زلزال تركيا وسوريا... تحديات تواجه البلدين ونداءات أممية وخطوات دبلوماسية
بعد 149 ساعة على الزلزال، ما زالت أعمال انتشال المحتجزين تحت الأنقاض جارية.

السياق
بعد سبعة أيام على الزلزال المدمر، الذي ضرب تركيا وسوريا، باتت فرص العثور على ناجين تحت الأنقاض ضئيلة للغاية، إن لم تكن معدومة، وسط ارتفاع الضحايا لأرقام غير مسبوقة.
ورغم أن الزلزال الذي ضرب البلدين، يستدعي ضرورة تركيز المساعدة على الحد من عواقبه الكارثية على السكان، في المناطق التي ضربها، خاصة أولئك الذين باتوا بلا مأوى، فإن البلدين يواجهان تحديات مختلفة إلى حد كبير.
وارتفع عدد الضحايا إلى ما يقارب 30 ألفاً، اليوم الأحد، وسط تحذيرات لمنظمة الصحة العالمية من خطر داهم يهدد أكثر من 5 ملايين شخص بسبب الزلزال.
فما أبرز تطورات الزلزال في تركيا؟
بإعلان نائب الرئيس التركي فؤاد أقطاي، ارتفاع حصيلة الوفيات جراء الزلزال، الذي ضرب جنوبي تركيا، إلى 24 ألفًا و617، دخلت أنقرة مرحلة جديدة، تتضمن التحقق من هويات الضحايا، ونقل المصابين إلى المستشفيات ومراكز الإسكان في الولايات غير المتضررة.
وقال نائب الرئيس التركي، إن 32 ألفاً و71 رجل بحثٍ وإنقاذ يعملون في المناطق المتضررة من الزلزال، مشيرًا إلى أن الحكومة سخرت المعدات الجوية والبحرية والبرية لأعمال البحث والإنقاذ ونقل المصابين إلى المستشفيات ومراكز الإسكان في الولايات الأخرى، التي نجحت في إجلاء 111 ألفًا و500 شخص من الولايات التي تضررت من الزلزال.
هل من ناجين؟
بعد 149 ساعة على الزلزال، ما زالت أعمال انتشال المحتجزين تحت الأنقاض جارية، لتعلن فرق الإنقاذ، الأحد، انتشال شخص على قيد الحياة من أنقاض مبنى، في ولاية هطاي جنوبي تركيا.
وعقب رصدها مؤشرات على وجود حي تحت أنقاض مبنى من 6 طوابق في مدينة أنطاكيا، كثفت الفرق جهودها للوصول إلى مصطفى صاري غول (35 عامًا)، ونجحت في إخراجه، بعد جهود استمرت نحو 5 ساعات، بدعم الجيش التركي وفرق من رومانيا.
وبعد 146 ساعة على الزلزال، تمكنت فرق الإنقاذ، الأحد، من انتشال طفلة على قيد الحياة من تحت الأنقاض، في ولاية غازي عنتاب جنوبي تركيا.
وعقب رصدها صوتًا تحت أنقاض مبنى من 6 طوابق في قضاء نيزيب بالولاية، نجحت الفرق في إخراج الطفلة أيلول قليج، بعد جهود استغرقت نحو 9 ساعات، ونُقلت الطفلة المصابة إلى المشفى.
وبعد 140 ساعة على كارثة الزلزال جنوبي تركيا، أنقذت فرق الإغاثة والنجدة حاملاً وشقيقها من تحت الأنقاض في ولاية هطاي، بينما قالت وكالة الأناضول إن فرق الإنقاذ أخرجت المرأة وشقيقها من تحت الأنقاض في حي نارليجه بمركز مدينة أنطاكيا التابعة لولاية هطاي.
وبعد 133 ساعة، أنقذت فرق الإغاثة والنجدة تركية من تحت الأنقاض في ولاية قهرمان مرعش، بينما قالت وكالة الأناضول، إن الفرق أخرجت الشابة ميليسا أولكو، 24 عامًا، من تحت الأنقاض في منطقة ألبيستان التابعة لقهرمان مرعش.
وقالت وزارة الطوارئ الأذربيجانية، في بيان الأحد، إن فرقها الإغاثية في قهرمان مرعش، تواصل أعمال البحث والإنقاذ، مشيرة إلى أنها نجحت في إنقاذ 51 شخصًا من تحت الأنقاض.
وأكدت أن تلك الفرق تمكنت من انتشال 51 شخصًا على قيد الحياة من تحت الأنقاض، مع الوصول إلى جثامين 518 قضوا في الزلزال.
