مشاهد مأساوية لفرار مهاجرين بليبيا.. اعتقال الآلاف وسط صمت محلي ودولي
وثَّقت مقاطع فيديو متداولة، لحظة هروب المهاجرين من مركز الاحتجاز في حي غوط الشمال، وانتشارهم في شوارع وأحياء العاصمة طرابلس، بينما أظهرت لقطات أخرى بعض المهاجرين، المصابين بطلق ناري من المليشيات المسلحة، التي تلاحقهم في كل مكان

السياق
تعرَّضوا لعنف جسدي وجنسي، قبل احتجازهم في ظروف غير إنسانية في العاصمة الليبية طرابلس، كان جزءًا من انتهاكات باتت نهجًا في تعامل المليشيات مع المهاجرين غير القانونيين في مراكز الاحتجاز، التي يسيطرون عليها.
تلك المعاملات التي وُصفت بـ«القاسية»، دفعت مئات المهاجرين غير القانونيين إلى الفرار من أحد مراكز الاحتجاز بالعاصمة الليبية طرابلس، الجمعة، بسبب سوء الأوضاع المعيشية والظروف غير الإنسانية، التي يعيشون فيها داخله.
ووثَّقت مقاطع فيديو متداولة، لحظة هروب المهاجرين من مركز الاحتجاز في حي غوط الشمال، وانتشارهم في شوارع وأحياء العاصمة طرابلس، بينما أظهرت لقطات أخرى بعض المهاجرين، المصابين بطلق ناري من المليشيات المسلحة، التي تلاحقهم في كل مكان.
اعتقال آلاف المهاجرين
وبينما أعلنت المنظمة الدولية للهجرة، مقتل ما لا يقل عن 5 مهاجرين، في حوادث إطلاق النار، قالت صحيفة الغارديان البريطانية، إن السلطات الليبية اعتقلت أكثر من 5 آلاف لاجئ ومهاجر، الأسبوع الماضي.
ونقلت الصحيفة البريطانية، عن بعض المهاجرين المعتقلين قولهم، إنهم «تعرَّضوا لعنف جسدي وجنسي، قبل احتجازهم في ظروف غير إنسانية في طرابلس»، مشيرين إلى أنهم تم اعتقالهم في البحر وهم يحاولون الوصول إلى أوروبا.
وقالت «الغارديان»، إن العديد ممن تم القبض عليهم هربوا من الحروب أو الديكتاتوريات في جميع أنحاء إفريقيا، أو خضعوا لسنوات من الاعتقال، وأكدت السلطات الليبية أن تلك الاعتقالات مرتبطة بالهجرة غير القانونية وتهريب المخدرات.
من جانبها، قالت منظمة أطباء بلا حدود، إن عدد الأشخاص في مراكز الاحتجاز في طرابلس، تجاوز ثلاثة أضعاف منذ الاثنين الماضي، مشيرة إلى أنه خلال المداهمات تعرَّض العديد من المعتقلين لعنف جسدي، بما في ذلك العنف الجنسي.
وقال مدير مكتب المنظمة الدولية للهجرة في العاصمة الليبية طرابلس، فيديريكو سودا، إن حراسًا ليبيين (لم يذكر إلى أية جهة يتبعون)، قتلوا بالرصاص 6 مهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء بمركز احتجاز في طرابلس.
وأوضح المسؤول الحقوقي، في تصريحات صحفية، أن الحادث وقع في مركز احتجاز مكتظ في طرابلس، يضم نحو ثلاثة آلاف مهاجر «في ظروف رهيبة».
تعليق العمل
بدوره، أعلن مدير المكتب الإقليمي للمفوضية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أيمن غرايبة، تعليق العمل مؤقتًا بمركز المفوضية في العاصمة طرابلس، بسبب تصاعد التوتر بين حشود المهاجرين المطالبة بمساعدات وترحيلها من ليبيا.
وأكد المسؤول الأممي أن الأيام الأخيرة، شهدت تصاعدًا للتوتر بين الحشود، أدى إلى إصابة اثنين من موظفي إحدى شركاء المفوضية، وإعاقة وصول طالبي اللجوء الآخرين الذين هم في حاجة ماسة للمساعدة.
وجدد عرايبة، دعوة مفوضية اللاجئين للسلطات المحلية، إلى احترام حقوق الإنسان وكرامة طالبي اللجوء واللاجئين، ووقف اعتقالهم، وإطلاق سراح المحتجزين، بمن فيهم أولئك الذين كان من المقرر مغادرتهم في رحلات الإجلاء وإعادة التوطين.
كما ناشد السلطات الليبية السماح باستئناف الرحلات الجوية الإنسانية خارج البلاد، التي تم تعليقها منذ ما يقرب من عام.
أوضاع مأساوية
التقارير الحقوقية وحوادث الفرار وإطلاق النار، تأتي بعد أيام من الكشف عن الأوضاع المأساوية، التي يعيش فيها المهجرون غير القانونيين، داخل مقرات الهجرة في طرابلس.
وقالت مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة، المنسِّقة المقيمة للشؤون الإنسانية في ليبيا، جورجيت غانيون، في بيان نشرته البعثة الأممية في ليبيا عبر موقعها الإلكتروني، قبل أيام، إن الأمم المتحدة أعربت عن بالغ القلق إزاء ما أفيد عن تعرُّض المهاجرين واللاجئين في منطقة قرقارش في طرابلس، للقتل والاستخدام المفرط للقوة.
