نيويورك تايمز: العلاقة مع الصين تضع قادة أوروبا في مأزق  

الصين لا ترغب في شيء أكثر من فصل أوروبا عن الولايات المتحدة

نيويورك تايمز: العلاقة مع الصين تضع قادة أوروبا في مأزق   

ترجمات - السياق

بينما الخلاف على أشده بين القوتين العظميين، اتجهت أمريكا والصين إلى التنافس على الحلفاء، لدفعهم لاختيار أحد الجانبين، وليس الاصطفاف إلى كليهما.

من هؤلاء الحلفاء، القادة الأوروبيون الذين يحاولون التعامل وموازنة استراتيجيتهم تجاه الصين، إلا أن الولايات المتحدة كانت في الوقت نفسه، تكثف ضغوطها لاختيار أحد الجانبين، في الخلاف المتزايد بين القوتين العظميين.

فبينما ذهب المستشار الألماني أولاف شولتز في نوفمبر إلى الصين، واتجه شارل ميشيل من المجلس الأوروبي إلى بكين في ديسمبر الماضي، يزور رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز -هذا الأسبوع- الصين، ويتجه الأسبوع المقبل إليها -كذلك- رئيس فرنسا إيمانويل ماكرون مع رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين.

فورة النشاط الدبلوماسي الأوروبية تلك، تتزامن مع إعلان الصين «شراكة غير محدودة» مع روسيا، وجهود بكين المربكة للتوسط في الحرب بأوكرانيا، بحسب «نيويورك تايمز»، التي قالت إن قرب الصين المتزايد من موسكو وضع أوروبا في مأزق.

اصطفاف عميق

بينما جلبت الحرب في أوكرانيا اصطفافًا عميقًا بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، اللذين وقفا موحدين في مواجهة الغزو الروسي، كانت الصين من الناحية الأخرى تعد شريكًا تجاريًا واستثماريًا رئيسًا لا تستطيع القوى الأوروبية الكبرى، خاصة ألمانيا، تحمل تنفيرها.

في الوقت نفسه، فإن دول أوروبا الغربية مثل ألمانيا وفرنسا وإسبانيا، التي تدعم أوكرانيا، ترغب في التوصل إلى نتيجة دبلوماسية أسرع للحرب، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إن قادة تلك الدول يرون أن الصين قيد محتمل لضبط النفس على روسيا، وصوت يجب أن يستمع إليه فلاديمير بوتين رئيس روسيا، مشيرة إلى أنهم لا يزالون يأملون أن تلعب الصين، إن لم تكن وسيطًا محايدًا، دورًا مهمًا لضمان أي تسوية نهائية.

وقالت جانكا أورتيل، مديرة قسم آسيا بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في برلين: «من المثير للاهتمام أن نرى الذعر من الأوروبيين ونهجهم الوهمي قليلاً»، مشيرة إلى أن زعيم الصين شي جين بينغ، كان قد زار موسكو وأعاد تأكيد شراكته مع بوتين، ورغبتهما في إنشاء نظام عالمي جديد.

وأضافت: «الذهاب إلى بكين والقول... نذهب لجعل الصين تسهم في السلام يعد أمرًا غير عادي»، مشيرة إلى أن «على أوروبا تحذير الصين من العواقب الوخيمة إذا زودت روسيا بالمعدات العسكرية والذخيرة».

وبحسب أورتيل، فإن ما تحققه الزيارات إلى بكين بدلاً من ذلك، هو إرسال إشارة مهمة إلى واشنطن: «تخبر الأمريكيين بأننا نهتم بتلك العلاقة مع الصين».

بعض الزيارات الأخيرة والمقررة إلى بكين، يتصورها القادة الأوروبيون مركزة اقتصاديًا وتأجلت بسبب الوباء، لكن دفء العلاقة بين الرئيسين شي وبوتين، في خضم المواجهة بشأن أوكرانيا، حول موضوع المحادثة، واهتمام العالم.

فهم أفضل للعلاقات بين الصين وأمريكا

تتنافس الدولتان للتأثير في المسرح العالمي، وتتحاوران للحصول على مزايا على الأرض والاقتصاد والفضاء الإلكتروني.

وتقول «نيويورك تايمز»، إن هناك شكوكًا في الصين والولايات المتحدة، تقود سباق تسلح في المحيطين الهندي والهادئ، مع أصداء الحرب العالمية الثانية ومستويات جديدة من المخاطر، مشيرة إلى أن إدارة بايدن تريد من الشركة الصينية التي تمتلك «تيك توك» بيع التطبيق أو مواجهة حظر محتمل بسبب مخاوف من أنه يشكل خطرًا على الأمن القومي.

وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن الصين لا ترغب في شيء أكثر من فصل أوروبا عن الولايات المتحدة، مشيرة إلى أنها حريصة على تأكيد أن وضعًا أفضل لن يكون مفيدًا للأعمال التجارية فحسب، بل يفيد أيضًا سعي أوروبا من أجل «الاستقلال الاستراتيجي» والحفاظ على استقلالها في العمل، حتى من الولايات المتحدة.

وتقول «نيويورك تايمز»، إن واشنطن، تود أن يقف الأوروبيون إلى جانبها بقوة أكبر وتنحاز إلى العلاقة عبر الأطلسي المعززة حديثًا، التي وصفها دبلوماسيون أوروبيون بأنها أفضل ما كان عليه منذ عقود، لتشمل تحالفات أوضح ضد الصين.

