ماذا نعرف عن المقاتلون المتسللون إلى روسيا مِن أوكرانيا؟

مجلة الإيكونوميست البريطانية، سلطت الضوء على هذه الميليشيات ولمن تنتمي، ومن يقف وراءها، مشيرة إلى أنها لديها صلات بالاستخبارات العسكرية الأوكرانية، وباليمين المتطرف.

ماذا نعرف عن المقاتلون المتسللون إلى روسيا مِن أوكرانيا؟

ترجمات – السياق

قبل نحو أسبوع، ادعت ميليشيات مسلحة، وصفت نفسها بأنها روسية، اجتياح قرية داخل روسيا، لأول مرة منذ بدء الحرب الدائرة بأوكرانيا، قبل أكثر من عام وثلاثة أشهر.

وأعلن ما يسمى "فيلق حرية روسيا" -الذي يصف نفسه بأنه ميليشيا مناهضة للكرملين تسعى إلى تحرير روسيا من فلاديمير بوتين- أنه عبر الحدود واجتاح بلدة كوزينكا، بينما أرسل وحدات إلى بلدة غريفورون في منطقة بيلغورود الروسية.

مجلة الإيكونوميست البريطانية، سلطت الضوء على هذه الميليشيات ولمن تنتمي، ومن يقف وراءها، مشيرة إلى أنها لديها صلات بالاستخبارات العسكرية الأوكرانية، وباليمين المتطرف.

ففي 22 مايو الجاري، نُشرت لقطات لمقاتلين موالين لأوكرانيا وهما يبتسمان، في خضم غارة عبر الحدود على منطقة روسية، بينما يردد أحدهم أحد أناشيد فرقة روك روسية، ما أثار غضب موسكو فوصفت منفذيه بأنهم "مخربون"، ودفعت لإجراء عملية سمتها "مكافحة الإرهاب".

كما ظهر آخر يحمل بندقية آلية وهو يحدق بالكاميرا، قائلاً في مقطع فيديو على الإنترنت: "نحن روس مثلكم تمامًا".

وأضاف الرجل: "نريد أن يترعرع أطفالنا في سلام، وأن يكونوا أحرارًا حتى يتمكنوا من السفر والدراسة، وأن يكونوا سعداء في بلد حر، لكن هذا لا مكان له في روسيا بوتين الحديثة، الفاسدة بالأكاذيب والرقابة والقيود على الحريات والقمع".

وشملت العملية، عبورًا غير قانوني من أوكرانيا إلى بيلغورود، وهي منطقة روسية على الحدود، بواسطة الدبابات ومدرعات قتالية، ما أدى إلى قتل جندي، وإحراق عدد من المباني، وإسقاط طائرة هليكوبتر، بينما أخليت منشأة للأسلحة النووية على بُعد كيلومترات داخل الأراضي الروسية.

 

من المسؤول عن التوغل؟

وعن المسؤول عن التوغل، أشارت "إيكونوميست" إلى أنه بعد يومين من القتال، خرجت روسيا لتعلن أنها حاصرت من وصفتهم بـ"المتمردين" وقتلت أكثر من 70 منهم، وأعادت الباقين إلى أوكرانيا.

وبينما تقول موسكو إنهم مسلحون أوكرانيون، تدعي كييف أنهم ينتمون إلى مجموعتين شبه عسكريتين مناهضتين للكرملين.

بينما يقول مسؤولون أوكرانيون إنهم روس من فيلق جيش الحرية لروسيا وفيلق المتطوعين الروسي، الساعين إلى إنشاء "منطقة أمنية" للأوكرانيين.

المجموعتان كانتا قد وُصفتا بأنهما "جزء من فيلق دولي يشارك في الدفاع عن أراضي أوكرانيا".

في غضون ذلك، ادعى أعضاء الفيلق الروسي وفيلق روسيا الحرة، أنهم قد "حرروا" قرى حدودية.

وحسب المجلة البريطانية، تتمركز الجماعتان داخل أوكرانيا، وتشنان هجماتهما على الأراضي الروسية الحدودية.

وبينما تقول روسيا إن الميليشيات مجرد "واجهة للجيش الأوكراني"، تصر أوكرانيا على أنهم منشقون روس.

