الأسلحة الأمريكية في أوكرانيا.. هل تتعلم واشنطن من خطئها في أفغانستان؟

في نهاية الحرب الباردة، اشتهرت أوكرانيا بتجارة الأسلحة غير المشروعة، نتيجة للمخزونات الضخمة من الأسلحة السوفيتية السابقة في البلاد.

الأسلحة الأمريكية في أوكرانيا.. هل تتعلم واشنطن من خطئها في أفغانستان؟

ترجمات - السياق

مع دخول الحرب عامها الثاني، مازالت الأسلحة الغربية، خصوصًا الأمريكية، تتدفق إلى أوكرانيا، بأنواع مختلفة، منها ما هو "شديد الحساسية"، ما زاد المخاوف من أن تقع هذه الأسلحة في الأيدي الخطأ، كما حدث في أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي.

وحسب مجلة ناشيونال إنترست الأمريكية، هناك إشارات واعدة على أن الحرب في أوكرانيا قد تنتهي قريبًا، وبذلك على الولايات المتحدة تجنُّب خسارة أسلحتها هناك، على غرار ما حدث في أفغانستان، بعدما أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن روسيا "مستعدة للتفاوض بشأن بعض النتائج المقبولة" في ما يتعلق بالحرب.

والشهر الماضي، أعلنت الصين خطتها للسلام بشأن الصراع، وزار الرئيس شي جين بينغ موسكو لاستكشاف جدوى الخطة.

وترى المجلة الأمريكية، أن روسيا وأوكرانيا دخلا في مأزق مرير، مع عدم وجود تغييرات حقيقية في ساحة المعركة خلال الأشهر الأخيرة، ومن ثمّ "يبدو أنه الوقت المثالي للاتفاق على وقف إطلاق النار أو الدخول في هدنة مؤقتة".

بعد الحرب

وشددت "ناشيونال إنترست" على أنه حان الوقت لواشنطن لأن تفكر في ما سيحدث بعد الحرب، خصوصًا في ما يتعلق بمعداتها العسكرية في أوكرانيا، التي تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات.

ونوهت إلى أن الحرب -حالة انتهائها- سيتمخض عنها بلد ضعيف في أوكرانيا، يحاول إعادة البناء، مع مؤسسات ضعيفة، وتمرد موالٍ لروسيا، وأراضٍ محتلة.

حتى الآن، قدمت الولايات المتحدة قرابة 34 مليار دولار من المساعدات العسكرية لأوكرانيا، 48 في المئة من إجمالي 48 مليار دولار من المساعدات الإنسانية والمالية المشتركة

ومن إجمالي المساعدات العسكرية ، 12.7 مليار دولار أسلحة ومعدات من مخزونات وزارة الدفاع، إلى جانب 1.3 مليار دولار منح وقروض لشراء مزيد من المواد الدفاعية.

صواريخ ستنغر

وترى المجلة، أنه رغم وجوب تقديم الدعم لأوكرانيا، فإن على واشنطن أيضًا تتبع أسلحتها التي ترسلها إلى كييف، الأمر الذي دعا إليه الجمهوريون في الكونغرس.

وشددت على أن على الولايات المتحدة تجنُّب تكرار الأخطاء التي شهدتها الحرب السوفيتية الأفغانية، خصوصًا أن أوجه التشابه بينها وبين الحرب الدائرة في أوكرانيا كثيرة.

وأشارت إلى أن الولايات المتحدة دعمت مقاتلين أفغانًا ضد السوفييت، من أجل حرية بلادهم، في مواجهة كانت من المستحيل تخيل انتصار المسلحين فيها، مبينة أن نظام الصواريخ "إف آي إم - 92 ستينغر" الأمريكي الصُنع الذي يطلق على الكتف كان سبب عديد من الخسائر في طائرات الهليكوبتر السوفيتية، وساعد في قلب مجرى الحرب.

في ذلك الوقت -حسب المجلة- نصت المساعدات الأمريكية على أنه من أجل الحصول على صواريخ جديدة، يجب إعادة الصواريخ المستهلكة، لأنها "كانت تعد تقنية شديدة الحساسية".

وفي أعقاب ذلك الصراع، أطلقت الولايات المتحدة برنامج إعادة الشراء، لاستعادة ما يقدر بنحو ألف ستينغر التي أرسلتها إلى أفغانستان، إلا أن الخطة التي كلفت الولايات المتحدة نحو 65 مليون دولار فشلت إلى حد كبير، إذ سرعان ما وجدت هذه الصواريخ طريقها إلى كوريا الشمالية وإيران وقطر وطاجيكستان.

فساد أوكرانيا

في أوكرانيا، فإن صواريخ إف جي إم-148 غافلن الأمريكية، مسؤولة عن تدمير نحو 93% من الدروع الروسية.

وفي نوفمبر الماضي، صرح وكيل وزارة الدفاع للسياسة كولن كال، بأن الروس "فقدوا على الأرجح نِصف دباباتهم القتالية الرئيسة" مع تدمير عديد منها من قِبل صواريخ غافلن.

