داعش وبوكو حرام وجهًا لوجه في نيجيريا.. ما وراء الصراع الدموي؟

حذر باسل ترجمان في تصريحات لـ السياق، من أن تتحول نيجيريا إلى -خزان بشري- يمد داعش بآلاف الإرهابيين والارهابيات، إذ سبق استخدام كثير من الإرهابيين النيجيريين في معارك خارج حدود البلاد.

داعش وبوكو حرام وجهًا لوجه في نيجيريا.. ما وراء الصراع الدموي؟

السياق "خاص"

صراع «دموي» بين جماعة بوكو حرام وتنظيم داعش غربي إفريقيا، اتخذ من نيجيريا مقرًا، ومن أعضاء التنظيمين الإرهابيين هدفًا، ما دق ناقوس الخطر، ونكأ جراحًا لم تندمل في البلد الإفريقي.

ذلك الصراع الذي كان وقوده 33 زوجة من «داعش»، و56 مسلحًا من "بوكو حرام"، تصاعدت وتيرته، منذ أواخر العام الماضي حتى مارس 2023، في قريتي جيري وجمعة تورو على حدود بحيرة تشاد في منطقة أبادام، بالقرب من الحدود مع جمهورية النيجر، متخذًا شكل هجمات انتقامية متفرقة.

 

فماذا حدث؟

كشفت تقارير محلية في نيجيرية، عن نشوب قتال ضار منذ أسابيع، بين جماعة بوكو حرام الموالية لتنظيم القاعدة، وتنظيم داعش غربي إفريقيا (ISWAP)، بسبب خلافاتٍ أيديولوجية، إثر اعتراض الأخيرة على ما سمتها عمليات القتل العشوائي، التي تنفذها "بوكو حرام" بحق المسلمين.

وقالت مصادر أمنية نيجيرية إن مئات المسلحين من الجانبين لقوا حتفهم، خلال الاشتباكات التي ما زالت مستمرة بين الجماعتين الإرهابيتين، والتي نشبت منذ 19 فبراير الماضي، عندما داهمت "بوكو حرام" معاقل «داعش» غربي إفريقيا في منطقتي تومبون جيني وكايوا.

إلا أن القتال تصاعد واتسعت دائرته، لينتقل إلى قريتي جيري وجمعة تورو، على أطراف بحيرة تشاد في منطقة أبادام بالقرب من الحدود مع النيجر، حيث تتمتع الجماعتان بنفوذٍ كبير.

«نحن على عِلم بالقتال الدائر بين الإرهابيين، وهذا مفيد لنا، لذلك نحن فقط نراقب ونتابع كيف تسير الأمور»، قال مسؤول في المخابرات النيجيرية، معبرًا عن فرحته باقتتال أكبر جماعتين إرهابيتين في البلاد.

 

ماذا يعني تصاعد العمليات العسكرية؟

يقول الباحث المشارك بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أحمد عسكر، في تصريحات لـ«السياق»، إن تصاعد المواجهات العسكرية بين "بوكو حرام" الموالية لتنظيم القاعدة وفرع تنظيم داعش في ولاية غرب إفريقيا، يعود لأسباب عدة، بينها: فرض الهيمنة والزعامة الجهادية في المنطقة، وتوسيع الرقعة الجغرافية والسيطرة على مزيد من الموارد والتمويل لهذه التنظيمات، لأن أفريقيا أحد أبرز الأماكن لتمويل هذه التنظيمات في ظل سيولة الحدود، وسهولة عبور التمويلات سواء كانت نقدية أم غير ذلك.

وأوضح الباحث المشارك بمركز الأهرام، أن هناك عديد الدوافع التي أدت إلى تمدد وتصعيد نشاط هذه الجماعات الإرهابية غربي إفريقيا ومنطقة الساحل، أبرزها فكرة التفاعلات الدولية والإقليمية المعقدة في هذه المنطقة.

وأشار إلى أن المشهد في إقليم الساحل معقد، في ضوء عديد من التحديدات أبرزها: التراجع والانسحاب الفرنسي من مالي وبوركينافاسو وإفريقيا الوسطي، بخلاف تنامي التنافس الدولي في هذه المنطقة، خصوصًا التنافس الروسي الأوروبي وتحديدًا فرنسا.