وتقول صحيفة فايننشال تايمز، في تقرير ترجمته «السياق»، إن ضحايا زلزال تركيا تجاوزت العدد الذي سجله الزلزال الضخم الذي ضرب تركيا عام 1999، مشيرة إلى أن الخسائر البشرية سترتفع لا محالة.
هل من ناجين في سوريا؟
نشر الدفاع المدني السوري، قصة المتطوعة آمنة أثناء استجابتها لإنقاذ عالقين تحت الأنقاض، مشيرة إلى أنها تمكنت رفقة فرق الدفاع المدني، من انتشال 4 وفيات وطفلة على قيد الحياة من أحد الأبنية التي تهدمت جراء الزلزال.
وأوضحت المتطوعة آمنة، أنه بعد ساعات وصلتها أنباء أن ابن عمها توفي هو ويحضن طفليه، مشيرة إلى أنها شعرت بالحزن، لكن كانت هناك بادرة أمل، تمثلت في قدرتها وفرق الدفاع المدني على انتشال أشخاص من تحت ركام المباني المهدمة، بعضهم كان على قيد الحياة.
وبينما لم ينشر الدفاع المدني تفاصيل عمليات انتشال أحياء، أعلن أن حصيلة استجابة فرقه لضحايا الزلزال شمال غربي سوريا، تجاوزت 2167 وفاة، وأكثر من 2950 مصابًا، حتى مساء السبت، مؤكدًا استمرار عمليات البحث لانتشال جثث المتوفين، وسط ظروف صعبة بالعمل تحت الأنقاض.
تحديات مختلفة
وتقول «فايننشال تايمز»، في تقرير ترجمته «السياق»، إن البلدين يواجهان تحديات مختلفة، فعدد القتلى في تركيا أعلى بكثير، بينما تسهم منطقتها المتضررة من الزلزال بما يقدر بنحو 10% من الناتج المحلي الإجمالي، إضافة إلى أنها عضو رئيس في حلف الناتو ومجموعة العشرين.
وأشارت إلى أن شدة الزلزال كادت تدمر بعض البلدات، مؤكدة أن الظروف المتجمدة والبنية التحتية المتضررة أعاقا جهود الإنقاذ، بينما تكافح تركيا للتعامل مع الحجم الهائل للكارثة، مستعينة بالمساعدات والموارد.
الأمر يختلف كثيرًا في سوريا، فالدولة المعزولة التي مزقتها الحرب، لم تكن بعض المناطق الأكثر تضرراً عاملة منذ سنوات، بينما كان الملايين في قبضة كارثة إنسانية قبل زلزال الاثنين بوقت طويل.
وخلال عقد من الحرب الأهلية، انتشلت الجثث من المباني التي سويت بالأرض خلال الضربات الجوية، بحسب «فايننشال تايمز»، التي قالت إن الغضب الغربي تلاشى -في النهاية- بعد أن استعاد بشار الأسد السيطرة على معظم أنحاء البلاد، وتعثرت الجهود المبذولة لتسوية سياسية للصراع.
وأشارت إلى أن الحصول على مساعدات، للمناطق التي تسيطر عليها المعارضة شمالي غرب سوريا، كابوس لوجستي، حتى لو قال النظام –الجمعة- إنه سيسمح بالتسليم عبر خط المواجهة.
ووصلت أول قافلة شاحنات تابعة للأمم المتحدة إلى المنطقة الخميس، ومرت عبر المعبر الوحيد إلى سوريا من تركيا، بحسب الصحيفة البريطانية، التي قالت إنه بالنسبة للمناطق التي تسيطر عليها الحكومة، ستكون القضية الشائكة للغرب، كيفية مساعدة السوريين الذين يحكمهم نظام استبدادي سلَّح المساعدات لسنوات.
بالنسبة لتركيا أيضًا، تلوح السياسة في الأفق، فمن المقرر إجراء الانتخابات في مايو المقبل، عام الذكرى المئوية لتركيا الحديثة، بينما يعاني الأتراك أزمة تكاليف المعيشة وتضخمًا متفشيًا.
وتقول الصحيفة البريطانية، إن كثيرين قد يحكمون الآن على الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي وصل إلى السلطة بعد سنوات من زلزال 1999، من خلال استجابته لهذا الزلزال، مؤكدة أن أردوغان عمل -بشكل مطرد- على تآكل استقلال مؤسسات الدولة والبنك المركزي في السنوات الأخيرة، ما أدى إلى ترسيخ صورة الرجل القوي، الذي يمكن أن تعززه كارثة طبيعية.