وأشارت "ناشيونال إنترست" إلى توريد أكثر من 8500 صاروخ غافلن إلى أوكرانيا، إلى جانب أكثر من 1650 ستينغر و1800 نظام جوي من دون طيار من طراز فوينكس غوست التكتيكي، و2500 أخرى من الصواريخ وأنظمة الصواريخ المختلفة.

ومع ذلك -وفق المجلة- لا يعمل كثير لرصد الأسلحة الحساسة، إذ إن سفارة الولايات المتحدة في كييف لا تعمل نتيجة للحرب، كما لا يوجد نظام المبادلة (واحدة مقابل واحدة) لغافلن، كما كان الحال مع ستينغر التي أرسِلت إلى أفغانستان في الثمانينيات.

وبينت المجلة، أن أوكرانيا أفقر دولة في أوروبا، وثاني أكثر الدول فسادًا في القارة بعد روسيا، وتحتل المرتبة 122 في العالم من حيث الفساد.

ففي نهاية الحرب الباردة، اشتهرت أوكرانيا بتجارة الأسلحة غير المشروعة، نتيجة للمخزونات الضخمة من الأسلحة السوفيتية السابقة في البلاد.

وبين عامي 1992 و1998، خسرت أوكرانيا 32 مليار دولار من المعدات العسكرية، من خلال السرقة وانعدام الرقابة والمبيعات المخفضة.

تهريب السلاح

وهو ما حذرت منه وكالة الاتحاد الأوروبي للتعاون في مجال إنفاذ القانون "يوروبول"، التي صرحت بأن "انتشار الأسلحة النارية والمتفجرات في أوكرانيا، وانتقالها إلى السوق السوداء، يمكن أن يؤدي إلى زيادة الأسلحة النارية والذخائر التي تهرَّب إلى الاتحاد الأوروبي عبر طرق التهريب التقليدية، أو منصات الإنترنت، خاصة في مرحلة ما بعد الحرب الأوكرانية، بالشكل الذي يمثل خطرًا على الأمن الأوروبي".

وأضافت أن التهديد قد يكون أعلى، نهاية الصراع، لافتة إلى العثور على أسلحة أرسِلت إلى أوكرانيا، في شبكات تحت الأرض، بفنلندا والسويد والدنمارك وهولندا.

حسب المجلة: "على الولايات المتحدة، زيادة عمليات التفتيش في مخازن الأسلحة"، مشيرة إلى أن 10 في المئة فقط من الأسلحة عالية الخطورة خضعت لهذه الإجراءات، منذ بدء المساعدات الأمريكية.

ونوهت إلى إجراء عمليات التفتيش هذه من قِبل الملحق الدفاعي ومكتب التعاون الدفاعي في سفارة الولايات المتحدة بكييف، لافتة إلى أن نقص عدد الموظفين بالسفارة يعيق العمل بكفاءة.

وأضافت: "في حالة خطورة عمليات التفتيش هذه، على الولايات المتحدة أن تنص على مراقبة الاستخدام النهائي من قِبل الأوكرانيين أنفسهم، كما يمكن تحميل صور الأرقام التسلسلية وعلامات تحديد الموقع الجغرافي، إلى قاعدة بيانات مشتركة بين الأوكرانيين والحكومة الأمريكية".

سجلات الأسلحة

كانت وكالة تطبيق القانون الأوروبية، قد سلَّطت الضوء في أبريل 2022، على أحد العوامل التي تتسبب في تيسير تدفق الأسلحة، من أوكرانيا إلى جماعات الجريمة المنظمة، حيث أشارت إلى أن المسؤولين الأوكرانيين، مع تقدم الحرب، تخلوا عن فكرة الاحتفاظ بسجلات للأسلحة النارية التي تُسلَّم للمدنيين، ومن ثمّ أضحت الأسلحة النارية تُوزع من دون سجلات، على النحو الذي يحد من القدرة على تتبع هذه الأسلحة، والتأكد من عدم تسربها إلى السوق غير الرسمية لتجارة السلاح.

وشددت المجلة على أنه "يجب أن تكون المقايضة واحدة مقابل واحدة إلزامية بالنسبة للأسلحة الأمريكية الأكثر حساسية"، مشيرة إلى أنه عند إطلاق صاروخ غافلين، على سبيل المثال، يجب إعادة أنبوب الألياف الزجاجية لاستقبال صاروخ بديل.

وأوضحت أن هذه المساءلة المعيارية عن الأسلحة المرسلة إلى أوكرانيا، ليست نقطة نقاش متطرفة، بل شيء يجب الاستمرار في التعامل معه بجدية والتخطيط له، إذ إنه لا شيء يدوم، مضيفة: "من أجل ملايين الأرواح، نأمل أن تنتهي هذه الحرب قريبًا، ومن ثمّ يجب أن نكون مستعدين لهذا الاحتمال ولما سيأتي بعده".