واشنطن بوست: اللاجئون السوريون يواجهون العداء والغضب في تركيا بعد الزلازل

يراود اللاجئين السوريين أمل العودة إلى بلدهم ولو مؤقتًا، بعد ضياع آخر أمل لهم بالبقاء في تركيا.

واشنطن بوست: اللاجئون السوريون يواجهون العداء والغضب في تركيا بعد الزلازل

ترجمات -السياق 

في مواجهة الغضب بعد الزلازل، يتساءل اللاجئون السوريون في تركيا مرة أخرى: إلى أين نذهب؟ مشيرين إلى أن الأتراك لا يريدونهم في بلدهم، ما يعكس مأساة جديدة تتخطى معاناة الزلزال المدمر والحرب الأهلية إلى البحث عن "طوق نجاة".

صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، سلطت الضوء على أحوال هؤلاء اللاجئين الصعبة، لافتة إلى أن عديد السوريين الذين عاشوا في مدينة كهرمان ماراس التركية المدمرة جراء الزلزال، كانوا قد نزحوا من بلدهم هربًا من حرب مستمرة منذ نحو عقد من الزمان، ورغم المآسي التي تعرضوا لها طوال هذه الفترة، فإنه من المستحيل معالجة حجم الدمار بعد زلزال 6 فبراير، فلم يكن أمامهم سوى التفكير في العودة... فهل يحصلون على ما يريدون؟

فقد دمرت الزلازل مجمعات سكنية، وقتلت أكثر من 43 ألف شخص، ونوهت الصحيفة، إلى أن السوريين الذين اعتادوا التمييز في تركيا، يواجهون صدمة جديدة وانعدامًا للأمن، ويتركون ليصارعوا سؤالًا مؤلمًا: إلى أين نذهب؟

وتستضيف تركيا ما لا يقل عن 4 ملايين لاجئ سوري، هربوا من الحرب الأهلية هناك، بينما تنامت المشاعر المعادية لهم في الداخل التركي خلال السنوات الماضية، إذ يستغل سياسيون أتراك "مسألة اللجوء السوري"، ليلقوا عليهم عبء مشكلات اقتصادية تعانيها تركيا.

ووفق أرقام مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، تستضيف المحافظات التركية المتضررة من الزلزال وحدها 1.7 مليون لاجئ، سوري.

أمل العودة

وحسب "واشنطن بوست"، يراود اللاجئين السوريين أمل العودة إلى بلدهم ولو مؤقتًا، بعد نحو عقد من الفرار جراء الحرب الأهلية هناك، بعد ضياع آخر أمل لهم بالبقاء في تركيا، حيث دمر الزلزال الأخير كل أسباب عيشهم، من مسكن إلى مقار العمل، وحتى مدارس الأطفال والمستشفيات.

وروت الصحيفة مشاهد من هذه المأساة، لافتة إلى أنه بينما كانت فرق الإنقاذ التركية تمشط ببطء، عبر جبل رمادي من الخرسانة المكسورة، ليلة الأربعاء الماضي، خرجت مجموعة من السوريين يلوحون بوجودهم في المكان، حتى لا تدهسهم آلات الحفر، بينما غطت وجوههم "تعابير قاسية".

ونوهت إلى أنه بينما تجمعوا أمام "نار من الحطب والخشب للتدفئة" -حيث تهبط الحرارة في الليل إلى ما دون الصفر أحيانًا- كانوا أيضًا يتلهفون لمعرفة مصير أفراد عائلاتهم المفقودين، لكن من دون جدوى.

وحسب الصحيفة، تعد تركيا موطنًا لما لا يقل عن 4 ملايين لاجئ وطالب لجوء من سوريا، فروا من الصراع والصعوبات والقمع الحكومي في بلدهم، ويتركز كثيرون منهم في منطقة الزلزال الجنوبية.

لكن -وفق "واشنطن بوست"- اشتعلت المشاعر المعادية للسوريين مرارًا وتكرارًا على مر السنين الماضية، بسبب محاولة بعض السياسيين الأتراك تقديم جيرانهم السابقين "كبش فداء" لكل أزمات ومشكلات تركيا، بما في ذلك الانكماش الاقتصادي الأخير.

والآن، بلغ الأمر أن أصبح السوريون يلامون على مشاركتهم "الموارد الشحيحة" التي تُقدم للمساعدة في الإغاثة لضحايا الزلزال.