وأشارت إلى أن الدول الأوروبية، التي لا ترى الصين منافسًا لها لكنها شريك تجاري مقلق بشكل متزايد، تفضل أن يتوقف الأمريكيون عن دفعهم إلى تبني موقف أكثر صرامة ضد بكين.

وقال دبلوماسيون إنه في اجتماعات مع السلطات الأمريكية، على سبيل المثال، وصف صُناع السياسة الأمريكيون التنسيق الوثيق للعقوبات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ضد روسيا، كمخطط لعقوبات مستقبلية محتملة ضد الصين، حال وجود تحرك عسكري ضد تايوان.

قلق أوروبي

الدبلوماسيون أكدوا أن هذا النوع من الكلام أثار قلق الحكومات الأوروبية، التي ترى أن مصالحها تخدم بشكل أفضل، من خلال عدم الانتقاء بين واشنطن وبكين، لا سيما في وقت مبكر جدًا، في ما أصبح مواجهة بين القوى العظمى.

في غضون ذلك، تجادل الحكومة الصينية بأن الولايات المتحدة ليست لديها مصالح أوروبا الفضلى في صميمها عندما يتعلق الأمر بأوكرانيا.

وتقول «نيويورك تايمز»، إنه في الشهر الماضي، على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن، انتقد وانج يي، رئيس السياسة الخارجية المعين حديثًا في الصين، الولايات المتحدة بشدة، وناشد الأوروبيين التصرف بمفردهم.

وأضاف: «نحن بحاجة إلى التفكير بهدوء، خاصة أصدقاءنا في أوروبا، بشأن الجهود التي ينبغي بذلها لوقف الحرب، والإطار الذي يجب أن يكون هناك لتحقيق سلام دائم في أوروبا، والدور الذي يجب أن تلعبه أوروبا لإظهار استقلاليتها الاستراتيجية».

وأشار إلى أن واشنطن تريد الحرب لإضعاف روسيا، مضيفًا: «قد لا ترغب بعض القوى في رؤية محادثات السلام تتحقق. إنهم لا يهتمون بحياة وموت الأوكرانيين أو الأذى الذي يلحق بأوروبا. قد تكون لديهم أهداف استراتيجية أكبر من أوكرانيا نفسها».

السلام العالمي

وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن الصين دخلت بهجوم متجدد في بروكسل، مع السفير المعين حديثًا فو كونغ، الذي تولى منصبه في ديسمبر الماضي، وتحدث بحرارة عن الصين والاتحاد الأوروبي كـ«قوتين رئيستين تدعمان السلام العالمي، وسوقين كبيرين يعززان التنمية المشتركة، وحضارتين عظيمتين تعززان التقدم البشري».

وتحاول الحكومة الصينية إحياء صفقة تجارية كبيرة مع بروكسل، الاتفاقية الشاملة للاستثمار التي اكتملت تقريبًا قبل خمس سنوات وأزعجت أمريكا، قبل أيام فقط من تولي الرئيس بايدن منصبه، ورغم تحذيرات فريقه بالانتظار، فإن الصفقة توقفت منذ ذلك الحين.

وقال رينهارد بوتيكوفر، أحد خمسة أعضاء في البرلمان الأوروبي عاقبتهم بكين لآرائهم الانتقادية للصين، بعد أن فرض البرلمان عقوبات على الصين بسبب المعاملة القاسية للأويغور، الأقلية المسلمة، إن إحياء الصفقة يبدو غير مرجح.

واتُهمت الصين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وهو ما تنفيه، ووضعت آلاف الأويغور في ما تسميها معسكرات إعادة التأهيل.

وقال دبلوماسيون من الاتحاد الأوروبي، إن فو اقترح -في اجتماعات خاصة- أن الصين قد ترفع هذه العقوبات من جانب واحد إذا تحركت بروكسل بعد ذلك لإكمال اتفاقية الاستثمار، لكن الإجماع بين المسؤولين على أن هذه الخطوة شبه مستحيلة.

وانتقدت دول أعضاء زيارات القادة الأوروبيين إلى بكين، مع رئيس وزراء لاتفيا، كريسجانيس كارينز، قائلة إنها سمحت للصين باتباع سياسة «فرق تسد».

لكن ماكرون دافع –الجمعة- عن رحلته مع فون دير لاين، قائلًا بعد قمة للاتحاد الأوروبي، إنه يود التنسيق مع الشركاء الأوروبيين، مضيفًا: «لدينا وجهة نظر أوروبية مشتركة لإشراك الصين إلى أقصى حد (...) الاتحاد الأوروبي يتحدث بصوت موحد».

ومع ذلك، فإن الصوت الموحد بشأن الصين غائب بشكل واضح، فمديرة مركز الدراسات الروسية الأوروبية الآسيوية في بروكسل تيريزا فالون، قالت إن الزيارات يغلب عليها الطابع الاقتصادي.

إلا أن الحكومة الصينية قد تستخدم تلك الزيارات لإظهار أن أوروبا تتجه نحو فكرة أن تكون بكين وسيطًا محتملاً في أوكرانيا، بحسب الصحيفة الأمريكية التي قالت إن أوروبا ترى أن مقترحات السلام الصينية الغامضة موالية لروسيا وليست أساسًا للمفاوضات، لكنها تعد الصين مهمة من الناحية الاقتصادية، لدرجة أن تأطير هذه الرحلات على أنها تجارة أقل من كونها تتعلق بالحرب، أحد أشكال «غسل السلام».