قراءة في عقيدة بوتين الجديدة... كيف تؤثر في العلاقات مع أمريكا

بينما تعترف استراتيجية السياسة الخارجية الجديدة لروسيا بدور الولايات المتحدة على أنها مركز تنمية مؤثر، فإنها تصور واشنطن بأنها المنظم والمنفذ لسياسة الغرب الجماعي المناهضة لروسيا.

قراءة في عقيدة بوتين الجديدة... كيف تؤثر في العلاقات مع أمريكا

ترجمات -السياق 

تصف الولايات المتحدة بأنها «المصدر الرئيس» للتهديد للأمن الروسي، وموسكو بـ«الحضارة المتميزة التي لها مهمة تاريخية فريدة»، إنها العقيدة الجديدة للسياسة الخارجية الروسية.
الجمعة، أقر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الصياغة الجديدة لعقيدة السياسة الخارجية لروسيا، داعيًا إلى ضرورة تعزيز سيادة بلاده وتشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب.
وقال بوتين، في اجتماع لمجلس الأمن الجمعة، إن الوثيقة أول تحديث للعقيدة منذ عام 2016 وتعكس «التغييرات الجذرية في الشؤون الدولية»، بينما قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي قدَّم الاستراتيجية الجديدة، إن موسكو تواجه «تهديدًا وجوديًا من دول غير صديقة».
وتقول «فايننشال تايمز»، إن العقيدة الجديدة تصف الولايات المتحدة بأنها «المصدر الرئيس» للتهديدات الأمنية لروسيا وتلمح إلى «حقبة من التغييرات الثورية نحو عالم أكثر عدلاً متعدد الأقطاب»، مشيرة إلى أنها صياغة تهدف إلى عكس القوة الصاعدة للصين في عهد الرئيس شي جين بينغ.
كان بوتين وشي اتفقا على «شراكة بلا حدود» قبل وقت قصير من أمر الرئيس الروسي بغزو واسع النطاق لأوكرانيا العام الماضي، بحسب الصحيفة البريطانية، التي قالت إنه رغم حرب موسكو العدوانية ضد جارتها، فإن الوثيقة السياسة تصور روسيا على أنها «سلمية ومنفتحة ويمكن التنبؤ بها». وتتهم الولايات المتحدة باستخدام «عمليتها العسكرية الخاصة» في أوكرانيا كذريعة لشن «حرب مختلطة» تهدف إلى «إضعاف روسيا وتفكيكها».

أسلحة نووية
وبحسب «فايننشال تايمز»، فإن موسكو صعدت، في الأسابيع الأخيرة، التوترات مع الولايات المتحدة وحلفائها، فقد أمر بوتين بوضع أسلحة نووية تكتيكية روسية في بيلاروسيا هذا الصيف. 
وهذا الأسبوع، اعتقلت أجهزة الأمن الروسية إيفان غيرشكوفيتش، الصحفي الأمريكي المقيم في موسكو، بتهمة التجسس.
وقال زعيم بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو –الجمعة- إنه يبحث نشر أسلحة نووية على أراضيها مع نظيره الروسي، مشيرًا إلى أنه بدأ مفاوضات مع بوتين بشأن «عودة الأسلحة النووية التي سُحبت في التسعينيات إلى بيلاروسيا».
بينما تعترف استراتيجية السياسة الخارجية الجديدة لروسيا بدور الولايات المتحدة على أنها «مركز تنمية مؤثر»، فإنها تصور واشنطن بأنها «المنظم والمنفذ لسياسة الغرب الجماعي المناهضة لروسيا»، بحسب الصحيفة البريطانية، التي قالت إنه يمثل تناقضًا حادًا مع العقيدة الأخيرة، التي عبرت عن الرغبة في بناء «علاقات عمل مع الولايات المتحدة».
ووفقًا لهذا المفهوم، فإنه يُنظر إلى الصين والهند على أنهما من «مراكز قوة عالمية ذات سيادة ودودة» تشتركان في وجهة نظر روسيا بشأن «النظام العالمي المستقبلي»، بينما يُنظر أيضًا إلى إيران وتركيا والمملكة العربية السعودية ومصر على أنهم حلفاء.