ولمعرفة أصل المعاناة، نقلت الصحيفة عن "أبو حسين"، وهو سوري من حلب يعيش في كهرمان مرعش منذ 10 سنوات، قوله: "انتهى بنا المطاف في الشارع"، مضيفًا في ألم: "حتى قبل الزلزال، كان معظم السوريين يفترشون الشوارع أيضًا".

وأوضح "أبو حسين" -الأب لخمسة أطفال- أنه يسكن وعائلته في خيمة يتشاركونها مع جيرانهم، ورغم أنهم يطلبون الحصول على خيم إضافية لإيوائهم، فإن الطوارئ ترفض وتبلغهم بأنها غير متوفرة، رغم أنهم يمنحون الأتراك كل ما يحتاجون.

وتابع: "كل مرة يطلبون مني الذهاب إلى العمدة، وعندما أذهب إلى العمدة، يخبرني بأنه لم يتلق أي شيء، فأعود إلى إدارة الكوارث والطوارئ، فيقولون لي إن رئيس البلدية يرفض تسليمهم إياها"، مضيفًا أنه رأى الأتراك يتلقون الخيام بشكل سلس، إلا أن الموظف المسؤول صرخ في وجهه حينما طالبه بالمساواة.

بينما يقول صهره أحمد للصحيفة: "يقولون لنا: أيها السوريون تنحوا جانبًا"، وسمعت أحد الكوادر يقول: "هذه الخيمة بها سوريون أفرغها وضع الأتراك داخلها".

وتقول مشيرة ابنة أبو حسين، للصحيفة: "لقد اعتدنا كل شيء: اللجوء، الظلم، الإهانة".

ورفض السوريون تقديم أسمائهم أثناء حديثهم للصحيفة، خوفًا من مطاردة السلطات التركية لهم، مكتفين بالاسم الأول فقط.

وروت مشيرة بعض المعاناة، مبينة أنها أثناء وقوفها في طابور لارتداء الملابس قبل يومين، اعترضتهم تركية، وحصلت على كل شيء، ولم تترك لهم أي شيء قد يحتاجون إليه، وهو ما أثار غضبها، مضيفة: "فقدت أعصابي، وألقيت بحقيبتي على الأرض وهي خاوية، بعد أن يئست من الحصول على شيء نرتديه".

الكرم التركي

لكن -حسب "واشنطن بوست"- كانت هناك قصص أخرى عن "الكرم التركي"، ومن ذلك صاحب العقار الذي كانت تسكن فيه أسرة "أبو حسين" قبل انهياره في الزلزال، الذي حاول الوصول إليهم للتأكد من أنهم بخير، وأيضًا جارهم اللطيف المسن الذي يعيش في الخيمة المجاورة، وعديد من المتطوعين الذين يتعاطفون معهم، ويمنحونهم كثيرًا من الاحتياجات، خصوصًا حفاضات الأطفال لتقيهم البرد القارس.

كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وعد بتقديم مساعدة نقدية لمن شردهم الزلزال، بمنحهم 15 ألف ليرة تركية (قرابة 800 دولار) لكل أسرة، لكن السوريين لا يتوقعون أن تشملهم المنح.

ففي مخيم للاجئين خارج المدينة، حيث كانت الظروف صعبة قبل الزلازل، قالت امرأتان لصحيفة واشنطن بوست إن مكان معيشتهما يفيض بالأقارب والمعارف، حيث يتكدس الناس فوق بعضهم كل ليلة.

وقالت أم محمود: "أحيانًا ترى أشخاصًا يقفون في الخارج، فقط للتنفس هربًا من الزحام في الداخل".

على الجانب الآخر من المخيم، يوجد عديد من المقطورات الجديدة لإيواء النازحين الأتراك.

لكن -وفق الصحيفة- عندما ظهر سوريون يحملون جوازات سفر تركية للحصول على المساعدة، على حد قولهم، طردهم الضباط الذين سمعوهم يتحدثون العربية.

وترى الصحيفة أنه "بالنسبة لكثيرين قدموا إلى تركيا بحثًا عن بداية جديدة، لم يعد هناك أي سبب للبقاء"، مشيرة إلى أنه منذ الأربعاء الماضي، تجمع ما لا يقل عن 4000 سوري عند معبر باب الهوى الحدودي التركي، الذين وضعوا ما تبقى من ممتلكاتهم في أكياس، بانتظار العودة إلى وطنهم.

