تطورات جديدة في سرقة القرن بالعراق... وفايننشال تايمز تكشف سيناريوهات نهاية الأزمة
أعلنت وزارة الداخلية العراقية، مساء الجمعة، القبض على مدير مصرف الشرق الأوسط ورجل الأعمال العراقي، علي محمد غلام، أثناء محاولته السفر خارج العراق.

ترجمات -السياق
تطورات جديدة على طريق فضيحة الفساد واسعة النطاق، التي تعكر أروقة السلطة في العراق، منذ اندلاعها الشهر الماضي، في ما تعرف بـ«سرقة القرن».
فرغم التقارير الغربية «السلبية»، التي تقول إن رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، سيواجه صعوبة في محاسبة كبار أعضاء المؤسسة السياسية العراقية وبعض الفصائل التي تدعمه والمتورطة في الفضيحة، كانت هناك بشائر ربما تقود إلى حل للغز الذي يؤرق العراقيين منذ أكثر من شهر.
فما الجديد؟
في ما تبدو إشارة على بدء التحركات الجدية نحو حل أزمة سرقة القرن، أعلنت وزارة الداخلية العراقية، مساء الجمعة، القبض على مدير مصرف الشرق الأوسط ورجل الأعمال العراقي، علي محمد غلام، أثناء محاولته السفر خارج العراق.
وأوضحت «الداخلية العراقية»، في بيان اطلعت «السياق» على نسخة منه، أن قسم الجوزات في مطار بغداد الدولي ألقى القبض على المتهم علي محمد غلام، أثناء محاولته مغادرة البلاد، مؤكدة اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحقه.
وبحسب بيان الداخلية العراقية، فإن القبض على غلام جاء وفقًا لأحكام المادة 456 من قانون العقوبات العراقي، التي تنص على: «يعاقب بالحبس كل من توصل إلى تسلم أو نقل حيازة مال منقول مملوك للغير لنفسه أو إلى شخص آخر».
لماذا غلام؟
بحسب تقارير محلية، فإن غلام يواجه اتهامات عدة وجهتها إليه أطراف محلية، بينها: «تبييض الأموال»، إضافة إلى أنه «تورط في سرقة القرن التي تقدر قيمة المبالغ المسروقة فيها بنحو 2.5 مليار دولار».
وأكدت التقارير المحلية، أن رجل الأعمال العراقي المتهم في «سرقة القرن»، متهم بالحصول على أموال من خلال مزاد العملة، بمبالغ كبيرة من خلال الضغط على المسؤولين النافذين.
تلك الاتهامات، كان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وجَّهها إليه في فبراير الماضي، مطالبًا بإعادة النظر ببعض البنوك، التي من بينها: الشرق الأوسط، والقابض، والأنصاري، وهي تعود لعلي غلام.
ومما زاد الشبهات في غلام، مطالبة الشركة التي يملكها وتدعى «بوابة عشتار» للدفع الإلكتروني بشرط جزائي وضعته ضمن أحد العقود مع مصرف الرافدين الحكومي، بـ 600 مليون دولار، بسبب ما زعمته بـ«تلكؤ» المصرف، في تنفيذ بنود العقد.
ردود الفعل
علي فاضل الصحفي العراقي صاحب تسريبات نوري المالكي الشهيرة، علق على القبض على غلام قائلًا: «الحمد لله، ما راح التعب بلاش، شكراً للقضاء العراقي، علي غلام في قبضة العدالة، أكبر حرامي في تاريخ العراق ومهرب دولار مزاد العملة».
وتابع الصحفي العراقي الذي أسهمت التسريبات التي نشرها في كشف ملفات فساد: «الأيام المقبلة إن شاء الله أسماء أخرى ومصارف جديدة للمهربين والمتعاونين معه وكل من شارك في هدر أموال العراقيين».
بدورها، قالت النائبة في البرلمان عالية نصيف: «حكومة دولة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لا توجد فيها خطوط حمراء»، مضيفة: نحن أول من كشفنا فسادهم في مزاد العملة وقضايا متعلقة بتبييض أموال.
كيف رأت الصحف الغربية الواقعة؟
تقول «فايننشال تايمز» البريطانية في تقرير ترجمته «السياق»، إنه منذ ما يقرب من عام، كانت العربات المصفحة التي تحمل مئات الآلاف من أوراق الدينار العراقي تشق طريقها عبر شوارع بغداد المزدحمة على أساس أسبوعي.
وأشارت إلى أن الشاحنات المحملة بأموال ضريبية، التي سحبت من بنك الرافدين المملوك للدولة، والتي كانت تنطلق في وضح النهار، سرقت الأموال التي كانت تحملها، في ما تعرف بـ«سرقة القرن» في العراق.
وبينما قالت الصحيفة، إن ما وصفتها بـ«فضيحة سرقة القرن»، اندلعت قبل أيام من أداء حكومة رئيس الوزراء الجديد محمد شياع السوداني اليمين، أكدت أن إدارته ستمنح الأولوية لمحاربة الفساد، الذي «انتشر بوقاحة عبر مفاصل الدولة ومؤسساتها»، مشيرة إلى أن الأخير بدأ تطهيرًا علنيًا لمساعدي رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي.