 

استنساخ تجربة طالبان أفغانستان

الباحث المشارك بمركز الأهرام، لم يغفل دور التمدد الروسي خلال الفترة الأخيرة، على أكثر من صعيد عبر قوات فاغنر في مالي وبوركينا فاسو وإفريقيا الوسطي، وما تبعه من تنسيق سياسي بين موسكو وعدد من العواصم في منطقة الساحل وغربي إفريقيا، إلى جانب تعزيز العلاقات العسكرية وتوقيع مزيد من اتفاقيات التعاون العسكري لدول المنطقة.

وأشار إلى أن تلك كانت أسباب تصاعد الاضطرابات الأمنية والصراع بين الجماعات الإرهابية في المنطقة، إضافة إلى ضعف قدرات الجيوش الإفريقية، وتراجع الدعم الدولي لحكومات المنطقة، الذي يؤثر بالسلب في استراتيجيتها لمكافحة الإرهاب.

وبحسب عسكر، فإن هناك أسبابًا أخرى تتعلق بفكرة نجاح هذه التنظيمات في جذب عديد من المقاتلين الجدد، خاصة بين فئة الشباب، وإغرائهم بالمال وعديد من الميزات، في ظل أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية «السيئة» بدولهم، محذرًا من استنساخ تجربة طالبان أفغانستان.

 

إعادة انتشار

بدوره، قال الباحث المتخصص في الحركات الراديكالية والإرهابية باسل ترجمان، في تصريحات لـ«السياق»، إن داعش -كجماعة إرهابية- كان لها مرتكز عقائدي أساسي منذ نشأتها هو «تكفير كل من ليس مبايعًا لما تسمى دولة الخلافة والخليفة».

وأوضح ترجمان، أن داعش كان يشتبك ويدخل في صراع دموي مع كل الأطراف التي تتقاسم معه الأرض، حتى لو كانت ذات عقيدة متطرفة مثل "بوكو حرام" الموالية لـ«القاعدة»، في تكرار لما حدث بسوريا والعراق، إذ ذبح داعش وقتل مقاتلين في جبهة النصرة الإرهابية.

وأشار إلى أن الاشتباك جزء من عقيدة «داعش» التي تكفر كل من لم يبايع، ومن لم ينضم إلى دولة الخلافة المزعومة، محذرًا من أن هناك إعادة انتشار وتمدد لهذه الجماعات (بوكو حرام وداعش) بشكل مقلق وخطير بنيجيريا، ما يمثل أزمة كبيرة للبلد الإفريقي.

وحذر من أن انتقال ذلك إلى نوع من الصراع المسلح بين الجماعات الإرهابية في نيجيريا ودخول داعش على الخط، يعني أن هناك مخاطر تهدد الأمن والاستقرار في تلك المنطقة، قد تتسع في مراحل أخرى إلى ما بعد نيجيريا.

وأكد أن هذا الوضع يمثل تهديدًا وجوديا، لأن هناك عددًا كبيرًا من الإرهابيات والارهابيين، الذين انتشروا في ليبيا كانوا قد جاؤوا من نيجيريا، مضيفًا: الكل يذكرون كيف نجح داعش في تجنيد المئات من النيجيريين، ونقلهم إلى سرت عندما أقاموا فيها إحدى إماراتهم.

وحذر ترجمان من أن الصدام بين "بوكو حرام" و"داعش"، مؤشر خطير، كونه سيفتح الباب أمام زيادة قوة هذه الجماعات، خاصة أنه لا توجد قوى عسكرية منظمة يمكن أن تتصدى لها.

وأشار إلى أن هذا الصراع يكرس حالة الفراغ الأمني، ويفسح المجال أمام هذه الجماعات لتحقيق مكاسب على الأرض، مؤكدًا أن الصراع بين "بوكو حرام" و"داعش" قد ينتهي باتساع مساحات النفوذ لإعادة تسمية «الخلافة المكانية».

كما حذر من أن تتحول نيجيريا إلى «خزان بشري» يمد داعش بآلاف الإرهابيين والارهابيات، إذ سبق استخدام كثير من الإرهابيين النيجيريين في معارك خارج حدود البلاد.

وأشار إلى أن سيطرة "داعش" أو نجاحه في القضاء على "بوكو حرام" وسيطرته على الأرض في نيجيريا، ستكون له انعكاسات سلبية على الأمن والاستقرار في المنطقة.