وبينما كان بعضهم يحاول الاطمئنان على أفراد الأسرة الذين انقطع الاتصال بهم منذ الزلازل، خطط بعض الرجال لتحديد نطاق الموقف بمفردهم، خائفين من إحضار زوجاتهم أو أطفالهم حتى يعرفوا كيف تبدو الحياة عبر الحدود.

فبعد إغلاق دام سنوات، تقول سلطات الحدود إن أولئك الذين يعبرون المعبر سيكون أمامهم ثلاثة إلى ستة أشهر للعودة إلى تركيا، لكن كثيرين في الحشد لم يكونوا متأكدين مما إذا كان هذا وعدًا يمكنهم الوثوق به.

وقال عامل باليومية يبلغ من العمر 50 عامًا، قدم نفسه باسم أبو أنس، إنهم يستخدمون مصطلح عطلة للعودة إلى سوريا، حتى يمكنهم العودة إلى تركيا.

وأضاف الرجل: "نأمل أن تكون مجرد عطلة ونتمكن من العودة"، مشيرًا إلى أن عائلته كانت تعيش في أنطاكيا، لكن منزلهم دُمر، ولا يملكون حتى مجرد خيمة واحدة، ومن ثمّ ليس أمامهم سوى العودة إلى سوريا ولو بشكل مؤقت.

وحسب الصحيفة الأمريكية، لم يكن أبو أنس وعائلته يعرفون ماذا يفعلون عندما يدخلون سوريا، لكنهم كانوا يأملون الوصول إلى مخيم أطمة للنازحين للبقاء فيه فترة، حتى تتحسن الأمور في تركيا، مضيفًا: "أنا لا أحمل الكثير، فقط الملابس على ظهري أملًا في العودة".

حلم العودة

وبينت "واشنطن بوست" أن السوريين الذين قابلتهم عند الحدود، لم يقل أحد منهم إنه فكر في العودة قبل الزلزال، رغم الحياة الهشة التي كانوا يعيشونها، مشيرين إلى أن مساقط رؤوسهم، التي فروا منها يومًا، مازالت تحت سيطرة القوات نفسها التي فروا منها قبل سنوات.

وكشفت الصحيفة أن كثيرين من السوريين يخططون للبقاء في الشمال الغربي الذي يسيطر عليه المتمردون، حيث لجأ ملايين النازحين السوريين إلى هناك.

وأشارت إلى أنه في حين غمرت المساعدات الدولية المناطق المنكوبة في تركيا، لم يكن هناك سوى القليل في المناطق السورية الخارجة عن سيطرة الحكومة، حيث أمضت الأمم المتحدة ما يقرب من أسبوع في التفاوض على وصول شاحناتها، لافتة إلى أنه حتى ذلك الحين لم ينجح في الوصول سوى بضع عشرات من هذه الشاحنات، حيث تنفيذ معظم جهود الإغاثة المحدودة من خلال مجموعات محلية أو بدعم تركي.

ونقلت عن سوري يدعى أحمد سليمان، قوله: "لم يكن لنا أي شيء هناك، والآن لا يوجد شيء لنا هنا أيضًا".

وأضاف، وهو لا يحمل سوى سجادة ملفوفة وبطانيات وبعض أكياس الملابس: "هذا كل ما يمكننا إنقاذه... هذا كل ما لدينا".

بينما قالت فتاة للصحيفة، بشرط عدم كشف هويتها خوفًا من الانتقام: "استوقفني ضابط تركي، وقال لي إن السوريين في هاتاي ينهبون الجثث ويقطعون أيدي الناس لسرقة ممتلكاتهم، فقلت له لسنا كلنا أشرارًا"، إلا أنه أمسك بذراعها وكاد يضربها، مشيرة إلى أن هذا الحادث ترك لديها "اهتزازًا نفسيًا عميقًا"، مضيفة: "من الواضح أنهم لا يريدوننا هنا".

بينما قال آخر يدعى ماهر قاسمو، أب يبلغ من العمر 43 عامًا جاء إلى تركيا من حماة: "ليس لدينا ما نخسره".

وأكملت زوجته قائلة: "بيتي الذي كنت أعيش فيه سنوات مع زوجي في سوريا، سوّي بالأرض"، مضيفة: "لقد شردنا هنا، وتعذبنا وعملنا بجد واستأجرنا مكانًا وأصلحناه، والآن انهار أيضًا نتيجة الزلزال، وكأن التشرد أصبح أمرًا طبيعيًا بالنسبة إلينا".