هل تتجه أمريكا والصين إلى صراع عسكري؟
يقول جلين هوبارد، المستشار الاقتصادي السابق لجورج دبليو بوش، إن الولايات المتحدة في وضع مالي صعب، نظرًا للإسراف في السنوات الأخيرة

ترجمات – السياق
من حادث البالون، مرورًا بأزمة تايوان وحرب أوكرانيا، إلى المنافسات الاقتصادية والنظام العالمي الجديد الذي بدأ يتشكل، مجالات عدة أدت إلى تفاقم التوترات بين الصين وأمريكا، وجعلت مصطلح الحرب بين القوتين العظميين يتردد كثيرًا، خلال الفترة الماضية.
إلا أن تلك التوترات أثارت أسئلة مهمة بدأ صداها يتردد: هل الصراع حتمي؟ هل يمكن أن يتجه البلدان إلى حرب؟ هل لدى الطرفين حوافز، لا سيما في المجال الاقتصادي، للتعاون أكثر مما يُفترض في كثير من الأحيان؟
للإجابة عن هذه الأسئلة المهمة، يجب النظر بتمعن إلى القضايا التي يحتدم التوتر فيها بين القوتين العظميين، التي كان آخرها حرب أوكرانيا، التي دخلت عامها الثاني، بينما لم تضع الولايات المتحدة استراتيجية ذات مصداقية لإنهائها.
وتقول صحيفة التايم الأمريكية، إن من مصلحة الولايات المتحدة والدول الأوروبية، إضعاف الجيش الروسي وإبعاده عن حدود "الناتو"، إلا أن هناك قوة عظمى (الصين) تحرز تقدمًا نحو روسيا، مشيرة إلى أنه إذا تحقق هدفها، سيكون الأكثر خطورة على الأمريكيين.
وبينما قالت إن على الكونغرس وضع تهديدات الأمن القومي الأكثر خطورة أولاً على الطاولة، أشارت إلى أن التركيز على أوكرانيا قوَّض قدرات أمريكا على معالجة الوضع العسكري المتدهور في آسيا، خاصة حول تايوان.
ويقول المدافعون عن الدعم غير المشروط لأوكرانيا، إن هذين الهدفين ليسا متعارضين، إلا أن الحقائق لا تؤكد ذلك، فبحسب الصحيفة الأمريكية، أرسلت الولايات المتحدة كميات هائلة من المعدات العسكرية، التي تستغرق سنوات لتجديدها إلى أوكرانيا، وأنفقت ما يقرب من 112 مليار دولار على المساعدات، مع استمرار نقص الاستثمار في المحيط الهادئ.
تهديدات خارجية
تشمل هذه المساعدات الأسلحة والتركيز على القاعدة الصناعية والأموال التي كان من الممكن أن تذهب إلى المسرح الأساسي، بحسب المجلة الأمريكية، التي قالت إن على أمريكا التركيز على الصين وردع الحرب على تايوان.
وأشارت إلى أن التهديد الخارجي الأكبر لأمريكا هو الصين، التي تمتلك عشرة أضعاف الحجم الاقتصادي لروسيا، وتتصدر العالم في التصنيع، وتسعى أولاً إلى الهيمنة على آسيا، التي أصبحت أكبر سوق في العالم، ومن هذا المنصب تتحكم في الاقتصاد العالمي، ما يمكنها من وضع نفسها في كل جزء من الحياة الأمريكية، وتقويض الوظائف، والحريات، والأمن، نهاية المطاف.
وأكدت الصحيفة الأمريكية، أن الصين تحرز تقدًما كبيرًا نحو هذا الهدف، فهي تقوم بحشد عسكري غير مسبوق تاريخيًا، لهزيمة الجيش الأمريكي، وفصل تحالفاتها في آسيا، التي تهدف إلى منع بكين من السيطرة على هذه المنطقة الحساسة.
وأشارت إلى أن المركز العسكري الأمريكي في آسيا يستمر في التدهور، مؤكدة أن القوات المسلحة الأمريكية (والقاعدة الصناعية لدعمها) قديمة جدًا، وغير جاهزة للهدف، وصغيرة جدًا لضمان قدرة الولايات المتحدة على هزيمة الصين، في حرب غربي المحيط الهادئ.