وأشارت إلى أن هناك أيضًا أسئلة مشروعة عن جودة عديد من المباني التي انهارت، رغم التعهدات بجعل تركيا أفضل استعدادًا للزلازل.
لكن التركيز الآن -في تركيا وسوريا والمجتمع الدولي- ينبغي ألا يكون على السياسة، بل على إنقاذ الأرواح ودعم جهود الإنقاذ وإعادة الإعمار، بحسب «فايننشال تايمز» التي قالت إنه بعد زلزال 1999، قدمت المساعدات الخارجية الكثير لتحسين العلاقات الغربية لتركيا، لا سيما مع خصمها القديم، اليونان.
ومن الأمور الإيجابية أنه، من خلال المحن يمكن لتركيا والغرب تعزيز العلاقات مرة أخرى، لكن بالنسبة للسوريين الذين طالت معاناتهم، لا يمكن أن يحدث ذلك لبلدهم، طالما الأسد في السلطة.
مساعدات للسوريين
يأتي ذلك، بينما قال مبعوث الاتحاد الأوروبي إلى سوريا دان ستوينيسكو، الأحد، إنه ليس من الإنصاف اتهام التكتل بعدم تقديم ما يكفي من المساعدات للسوريين، في أعقاب الزلزال المدمر الذي ضرب مناطق في سوريا وتركيا الأسبوع الماضي.
وأضاف ستوينيسكو رئيس وفد الاتحاد الأوروبي، أنه من غير الإنصاف اتهامنا بعدم تقديم المساعدة «في حين أننا في حقيقة الأمر نفعل ذلك باستمرار، منذ أكثر من عشر سنوات، بل ونفعل ما هو أكثر خلال أزمة الزلزال».
دخول المساعدات
وفي انتصار للإنسانية على السياسة، أعلنت أرمينيا فتح بوابة حدودية مع تركيا، متجاهلة النزاع بينهما، منذ فترة طويلة.
ونشر المبعوث التركي الخاص لأرمينيا سيردار كيليتش صورًا لشاحنات، تمر عبر نقطة تفتيش أليكان، على الجانب التركي من نهر أراس الفاصل بين البلدين، لأول مرة منذ 35 عامًا لمساعدة ضحايا الزلازل المدمرة جنوبي تركيا.
وقال كيليتش: «سأتذكر المساعدة السخية التي أرسلها شعب أرمينيا للمساهمة في تخفيف معاناة شعبنا في المنطقة التي ضربها الزلزال في تركيا»، موجهًا الشكر لمسؤولي أرمينيا على هذه البادرة.
وقالت وكالة الأناضول إن المعبر استُخدم آخر مرة لإرسال مساعدات من الهلال الأحمر التركي إلى أرمينيا التي ضربها الزلزال عام 1988.
ولا تربط أنقرة علاقات دبلوماسية ولا تجارية مع أرمينيا منذ التسعينيات، ويختلفان على 1.5 مليون شخص تقول أرمينيا إنهم قُتلوا عام 1915 على يد الامبراطورية العثمانية، التي قامت على أنقاضها تركيا الحديثة.
نداء أممي
ودعا مارتن جريفيث، مسؤول المساعدات بالأمم المتحدة، العالم -السبت- إلى تذكر آلاف المشردين الذين يحتاجون إلى المأوى والغذاء، بينما واصل عمال الإنقاذ البحث عن ناجين من الزلزال المدمر الذي هز جنوبي تركيا وشمالي غرب سوريا.
وفي إفادة صحفية من إقليم قهرمان مرعش التركي، قال جريفيث إنه تحدث إلى أسر شردها الزلزال وتعاني البرد والجوع، مضيفًا: «أنا هنا للتأكد من أن هؤلاء الناس لن يطويهم النسيان».
وأشاد جريفيث باستجابة تركيا للكارثة، ووصفها بأنها «استثنائية»، كما امتدح «شجاعة المسعفين الذين يعملون على مدار الساعة أملًا في سماع صوت لناج آخر».
وأشار إلى أن ما حدث في المنطقة المحيطة بمركز الزلزال «أسوأ حدث تشهده هذه المنطقة في 100 عام»، مؤكدًا أنه سيطلق عملية تستمر ثلاثة أشهر لسوريا وتركيا، للمساعدة في سداد تكاليف العمليات هناك.
وعبَّـر عن أمله بأن تصل المساعدات في سوريا إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة ومقاتلي المعارضة، لكنه قال إن الأمر لم يتضح.