النقابات المهنية في مصر.. عودة إلى الحياة السياسية من باب خروج الأحزاب
الأحداث التي وقعت في نقابة المهندسين، أعادت تسليط الضوء على الحياة السياسية في مصر بشكل عام، ودور نقابات المهن الكبيرة فيها على وجه الخصوص.

السياق
من أهم القضايا الجادة، التي شغلت بال المصريين في الأيام الأخيرة، وحظيت بنقاشات واسعة بمواقع التواصل الاجتماعي، أزمة نقابة المهندسين، وهي من الأحاديث السياسية التي باتت نادرة تحت سماء القاهرة، بدءًا بدعوة سحب الثقة من النقيب الحالي طارق النبراوي المحسوب على تيار الاستقلال، وانتهاءً بأحداث العنف التي وقعت عقب إجراء الاستفتاء الذي تمسك بالنبراوي، ورفض مقترح بعض أعضاء الأمانة العامة للنقابة، الذين تصفهم وسائل الإعلام بالمحسوبين على حزب"مستقبل وطن، القريب من السلطة، وعلى رأسهم الأمين العام للنقابة اللواء يسري الديب.
الأحداث التي وقعت في نقابة المهندسين، أعادت تسليط الضوء على الحياة السياسية في مصر بشكل عام، ودور نقابات المهن الكبيرة فيها على وجه الخصوص، بعد الاشتباك بين نقابة الأطباء والحكومة أثناء أزمة جائحة كورونا، إضافة الى احتجاجات نقابة المحامين على "الفاتورة الإلكترونية" ووقفتهم التضامنية مع زملائهم في محافظة مطروح، من دون أن ننسى أزمة نقابة الصيادلة مع "الحراسة القضائية".
ذلك وسط ما يصفه محللون بالمناخ السياسي الجاف في مصر وتراجع واضح لدور الأحزاب، وكذلك الجماعات والمنظمات الحقوقية، مقابل بروز واضح للنقابات، التي تحررت من السطوة الظاهرة لجماعة الإخوان المسلمين، التي سيطرت عليها سنوات طويلة إبان حكم مبارك.
اهتمام من خارج أسوار النقابة
وما يجعل تناول موقع النقابات من الحياة السياسية في مصر مهمًا، أن مساحة نقاش أزمة داخلية مثل نقابة المهندسين، امتد لتشمل قطاعًا عريضًا من الجمهور -خارج أسوار النقابة وبعيدًا عن مهنتها- تفاعل مع الحدث بحرارة وتابع تطوراته لحظة بلحظة.
اعتداء المهندسين
وأثار مشهد اقتحام مجهولين مقر انتخابات نقابة مهندسي مصر التي عقدت، قبل أيام، للتصويت على سحب الثقة من النقيب طارق النبراوي، حالة سخط كبيرة في الشارع المصري.
وقال نقيب المهندسين المصريين طارق النبراوي، إن مجموعة ممن وصفهم بالبلطجية، اقتحموا مقر النقابة مساء يوم الاستفتاء، للتلاعب بنتيجة تصويت الأعضاء على سحب الثقة منه.
كانت نقابة المهندسين قد شهدت انعقاد جمعية عمومية غير عادية، بقاعة المؤتمرات في مدينة نصر، للتصويت على سحب الثقة من النبراوي.
وأظهرت فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي أشخاصًا يكسرون صناديق الاقتراع، قبيل إعلان النتيجة النهائية.
وأعلنت اللجنة المشرفة على الاستفتاء حضور 24 ألفاً للمشاركة في الاقتراع بين 750 ألف مهندس لهم حق التصويت، وهي نسبة حضور كبيرة، إذ لم يتجاوز عدد المشاركين في الانتخابات السابقة 4 آلاف عضو.
خارج دولاب الدولة
ووفق وسائل إعلام محلية، أكدت مؤشرات الفرز تجديد الثقة بالنقيب النبراوي بأغلبية الأصوات، إلا أنه قبل إعلان النتائج هاجم مجهولون مقر الانتخابات، واعتدوا على اللجان وأشخاص، قبيل لحظات من إعلان النتيجة النهائية.
ولا يصنف النبراوي بأنه ضمن "المعارضة" ولا يتبع "دولاب الدولة" لكن محللين يقولون إن خلافًا قديمًا بينه وبين الرجل القوى الآخر في النقابة اللواء المهندس يسري الديب، هي التي أشعلت الأمور داخلها.