وأكدت المسؤولة الأممية، مقتل أحد المهاجرين وإصابة ما لا يقل عن 15، ستة منهم بحالة خطرة، أثناء مداهمة السلطات الأمنية الليبية لمنازل ومآوى مؤقتة في قرقارش، وهي منطقة في طرابلس مكتظة بالمهاجرين وطالبي اللجوء.
مضايقات وإطلاق نار
وبينما أبدت الأمم المتحدة احترامها لسيادة الدولة الليبية، ودعمها لها في أداء واجبها بحفظ النظام والقانون وحماية أمن السكان، فإنها تدعو السلطات المحلية إلى احترام حقوق الإنسان وحفظ كرامة جميع الناس، بمن فيهم المهاجرون واللاجئون، في جميع الأوقات.
وأكدت غانيون، أنه وفقاً للتقارير الواردة من مسؤولين في إدارة مكافحة الهجرة غير القانونية، اعتُقل ما لا يقل عن 4 آلاف شخص، بينهم نساء وأطفال، أثناء هذه العملية الأمنية، مشيرة إلى أن المهاجرين العزّل تعرَّضوا للمضايقات والضرب وإطلاق النار في منازلهم.
وأشارت إلى أن معظم من اعتُقل، تحت الاحتجاز التعسفي الآن، داخل مرافق احتجاز تشرف عليها إدارة مكافحة الهجرة غير القانونية التابعة لوزارة الداخلية.
انتهاك للقانون
وأكدت الأمم المتحدة، أن استخدام القوة المفرطة وغير المبررة، أثناء عمليات إنفاذ القانون، يعد انتهاكاً للقانون الوطني والدولي، معربة عن إدانتها للظروف اللاإنسانية داخل مراكز الاحتجاز في ليبيا، التي يُحتجز فيها المهاجرون واللاجئون في مرافق شديدة الاكتظاظ، تُفرض فيها قيود على إمكانية الحصول على المساعدة الإنسانية، التي قد تنقذ حياتهم.
وختمت البعثة الأممية بيانها، مطالبة السلطات الليبية، بوضع حد للاعتقالات والاحتجازات التعسفية ومنعها، وإطلاق سراح الفئات الأشد ضعفاً، لا سيما النساء والأطفال، على الفور، كما دعت الحكومة مجدداً إلى السماح فوراً باستئناف عمليات الإجلاء الإنسانية الطوعية لمنظمة الهجرة الدولية والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وكذلك رحلات الإعادة ومغادرة آلاف المهاجرين وطالبي اللجوء في ليبيا، إلى وجهات خارج البلاد.
إدانات محلية
من جانبها، أدانت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا، (منظمة محلية مستقلة) الانتهاكات والتجاوزات التي اقتُرفت خلال العملية الأمنية بمنطقة قرقارش وسط مدينة طرابلس، معربة عن استنكارها للاستخدام المفرط للقوة، أثناء تنفيذ العملية الأمنية من قبل وزارة الداخلية، والأجهزة الأمنية والوحدات العسكرية الأخرى، التابعة لحكومة الوحدة الوطنية المؤقتة.
وأشارت إلى أن العملية الأمنية، شابتها انتهاكات تمثَّلت في تصوير المحتجزين من المهاجرين، خاصة النساء والأطفال والمرضى، في مشهد وصفته بـ«المهين» لكرامتهم وآدميتهم، إضافة إلى القبض على النساء والأطفال والقاصرات من المهاجرين، بطريقة مهينة.
وأكدت أن معظم من ألقي القبض عليهم، من المسجلين لدى بعثة المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، ولديهم شهادات طالبي لجوء، مؤكدة أن وجودهم في منطقة قرقارش، مؤقت إلى حين ترحيلهم خارج ليبيا، من خلال رحلات العودة الطوعية والإجلاء الإنساني للمهاجرين.
وطالبت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا، بضرورة احترام صحيح القانون والشرعية الإجرائية، وحماية حقوق الإنسان وحفظ كرامة وآدمية وإنسانية الجميع، بمن فيهم المهاجرون في جميع الأوقات والظروف، مشيرة إلى أن ذلك يستوجب أن تتم العمليات والحملات الأمنية، وفق أطر قانونية تحترم التزامات الدولة الليبية القانونية والإنسانية، بما يكفل احترام القوانين الدولية لحقوق الإنسان، والقانون الدولى الإنساني.
كما طالبت النائب العام، بفتح تحقيق في ملابسات الانتهاكات الجسيمة، التي تعرَّض لها المواطنون والمهاجرون غير القانونيين المقيمين بشكل مؤقت في منطقة قرقارش وسط مدينة طرابلس، على يد وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية الأخرى التابعة لحكومة الوحدة الوطنية المؤقتة، وضمان ملاحقة مرتكبي هذه الممارسات والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ولصحيح القانون.
وشددت اللجنة الوطنية، على ضرورة فتح تحقيق في ملابسات وظروف قرار رئيس جهاز الهجرة غير القانونية التابع لوزارة الداخلية، بإيقاف رحلات العودة الطوعية والإجلاء الإنساني للمهاجرين من ليبيا، الذي يتعارض مع المصلحة العامة، ويحمِّل الدولة الليبية مسؤوليات قانونية وإنسانية عن إيقاف هذه الرحلات.