عالم منقسم
وقال أندريه كوليسنيكوف، الزميل البارز في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي: «تمامًا مثل ستالين، يرى بوتين العالم منقسمًا إلى مناطق نفوذ تتنافس فيها القوى العظمى لكسب مزيد من الحلفاء»، مشيرًا إلى أن فكرة «الصداقة بالنسبة لبوتين موجودة في الإطار نفسه: كلما زاد عدد الحلفاء لديك، زادت قوتك».
ورغم توثيق العلاقات الصينية الروسية، أعرب المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف عن شكوكه في خطة سلام مفترضة للحرب بأوكرانيا اقترحتها بكين، مشيرًا إلى أن خطة الصين تحتوي على بنود «لا يمكن تحقيقها» بسبب الموقف الذي اتخذته كييف.
وفقًا للعقيدة الجديدة، فإن لدى روسيا «مهمة فريدة للحفاظ على توازن القوى العالمي وإنشاء نظام دولي متعدد الأقطاب»، بينما تشير الوثيقة أيضًا إلى روسيا، ليس فقط كدولة ولكن على أنها حضارة.
وقال كوليسنيكوف إن مفهوم «المسار الخاص» لروسيا جُسِّده أكثر مما كان عليه في الترقيات السابقة، مشيرًا إلى أن «المفهوم يعكس فلسفة الدولة التي وصلت إلى ذروة الانعزالية والإمبريالية».
من جانبه، قال مدير الأبحاث في مؤسسة التنمية والدعم، التابعة لنادي فالداي للتطوير والدعم فيودور لوكيانوف، إن «الحلفاء» المذكورين في المفهوم، يشير إلى الدول التي تربطها مع روسيا اتفاقيات أمنية ملزمة.
وقال لوكيانوف: «أعتقد أن المفهوم يضع روسيا كدولة مكتفية ذاتيًا تتخذ قراراتها وتشكل المساحة المحيطة بها. وتشير روسيا في هذا الصدد إلى أن الحلفاء يمكن أن يعتمدوا عليها في الحماية».

اتفاقيات ملزمة
وبحسب قوله، فإن «الحلفاء المذكورين في المفهوم يشيرون إلى الدول التي تربطها بروسيا اتفاقيات أمنية ملزمة»، مضيفًا: «على وجه الخصوص، لدينا مثل هذه الاتفاقات مع دول منظمة معاهدة الأمن الجماعي (تاس). أعتقد أن البند يتعلق بالحلفاء الحاليين، لكنه أيضًا نوع من الدعوة التي تقول إنه إذا كنت تسعى إلى تحقيق الأمن، فتحالف معنا».
يتكون مفهوم السياسة الخارجية من 42 صفحة بستة أقسام و76 فقرة، بحسب «فورين بوليسي»، التي قالت إنها «وثيقة تخطيط استراتيجي، تقدم رؤية منهجية للمصالح الوطنية للاتحاد الروسي في مجال السياسة الخارجية، والمبادئ الأساسية، والأهداف الاستراتيجية، والأهداف الرئيسة والمجالات ذات الأولوية في السياسة الخارجية الروسية». 
ويستند المفهوم إلى دستور الاتحاد الروسي، ومبادئ وقواعد القانون الدولي المعترف بها، والمعاهدات الدولية للاتحاد الروسي، والقوانين الفدرالية، والقوانين واللوائح الأخرى للاتحاد الروسي التي تحكم أنشطة السياسة الخارجية للسلطات الفيدرالية.
وتنص الوثيقة على أن روسيا ستبني علاقاتها بالدول الأخرى، اعتمادًا على السياسات التي تنتهجها هذه الدول تجاه موسكو، بحسب وكالة تاس الروسية، التي أشارت إلى أنها مستعدة لاستخدام قواتها المسلحة، ليس فقط لصد العدوان على نفسها وحلفائها، لكن أيضًا لمنع هذا العدوان. 

المصلحة الوطنية 
وأضاف المفهوم الجديد فصلاً للمصالح الوطنية الروسية والأهداف الاستراتيجية والأهداف الرئيسة، وتشمل المصالح الوطنية -على سبيل المثال- حماية النظام الدستوري وسيادة البلاد وسلامتها من «التأثير الأجنبي المدمر»، والمواطنين والمنظمات من التعديات الأجنبية غير المشروعة، والمجتمع ككل من التأثير الإعلامي والنفسي من الخارج.
وتحدد الوثيقة ثلاثة أهداف استراتيجية للسياسة الخارجية: ضمان أمن روسيا، وتهيئة ظروف خارجية مواتية لتنميتها، وتعزيز مكانتها كأحد مراكز العالم الحديث. 

استراتيجية أمنية
وبحسب وكالة تاس، يجوز لروسيا استخدام قواتها المسلحة للدفاع عن أو منع الهجمات على نفسها أو على حلفائها، وحل الأزمات (بما في ذلك بقرار من منظمات الأمن الجماعي، حيث تكون روسيا عضوًا، في منطقة مسؤوليتها)، وحماية مواطنيها في الخارج، ومكافحة الإرهاب الدولي والقرصنة. 
وتسعى موسكو إلى ضمان الأمن المتكافئ لجميع الدول، لكن فقط على أساس مبدأ المعاملة بالمثل، وستسرع روسيا إضفاء الطابع الرسمي القانوني الدولي على حدودها، بينما تعتزم زيادة دورها في أنشطة حفظ السلام للأمم المتحدة ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي.