فايننشال تايمز: اتهامات ترامب تقذف بالولايات المتحدة إلى فصل جديد من الفوضى
يترقب الأمريكيون، وسط عمليات تشويق وإثارة غير مسبوقة، معرفة التهم الموجهة لترامب، التي لن يُكشف عنها قبل الثلاثاء المقبل، وهي التهم التي قد تزيد المتعاطفين معه أو تأتي بنتائج عكسية ضده.

ترجمات - السياق
فتحت التهم الموجهة للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في قضية دفع أموال لنجمة الأفلام الإباحية ستورمي دانيلز، الباب أمام مزيد من الجدل والانقسام داخل المجتمع الأمريكي.
فهناك من يراها "مثالا يُحتذى في تطبيق العدالة"، وهناك من يفسرها بأنها "ترهيب سياسي"، ومحاولة لمنع الزعيم الجمهوري من الترشح لانتخابات الرئاسة العام المقبل.
فقد كان ترامب رئيسًا أمريكيًا مُحطِمًا للقواعد المعمول بها خلال أربع سنوات مضطربة قضاها داخل البيت الأبيض، إلا أنه مع إصدار هيئة محلفين كبرى في مانهاتن لائحة اتهام جنائية ضده، فإن الرئيس السابق، والولايات المتحدة ذاتها، يسيران إلى طريق مجهول -وربما يكون خطيرًا - حسب وصف صحيفة فايننشال تايمز البريطانية.
وأوضحت الصحيفة، أن تصويت هيئة المحلفين الكبرى ضد ترامب، قلب كل التكهنات الأخيرة بأن ألفين براغ، وهو مدعي عام منطقة مانهاتن للولاية الأولى، قد يكون مترددًا بشأن التزامه بالقضية المثيرة للانقسام التي سبق أن أطلقها سلفه سايروس فانس قبل أربع سنوات.
إلا أن لائحة الاتهام الأخيرة، "نجحت في هز أمة يبدو أنها اعتادت فوضى ترامب"، بعد اتهاماته بالتدخل الروسي في انتخابات عام 2016، وتعرضه لمساءلتين سابقتين، ورفضه لانتقال سلمي للسلطة عام 2020، وحتى دعمه لتمرد "فوضوي" انتهى باقتحام مبنى الكابيتول في 6 يناير 2021.
ومن المتوقع أن تُجرى محاكمة ترامب في التهم الموجهة إليه بمحكمة مانهاتن الجنائية، الثلاثاء المقبل.
عدالة وتسييس
وأشارت "فايننشال تايمز" إلى أن المجتمع الأمريكي -باختلاف طبقاته- انجذب ساعات إلى شاشات التلفاز، أو اندفع نحو وسائل التواصل الاجتماعي، لمعرفة مصير رئيسه السابق، وسط انقسام حاد بين من يرى توجيه الاتهام مثالًا على العدالة، ومن يراه مثالًا على نظام عدالة مسيَّس يتدخل بلا هوادة لمضايقة شخص بعينه، وهو التفسير الذي أيده ترامب.
وقال الرئيس الأمريكي السابق، تعليقًا على لائحة الاتهام، إنه بريء تمامًا وضحية للاضطهاد السياسي، بعد أن أصبح أول رئيس سابق في التاريخ الأمريكي يواجه لائحة اتهام جنائية بدفع أموال لممثلة إباحية.
وأضاف ترامب، الذي يعد المرشح الرئيس للحزب الجمهوري لخوض انتخابات الرئاسة 2024: "الديمقراطيون كذبوا وخدعوا وسرقوا في هوسهم بمحاولة النيل من ترامب، لكنهم الآن فعلوا ما لا يمكن تصوره، وهو اتهام شخص بريء تمامًا".
وتابع في بيان بعد وقت قصير من إبلاغ محاميه بلائحة الاتهام: "هذا اضطهاد سياسي وتدخل انتخابي على أعلى مستوى في التاريخ"، مستدركًا: "وحتى قبل أن أقسم اليمين كرئيس للولايات المتحدة، شارك الديمقراطيون اليساريون الراديكاليون في حملة مطاردة لتدمير حركة اجعل أمريكا عظيمة"، في إشارة إلى شعار حملته الانتخابية.
بينما حذر ليندسي جراهام، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية كارولينا الجنوبية وحليف ترامب، من أن لائحة الاتهام "ستدمر أمريكا"، موضحًا أن مدعي عام مانهاتن ألفين براغ "فتح صندوق باندورا أمام انتخابات الرئاسة المقبلة"، في إشارة إلى اشتعالها مبكرًا على نحو غير مسبوق.
وصندوق باندورا في الميثولوجيا الإغريقية، صندوق حُمل بواسطة باندورا، يتضمن كل شرور البشرية من جشع، وغرور، وافتراء، وكذب وحسد، ووهن، ووقاحة ورجاء.