ونقلاً عن موقع إندبندنت عربية، فإن النبراوي أرجع ما حدث من أعضاء في الأمانة العامة للنقابة، إلى قراراته التي أيدتها الجمعية العمومية في مارس الماضي، ولم تكن ترضي البعض من خارج النقابة وداخلها -حسب قوله- خاصة منع أعضاء المجلس من عضوية الشركات، ومنع قيد خريجي معاهد الهندسة الخاصة.
في المقابل اتهم مجلس نقابة المهندسين -في بيان على الصفحة الرسمية للنقابة بـ"فيسبوك"- طارق النبراوي و"التصرفات غير المسؤولة الصادرة عنه ومحاولاته المستمرة لفرض رأيه بالقوة".
البلشي نقيبًا
وحسب "بي بي سي" أطلق مغردون وسمي" #نعملسحبالثقة و #يسقطنقيبالمهندسين" للتعبير عن رفضهم لوجود طارق النبراوي على رأس النقابة، وقالو إن مؤيدي طارق النبراوي كانوا يهددون المهندسين خارج القاعة، عند علمهم أنهم خسروا الانتخابات وهم الذين كسروا الصناديق.
ورأى آخرون أن لفوز طارق النبراوي أهمية معنوية كبيرة، فهي ليست المرة الأولى التي يفوز فيها مرشح نقابي من خارج الدائرة المميزة والمفضلة لدى الدولة، فقد سبقه في ذلك نقيب الصحفيين خالد البلشي، الذي يملك موقعًا إخباريًا تعرض "للحجب، والذي انتخب بدلًا من المرشح، الذي بدا واضحًا دعم قنوات وصحف رسمية ومقربة من الحكومة له.
خالد البلشي معروف بمواقفه المعارضة للحكومة المصرية بوضوح، لكنه حقق فوزًا مهمًا على منافسه خالد ميري، وضجت نقابة الصحفيين بهتافات داعمة للبلشي ولـ"حرية الصحافة".
وقبل ساعات، أعلن عضو النقابة محمد الجارحي اختيار:" المحامي الكبير الأستاذ محمد عثمان نقيب المحامين بالقاهرة الأسبق مستشارًا قانونيًا لنقابة الصحفيين".
عثمان هو المستشار القانوني السابق للنادي الأهلي، وكان له عداءات مستمرة مع مرتضى منصور، وكذلك كان له موقف رافض لحبس عدد من المحامين في محافظة مرسى مطروح، ونشر صورة في فيبسوك يشيد بوقفة احتجاجية نظمت وقتها قائلًا: "المحامون بالآلاف يسطرون ملحمة جديده فى مرسى مطروح، تضامنًا مع زملائهم... إن شاء الله منصورين".
وشارك المحامي محمد عثمان أيضًا صورة تجمعه برجل الأعمال صفوان ثابت، عقب قرار الإفراج عنه، بعد سنوات في الحبس.
اختيار عثمان لهذا المنصب، عده مطلعون مؤشرًا على بداية تكوين تحالفات بين الرموز النقابية المختلفة، بعيدًا عن المقربين من الحكومة.
وقبل أشهر نظمت نقابة المحامين أكثر من وقفة احتجاجية حاشدة، للتعبير عن رفضهم لتطبيق الفاتورة الإلكترونية على العاملين بالمحاماة، الذي أقرته الحكومة المصرية.
ومطلع العام الجاري فاجأت نقابة المحامين الجميع بوقفة تضامنية حاشدة، نظمتها دعما لـ6 من أبناء المهنة في محافظة مطروح، حُكم عليهم بالسجن، كذلك دخلت النقابة العامة في إضراب عام بجميع أنحاء الجمهورية، قبل أن يفرج عنهم.
ودخلت نقابة الصيادلة، الواقعة تحت حراسة قضائية منذ سنوات، على خط زخم العمل النقابي، وشكل عدد من أعضائها ما يسمى "اتحاد أمل صيادلة مصر" للضغط من أجل إنهاء الحراسة وإجراء انتخابات عامة.
وطالب الحكومة بوضع ملف "رفع الحراسة" عن نقابة الصيادلة على طاولة اهتمامها، مشددًا على أهمية إدراج هذه القضية ضمن النقاشات الدائرة في "الحوار الوطني"، مناشدًا أعضاء مجلسي النواب والشيوخ من الصيادلة، تقديم طلبات إحاطة لمناقشة قضية رفع الحراسة.
إلى ذلك قال الدكتور محمد كمال، نقيب صيادلة كفر الشيخ، إن من أسوأ ما جلبته الحراسة على صيادلة مصر سوء التواصل، فمنذ 5 سنوات الشباب يتخرجون في الجامعة لا يعرفون شيئًا عن النقابة سوى الحصول على "البطاقة" الكارنيه، ونتج عن سوء التواصل جمود في النشاط النقابي».