وفي الوقت الذي زادت فيه إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، الإنفاق المحلي بشكل كبير، فشلت في استثمار الموارد اللازمة لإصلاح التوازن العسكري المتدهور في آسيا، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إن الولايات المتحدة في وضع لا يمكنها فيه الاستمرار في الإنفاق والاقتراض، مع ارتفاع الدين القومي للولايات المتحدة، إلى أكثر من 31 تريليون دولار.
وضع صعب
وقال جلين هوبارد، المستشار الاقتصادي السابق لجورج دبليو بوش، إن الولايات المتحدة في وضع مالي صعب، نظرًا للإسراف في السنوات الأخيرة، مشيرًا إلى أنه لم يعد بإمكانها الاقتراض ببساطة، لتمويل أي زيادة دفاعية مطلوبة.
وأكد أنه من الضروري مواجهة ذلك، لأنه من غير المرجح أن تنتهي حرب أوكرانيا في وقت قريب، بينما تستعد روسيا لتعبئة سكانها للحرب، سواء في توسيع جيشها أم وضع اقتصادها على أساس الحرب، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة تحتاج إلى تركيز مواردها المحدودة، على التهديد الأكثر خطورة على أمريكا: الصين.
إلا أن ذلك لا يتطلب التخلي عن أوكرانيا، فالحل واضح للدول الأوروبية، خاصة ألمانيا، أن تصعد وتتولى زمام المبادرة في دفاعها التقليدي ودعم أوكرانيا.
وأكدت الصحيفة الأمريكية، أن الاقتصادات الأوروبية بإمكانها تقزيم روسيا إذا أرادت ذلك، مشيرة إلى أنه يمكنهم تحمل عبء أكبر للدفاع عن أنفسها ودعم أوكرانيا، لأن على الولايات المتحدة المساعدة، لكن في دور داعم يتوافق مع منح الأولوية لآسيا.
ومع ذلك، فإن إدارة بايدن وعديد أعضاء الكونغرس فعلوا العكس تمامًا: خنقوا أي تلميح لتحمل أوروبي للمسؤولية، من خلال التباهي بـ«القيادة الأمريكية»، فكانت النتائج متوقعة، متمثلة في أن ألمانيا، أكبر اقتصاد في أوروبا، بالكاد تتزحزح في حشدها العسكري، ولم تقدم سوى دعم ضئيل لكييف.
وأشارت إلى أنه لأول مرة في التاريخ الحديث، تواجه الولايات المتحدة قوة عظمى في الصين، ما يستدعي التصرف وفق ذلك، مؤكدة أنه مهما كانت قضية أوكرانيا عادلة ونبيلة، فإن الاستمرار في التركيز عليها، على حساب مواجهة الصين وردعها، ليس حكيمًا ولا أخلاقيًا ولا محافظًا.
صراع القوى العظمى
«وول ستريت جورنال» دقت -هي الأخرى- ناقوس الخطر، فاستبعدت أن تكون الولايات المتحدة مستعدة لعصر صراع «القوى العظمى»، مشيرة إلى أن الصراع مع الصين سيكون مختلفًا تمامًا.
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن الولايات المتحدة ستقاتل مع تعرض قواعدها وموانئها الآسيوية للهجوم، وستحتاج إلى دعم قواتها عبر طرق إمداد طويلة، يحتمل أن تكون معرضة للخطر.
وأشارت إلى أنه إذا أعطى الصراع مع الصين الثقة لروسيا لاتخاذ مزيد من الإجراءات في أوروبا الشرقية، ستحتاج الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى خوض حرب على جبهتين، فالصين وروسيا كلاهما قوة نووية، ما يجعل امتداد الحرب إلى القطب الشمالي واردًا، إلا أن أمريكا تتخلف عن روسيا في كاسحات الجليد والموانئ.
وبينما لا يزال الجيش الأمريكي أكثر قدرة من خصومه الرئيسين، فإن لدى الصينيين عقباتها الخاصة في تطوير القدرة على تنفيذ هجوم برمائي واسع النطاق، في حين كُشف عن نقاط ضعف الجيش الروسي في أوكرانيا.
كيف استعدت الصين للحرب مع أمريكا؟
الدفاع عن تايوان يتطلب القوات الأمريكية، المكلفة أيضًا بردع الصراع في أوروبا والشرق الأوسط، للعمل على مسافات شاسعة وفي نطاق قوة نيران الصين، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إن بكين غيرت -في السنوات الأخيرة- التضاريس الأمنية لصالحها، في المناطق المحيطة بالصين.
وفي بحر الصين الجنوبي، أقامت بكين جزرًا اصطناعية وحصنتها بمنشآت عسكرية، لتأكيد السيطرة على الممر المائي الاستراتيجي، وحرمان البحرية الأمريكية من حرية التجول.
وأشارت إلى أن عقودًا من الميزانيات العسكرية الأكبر من أي وقت مضى، بما في ذلك زيادة بنسبة 7% في الإنفاق هذا العام، أدت إلى تحسين القدرة الفتاكة للقوات الجوية الصينية والصواريخ والغواصات، كما أدى التدريب الأفضل إلى إنشاء قوة أكثر حداثة مما كان جيشًا للمجندين الريفيين.
ويقول البنتاغون إن الصين تطور أسلحة وقدرات أخرى لتدمير الأقمار الاصطناعية للخصم، ويمثل اختراقها الإلكتروني تهديدًا للبنية التحتية، بينما قالت وكالة المخابرات المركزية إن الرئيس شي جين بينغ حدد عام 2027 موعدًا نهائيًا للجيش الصيني ليكون جاهزًا لتنفيذ غزو تايوان، رغم أنها قالت إن شي والجيش يشككان في ما إذا كان بإمكان بكين فعل ذلك.
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن الصين ستسيطر على بحر الصين الجنوبي وتايوان على المياه، التي تمر عبرها تريليونات الدولارات من التجارة كل عام، مشيرة إلى أن من شأن ذلك السيطرة على إمدادات أشباه الموصلات المتقدمة، وتهديد أمن حلفاء الولايات المتحدة مثل اليابان وتحدي التفوق الأمريكي، في جزء من العالم سيطرت عليه منذ الحرب العالمية الثانية.
كيف رد البنتاغون؟
في إطار جهوده لمواجهة التحدي الجديد، وسع البنتاغون وصوله إلى قواعد في الفلبين واليابان مع تقليص الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط، بابتكار تكتيكات جديدة لتفريق القوات الأمريكية، وجعلها هدفًا أقل جذبًا للصواريخ الصينية المتزايدة القوة.
وعزز البنتاغون الميزانية السنوية للبحث والتطوير إلى 140 مليار دولار، وهو رقم قياسي، بينما يتابع الجيش تكنولوجيا متطورة يأمل أن تمكن الخدمات العسكرية من مشاركة بيانات الاستهداف على الفور، حتى تتمكن القوات الجوية والبرية والبحرية والفضائية الأمريكية، التي تعمل على مدى آلاف الأميال، من العمل بانسجام، وهو تحدٍ حقيقي.
إلا أن عديد أنظمة الأسلحة المتطورة التي يعتقد البنتاغون أنها ستجعل كفة ساحة المعركة تميل لصالحه، لن تكون جاهزة حتى عام 2030، ما يزيد خطر أن الصين قد تميل إلى التصرف، قبل أن تؤتي الجهود الأمريكية ثمارها.
على الجهة الأخرى، فإن الصراع غربي المحيط الهادئ قد يمنح الجيش الروسي، الذي تضرر بشدة في أوكرانيا، الثقة بتنفيذ أهداف الرئيس فلاديمير بوتين، لإحياء القوة الروسية في ما يعتقد أنه مجال نفوذها التقليدي، وسط وشرق أوروبا.
وقال إريك ويسلي، وهو ملازم متقاعد بالجيش كان نائب القائد العام لقيادة العقود الآجلة للجيش، التي تشرف على تحول تلك الخدمة: «هذه مشكلة كبيرة يجب الخروج منها. نحن في فترة ضعف حيث نلاحق قدرة الردع هذه ووقتهم ينفد».
وقال كريس ميجر، المتحدث باسم البنتاغون، إن وزير الدفاع لويد أوستن، كان يشرف -بشكل مباشر- على تنفيذ استراتيجية الدفاع الأمريكية لمواجهة الصين، مشيرًا إلى أن طلب الإنفاق المرتقب للوزارة سيعزز الجهود.
وفي إشارة إلى الصين، قال: «التحدي الذي تشكله حقيقي، لكن هذه الإدارة تتعامل معه بطرق تاريخية بإلحاح وثقة. أدت استراتيجيتنا إلى توجيه طلب ميزانية العام الماضي وتقود ميزانيتنا التي ستصدر قريبًا، والتي ستذهب إلى أبعد من ذلك في مطابقة الموارد مع استراتيجيتنا. نواصل عملنا في تطوير مفاهيم تشغيلية جديدة، ونشر القدرات المتطورة، وإجراء استثمارات وعلى المدى الطويل لمواجهة التحديات».
بكين قادرة على قلب الطاولة
ورأى الاستراتيجيون في مركز الأبحاث التابع للبنتاغون، أن هناك مشكلات في المستقبل، فباستخدام الصواريخ بعيدة المدى والأسلحة المضادة للأقمار الاصطناعية والحرب الإلكترونية، يمكن لبكين قلب الطاولة على واشنطن، من خلال مهاجمة القواعد والموانئ، التي اعتمدت عليها الولايات المتحدة غربي المحيط الهادئ لإبراز قوتها، ما قد يبقي الأمريكيين بعيدًا عن الصراع.
وخلص مسؤولو البنتاغون إلى أن السماح للصين بالاستيلاء على تايوان، على بعد 100 ميل فقط من البر الرئيس الصيني، ثم محاولة استعادتها، من شأنه أن يشرك الولايات المتحدة في معركة طويلة الأمد، وقد يدفع الصين إلى التصعيد نحو الأسلحة النووية.
واحتاجت الولايات المتحدة إلى إثبات قدرتها على منع بكين من الاستيلاء على الجزيرة في المقام الأول، وهو مطلب مدرج في استراتيجية الدفاع الوطني لإدارة بايدن الصادرة عام 2022.
وأظهرت مناورة حربية لهيئة الأركان المشتركة في البنتاغون، أن الولايات المتحدة يمكن أن تعرقل غزوًا صينيًا لتايوان، وتفرض حالة من الجمود، إذا خاض الصراع في وقت لاحق من هذا العقد، رغم وقوع خسائر كبيرة في الجانبين. وافترضت تلك المحاكاة أن الولايات المتحدة ستستفيد من أسلحة وتكتيكات وانتشار عسكري جديد، يجرى التخطيط له في البنتاغون.
وللتحضير للمستقبل، تخلص سلاح مشاة البحرية من دباباته ويعيد تشكيل نفسه، كقوة مشاة بحرية تهاجم السفن الصينية من الجزر الصغيرة غربي المحيط الهادئ، بينما من المقرر أن يتمركز فوج ساحلي بحري جديد، يعمل بالقرب من الشاطئ سيجهز بصواريخ مضادة للسفن، في أوكيناوا بحلول عام 2025.
وبتمرين في مايو 2021، سحب مشاة البحرية قاذفة صواريخ من طراز هيمارس تزن 30 ألف رطل، عبر بحر متقطع إلى شاطئ ألاسكا، وحملوها في طائرة نقل سي -130 ووجهوها إلى قاعدة في البرية، في تمرين كان الهدف منه التدرب على التكتيكات التي يستخدمها مشاة البحرية في الجزر غربي المحيط الهادئ ضد البحرية الصينية.
وطرحت القوات الجوية، التي تمتلك واحدة من أقدم وأصغر مخزون من الطائرات في تاريخها البالغ 75 عامًا، أول قاذفة B-21 وتسعى إلى إقران الطائرات الحربية الموجهة بأساطيل من الطائرات من دون طيار.