تكهنات
وحسب "فايننشال تايمز" فقد تكهن محللون سياسيون بأن هذه الاتهامات ستزيد تأثير علاقة ترامب الفريدة بالناخبين الجمهوريين المتعاطفين معه، سواء بالسلب أم بالإيجاب، بينما شبهها مؤرخون بأزمة الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون، الخاصة بـ "ووتر جيت" التي انتهت بإبعاده عن البيت الأبيض.
وتعيد لائحة اتهام ترامب -وفق الصحيفة البريطانية- إلى الأذهان، قضية مجموعة "شباب سنترال بارك الخمسة"، من أصول إفريقية وإسبانية، الذين اتُهموا ظلمًا في قضية اغتصاب وسُجنوا رغم عدم وجود أدلة ضدهم.
إذ إن أنترون ماكراي، وكيفن ريتشاردسون، ويوسف سلام، وريمون سانتانا، وكوري وايز الذين اشتُهروا بـ "شباب سنترال بارك الخمسة"، لم يثبت ضدهم أي دليل، ومع ذلك أجبروا على الاعتراف بجرائم لم يرتكبوها، وسُجلت اعترافاتهم لتكون الدليل الوحيد ضدهم في المحكمة.
كان ترامب حينها أحد أبطال القصة، إذ قاد حملة إعلامية دفع مقابلها 85 ألف دولار، طالب خلالها بإعادة عقوبة الإعدام بعنوان "أعيدوا عقوبة الإعدام... أعيدوا لنا شرطتنا"، واصفًا المتهمين بأنهم مجرمون وقتلة حتى قبل بداية المحاكمة.
لكن عام 2002 ثبتت براءة الشباب الخمسة من الاتهامات التي وجهت لهم، عندما اعترف المغتصب الحقيقي ماتياس رييس بجريمته وحكى تفاصيل الاعتداء، وتوافق حمضه النووي مع الدليل الوحيد الذي عُثر عليه وقت الحادثة، ومع ذلك رفض ترامب الاعتذار للشباب الخمسة.
وفي أول رد فعل على لائحة اتهام ترامب، قال يوسف سلام، أحد الشباب الخمسة: "من أعمالكم سُلِّط عليكم".
وأشارت الصحيفة إلى أنه حتى قبل قراره بحق ترامب، كان براغ، ذو البشرة السمراء "شخصية منبوذة بين المحافظين"، إذ إنه منذ توليه المنصب قبل أكثر من عام بقليل، سعى إلى الحد من الحبس، وقال إن مكتبه لن يلاحق -بعد الآن- الجرائم غير العنيفة.
في الوقت نفسه، كان مدعي عام مانهاتن يلاحق ترامب بشأن سداد محاميه مايكل كوهين -نيابةً عنه- 130 ألف دولار لشراء صمت ممثلة إباحية بشأن علاقة جنسية مزعومة عام 2006، الأمر الذي ينفيه ترامب.
وقد أخبر كوهين هيئة المحلفين الكبرى، بأنه دفع المبلغ نيابةً عن ترامب -المرشح آنذاك قبل انتخابات عام 2016 مباشرةً- لشراء صمت نجمة الأفلام الإباحية ستورمي دانيلز.
أمام ذلك، يترقب الأمريكيون، وسط عمليات تشويق وإثارة غير مسبوقة، معرفة التهم الموجهة لترامب، التي لن يُكشف عنها قبل الثلاثاء المقبل، وهي التهم التي قد تزيد المتعاطفين معه أو تأتي بنتائج عكسية ضده.
ومن المتوقع أن تُعقد المحكمة الثلاثاء، وقد يصبح ترامب أول رئيس أمريكي سابق يتعرض لها، مع أخذ بصماته، وغيرها من الإهانات التي يقرها نظام العدالة الجنائية.
يوم مصيري
وعن هذا اليوم المصيري، يرى دان هورويتز، المدعي العام السابق، أنه "بنهاية هذا اليوم، قد يكون الرئيس السابق مجرد متهم في قضية"، في إشارة إلى إمكانية تأثر حملته الرئاسية لانتخابات العام المقبل.
ومع ذلك، يتطلب الأمر اهتمامًا أمنيًا خاصًا، حيث حافظت مدينة نيويورك على وجود مكثف للشرطة بالقرب من المحاكم في مانهاتن، بعد أن توقع ترامب اعتقاله وحثَّ مؤيديه على الاحتجاج، ما أثار مخاوف من تكرار ما حدث في 6 يناير.
ففي منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، قال ترامب إنه يتوقع إلقاء القبض عليه الثلاثاء، ودعا مؤيديه للاحتجاج، رغم أن متحدثًا قال إن ترامب لم يخطر بأي اعتقالات معلقة.
كان المدعي العام لمقاطعة مانهاتن، ألفين براغ، قدم أدلة أمام هيئة محلفين في نيويورك بدفع 130 ألف دولار للنجمة الإباحية ستورمي دانيلز في الأيام الأخيرة من الحملة الانتخابية الرئاسية لعام 2016 مقابل صمتها بشأن علاقة غرامية مزعومة، وقد نفى ترامب هذه العلاقة واتهم محاميه دانيلز بالابتزاز.