ونقلت «فايننشال تايمز»، عن سجاد جياد، الزميل المقيم في بغداد بمؤسسة القرن (مقرها نيويورك)، قوله: «الخطأ والالتزامات تذهب إلى القمة»، مشيرًا إلى أن الفساد يشارك فيه كثيرون من اللاعبين رفيعي المستوى، بمن فيهم الوزراء والوزراء السابقون وموظفو الخدمة المدنية ورجال الأعمال ذوو العلاقات الجيدة، لذا فهذه قضية سياسية سنرى إلى أي مدى يمكن أن يذهب فيها السوداني.
ويتفشى الفساد في العراق، ما أدى إلى تآكل مؤسسات الدولة، التي أقرتها الطبقة السياسية التي حكمت البلاد منذ إطاحة الرئيس السابق صدام حسين عام 2003، بحسب «فايننشال تايمز»، التي قالت إن الترتيب العرقي الطائفي، الذي يهدف إلى تعزيز تقاسم السلطة، رسخ بدلاً من ذلك نظامًا للمقايضة بالحصان بين الفصائل المتنافسة على المناصب الحكومية العليا ومصادر المحسوبية داخل الوزارات.
وأشارت إلى أن «هذا المخطط الاحتيالي الأخير امتد إلى عمق شرايين الفصائل السياسية الشيعية القوية والمتنافرة في العراق، التي اتحد معظمها هذا الصيف لتسمية رئيس وزراء العراق».
ما دور إيران؟
وتهيمن على الحكومة الجديدة كتل مرتبطة بإيران، تُعرف بإطار التنسيق، وجماعات الميليشيات التابعة لها، التي قاتلت موالين لرجل الدين الشيعي المنافس مقتدى الصدر هذا الصيف، بعد أن تصارع الجانبان للسيطرة على تشكيل الحكومة، بحسب «فايننشال تايمز».
ونقلت الصحيفة البريطانية، عن خمسة أشخاص على دراية بالتحقيق في سرقة القرن قولهم إن الفضيحة الأخيرة تلقي بظلال من الشك على الجانبين.
وأشارت إلى أن حجم الاحتيال، الذي يدور حول مصلحة الضرائب والبنك المركزي ووزارة المالية، ظهر عندما كشفت وزارة المالية نتيجة تحقيق داخلي، ووجدت أنه من سبتمبر 2021 إلى أغسطس 2022، كُتب نحو 250 شيكًا لخمس شركات، ثم سحبوا الأموال المودعة في حساب الضمان والمخصصة لتغطية الالتزامات السنوية بالحسابات التي تسيطر عليها مصلحة الضرائب في بنك الرافدين المملوك للدولة.
وقال ثلاثة أشخاص على دراية بالقطاع المصرفي العراقي، إن البنك المركزي والرافدين يجب أن يكونا على علم بالخطة، لأن الزيادة الطفيفة في الدولارات التي تم شراؤها في المزاد، كانت أعلى من المعتاد والمبالغ المسحوبة كانت كبيرة جدًا.
وقالوا إن الحجم الهائل من الأموال التي تُنقل يوميًا في بغداد كان سيتطلب شاحنات مصفحة، ما يشير إلى تورط الأجهزة الأمنية الحكومية، بينما قال أحد مصادر الصناعة المصرفية: «هذا شيء شائن حتى بالمعايير العراقية. ببساطة لا توجد طريقة لم يلاحظ أحد سحب مثل هذه المبالغ الكبيرة».
وحتى الآن، أصدر القضاء حظر سفر ضد تسعة مشتبه بهم، بينهم خمسة موظفين مدنيين كبار في مصلحة الضرائب ووزارة المالية ومديري الشركات، واحتجز أحدهم نور زهير جاسم على مدرج المطار أثناء محاولته مغادرة بغداد في طائرة خاصة.
سيناريوهات الأزمة
وقال ستة مطلعين على التحقيق، إن جاسم هو المشتبه به الرئيس، وإن القضاء يحقق في علاقته بمساعدي الكاظمي والصدريين وقادة إطار التنسيق، بمن فيهم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي والرجل القوي شبه العسكري هادي العامري، مشيرين إلى استدعاء واحد على الأقل من مستشاري الكاظمي للاستجواب من قِبل القضاء.
ونفى مستشار الكاظمي الكبير السابق أي تورط لرئيس الوزراء السابق ومساعديه المقربين ووزراء النفط والمالية السابقين في مخطط الفساد.
وقال محللون إن التحقيق يستخدم لتصفية حسابات، مؤكدين أنه في نظام يسوده الفساد والمصالح الخاصة، من المرجح أن يتعطل التحقيق.
وأضاف جياد: «ليس من غير الواقعي أن نتوقع أن بعض الرؤساء سيهتمون بالبنوك، وبعد ذلك ستختفي القضية بهدوء. هذا يبدو لي خطة اللعبة الواضحة من قبل النخبة السياسية، الذين سيعودون إلى طرقهم القديمة».
بينما قال ريناد منصور مدير مبادرة العراق في تشاتام هاوس: «ينجح الفاسدون والأقوياء باستخدام سلطتهم لاستهداف من هم أضعف، غالبًا ما تكون آليات مكافحة الفساد هي الأداة السياسية المستخدمة في استهدافهم».
وتقول «فايننشال تايمز»، إن وجود الكثير من الفصائل السياسية المتنافسة في العراق، يُزعم تورطها، يُظهر استعدادهم لمواصلة التواطؤ لتحقيق مكاسب مالية، مشيرة إلى أن «الفساد في العراق هو النظام السياسي».