وتقول المجلة إن هذه الميليشيات يبدو أنها تجند روسًا ساخطين، وأن المجموعتين اللتين اقتحمتا منطقة بيلغورود، تنسقان أنشطتهما مع وكالة الاستخبارات العسكرية الأوكرانية.

ومع ذلك، ليست للجماعات علاقة رسمية بالحكومة الأوكرانية، ما يسمح للمسؤولين الأوكرانيين بالنأي بأنفسهم عن عمليات الميليشيات هذه داخل الأراضي الروسية.

وبعد عملية بيلغورود، قال المتحدث باسم الرئاسة الأوكرانية، ميخايلو بودولياك، إن الحكومة "كانت متفرجًا" حسب تعبيره. وأضاف ساخرًا أن "أي دبابات مستخدمة في الهجوم كان من الممكن شراؤها ببساطة من متجر عسكري"، محاكيًا الروايات ذاتها التي استخدمتها روسيا، عندما ظهرت أجهزتها لأول مرة شرقي أوكرانيا عام 2014.

من جهته، قال أندريه تشيرناك، المتحدث باسم وكالة الاستخبارات الأوكرانية، إن هذا القتال جزء من "انتفاضة وطنية" للروس داخل الأراضي الروسية.

وزعم أن الجنود "حملوا السلاح للدفاع عن حريتهم واستقلالهم"، من دون أن يعلق بشيء عن مصدر الأسلحة التي استخدمتها هذه المجموعات.

من جانبه، سعى الكرملين إلى التقليل من شأن الخرق الأمني المحرج، ووصفها المسؤولون الروس بأنها محاولة من أوكرانيا "لصرف الانتباه" عن سيطرتهم على بلدة باخموت المتنازع عليها منذ فترة طويلة.

وفي اليوم التالي، زعمت وزارة الدفاع الروسية أنها قتلت أو طردت جميع مقاتلي الميليشيات من بيلغورود، رغم أنها لم تقدم أي دليل على ذلك.

 

تقييم واقعي

ونقلت "إيكونوميست" عن مصدر استخباراتي أوكراني وصفته بأنه رفيع المستوى -تحدث بشرط عدم كشف هويته- تقييمه لوضع هذه الميليشيات، الذي عده أكثر واقعية، جاء فيه أن هناك هدفين دعمتا عملية بيلغورود.

الأول: كان تقويض سلطة بوتين.

والآخر: سحب الاحتياطات العسكرية الروسية بعيدًا عن أقسام حساسة من الخطوط الأمامية، في الفترة التي تسبق هجوم أوكرانيا المضاد المخطط له منذ فترة طويلة.

ويضيف المصدر أنه من السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت العملية نجحت أم لا.

وأشارت المجلة البريطانية إلى أن هذه ليست المرة الأولى، التي تدخل فيها الميليشيات المدعومة من أوكرانيا، الأراضي الروسية.

ونوهت إلى تشكيل فيلق روسيا الحرة وفيلق المتطوعين الروسي العام الماضي، في ظروف غامضة، لكنهم برزوا مارس الماضي، عندما قادوا توغلاً من أوكرانيا إلى بريانسك، وهي منطقة حدودية أخرى.

بينما زعمت روسيا أن مدنيين قُتلا في ذلك الهجوم، لكنها لم تقدم أي دليل.

ووصفت المجلة البريطانية، فيلق روسيا الحرة بأنه أكثر فوضوية وأقرب إلى المخابرات الأوكرانية، بينما فيلق المتطوعين الروسي يُعد أفضل انضباطًا، لكنْ لديه ميول يمينية متطرفة.

من جانبه، أشار مايكل كولبورن، صحفى وباحث كندى وسط وشرق أوروبا، ومتخصص في اليمين الأوكراني، إلى أن أعضاء فيلق المتطوعين الروسي، لهم تاريخ في حركة النازيين الجدد بروسيا.

وأوضح تشيرناك أن الخطر "الوجودي" الذي تواجهه أوكرانيا، يعني أن المخابرات العسكرية لا يمكن أن تكون انتقائية بشأن من تتعاون معها، وهو ما قد يكون دفعها للعمل مع هذه الميليشيات.

ويُعرف زعيم ميليشيا المتطوعين الروس، باسم دينيس كابوستين أو دينيس نيكيتين، وهو قومي روسي، وتعتنق المجموعة أيديولوجية "دولة روسية أحادية العرق".

وعام 2020، زعم موقع استقصائي أوكراني أن لديه صلات بجماعات نازية جديدة، وتحدث نيكيتين عن الانتماء إلى حركة مثيري الشغب في كرة القدم.

بينما قال عضو آخر في الفيلق، يُدعى فورتونا، لوسائل إعلام أوكرانية في نوفمبر الماضي، إن عددهم بلغ 120 شخصًا: "نحن وحدة تطوعية، ولسنا مجندين أو جنودًا متعاقدين مثل الأوكرانيين".

وهناك أيضًا مجموعة "جيش الحرية لروسيا" وهي منظمة مختلفة تمامًا تقاتل إلى جانب القوات الأوكرانية ضد القوات الروسية.

ويُستخدم العلم الأبيض والأزرق والأبيض، الذي يرى جزء من المعارضة الروسية أنه علم "روسيا الحرة".

 

تفاصيل الهجوم

وعن تفاصيل الهجوم، كشفت "إيكونوميست" أن الرجل الذي ظهر في الفيديو هو ماكسيميليان أندروننيكوف، الذي عيّن نفسه قائدًا لفيلق "حرية روسيا"، تحت لقب "قيصر"، وعمل أيضًا متحدثًا إعلاميًا باسم المجموعة، التي سعت إلى العمل في الظل إلى حد كبير، والحفاظ على سرية عضويتها.

لكن مع الغارات على جنوب روسيا، الأسبوع الماضي، سُلط الضوء على فيلق حرية روسيا وفيلق المتطوعين الروس، وهي مجموعة أخرى تتألف من الروس الذين يقولون إنهم يقاتلون ضد بوتين.

وحسب المجلة، أظهرت الملفات الشخصية لهؤلاء المقاتلين الروس، أنهم من قدامى المحاربين في الجماعات المناهضة للكرملين، وعديد منهم، خاصة في فيلق المتطوعين الروس، لديهم صلات بالمنظمات اليمينية المتطرفة الروسية.

وأشارت إلى أنه خلال إحدى الصور التي التُقطت الشهر الماضي، بدا أندروننيكوف وهو يقف بجانب دينيس نيكيتين، القومي الأبيض البارز في فنون القتال المختلطة، الذي يرأس فيلق المتطوعين الروس.

وبينت أن أندروننيكوف كان عضوًا في الحركة الامبراطورية الروسية، وهي جماعة قومية متطرفة تعارض فلاديمير بوتين، لكنها أيضًا تعاملت مع مقاتلين موالين لروسيا في الحرب منذ عام 2014

كانت وكالة آغينتستفو نيوز الروسية المستقلة للأنباء، نشرت صورة عام 2011 تُظهر أندروننيكوف في مسيرة روسية مع دينيس غارييف، رئيس الذراع شبه العسكرية للحركة الامبراطورية الروسية.

وقال عضو في الحركة يعرف أندروننيكوف، إنه ترك المجموعة قبل بدء الحرب في أوكرانيا عام 2014.

واستدعي أندروننيكوف، الذي وُلد في سوتشي وعاش في سان بطرسبورغ، كشاهد في قضية عام 2012 عن انقلاب عسكري مزعوم خطط له عديد من الرجال في مدينة إيكاترينبرغ في الأورال.

ولم توجه إلى أندروننيكوف، الذي كان في ذلك الحين رئيسًا لـ"النادي العسكري الوطني" في سان بطرسبورغ، أي اتهام في القضية.

بينما رُبطت المؤامرة بفلاديمير كفاتشكوف، العقيد المتقاعد المتشدد، الذي سُجن بعد أن اتهم أعضاء من جماعته، الجبهة الشعبية لتحرير روسيا، بالتدريب لمؤامرة لإطاحة الحكومة.

بينما كان أندروننيكوف يعمل مدربًا للرماية عام 2022 عندما بدأت الحرب وغادر سريعًا إلى أوكرانيا، وقاتل إلى جانب كييف منذ ذلك الحين، وقال إن هدفه إزاحة بوتين من السلطة.

وقبل الغارة، قال إنه كان يقاتل بالقرب من مدينة باخموت.

وأوضحت "إيكونوميست" أن الميليشيات تضم منشقين عن الأجهزة الأمنية الروسية.