لكن إذا وجهت إليه لائحة اتهام، سيصبح ترامب أول رئيس أمريكي سابق يواجه محاكمة جنائية، وتظهر استطلاعات الرأي أنه يتصدر المنافسين المحتملين الآخرين لترشيح الحزب الجمهوري، بما في ذلك حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس، الذي من المتوقع أن يترشح للبيت الأبيض.
ووفقًا لعديد من المطلعين، فإن إحدى الجرائم التي تلاحق ترامب، الطريقة التي سدد بها كوهين المبلغ.
ووفقًا لكوهين ، فإنه قد دفع لـدانيلز 130 ألف دولار عبر شركة وهمية أسسها، ثم عوضه ترامب، الذى سجلت شركته المبالغ المدفوعة كنفقات قانونية.
وحسب "فايننشال تايمز" يُعد تزوير السجلات التجارية جنحة -وهي جريمة أقل خطورة- بموجب قانون ولاية نيويورك، لكنها ترتفع إلى جناية، قد تصل عقوبتها إلى أربع سنوات إذا كان التزوير لإخفاء جريمة أخرى، ففي هذه الحالة، قد تكون هذه الجريمة انتهاكًا لتمويل الحملات الانتخابية، لأن المردود كان سيساعد في محاولة وصول ترامب إلى البيت الأبيض.
لكن حال ارتفاع القضية إلى انتهاك تمويل الحملات الانتخابية، تصبح مسألة تتعلق بالقانون الفيدرالي.
من جانبها، قالت كارين فريدمان أغنيفيلو، مساعدة المدعي العام السابقة لمانهاتن، إن متوسط القضية الجنائية في نيويورك يستغرق أكثر من عام للانتقال من لائحة الاتهام إلى المحاكمة، وإن قضية ترامب ليست نموذجية.
وذلك يثير احتمال أن يُحاكم ترامب في خضم الحملة الرئاسية لعام 2024، أو حتى بعد يوم الانتخابات، رغم أن محاكمة الرئيس المنتخب أو الرئيس بتهم رسمية، ستدخل حيزًا قانونيًا مجهولاً، لأنه إذا انتُخب، لن تكون لديه القدرة على العفو عن نفسه من تهم الدولة.
وأوضحت أغنيفيلو، ردًا على سؤال عما إذا كان القاضي سيقدم ترامب للمحاكمة في موعد قريب من الانتخابات: "هذا أمر غير مسبوق ويصعب عليّ أن أقول... وأعتقد أنه معقد".
وتعد قضية نيويورك من قضايا عدة تركز على ترامب، بما في ذلك التحقيق في التدخل بالانتخابات في جورجيا وزوج من التحقيقات الفيدرالية في دوره بهجوم 6 يناير 2021 على مبنى الكابيتول الأمريكي، وحجبه للوثائق السرية بعد مغادرة البيت الأبيض.
أما المشككون في القضية، فإنهم يقدمون مقارنة واضحة بحالة جون إدواردز -المرشح الديمقراطي للرئاسة عام 2011- الذي ألقي القبض عليه بعد أن تبين أنه دفع ما يقرب من مليون دولار من مانحين للحملة إلى عشيقة حامل بطفله الذي لم يولد.
ولكن بعد أن نفى إدواردز أي تورط في المدفوعات، وقال إنها لم تكن لأغراض سياسية، لكن لحماية زوجته المحتضرة، برأته هيئة المحلفين من تهمة واحدة، ووصلت إلى طريق مسدود بشأن خمس تهم.
ويعتقد بعض محاميي الدفاع أن ترامب يمكن أن يقدم حجة مماثلة، وفي الوقت نفسه، فإن إدانة كوهين في جريمة سابقة، فضلا عن حنِثه باليمين، من شأنه جعل شهادته غير موثوقة.
من المحتمل أيضًا أن تكون شهادة كوهين مدعومة بشهادة ألين فايسلبرغ، المدير المالي السابق لشركات ترامب، إذ لا تزال المحكمة تزن التهم الجنائية الموجهة إلى فايسلبرغ بشأن ممارسة الشركة طويلة الأمد المتمثلة في تضخيم ممتلكاتها لتأمين مزايا مثل القروض المصرفية أو التغطية التأمينية بشروط أفضل، وفقًا لعديد من المطلعين.
كان المدير المالي السابق لمنظمة ترامب، ألين فايسلبرغ، أقرّ بالذنب بتهم تتعلق بالتحايل الضريبي، خلال عمله في المنظمة طوال 15 عامًا، ليصدر بحقه حكم مخفف بالسجن 5 أشهر.
ويعتقد خبراء قانونيون أن "براغ" كان ملزمًا برفع القضية ضد ترامب مهما كانت العواقب، بعد كشف مخالفات.
وتقول سيليست كوليفلد، الشريكة في شركة كليفورد تشانس، للمحاماة والاستشارات القانونية الدولية: "لم يكن بمقدور براغ تجاوز القانون".