانتخابات؟
يقول المرعاش، إن المعطيات التي نراها وما وصفه بـ«تباطؤ» المبعوث الأممي عبدالله باتيلي وعدم تركيزه على القضايا الجوهرية التي تعيق عودة الاستقرار وتسهم في بناء مناخ ملائم لتنظيم الانتخابات، تجعل الأمل محل شك.
وأشار إلى أنه لتسهيل إجراء الانتخابات، على المبعوث الأممي التعامل مع ملف الوجود العسكري التركي والمرتزقة الأجانب على الأرض الليبية، وعدم النظر بجدية في تشكيل حكومة وحدة وطنية حقيقية، وتفكيك وإدماج مليشيات الغرب الليبي في هيكلية الجيش الوطني والمؤسسات الأمنية، وجمع السلاح وحصره على الدولة.
من جانبه، قال المحلل السياسي الليبي العربي الورفلي، إن إجراء انتخابات أصبح بعيد المنال، مشيرًا إلى أن هناك محاولات لتشكيل مجلس رئاسي جديد وحكومة جديدة، ما يعني أن الأزمة مستمرة.
في السياق نفسه، قال المحلل السياسي الليبي معتز بلعيد، في تصريحات لـ«السياق»، إن الظروف التي مرت بها ليبيا خلال الأعوام الماضية، لا تطمئن أحدًا، مشيرًا إلى أنه لا أحد يستطيع أن يزعم ذلك الأمر، رغم أن المعطيات تبشر بإمكانية تحقيقه.
وأوضح المحلل الليبي معتز بلعيد، أن لا أحد يستطيع حسم إجراء الانتخابات، إلا بعد تحديد المواعد الرسمية لها، ووضع الليبيين أصابعهم في الحبر، لأن التجارب علمت الليبيين ألا يتفاءلوا كثيرًا في ما يخص الانتخابات.
وصفة العلاج
وعن وصفة الخروج من الأزمة الليبية برمتها، قال المحلل الليبي المرعاش، إن الحل يجب أن يكون ليبيًا خالصًا من دون تدخل أي دول أجنبية، ما يستوجب أن تقوده قوى وطنية تترك خلافاتها السياسية والأيديولوجية جانبًا، وتلتف حول الجيش الوطني في فرض إرادة الشعب الليبي باختيار حكامه بعيدًا عن الوصاية الدولية، ما يتطلب مبادرة وطنية تتعامل مع القوى الوطنية الفاعلة على الأرض، البعيدة عن نفوذ الدول الإقليمية والدولية، وتشكيل هيئة وطنية تتجاوز الأجسام السياسية الفاشلة بلا استثناء.
وشدد على ضرورة الضغط على البعثة الأممية، في فرض حكومة وطنية مصغرة إلى أبعد الحدود، تكون مهمتها الإعداد للانتخابات، بعد حسم الملفات التي تعرقل الاستقرار وإعادة سيادة ليبيا الوطنية على أراضيها وبحارها وسمائها.
«إزاحة المليشيات وأن يبقى الأمر ليبيًا أساس الوصول بليبيا إلى بر الأمان»، أساس وضعه المحلل الليبي معتز بلعيد لأي حل في ليبيا، مشيرًا إلى أن على دول الجوار مساعدة ليبيا حتى الوصول إلى بر الأمان، وإحلال السلام لمصلحة المنطقة.